نجح فريق علمي يقوده خبراء من الجامعة الأميركية في بيروت في اكتشاف أسباب ظهور حشرة تهدد غابة الأرز في تنورين.
فمنذ نحو عشر سنين، بدأ سكان بلدة تنورين يلاحظون انتشار اللون البني على أشجار الأرز خلال شهر تموز (يوليو) من كل عام، وكأنها تعرضت للحريق. ثم تبيّن أنها تعاني من إصابة حشرية، ولوحظت اليرقات المسببة لها للمرة الأولى عام 1997. وتم تصنيف الحشرة الغازية رسمياً في العام التالي، وبمراقبة سلوكها تبيّن أنها تستوطن هذه الغابة منذ زمن بعيد ولم يلاحظها أحد سابقاً.
بعد استفحال انتشـار حشرة الأرز المنشارية (Cephalcia tannourinensis) هذه ويباس عدد كبير من أشجار أرز تنورين بين عامي 1999 و2003، انطلق مشروع ''الإدارة المتكاملة لغابات الأرز في لبنان'' في تموز (يوليو) 2004 بتمويل من برنامج الأمم المتحدة للبيئة. وتولّت الجامعة الأميركية في بيروت تنفيذ هذا المشروع بالتعاون مع وزارة البيئة ولجنة محمية أرز تنورين. وكان الهدف معرفة سبب ظهور الحشرة وحماية غابات الأرز من الآفات الضارة عبر تأمين إدارة متكاملة.
علاقتها بتغيّر المناخ
تظهر الحشرة الكاملة النمو بأعداد كبيرة خلال فصل الربيع. وتضع كل أنثى قرابة خمسين بيضة على براعم الأرز الجديدة. وعندما تتفتح البراعم يفقس البيض وتبدأ اليرقات بالتغذي على أوراق الأرز. تأكل كل يرقة نحو سبعة براعم ورقية قبل أن يكتمل نموها، وتبقى على الشجر قرابة شهرين، ثم تسقط الى الأرض حيث تختبئ في التربة على عمق يتراوح بين 15 و50 سنتيمتراً. هناك تتحول الى شرنقة، وتبقى تحت الأرض مدة تتراوح بين سنة وخمس سنوات حسب العوامل المناخية، لتعود وتظهر في الربيع حشرة كاملة النمو.
بيّنت التجارب في مختبرات الجامعة الأميركية أنه في حال وُضع عدد من اليرقات تحت التربة في حرارة 20 درجة مئوية، فإن نحو 70 في المئة منها تخرج من التراب خلال أقل من سنة وقد تحولت الى حشرة. أما إذا وُضعت اليرقات تحت التربة في حرارة 10 درجات مئوية، فإن نحو 60 في المئة منها تبقى مختبئة في حالة سبات لأكثر من سنة.
هذه النتيجة أظهرت أن الحشرات تتأثر بالحرارة في تكاثرها وظهورها. وعند الرجوع الى سجلات قياس درجات الحرارة في المنطقة بين 1994 و2001، وجد العلماء تزايداً واضحاً بلغ 2,5 درجة مئوية في بعض الأعوام، مما ضاعف أعداد السيفالسيا.
خطة المكافحة الشاملة
بعد التوصل الى هذه النتائج، أصبح واضحاً للمشرفين على الدراسة أن تغيّر المناخ هو سبب انتشار حشرة الأرز المنشارية. وقال أستاذ علوم النبات في الجامعة الأميركية ومساعد مدير المشروع الدكتور نبيل نمر: ''ما حصل كان نتيجة مباشرة للتغيرات المناخية والاحتباس الحراري''.
أكبّ الباحثون في الجامعة على دراسة هذه الظاهرة بالتعاون مع خبراء أوروبيين. فنُظمت ورشات عمل خاصة بالإدارة المستدامة لغابة أرز تنورين، ضمّت خبراء دوليين. وتم رش الغابة من الجو بمبيدات طبيعية تعيق نظام نمو الحشرة المستهدفة. ووضعت آليات لمراقبتها وتعدادها دورياً باستخدام الفيرومون، وهي مادة طبيعية ذات رائحة جاذبة جنسياً، لاجتذابها إلى أفخاخ ومعرفة نسبة تكاثرها. كما تلحظ الخطة دراسة ومراقبة عدوّين طبيعيين للسيفالسيا في لبنان، وهما نمل ''بونيريني'' (Ponerinae) الذي يأكل بيض الحشرة وفطر ''بوفيريا'' (Boveria) الذي يسممها في الأرض.
وقال الدكتور نبيل نمر لـ ''البيئة والتنمية'' إن خطة المكافحة الشاملة أدت إلى القضاء على هذه الآفة بنسبة 80 في المئة، وقد عادت أعداد الحشرات في غابة أرز تنورين الى مستواها الطبيعي.
|