من المعروف عموماً ان تغير المناخ يشكل تحدياً، لكن يمكن تحويله الى فرصة للانتقال الى طرق تنمية وأنماط انتاج جديدة ومستدامة. ومن المعروف أيضاً ان هذا الانتقال يتطلب تغييرات أساسية في نظمنا الاقتصادية ونظمنا الخاصة بالحكمية السياسية، لكن الاشارات الايجابية الأولى واضحة والتوعية تكسب زخماً بين صانعي القرار سواء في الحكومات أو في القطاع الخاص، لهدف مشترك هو حشد الموارد المالية من أجل التنمية واستعمال أفضل التكنولوجيات المتاحة.
الحكومات لن تستطيع وحدها التصدي للتحدي الذي يفرضه تغير المناخ، ذلك ان أي فرصة كبرى لعكس اتجاه الأنماط الضارة التي يسببها تتطلب وضعاً يكون فيه قطاع الأعمال مقتنعاً بأن كلفة التخفيف والتكيف هي أقل من كلفة الامتناع عن القيام بعمل. وهذا يمكن تحقيقه من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص يمكنها الاستفادة من الفرص المالية المتاحة في نظام الحكمية البيئية العالمي.
من الممكن بلوغ وضع قد يؤدي فيه التخفيف والتكيف الى كسب مال أكثر مما ينفق. هذا الوضع يتطلب تغييرات صارمة في نظم التشريع والحكمية على المستويات الوطنية، فضلاً عن تنفيذ المبادئ الحقيقية للعولمة من حيث رفع الحواجز عن التكنولوجيات التي تحد من تغيّر المناخ ودعم نقل التكنولوجيا من العالم المتقدم الى العالم النامي.
في كل ناحية من العالم، هناك اتجاه الى مزيد من العمل المتعمد والفعال حيال تغير المناخ. وهناك بعض المبادرات بهذا الخصوص من العالم العربي ومن الأردن على المستويين السياسي والتكنولوجي.
الدورة التاسعة عشرة لمجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة، التي عقدت في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة في كانون الأول (ديسمبر) 2007، شهدت موافقة جميع البلدان العربية على المبادئ الآتية:
1. ادخال السياسات التي تعالج قضايا تغير المناخ في جميع القطاعات ضمن السياسات الوطنية والاقليمية الخاصة بالتنمية المستدامة.
2. تبني خطط عمل وطنية واقليمية تعالج قضايا تغير المناخ، من أجل تقييم التأثيرات المحتملة ووضع برامج للتخفيف والتكيف.
3. برامج تخفيفية تركز على انتاج واستعمال مشتقات وقود أنظف، وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة في جميع القطاعات، وتوسيع استعمال تقنيات الانتاج الأنظف والتكنولوجيات الصديقة للبيئة، واعتماد حوافز اقتصادية لتشجيع المنتجات الأكثر كفاءة.
4. التكيف مع اجراءات تتصدى لتغير المناخ يجب ان يكون متماشياً تماماً مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بطريقة تحقق نمواً اقتصادياً مستداماً واستئصالاً للفقر.
5. برامج التكيف يجب أن تركز بنوع خاص على تأمين البنية التحتية الضرورية للتقليل من المخاطر المحتملة.
لقد كان العالم العربي ناشطاً في اعتماد وتطوير تكنولوجيات جديدة لخفض انبعاثات غازات الدفيئة في السنوات القليلة الماضية، مثل بدء العمل في أول مدينة محايدة كربونياً وخالية من النفايات في أبوظبي. هذه المدينة سوف تستهلك كهرباء أقل بنسبة 75 في المئة وأقل من نصف كمية الماء التي تستهلكها المدن العادية، ما يوفر نفقات نفطية بقيمة بليوني دولار خلال 25 سنة.
ومن المبادرات الرائدة التزام 120 من أكبر الشركات العربية بالعمل على خفض استهلاك المياه والطاقة في عملياتها بمعدل 20 في المئة مع حلول سنة 2012. وقد جاء هذا في الاعلان الصادر عن قمة رجال الأعمال العرب حول المسؤولية البيئية، التي نظمها المنتدى العربي للبيئة والتنمية في أبوظبي في نهاية 2007. وقد تبنى مجلس وزراء البيئة العرب هذا التعهد ودعا إلى دعم تنفيذه.
في الاجتماع الأخير لوزراء منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) في الرياض، قررت أربعة بلدان خليجية اقامة صندوق للأبحاث المتعلقة بتغير المناخ رصيده 750 مليون دولار. ويهدف الصندوق الى دعم تكنولوجيات بترولية أنظف وأكثر كفاءة لحماية البيئة المحلية والاقليمية والعالمية، والتشجيع على تطوير تكنولوجيات مثل احتجاز الكربون وتخزينه. سوف يشجع الصندوق أيضاً على نقل تكنولوجيات صديقة للبيئة من البلدان المتقدمة الى البلدان الاثني عشر الأعضاء في أوبك، اضافة الى بلدان نامية أخرى. وفي بلدان عربية أخرى تحقق تقدم تكنولوجي وسياسي كبير في تطوير خيار طاقة الرياح والطاقة الشمسية كمصدر مستدام للطاقة في المستقبل.
الأردن: ضرورة اقتصادية والتزام بيئي
يعتبر الأردن من البلدان التي تساهم بحد أدنى في انبعاثات غازات الدفيئة، لكنه يتعرض الى حد كبير لتأثيراتها، من خلال حالات الجفاف المتوقعة والتي تشهدها البلاد فعلاً، وانخفاض تساقط الأمطار وتراجع الانتاجية الزراعية. وقد اتخذ الأردن كثيراً من الخيارات خلال السنوات الثلاث الماضية لتنويع موارده الطاقوية وزيادة حصته من الطاقة المتجددة في انتاج الطاقة الابتدائية. ومهدت السبيل لهذه المقاربة ضرورة اقتصادية والتزام بيئي.
يعمل الأردن على تطوير العائدات البيئية المرتفعة ضمن آلية التنمية النظيفة (CDM). فقد تم تطوير مشاريع عدة تتعلق بهذه الآلية بهدف خفض 3,5 ملايين طن من الكربون سنوياً خلال السنوات الخمس المقبلة. وعلى رغم ان الأردن يساهم بنحو 0,1 في المئة من الانبعاثات الكربونية العالمية، فهو يحافظ على التزام قوي بالاهداف التي وضعها المجتمع الدولي. وجهودنا لا تهدف فقط الى تعزيز التنمية المستدامة على المستويات المحلية والاقليمية والعالمية، وانما أيضاً الى مساعدة البلدان المدرجة في الملحق 1 على الوفاء بالتزاماتها التخفيفية. وسيناريوهات المناخ العالمي التي وضعتها اللجنة الحكومية الدولية لتغير المناخ (IPCC) أشارت أيضاً الى ان الأردن والشرق الأوسط سيعانيان من انخفاض في الانتاجية الزراعية وتوافر المياه، اضافة الى تأثيرات سلبية أخرى. ومن خلال تخصيص 15 في المئة من حصيلة كل مشروع معتمد يتعلق بآلية التنمية النظيفة للصندوق البيئي الأردني، يضمن الأردن توسيع التأثير من خلال اشراك قطاعات أخرى في دورة الاستدامة.
ان البيئة جزء لا يتجزأ من عملية الاصلاح الشاملة في الأردن. وكجزء من هذه العملية، تقوم المملكة الأردنية الهاشمية بتطوير واصلاح الاطارين القانوني والمؤسساتي للإمتثال البيئي من خلال نظام يجمع بين الحوافز الجذابة والتنفيذ الفعال للقوانين. وفي خطوة ملحوظة نحو تعزيز تنفيذ القوانين البيئية، أطلق الأردن معهد الحراس البيئيين في حزيران (يونيو) 2006 بهدف جمع كل الجهود المتعلقة بتنفيذ القوانين تحت هيئة مؤهلة واحدة.
في صلب أجندة الأردن البيئية تكمن قضية الطاقة التي تعتبر تحدياً وفرصة. ويجتاز الأردن حالياً تحولاً كبيراً من حيث سياسة الطاقة ورسم خططها. وأدى تزايد أسعار النفط وتنامي ادراك الحاجة الحيوية لتطوير خيارات طاقوية خضراء الى جعل الأردن يحدّث استراتيجيته الطاقوية الوطنية 2008 ـ 2020. وقد اقترحت الاستراتيجية مجموعة من الابتكارات التشريعية والادارية والتكنولوجية التي تهدف الى توجيه البلاد نحو مزيد من الموارد الطاقوية الموثوقة والمستدامة والصديقة للبيئة، وزيادة حصة الموارد الطاقوية المتجددة من نحو 1 في المئة حالياً الى 10 في المئة بحلول سنة 2020.
هذا التحول يحتاج الى استثمارات رأسمالية ونقل التكنولوجيا وتطوير موارد بشرية لانتاج قاعدة صلبة للحفاظ على التغيير الايجابي وتعزيزه. وتشتمل الاستراتيجية على توصيات أخرى تتعلق بالحفاظ على الطاقة ومنح اعفاءات للسيارات المقتصدة بالطاقة، واعفاءات ضريبية لسخانات المياه التي تعمل بالطاقة الشمسية، وتكنولوجيات أخرى مقتصدة بالطاقة تتعلق بالطاقة المتجددة، وتنفيذ أنظمة البناء التي تحافظ على الطاقة واستحداث مكافأة وطنية لترشيد استهلاك الطاقة. وتقوم الحكومة الأردنية أيضاً بتأسيس صندوق للطاقة الجديدة بغية دعم تطوير البنية التحتية للمرافق الخاصة بالطاقة المتجددة وتعزيز كفاءة الطاقة بشراكات قوية بين القطاعين العام والخاص ومبادرات القطاع الخاص.
هناك أمثلة كثيرة على مبادرات خلاقة لتأمين التمويل لأعمال تتعلق بتغير المناخ. ويشمل هذا مئات الأمثلة المثبتة التي تم استحداثها وتطويرها في أوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية متنوعة أسفرت جميعاً عن هدف مشترك هو حشد الموارد واشراك جهات معنية متعددة في كفاحنا المشترك ضد تهديد يؤثر على غالبية كبيرة من السكان، خصوصاً الشعوب الأكثر تأثراً في البلدان النامية. هناك كثير من قصص النجاح، وقد كانت الارادة السياسية واضحة في بالي. لكن علينا اتخاذ اجراءات عاجلة ومن دون تأخير.
المهندس خالد إيراني وزير البيئة في الأردن. والنص المنشور هنا يستند إلى المداخلة التي قدمها في اجتماعات المجلس الوزاري البيئي العالمي الذي عقد في موناكو في شباط(فبراير) 2008.