يسعى رجال أعمال رياديون، ومنظمات أهلية، وحكومات، الى تطوير اقتصاد عالمي مستدام. فالمشاكل البيئية، التي كان ينظر إليها على أنها عديمة الصلة بالنشاط الاقتصادي، تعيد اليوم صياغة قواعد العمل للمستثمرين والمستهلكين، ما يؤثر في تدفقات رأسمالية تزيد على 100 بليون دولار سنوياً. وبحسب تقرير ''حالة العالم 2008: ابتكارات لاقتصاد مستدام''، الصادر عن معهد ''وورلد واتش'' للأبحاث البيئية في واشنطن، فقد تم استثمار نحو 52 بليون دولار في الطاقة المتجددة عام 2006، بزيادة 33 في المئة عن عام 2005، وصولاً الى نحو 66 بليون دولار عام 2007. وازدادت تجارة انبعاثات الكربون بخطى حثيثة نحو 30 بليون دولار عام 2006، لتسجل ثلاثة أضعاف الكمية التي تم تداولها عام 2005.
وأعلنت بعض الشركات الأكثر نفوذاً في الاقتصاد العالمي عن مبادرات بيئية رائدة خلال السنتين الماضيتين، وهي تحشد قوتها السياسية حيثما يوجد رأسمالها الاستثماري. وثمة 27 شركة كبرى، منها ''داو كيميكل'' و''ديوك إنرجي'' و''جنرال موتورز'' و''زيروكس''، تحضّ الكونغرس الأميركي على اقرار تشريع ينظم انبعاثات غازات الدفيئة، وهو أمر لم يكن وارداً قبل سنتين.
وتحدث شركات مبدعة أخرى ثورة في انتاجها الصناعي لمواجهة التحديات البيئية، فيما تثبت أيضاً أنها توفر المال. فشركة ''دوبون'' العملاقة للكيميائيات، مثلاً، خفضت انبعاثاتها من غازات الدفيئة بحلول عام 2007 بنسبة 72 في المئة عن مستويات 1991، موفرة ثلاثة بلايين دولار في هذه العملية.
ومن العلامات الأخرى على حدوث تغيير كبير وجود 575 صندوقاً لدعم البيئة والطاقة، غالبيتها تأسست خلال السنوات القليلة الماضية. ونمت ''التكنولوجيا النظيفة'' بسرعة لتصبح ثالث أكبر متلقّ لرؤوس أمـوال المشاريـع، بعد الانترنت والتكنولوجيا الحيوية. وقد أقرّ 54 مصرفاً، تمثل 85 في المئة من القدرة التمويلية العالمية للمشاريع الخاصة، ''مبادئ خط الاستواء'' (Equator Principles) وهي مقياس دولي جديد للاستثمار في الاستدامة.
وجدت دراستان رئيسيتان لنماذج اقتصادية أن الضرر الناتج عن تغير المناخ قد يعادل 8 في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي مع نهاية هذا القرن. وتشير بيانات البنك الدولي الى تراجع ثروة 39 بلداً بنسبة 5 في المئة أو أكثر، لدى احتساب عوامل مثل الاستغلال غير المستدام للغابات واستنزاف الموارد غير المتجددة والضرر الناتج من الانبعاثات الكربونية. وتراجعت ثروة 10 بلدان ما بين 25 و60 في المئة.
ثمة أدلة متنامية على أن الاقتصاد العالمي يدمر قاعدته الايكولوجية. ولتجنب انهيار اقتصادي على المستوى العالمي، ينبغي إجراء إصلاحات رئيسية للسياسات الحكومية من أجل توجيه الاستثمار بعيداً عن نشاطات مدمرة، ونحو جيل جديد من الصناعات المستدامة بيئياً. ومن التوصيات الرئيسية جعل الأسعار تعكس الحقيقة الاقتصادية من خلال خفض الدعم الحكومي واعتماد ضرائب بيئية. كما يجب اجراء تقدير وتقييم كاملين للخدمات التي تقدمها الطبيعة مجاناً الى الاقتصاد البشري، علماً أن ثمة جهوداً متعددة لاستحداث أسواق تحمي التنوع البيولوجي. وقد أظهرت دراسة حديثة وجود ''برامج محاسبة خضراء'' في 50 بلداً على الأقل، فيما يخطط 20 بلداً آخر لاعتماد هذه البرامج.
تكنولوجيات بيئية ناشئة
سياسات التبذير في الطاقة والافراط في استهلاك الموارد، ونقص الامدادات المائية، وتغير المناخ العالمي، وزوال الغابات، هي من القضايا التي يجب التصدي لها كي يعيش البشر حياة مستدامة على الأرض. ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، يقدر أن يعاني 2,9 بليون شخص اضافي من تقلص الامدادات المائية بحلول سنة 2025، وأن ترتفع احتياجات العالم من الطاقة بنسبة 60 في المئة بحلول سنة 2030. هنا تكنولوجيات ناشئة تساعد في جعل المستقبل أكثر اشراقاً.
صنع النفط من أي شيء تقريباً: أي نفايات أساسها الكربون ـ من أحشاء الدجاج الى الاطارات المستعملة ـ يمكن تحويلها الى ''نفط'' بتـعريـضـها للحـرارة والضغـط الكافيين، وذلك من خلال عملية تدعى ازالـة التبـلمـر الحراريـة (thermo-depolymerization). هذه التكنولوجيا شبيهة جداً بالطريقة التي تنتج بها الطبيعة النفط، لكنها تسرّع العملية ملايين السنين للوصول الى المنتج ذاته. ويدعي مؤيدوها أن طناً من فضلات الدجاج مثلاً تعطي نحو 270 كيلوغراماً من النفط.
تحلية المياه: النقص في الامدادات المائية سيؤثر على بلايين الناس بحلول منتصف هذا القرن، بحسب تقديرات الأمم المتحدة. والتحلية، خصوصاً ازالة الملح والمعادن من مياه البحر، طريقة لتوفير مياه الشفة في أجزاء من العالم حيث الامدادات المائية محدودة. لكن هذه التكنولوجيا مكلفة وتستهلك كثيراً من الطاقة. ويعمل العلماء على تحسين عمليات التحلية، بحيث يمكن استعمال أنواع أنظف وأرخص من الوقود لتسخين المياه وتبخيرها قبل تمريرها عبر أغشية تتخللها مسام دقيقة لزيادة الكفاءة.
طاقة الهيدروجين: تروّج خلايا وقود الهيدروجين (hydrogen fuel cells) كبديل خال من التلوث للوقود الاحفوري. وهي تنتج الماء بدمج الهيدروجين والأوكسيجين، وتولد الطاقة في هذه العملية. ولكن من الضروري معالجة جزيئات مثل الماء والكحول لاستخراج الهيدروجين اللازم لتغذية خلية الوقود، ويتطلب بعض هذه العمليات استعمال مصادر طاقة ''غير نظيفة'' تقوّض منافع هذا الوقود ''النظيف''. وقد ابتكر العلماء مؤخراً طرقاً لتشغيل الكومبيوترات المحمولة وأجهزة صغيرة بواسطة خلايا الوقود. وثمة آمال باستخدام الطاقة الشمسية لاستخراج الهيدروجين من الماء. وتعهدت شركات سيارات أن تسوق قريباً طرازات تعمل بخلايا الوقود الهيدروجيني ولا تنفث إلا ماء نظيفاً. لكن الوعد بقيام ''اقتصاد هيدروجيني'' صعب المنال.
أفكار جديدة ''مشمسة'': طاقة الشمس، التي تصطدم بالأرض في شكل فوتونات، يمكن تحويلها الى كهرباء أو حرارة. وتأتي اللاقطات الشمسية بأشكال مختلفة وكثيرة، وتستعملها شركات الطاقة وأصحاب المنازل. النوعان المعروفان على نطاق واسع هما الخلايا الشمسية واللاقطات الحرارية الشمسية. ويعمل الباحثون على تطويرهما ليصبحا قادرين على تحويل الطاقة الشمسية بمزيد من الكفاءة، من خلال تركيزها باستعمال مرايا وأطباق. لكن التحدي الذي يفرضه استخدام الطاقة الشمسية يتطلب دفعاً وحوافز من الحكومات أو السلطات المحلية. على سبيل المثال، اعتمدت ولاية كاليفورنيا الأميركية برنامجاً شاملاً يوفر حوافز لتطوير الطاقة الشمسية. وفي الامارات العربية المتحدة، أطلقت حكومة أبوظبي مبادرة ''مصدر'' لأبحاث الطاقة المتجددة وتطوير تكنولوجياتها واستخدامها.
تحويل الطاقة الحرارية للمحيطات: أكبر لاقطة شمسية على الأرض هي كتلة المحيطات. وقدرت وزارة الطاقة الأميركية أن المحيطات تمتص كل يوم حرارة من الشمس تعادل الطاقة الحرارية التي يحويها 250 بليون برميل من النفط. وثمة تكنولوجيات لتحويل الطاقة الحرارية للمحيطات الى كهرباء، باستعمال فارق درجات الحرارة بين سطح الماء الساخن وقاع المحيط البارد. هذا الفارق الحراري يمكن أن يشغل توربينات باستطاعتها تدوير مولدات. والقصور الرئيسي لهذه التكنولوجيا هو أنها ما زالت لا تتمتع بكفاءة كافية تؤهلها للاستعمال كآلية رئيسية لتوليد الطاقة.
تسخير الأمواج وحركة المد والجزر: تغطي المحيطات أكثر من 70 في المئة من سطح الأرض. وتحوي الأمواج وفرة من الطاقة التي يمكن توجيهها الى توربينات تحول هذه الطاقة الميكانيكية الى كهرباء. والعقبة التي تحول دون استعمال مصدر الطاقة هذا على نطاق واسع هي صعوبة تسخيره، فالأمواج تكون أحياناً أصغر من أن تولد طاقة كافية. و''الحيلة'' هي التمكن من اختزان الطاقة عندما تتولد. وسوف يكون نهر ايست ريفر في مدينة نيويورك حقل تجارب لستة توربينات تدار بحركة المد والجزر، كما أن مشروعاً في البرتغال لتسخير الأمواج يتوقع أن ينتج طاقة كافية لنحو 1500 منزل.
ازرع سطح منزلك: ما يثير العجب أن هذا المفهوم، الذي استوحي من حدائق بابل المعلقة، إحدى عجائب الدنيا السبع، لم يلق اهتماماً أبكر في العالم الحديث. تقول الحكاية إن السطوح والشرفات وساحات القصر الملكي في بابل تم تحويلها الى حدائق بأمر من الملك لادخال البهجة الى نفوس زوجاته. حدائق السطوح تساعد على امتصاص الحرارة، واحتجاز ثاني اوكسيد الكربون واطلاق الأوكسيجين، وامتصاص مياه الأمطار، وتقليل الحاجة الى استعمال المكيفات صيفاً. ويمكن لهذه التقنية أن تخفف من ظاهرة ''الجزيرة الحرارية'' التي تحدث في المراكز المدينية.
لندع النباتات والجراثيم تنظف وراءنا: المعالجة البيولوجية تستخدم الجراثيم والنباتات لتنظيف التلوث. ومن الأمثلة على ذلك تنظيف مياه ملوثة من النيترات بمساعدة الجراثيم، واستعمال النباتات لامتصاص الزرنيخ من تربة ملوثة. ويمكن غالباً استعمال أنواع نباتية متوطنة لتنظيف المواقع، خصوصاً أنها لا تحتاج في معظم الحالات الى مبيدات أو ري. كما يحاول علماء أن يعدلوا النباتات وراثياً لامتصاص الملوثات بجذورها ونقلها الى أوراقها ليسهل حصادها.
دفن الكربون: ثاني أوكسيد الكربون هو أكثر غازات الدفيئة تسبباً في الاحترار العالمي. ويقول خبراء انه يستحيل الحد من انبعاثه في الغلاف الجوي ولذا يبحثون عن وسائل للتخلص منه. احدى الطرق المقترحة هي حقنه في الأرض قبل أن يبلغ الغلاف الجوي، فبعد فرزه من غازات منبعثة اخرى يمكن دفنه في آبار نفط مهجورة وفي خزانات مياه مالحة وحتى في الصخور. لكن العلماء ليسوا متأكدين مما اذا كان الغاز المحقون سيبقى تحت الأرض، وما هي تأثيراته على المدى البعيد. كما أن تكاليف عزله ودفنه لا تزال مرتفعة الى حد لا يمكن من اعتبار هذه التكنولوجيا حلاً عملياً للمدى القريب.
استعمال الورق عادة قديمة: تخيل أنك ترقد على أريكة متصفحاً جريدة الصباح، ومن ثم تستعمل الصفحة ذاتها لقراءة كتاب جديد. هذه إحدى امكانات ''الورق الالكتروني'' الذي يشبه الى حد بعيد الورق الحقيقي لكن يمكن اعادة استعماله مرات ومرات. تحتوي الصفحة على كبسولات ممتلئة بجزيئات تحمل شحنات كهربائية مرتبطة بصفيحة فولاذية رقيقة. ولكل كبسولة ميكروسكوبية جزيئات بيضاء وسوداء مقترنة بشحنة موجبة أو سالبة. واعتماداً على الشحنة المستعملة، تطفو الجزيئات السوداء أو البيضاء الى السطح لتعرض أنماطاً مختلفة.
10 مبادرات خضراء عام 2007
اختارت مجلة ''تايم'' الأميركية عشر مبادرات اعتبرتها الأبرز عالمياً في 2007 لحماية البيئة واستمرار الحياة على الأرض. هنا موجز عنها:
1. اللجنة الحكومية الدولية لتغير المناخ (IPCC):
تأسست هذه الشبكة التي تضم ألوف العلماء الدوليين في أواخر الثمانينات، لكنها لم تسجل علامة فارقة الا عام 2007، حين حققت إجماعاً علمياً حول تغير المناخ. ففي تقريرها التقييمي الرابع، أوردت الحجة المقنعة بأن الاحترار العالمي حقيقة، وأن البشر هم سببه الرئيسي. كما بينت بالتفصيل النتائج المحتملة للاحترار غير المنضبط، وأنتجت ''خريطة طريق'' لأنواع التغييرات الاقتصادية والتكنولوجية اللازمة لاجتناب ''سيناريوهات أسوأ الأحوال''. وتقاسمت اللجنة جائزة نوبل للسلام لسنة 2007 مع نائب الرئيس الأميركي السابق آل غور.
2. الشراكة الأميركية للعمل من أجل المناخ (USCAP) الافتقار التام في الولايات المتحدة الى العمل على نطاق اتحادي حيال تغير المناخ خيَّب الآمال، لكنه أبقى الباب مفتوحاً لمبادرات في قطاعات أخرى. ومن أفضل هذه المبادرات ''شراكة العمل من أجل المناخ''، التي انطلقت في كانون الثاني (يناير) 2007 وجمعت شركات كبرى مثل ''جنرال موتورز'' و''جنرال إلكتريك'' مع جماعات بيئية عمل معاً للضغط على الحكومة الأميركية كي تفعل شيئاً غير معتاد: تشديد القوانين. وطالبت بتخفيضات إلزامية للانبعاثات الكربونية بنسبة 60 الى 80 في المئة بحلول سنة 2050، وبسوق موحدة للكربون في أنحاء البلاد.
3. سلسلة الامداد الأخضر: في عصر التجمعات الدولية للشركات الكبرى، قد تكون لقطاع الأعمال قدرة على إحداث تغيير أعمق مما تفعله أي حكومة بمفردها. فشركة متاجر كبرى مثل ''وول ـ مارت''، تبلغ قيمتها 180 بليون دولار ولها علاقات مع عشرات آلاف الشركات الصغرى حول العالم، تستطيع بنفوذها أن تضغط على مورديها من أجل مراعاة البيئة، وهذا ما فعلته في العام الماضي. وتلا مبادرتها، في تشرين الأول (أكتوبر) 2007، اطلاق التحالف القيادي لسلاسل الامدادات Supply Chain Leadership Coalition الذي يضم بعض أكبر الشركات في العالم، بما فيها ''بروكتر أند غامبل'' و''يونيليفر''، التي تضامنت لدفع الموردين الى الابلاغ عن انبعاثاتهم من غازات الدفيئة وليكونوا أكثر انفتاحاً بشأن جهودهم في مكافحة تغير المناخ.
4. اجتناب زوال الغابات: الغابات، خصوصاً غابات المطر الاستوائية، هي بنوك حيوية للكربون. وعندما تقطع أشجارها ينطلق الكربون الى الغلاف الجوي. كل يوم يزول ما لا يقل عن 320 كيلومتراً مربعاً من الغابات عن وجه الأرض، ويقدر أن زوالها مسؤول عن نحو 20 في المئة من الانبعاثات الكربونية العالمية. واحدى طرق ابطاء هذا الزوال أن تقوم الدول الغنية بتعويض الدول الفقيرة عن العناية بأشجارها. لكن هذه ''الصفقات'' لتجنب ازالة الغابات لم يكن معترفاً بها في بروتوكول كيوتو. ويبدو أن ذلك يوشك أن يتغير. ففي حزيران (يونيو) 2007، بدأ البنك الدولي بجمع 250 مليون دولار من أجل صندوق تجريبي لمشاريع اجتناب ازالة الغابات. وبعد إجراء مزيد من المحادثات في قمة المناخ التي عقدتها الأمم المتحدة أواخر 2007 في اندونيسيا، ثالث أكبر نافث للكربون في العالم ''بفضل'' السرعة التي تبيد بها أشجارها، لقيت هذه الفكرة دعماً إضافياً.
5. وظائف خضراء: غالبية الأميركيين لن يلتفتوا الى تغير المناخ حتى يؤثر في أمر يهمهم: الاقتصاد. ويتحجج مناوئو العمل لمكافحة الاحترار العالمي بأن محاولة الحد من تغير المناخ برفع أسعار الطاقة الناتجة عن الوقود الاحفوري من شأنها أن تضر بالاقتصاد وتفقد الأميركيين وظائفهم. لكن التحول بذكاء الى تكنولوجيا أنظف يخلق فئة جديدة من فرص العمل: وظائف الياقات الخضراء. فمن جعل الأبنية أكثر اخضراراً، الى تركيب لاقطات شمسية، الى العمل في الزراعة العضوية، من شأن الحفاظ على البيئة أن يخلق نحو 6,3 ملايين وظيفة في الولايات المتحدة وحدها بحلول سنة 2015، وفق شركة ''خدمات المعلومات الادارية''.
6. E-Flex: سيارة المستقبل سوف تعمل بالهيدروجين. لا، بل بالايثانول. لا، بالبطاريات الكهربائية. السيارة هي الآن على مفترق طرق، ولا أحد يعلم تماماً أي تكنولوجيا نظيفة ستعقب محرك البنزين. وهذا ما جعل نظام E-Flex لشركة ''جنرال موتورز'' ذكياً. فسيارتها الكهربائية ''شفروليه فولت''، التي أطلقتها عام 2007، يمكن تكييفها بحيث تسير بواسطة بطارية كهربائية، أو خلية وقود هيدروجيني، أو الايثانول، أو البنزين العادي. وهذا يمنح ''جنرال موتورز'' مرونة التكيف مع تكنولوجيا المستقبل.
7. توصيل سيارات الهايبريد بمقبس كهربائي:
لا يمكنك أن تنتظر شركة ''تويوتا'' حتى تسوّق سيارة هايبريد تقطع 40 كيلومتراً بليتر الوقود؟ لست مضطراً الى الانتظار. فالتقنيون في شركة CalCars في كاليفورنيا يستطيعون تحويل سيارتك الهايبريد ''تويوتا بريوس''، التي تقطع 20 كيلومتراً بالليتر، لتسير كلياً تقريباً بالمحرك الكهربائي الذي يتم شحنه من مقبس كهربائي عادي. هذا يعني أن سيارتك الهجينة يمكن أن تسير بالقوة الكهربائية حصراً في غالبية الرحلات القصيرة، على أن يبقى محرك البنزين في الاحتياط للرحلات الطويلة. هذه التحويلات ما زالت نادرة ومكلفة حالياً، لكن صناعة السيارات تعمل على إنتاج طرازات مماثلة. ويرى خبراء كثيرون أن سيارات الهايبريد التي تشحن بمقبس كهربائي قد تكون سيدة طرقات المستقبل.
8. تسعيرة الازدحام: أفضل طريقة للتشجيع على الاستهلاك المقتصد لسلعة ما هي وضع السعر المناسب عليها. هذا ينطبق أيضاً على قيادة السيارات. فقد تبنت مدن حول العالم، منها لندن وسنغافورة وميلانو، تسعيرات للازدحام بهدف الحد من استعمال السيارات وتخفيف التلوث، عبر فرض رسوم على السائقين الذين يسلكون شوارع المدن الداخلية الأكثر ازدحاماً. وقد تجنبت الولايات المتحدة هذه السياسة، الى أن أعلن عمدة مدينة نيويورك مايكل بلومبرغ عام 2007 أنه سيفرض تسعيرة ازدحام في المنطقة الأكثر ازدحاماً في البلاد، وهي حي مانهاتن. ووقف الخطة، سوف يفرض رسم بقيمة 6 دولارات على كل سيارة تدخل الشوارع الأكثر اكتظاظاً في مانهاتن بين السادسة صباحاً والسادسة مساء، ما عدا عطلة نهاية الأسبوع. واذا نجحت الخطة، فان تسعيرة الازدحام ستساعد في خفض مستويات ثاني اوكسيد الكربون ومعدلات الربو المتصاعدة في نيويورك، كما ستشكل مثالاً لمدن أميركية أخرى كي تحذو حذوها.
9. الحد من الكربون: إذا كان لدينا أي أمل بتفادي العواقب الخطرة لتغير المناخ، فعلينا أن نخفض انبعاثاتنا الكربونية بحلول منتصف القرن الحالي بنسبة تصل الى 80 في المئة عن مستويات 1990. لكن فرض قيد على هذه الانبعاثات سيلقي بثقله على المستهلكين، اذ يتوقع أن تزداد كلفة الوقود والكهرباء ريثما تصبح الطاقة البديلة منافسة تماماً. ويدعي معارضو تقييد الانبعاثات أنه سيشكل ضريبة ارتجاعية ينوء الفقراء تحت ثقلها أكثر من سواهم. ولكن لدى ومعهد تومالز باي جواب على ذلك: بدل إعطاء الترخيص بنفث غازات الدفيئة الى الصناعة، يجب أن تبيعه الحكومة الى الشركات التي تحرق الوقود الكربوني، أما العائدات فتذهب الى المواطنين كضريبة مرتجعة. هذه السياسة يمكن أن تكون فعالة بيئياً وقابلة للحياة سياسياً.
10. هندسة الأرض: كان ينظر اليها كمادة للخيال العلمي، لكن عدداً متزايداً من الخبراء باتوا يؤيدون حلاً جذرياً لتغير المناخ: هندسة الأرض (Geo-engineering)، وهدفها محاولة تبريد المناخ باتخاذ اجراءات على نطاق الكوكب، مثل حجب أشعة الشمس من خلال تركيز مرايا في الفضاء، ورش البحار بالحديد لمساعدة العوالق على امتصاص مزيد من غازات الدفيئة، وحقن الكبريت في الغلاف الجوي العلوي لاستحداث غيوم تحرف أشعة الشمس. لعل هذه آخر الملاذات، والعلماء يجهلون ما إذا كان العلاج أسوأ من المرض. لكن حقيقة أن الخبراء يدعمون الآن أبحاثاً حول هندسة الأرض تظهر درجة الالحاح التي بلغتها أزمة المناخ.
كادر
لحالة العالم: حقائق وأرقام في تقرير ''وورلد واتش'' لسنة 2008
يصف تقرير ''حالة العالم 2008: ابتكارات لاقتصاد مستدام''، الصادر عن معهد ''وورلد واتش'' للأبحاث البيئية في واشنطن، مجموعة من الفرص الاقتصادية الجديدة التي تجتذب رؤوس الأموال، ومبـادرات من شركات وهيئات محلية وعالمية، استجابةً لقضايا تغير المناخ والتلوث ومحدودية المياه والموارد الطبيعية ومشاكل بيئية أخرى. كما يعرض التقرير الجديد أوضاع قطاعات مختلفة، هنا لمحات عنها.
الطاقة
عام 2006، أنفقت الشركات 9,1 بلايين دولار على أبحاث تكنولوجيات الطاقة النظيفة وتطويرها. كما استُثمر في رساميل وأسهم الطاقة النظيفة 8,6 بلايين دولار، أي 69 في المئة فوق مستوى عام 2005، وعشرة أضعاف مستوى عام 2001. وقريباً يرتفع معدل مقاييس كفاءة السيارات الى 19 كيلومتراً بالليتر في اليابان و20 كيلومتراً بالليتر في اوروبا. وقد ازداد انتاج الوقود الحيوي بنسبة 20 في المئة سنوياً منذ العام 2005.
وتخطط اوستراليا والصين وولاية كاليفورنيا الأميركية للتوقف تدريجياً عن استعمال معظم المصابيح التقليدية المتوهجة، التي ستحل مكانها مصابيح فلورسنت مدمجة أكثر كفاءة منها بأربع مرات أو أكثر.
وبحلول 2018، ستوقف حكومة ألمانيا صناعة الفحم الصلب التي مضت عليها قرون.
وازدادت التجارة العالمية بالحصص الكربونية سريعاً، من 328 مليون طن من مكافئ ثاني اوكسيد الكربون عام 2005 الى 1,13 بليون طن عام 2006.
الانتاج الصناعي
تحدث شركات مبدعة ثورة في عمليات الانتاج. ومنها شركة ''دوبون'' العملاقة للكيميائيات، التي التزمت بتخفيضات حادة في انبعاثات غازات الدفيئة، وبحلول سنة 2007 خفضت الانبعاثات 72 في المئة عن مستويات 1991 موفرة ثلاثة بلايين دولار في هذه العملية.
واستعملت شركة ''إيكوكفر'' في نيوزيلندا مبادئ ''التمويه الحيوي'' لتطوير حصيرة مهاد تتحلل بيولوجياً، مصنوعة من مخلفات ورقية قطّعت وأعيد تدويرها وثبتت بمعجون لاصق من مخلفات الأسماك. وهي بديل من الحصائر البلاستيكية السوداء، وتخفض الحاجات الكيميائية للحدائق، وتحسن التربة، وتحول فضلات الأسماك والورق.
وقلّد باحثون في مختبرات سانديا العمليات الداخلية للمحار، فطوّروا أشكالاً ذات طبقــات معدنية/بوليمرية شفافة لكنها لا تنكسر.
الزراعة
أظهرت دراسة سويدية أن الأبقار التي تربى على العشب المزروع بطريقة عضوية تنفث غازات دفيئة أقل 40 في المئة، وتستهلك طاقة لتنمية اللحم أقل 85 في المئة من الأبقار التي تتغذى على الحبوب.
واستنتجت دراسة حديثة استغرقت سنتين أن اناث المواشي التي تربى في زرائب واسعة تزيد مواليدها الحية على مواليد تلك التي تربى جماعياً في زرائب مكتظة. هذه الزرائب يمكن أن تخفض تكاليف الانتاج بنحو 11 في المئة.
وفي مزارع كبيرة لأسماك السلمون في النروج، تبين أن ادخال أسماك ''أنظف'' يخفض كثيراً أعداد القمل وهدر العلف، وأن هذه الأسماك يمكن حصادها لصنع علف سمكي. فيبقى انتاج السلمون على حاله، فيما تنخفض المخلفات بأكثر من النصف، وينخفض حدوث الأمراض، وتحصد المزرعة محصولين اضافيين أو ثلاثة.
عام 2005، أعلنت شركة ''سميثفيلد'' أنها لن تشتري إلا من مزارعين لا يستعملون مضادات حيوية لمواشيهم. وفي 2007 تعهدت شركة ''تايسون فودز'' ان الطيور التي تبيعها للمتاجر والمطاعم لن تعالج بعد الآن بمضادات حيوية. أما سلسلة متاجر ''وول ـ مارت'' فوعدت بأن تحصل خلال ثلاث الى خمس سنوات على شهادات تفيد بأن تربية ثمار البحر التي تبيعها في اميركا الشمالية تتم بطريقة مستدامة.
المحافظة على الأنواع
يجري نحو 400 من ''بنوك الأراضي الرطبة'' (wetland banks) في الولايات المتحدة معاملات تجارية حمائية تزيد قيمتها على ثلاثة بلايين دولار سنوياً. ويتداول نحو 70 من ''بنوك الحماية'' نحو 370 مليون دولار سنوياً بشكل ''اعتمادات أنواع'' (species credits). وفي جنوب أفريقيا وكولومبيا والاتحاد الأوروبي وبلدان أخرى بدأ تنفيذ قوانين تشجع على مقايضة حقوق التنوع البيولوجي وبيع ''اعتمادات الموائل'' لأصحاب مشاريع التطوير العقاري.
وفي الصين، يعيد برنامج ''حبوب للتخضير'' توزيع العائدات الضريبية على المزارعين لابقاء منحدرات التلال محرَّجة، بهدف صون مساقط المياه ومنع الفيضانات، فضلاً عن حماية الأنواع.
الملكية وادارة المشاعات
يقول اقتصاديون إن مورداً لا يستغل بموجب نظام الملكية الخاصة هو محكوم بالاستغلال الجائر. لكن أنظمة متعددة لادارة الأراضي المشاع، بعضها عمره قرون، تثبت العكس. ففي جزيرة بالي الاندونيسية، ينسق مزارعو الرز استخدامهم للمياه تعاونياً من خلال شبكات اجتماعية، ما أسفر عن توزيع شبه مثالي بالنسبة الى انتاجية المزارع.
وتزداد شعبية الحدائق العامة المدارة تعاونياً. كذلك ارتفع عدد ''أسواق المزارعين'' 150 في المئة بين عامي 1994 و2006، ويوجد حاليــاً أكثر من 4000 سوق منها في الولايـات المتحـدة، حيث يبيـع المزارعون منتجاتهم مباشرة الى المستهلكين والتجار.
استثمار من أجل الاستدامة
صادق على ''مبادئ خط الاستواء'' 54 مصرفاً تمثل أكثر من 85 في المئة من القدرة التمويلية العالمية للمشاريع الخاصة. وتقول الأمم المتحدة ان الاستثمار العالمي لرساميل المشاريع والأسهم الخاصة في الطاقة المستدامة بلغ مجموعه 8,6 بلايين دولار عام 2006، بزيادة 69 في المئة عن 5,1 بلايين دولار عام 2005، مع زيادة 12 في المئة في عدد الصفقات.
وهناك حالياً 575 صندوق استثمار في البيئة والطاقة. وزاد الاستثمار الرأسمالي العالمي في ''التكنولوجيا النظيفة'' بنسبة 78 في المئة عام 2006 ليبلغ 2,9 بليون دولار، ما جعله ثالث أكبر فئة استثمار في المشاريع.
وثمة 2500 تقرير استدامة من أصل 15 ألفاً على موقع corporateRegister.com تتقيد بالخطوط التوجيهية لمبادرة اعداد التقارير العالمية، التي تتضمن المحاسبة المقبولة عموماً للكشف عن معلومات بيئية واجتماعية وحكمية.
وقد وقع أكثر من 300 مستثمر مؤسساتي، يمثلون أصولاً تزيد قيمتها على 41 تريليون دولار، على النسخة الخامسة لمشروع الكشف عن الكربون، الذي يطلب من كبريات شركات العالم وعددها 2400 شركة أن تقدم تقارير طوعية عن انبعاثاتها الكربونية وعملياتها الادارية.
وأظهرت دراسة عالمية وجود ''برامج محاسبة خضراء'' في 50 بلداً، فيما يخطط 20 بلداً آخر على الأقل لاطلاق مثل هذه البرامج قريباً.
كادر
مبادرتان عربيتان للطاقة والمياه
''مصدر'' لتكنولوجيات الطاقة النظيفة والمتجددة
في نيسان (ابريل) 2006، اتخذت حكومة أبوظبي قراراً جريئاً بتبني تكنولوجيات الطاقات المتجددة والبديلة والمستدامة، وأسست ''مصدر''، وهي مبادرة كبرى رأسمالها نحو 15 بليون دولار لانشاء قطاع اقتصادي جديد مكرس لأبحاث ومشاريع الطاقات البديلة وخفض الانبعاثات الكربونية والتنمية المستدامة. وأبو ظبي أول منتج رئيسي للنفط ومشتقاته يتخذ هذه الخطوة. وفي 9 شباط (فبراير) 2008 وضع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حجر الأساس لـ ''مدينة مصدر'' قرب مطار أبوظبي، التي يتوقع أن تكون أول مدينة في العالم خالية من الانبعاثات الكربونية والنفايات والسيارات.
شركات عربية تلتزم اقتصاد الطاقة والمياه
في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، التزمت مجموعة ريادية من كبار رجال الأعمال العرب، الذين اجتمعوا في قمة أبوظبي حول المسؤولية البيئية للشركات التي نظمها المنتدى العربي للبيئة والتنمية، بتخفيف استهلاك الطاقة والمياه في وحدات الانتاج بنسبة 20 في المئة بحلول سنة 2012، وباعتماد أهداف طوعية للانتاج الأنظف، وبالمنافسة الجادة عالمياً في مجال الصناعات البيئية. ودعا ''إعلان أبوظبي حول المسؤولية البيئية لقطاع الأعمال والانتاج الأنظف'' جميع الشركات في العالم العربي الى إعداد ونشر تقارير دورية عن سياساتها البيئية والتدابير التي اتخذتها لإدخال الاعتبارات البيئية في عملياتها.