Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
باتر وردم طموح مملكة الطاقة المستدامة السعوديـة تنظـر إلى الـشمس  
تموز-آب/ يوليو-اوغسطس 2012 / عدد 172-173
هناك عدة عوامل تصنع هوية الدول، منها الثقافية والحضارية والتاريخية والجغرافية. وفي بعض الأحيان تساهم في ذلك أيضاً العوامل الاقتصادية وتلك المتعلقة بالموارد. في هذا السياق، تعتبر دول الخليج العربي من المجموعات المتميزة عالمياً من حيث الهوية الاقتصادية، باعتبار أن الدافع الرئيسي لتطور الاقتصاد والحضرنة في تلك الدول هو النفط. لكن النفط كمورد طاقة لا يستغنى عنه لا يشكل الهوية الوحيدة لتلك الدول، التي يمكنها استثمار خيراته في تطوير موارد الطاقة المتجددة وأهمها الطاقة الشمسية.
في المملكة العربية السعودية، وبفضل منهجية تخطيط حديثة ومؤسسات تمتلك طموحاً وآفاقاً واسعة وموارد مالية وفنية كبيرة، يمكن للطاقة الشمسية أن تشهد انطلاقة جادة توفر نحو ثلث احتياجات المملكة من الطاقة، وتدعم معها محاولات إنتاج الطاقة المتجددة في العالم العربي.
لقد أدى النمو السكاني الكبير في السعودية، مترافقاً مع زيادة الطلب على الكهرباء وتحلية المياه، إلى ضرورة التفكير في خيارات الطاقة البديلة للحفاظ على مساهمة الثروة النفطية في دعم الاقتصاد، عن طريق تكثيف التصدير وتقليل الاستهلاك المحلي. فوفقاً لتقرير مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، ازداد عدد السكان بنسبة 333 في المئة خلال الفترة الممتدة بين 1975 و2009 ليبلغ 25 مليون نسمة، ما يجعل النمو السكاني في السعودية الأسرع في العالم.
وترافقاً مع هذا النمو السكاني المستمر، ازداد استهلاك الكهرباء بنسبة 6 في المئة سنوياً، بحيث بات استهلاك المواطن السعودي للطاقة الكهربائية، البالغ 7700 كيلوواط، يزيد على ثلاثة أضعاف معدّل الاستهلاك الفردي العالمي البالغ 2500 كيلوواط، بناءً على تقرير محدّث صادر عن قسم الأبحاث في مجلة «إيكونومست» في كانون الثاني (يناير) 2011. وإذا ما عرفنا أن برميل النفط للاستهلاك المحلي يباع في السعودية بقيمة 4 دولارات بعد الدعم، فإن تخصيص ملايين براميل النفط للتصدير بدلاً من الاستهلاك المحلي سيحقق مكاسب اقتصادية هائلة عن طريق فارق السعر الذي يبلغ نحو 13.6 بليون دولار سنوياً.
تتمتع السعودية بإمكانات ضخمة لتوليد الطاقة. وعلى رغم كونها الدولة ذات الاحتياط الأكبر من النفط الخام في العالم، فإنها أيضاً قادرة على استغلال كميات هائلة من الطاقة المتجددة وخاصة الطاقة الشمسية. ويقدر الباحث السعودي الدكتور ياسر الصالح في دراسة له بعنوان «سيناريوهات الطاقة المتجددة في السعودية» أن المملكة قادرة على توليد ما بين 15 و45 في المئة من احتياجاتها الطاقوية عن طريق الطاقة الشمسية، بناء على أربعة سيناريوهات مختلفة تفترض تغيرات معينة في التشريعات والبنية المؤسسية وكميات النفط المتاحة ونوع التكنولوجيا وغيرها من العوامل.
تحتاج الرؤى الجديدة إلى مؤسسات مختلفة في طريقة التفكير والإدارة. وقد شهدت السعودية في الآونة الأخيرة إنشاء بعض المؤسسات البحثية التي قد تغير طريقة إنتاج التكنولوجيا وتوطينها. وفي هذا السياق يمكن الحديث عن مدينة الملك عبداللـه للطاقة الذرية والمتجددة التي تقود مسيرة الريادة في الطاقة البديلة. وفي الوقت نفسه، بدأت شركات الطاقة السعودية تكوين سمعة تجارية وتقنية عالية على المستوى الدولي، بحيث أن شركة الطاقة والمياه السعودية (ACWA) تمكنت مؤخراً من الفوز بعطاء إنشاء محطات للطاقة الشمسية في جنوب أفريقيا من خلال ائتلاف مع مؤسسة «مصدر» الإماراتية وشركة إسبانية متخصصة بالطاقة الشمسية. وتضمن عرض الشركة السعودية توفير قدرة تخزينية هي الأكبر في العالم بالنسبة لتكنولوجيا الطاقة الشمسية المركزة، وتبلغ 200 جيغاواط ساعة سنوياً (الجيغاواط 1000 ميغاواط).
 
مملكـة الشمس
أكثر الخطط طموحاً هي التي أعلنتها مدينة الملك عبدالـله للطاقة الذرية والمتجددة لتحويل السعودية إلى «مملكة الطاقة المستدامة». وتتضمن الخطة دعم استثمارات بقيمة 109 بلايين دولار لإنشاء صناعة للطاقة الشمسية تستطيع إنتاج نحو ثلث احتياجات السعودية من الكهرباء بحلول سنة 2032. هذا يقارب قدرة 41 جيغاواط، وهي كمية هائلة بجميع المقاييس، خاصة أن أكبر منتج للطاقة المتجددة حالياً وهي الصين وصلت في العام الماضي إلى 48 جيغاواط متجاوزة ألمانيا وبريطانيا.
وتنقسم هذه الطاقة الشمسية الطموحة التي تزمع السعودية على إنتاجها إلى 16 جيغاواط من الخلايا الفوتوفولطية و25 جيغاواط من الطاقة الشمسية المركزة (CSP) التي تميز بقدرتها على تخزين الطاقة الكهربائية لمدة أطول، وهذا مهم جداً في دولة تعتمد بشكل كبير على أجهزة التكييف. أما من حيث الموارد المالية فقد تم تخصيص 82 بليون دولار للكلفة الرأسمالية لمحطات توليد الطاقة الشمسية، و27 بليون دولار لتدريب الفنيين السعوديين على إدارة المحطات وتشغيلها وصيانتها. ويعتبر «خلق الوظائف» واحداً من أهم النتائج الاستراتيجية للخطة، خاصة في حال استخدام المؤشر المعروف عالمياً وهو خلق 50 وظيفة لكل ميغاواط من الطاقة الشمسية المنتجة في مراحل البحث والتطوير والتركيب والتشغيل والصيانة. وهذا يعني حسابياً نحو مليوني وظيفة جديدة، ولو تم في واقع الأمر خلق نصفها فهو في ذاته إنجاز عظيم.
وإضافة الى الهدف الاستراتيجي بتقليص الاستهلاك المحلي للنفط في إنتاج الكهرباء، تخطط السعودية أيضاً لإنتاج الطاقة المتجددة بهدف تغطية احتياجات قطاع تحلية مياه البحر. فقد جاء في تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية لسنة 2011 بعنوان «الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغير» أن 25 في المئة من إنتاج النفط والغاز السعودي يستعمل محلياً لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه، وعلى أساس المعدلات الحالية لنمو الطلب ستكون هذه النسبة 50 في المئة بحلول سنة 2030. وفي دراسة للمستشار ماهر العودان في مدينة الملك عبدالـله للطاقة الذرية والمتجددة، تمت مقارنة كلفة التحلية الحرارية عن طريق استخدام الحرارة المركزة من الشمس بكلفة الوقود الأحفوري المستخدم حالياً. فاتضح أن السعودية، التي تعد الدولة الأولى على مستوى العالم في تحلية المياه، تستهلك كميات كبيرة من الوقود المدعوم لإنتاج ثلاثة ملايين متر مكعب من المياه المحلاة يومياً. وهذه الكميات تزداد سنوياً مع النمو السكاني والصناعي المتزايد، ما يفرض تحدي توفير الكهرباء والمياه المحلاة للأجيال المقبلة. وقد أثبتت الدراسة جدوى اقتصادية كبيرة لتحلية مياه البحر بواسطة الطاقة الشمسية.
 
صناعة المعدات الشمسية
تعلم السعودية جيداً أن العوامل المناخية ستشكل بعض العوائق الفنية في إنشاء المحطات الشمسية، وخاصة درجات الحرارة العالية جداً والتركيز الشمسي الساطع وهما عاملان يؤثران في الظروف المناسبة لعمل الخلايا والمرايا الشمسية، وكذلك الغبار الناجم عن العواصف الرملية الذي يؤثر سلباً على القدرة الإنتاجية لهذه الخلايا والمرايا، وهذا يتطلب الكثير من الجهد والكلفة في الصيانة. ومن نافلة القول أن السعودية ستكون بحاجة إلى تخصيص موازنة عالية لتقديم الدعم والحوافز لصناعة الطاقة الشمسية الناشئة، وتمكينها من تقديم طاقة كهربائية بأسعار تتناسب مع الأسعار المبنية على النفط. وعلى المدى البعيد، فإن تخفيض الاستهلاك المحلي من النفط وحفظه لأغراض التصدير ستكون له عوائد اقتصادية أكبر من الدعم المقدم للطاقة الشمسية. وسيكون النفط في هذه الحال نعمة حقيقية ومسانداً لتمويل صناعة الطاقة الشمسية، خصوصاً في مرحلة البداية.
سوف تنطلق السعودية من مرحلة متأخرة جداً، لأن إنتاج الطاقة المتجددة فيها يبلغ حالياً 3 ميغاواط فقط. والهدف الاستراتيجي من الخطة هو إنشاء صناعة مستدامة للطاقة الشمسية، تخفض الاستهلاك المحلي للنفط وخاصة في مجال التحلية، وبالتالي توفير 523 ألف برميل نفط يومياً يمكن تخصيصها لأغراض التصدير.
ومن الطبيعي أن تنظر شركات إنتاج الطاقة الشمسية في العالم بكثير من الاهتمام إلى الخطط السعودية، خاصة مع تخفيض الدعم الحكومي للطاقة الشمسية في أوروبا نتيجة الأزمة الاقتصادية الدولية، ما أدى إلى أول تراجع في بيع الألواح الشمسية عام 2011 بعد عقدين من الصعود المتواصل. وبحسب المعلومات المتوفرة من «دويتشه بنك» الألماني، فإن العطاء الأول الذي ستطرحه الحكومة السعودية سيكون بقدرة 1100 ميغاواط من الخلايا الفوتوفولطية في السنة المقبلة، إضافة إلى 900 ميغاواط من الطاقة الحرارية الشمسية. وتشير التقديرات الأولية لكلفة الاستثمار إلى قيمة 2,17 دولار لكل واط يتم إنتاجه، مع افتراض تراجع كلفة إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في السنوات المقبلة نتيجة تطور التكنولوجيا.
وبعيداً عن المشاريع الكبرى المزمع إطلاقها، تحاول المؤسسات السعودية تنفيذ بعض المبادرات ذات الحجم الصغير والمتوسط لإثبات جدوى الطاقة المتجددة. ومنها المبادرة الوطنية لإنتاج المياه والكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية بقدرة 10 ميغاواط التي تقوم بها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ومشروع إنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية الخاص بجامعة الملك عبدالـله للعلوم والتقنية بقدرة 2 ميغاواط، ومشروع «أرامكو السعودية» لتغطية مواقف سيارات تبلغ مساحته 16 هكتاراً بالألواح الفوتوفولطية بهدف تزويد المجمع الشمالي في الظهران 2 ميغاواط من الكهرباء، ومشروع مماثل في الرياض لمركز الملك عبد الـله للبترول والعلوم والأبحاث التطبيقية.
من المثير للخيال فعلاً الطموح الى إنتاج هذه الكمية الهائلة من الطاقة الشمسية. وتمتلك السعودية الموارد والحوافز والإمكانات المطلوبة. ويجب أن يترافق ذلك مع إنتاج المعدات اللازمة بدل استيرادها، وقد بدأت بوادر انطلاقة صناعية محلية لتجهيزات الطاقة الشمسية. لكن الأهم من التكنولوجيا والمال هو تغيير الثقافة السائدة. وإذا ما ترافق مخطط إنتاج الطاقة الشمسية مع تخفيف الاستهلاك في عدة قطاعات، وخاصة الاستهلاك المنزلي، ودعم مشاريع الطاقة المتجددة في السعودية والعالم العربي، والمساهمة الجدية في الجهود الدولية للتخفيف من الانبعاثات الكربونية المسببة للاحتباس الحراري وتغير المناخ، فيمكن أن تطمح السعودية فعلاً إلى أن تكون مملكة الشمس خلال العقدين المقبلين.
 كادر
 مصنع بولي سيليكون في ينبع
 
وقعت شركة CentrothermSiTec الألمانية، ثاني أكبر مصنّع للمعدات الفوتوفولطية الشمسية في العالم، اتفاقية مع شركة IDEAPolysilicon في السعودية، لإنشاء مصنع للمعدات الفوتوفولطية الشمسية في مدينة ينبع على البحر الأحمر. وتهدف الاتفاقية الى تزويد IDEA بالتكنولوجيا والخبرة اللتين تحتاجهما لتصبح قوة سوقية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تجتذب اهتماماً متزايداً من قطاع الطاقة الشمسية العالمي، خصوصاً في أوروبا بعد إطلاق مبادرة «ديزرتك» لتوليد الطاقة الشمسية في الصحارى العربية وتصديرها الى أوروبا.
تبلغ كلفة المشروع نحو 1,1 بليون دولار. وسيكون المصنع، الذي شاركت في تمويله مجموعة من المستثمرين في الخليج العربي، الأول في الشرق الأوسط. وتبلغ القدرة المخططة للإنتاج 10 آلاف طن سنوياً من البولي سيليكون العالي الجودة.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.