الصناعة البيئية في الولايات المتحدة ولدت في سنة أكثر من 5,3 ملايين وظيفة، أي أكثر عشرة أضعاف مما ولدته الصناعة الصيدلانية. ولم يتجاوز عمر برامج الطاقات المتجددة في ألمانيا واسبانيا العشر سنين، لكنها خلقت مئات ألوف الوظائف، وسيكون في ألمانيا بحلول سنة 2020 وظائف في مجال التكنولوجيات البيئية أكثر مما في صناعة السيارات. وفي أوروبا، يقدر أن زيادة 20 في المئة في كفاءة الطاقة سوف تخلق نحو مليون وظيفة. وينسحب ذلك على البلدان النامية أيضاً. وتستخدم مدينة نيودلهى الهندية حافلات جديدة ''صديقة للبيئة'' تعمل على الغاز الطبيعي المضغوط من شأنها أن تخلق 18 ألف وظيفة جديدة. وتعتبر الصين في الطليعة عالمياً في مجال التسخين الشمسي، وقد بلغت عائدات مبيعاتها نحو 2,5 بليون دولار في سنة، وشغّل أكثر من 1000 مصنِّع صيني ما يزيد على 150 ألف شخص.
ستكون الصناعات الحديثة التي تتصدى لتغير المناخ في طليعة قطاع التكنولوجيا النظيفة cleantech). وتقدر مبادرة تمويل الطاقة المستدامة في برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن الاستثمار في الطاقة المتجددة بلغ الآن 100 بليون دولار، وهو يمثل 18 في المئة من الاستثمارات الجديدة في قطاع الطاقة. وما أجدر الدول العربية باستغلال ثروة الشمس والرياح في أراضيها الشاسعة لانتاج طاقة نظيفة وتشغيل الملايين.
في ما يأتي أحدث الوقائع والأرقام في قطاعات التوظيف الأخضر.
التصدي للتحديات البيئية يوفر فرصاً للعمال وأرباب العمل وينعكس نمواً اقتصادياً. لقد تم استحداث عدد كبير من ''الوظائف الخضراء'' في قطاعات مثل الطاقة المتجددة والكفاءة الطاقوية للأبنية ونظم النقل المستدام. ويقدر تقرير أصدره برنامج الأمم المتحدة للبيئة في كانون الأول (ديسمبر) 2007 بعنوان ''الوظائف الخضراء: نحو عمل مستدام في عالم قليل الكربون''، أنه في عام 2006 كان هناك أكثر من 2,25 مليون وظيفة في قطاع الطاقة المتجددة وحده. وبالمقارنة، بلغ إجمالي فرص العمل في قطاع النفط والغاز عام 1999 نحو مليونين فقط، وفي قطاع التعدين (فحم وغيره) نحو 11 مليوناً، وفي النقل الجوي نحو 4 ملايين وظيفة.
ما هي الوظائف الخضراء؟ انها وظائف في مجالات الزراعة والصناعة والأبحاث والتنمية والادارة والنشاطات والخدمات، تساهم في تخفيف التهديدات البيئية التي تواجهها البشرية. وفي بعض الحالات، يكون استحداث الوظائف الخضراء ناتجاً عن قرارات واعية تتخذها الشركات لاعتماد ممارسات عمل أكثر استدامة، وتطوير تكنولوجيا نظيفة توفر فرصاً لا يستهان بها.
يرى البعض أن السياسات البيئية قاتل محتمل للوظائف. لكن عدم التصدي لتحديات بيئية، مثل استنزاف الموارد وخسارة التنوع البيولوجي وازدياد شدة وتكرار العواصف والفيضانات وموجات الجفاف نتيجة تغير المناخ، قد يفرض خسائر أكبر في فرص العمل ومصادر الرزق.
بدائل طاقوية
تزداد العمالة في مجال الطاقة البديلة بوتيرة سريعة جداً. وبالمقارنة مع محطات الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري، تولد الطاقة المتجددة مزيداً من الوظائف لكل وحدة من القدرة ولكل دولار يتم استثماره.
وفق تقرير ''الوظائف الخضراء''، الذي تم إعداده بالتعاون مع منظمة العمل الدولية والرابطة الدولية للاتحادات العمالية، يتم استخدام نحو 300 ألف عامل في طاقة الرياح وأكثر من 100 ألف في النظم الفوتوفولطية الشمسية حول العالم. وفي الصين والولايات المتحدة وأوروبا يعمل أكثر من 600 ألف شخص في الطاقة الحرارية الشمسية. ويتم تشغيل نحو 1,2 مليون عامل في مشاريع الكتلة الحيوية في أربعة بلدان رائدة هي البرازيل والولايات المتحدة وألمانيا والصين. ويبلغ مجموع العاملين في الطاقات المتجددة حالياً نحو 2,3 مليون شخص في البلدان التي تملك بيانات بهذا الخصوص.
نصف هذه الوظائف هي في مشتقات الوقود الحيوي (بيوفيول)، خصوصاً في زراعة اللقائم، وفي الصناعات التحويلية التي تكون أجورها أفضل. ولكن ثمة جدل قوي ومستمر حول الكلفة الاقتصادية والبيئية للوقود الحيوي وكفاءته الطاقوية في السيارات ومنافسته لانتاج الغذاء. وقد علّقت مجلة ''ايكونوميست'' على هذا الأمر في عدد 6 كانون الأول (ديسمبر) 2007 بعبارة مريرة: ''املأ خزان سيارتك بالايثانول فتكون استهلكت كمية من الذرة كافية لاطعام شخص لمدة سنة''.
النمو المفاجئ لاستخدام العمال في الطاقات المتجددة تدفعه استثمارات متنامية تجاوزت 100 بليون دولار عام 2007 وفق تقرير شبكة سياسات الطاقة المتجددة R21. وتطلب الشركات حوافز ودعماً مالياً حكومياً لتركيب أنظمة الطاقة الشمسية أو للحصول على اعتمادات كربونية عن طريق الاستثمار في تخفيض الانبعاثات في بلدان نامية من خلال أسواق الكربون المزدهرة. ويقول تقرير ''الوظائف الخضراء'' ان على الحكومات أن تفعل المزيد لتحفيز هذا الجهد، مضيفاً ان ''ما كان مفقوداً حتى الآن هو الارادة السياسية وتنسيق السياسات مما يلزم لاطلاق عنان القدرة الخلاقة للقطاع الخاص''. وقد أسف برنامج الأمم المتحدة للبيئة لانفاق الحكومات 200 بليون دولار سنوياً على دعم أسعار الوقود في مقابل 33 بليون دولار فقط على دعم التكنولوجيات القليلة الكربون.
في ألمانيا، الرائدة في تكونولوجيا طاقة الرياح والشمس، قُدر التوظيف المباشر وغير المباشر في الطاقات المتجددة بنحو 260 ألف وظيفة عام 2006، وقد يصل الى 500 ألف سنة 2020 والى 700 ألف سنة .2030 وفي الولايات المتحدة نحو 446 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة في الطاقات المتجددة (390 ألف وظيفة اذا تم استبعاد انتاج ايثانول الذرة المشكوك في حسناته البيئية والاجتماعية).
وجاء في تقرير حديث للجمعية الأميركية للطاقة الشمسية أن واحداً من كل أربعة عمال في الولايات المتحدة يمكن أن يعمل في صناعات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة بحلول سنة 2030. فهذه الصناعات توفر حالياً نحو 8,5 ملايين وظيفة وايرادات بقيمة تريليون دولار. وهذه يمكن أن ترتفع الى 40 مليون وظيفة و4,5 تريليون دولار ''باعتماد سياسة حكومية مناسبة، بما في ذلك مقاييس متطورة للطاقات المتجددة وحوافز لاستخدامها وتثقيف الجمهور ودعم الأبحاث''.
وتشير تقديرات تقريبية تتعلق بالصين الى وجود نحو مليون وظيفة في الطاقات المتجددة، ثلثاها تقريباً في الصناعة الحرارية الشمسية. ويقال ان صناعة الايثانول من قصب السكر في البرازيل تشغّل نحو نصف مليون شخص، ويتوقع أن يولد برنامجها الخاص بالوقود الحيوي 400 ألف وظيفة اضافية.
والى الطاقات المتجددة، يتجه كثير من الاهتمام الى تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه لتخفيف حدة الاحتباس الحراري. ويتوقع أن يولد هذا القطاع فرص عمل من خلال بناء المنشآت وتشغيلها وإنشاء شبكات أنابيب لنقل ثاني أوكسيد الكربون.
ورغم أن محطات الطاقة التي تعمل بالفحم ليست خياراً مستداماً، فثمة استراتيجيات واقعية للحد من الانبعاثات الكربونية من محطات الفحم القائمة حالياً والتي هي قيد الانشاء، مع ما يعنيه ذلك من فرص عمل.
أبنية مقتصدة بالطاقة
اعتبرت اللجنة الحكومية الدولية لتغير المناخ (IPCC) في تقريرها للعام 2007 أن قطاع الأبنية يمكنه خفض غازات الدفيئة أكثر من أي قطاع آخر، وبنسبة 29 في المئة بحلول سنة 2020. وتشمل اجراءات الاقتصاد بالطاقة في هذا القطاع الأبنية الخضراء وتحسين كفاءة المكونات الفردية للأبنية، بما في ذلك: سخانات المياه، ومعدات الطبخ، والأدوات المنزلية، والتجهيزات المكتبية، والالكترونيات، ونظم التدفئة والتهوئة والتكييف والاضاءة.
وقد خلصت عدة دراسات حول كفاءة الطاقة أجريت في أميركا الشمالية وأوروبا خلال التسعينات الى أنه في مقابل توفير كل بيتاجول من الطاقة تم استحداث ما بين 40 و100 وظيفة. ووجدت دراسة أجرتها الجمعية البريطانية للحفاظ على الطاقة عام 2000 وتناولت تسعة بلدان في الاتحاد الأوروبي، أنه في مقابل استثمار كل مليون يورو في كفاءة الطاقة في قطاع الأبنية تم استحداث 11,3 الى 13,5 وظيفة.
ولعل أهم الوظائف الخضراء التي يتوقع استحداثها بصورة مباشرة في قطاع البناء الأخضر واعادة تأهيل الأبنية طاقوياً هي: المصممون ومهندسو العمارة الخضراء، ومدققو الحسابات، والمهندسون، ومدراء المشاريع، اضافة الى أعمال متنوعة في مهن الانشاءات بما في ذلك: مركبو الأنابيب، وعمال الصفائح المعدنية، وفنيو التدفئة والتهوئة والتكييف، والكهربائيون، وعمال البناء. ويتم خلق معظم هذه الوظائف خلال فترة الانشاء أو الاستثمار الأولية، وتكون غالباً وظائف محلية، ما ينفع بنوع خاص المناطق النامية والتي تعاني من بطالة.
الوظائف في قطاع الأبنية الخضراء تحفز وظائف أخرى في صناعة مكوناتها، بما في ذلك نظم كفوءة للنفايات، والاضاءة، والتدفئة والتهوئة والتكييف، وتصفية المياه، والعزل، وأدوات كهربائية مقتصدة بالطاقة. وكثيراً ما تستعمل لاقطات فوتوفولطية وسخانات شمسية للمياه وتوربينات رياح صغيرة ومضخات لحرارة جوف الأرض، لتوفر مصادر طاقوية بديلة للأبنية الخضراء. وهذه تضيف الى وظائف التصنيع الأخضر. وتستوجب الأدوات والأبنية المقتصدة بالطاقة استخدام أيد عاملة ماهرة أكثر من تصنيع أدوات ومكونات أبنية غير مقتصدة بالطاقة، ما يعني ليس فقط احداث عدد كبير من الوظائف وانما أيضاً وظائف أكثر مهارة وأعلى أجراً.
وقد أظهر تحليل حديث لمشروع اعادة تأهيل الأبنية طاقوياً في ألمانيا أن 140 ألف وظيفة تم ''إنقاذها'' أو استحداثها في قطاع البناء لتعديل قرابة 200 ألف منزل. ويفيد مجلس البناء الأخضر في الولايات المتحدة أن هناك حالياً أكثر من 40 ألف تقني محترف معتمدين لدى ''منظمة الريادة في الطاقة والتصميم البيئي''، تم تدريبهم على تصميم المباني الخضراء وإنشائها وتشغيلها وصيانتها. وقد وفرت شركات خدمات الطاقة (ESCOs) التمويل لمشاريع مقتصدة بالطاقة قيمتها 20 بليون دولار في أنحاء العالم منذ السبعينات، وأفادت بأن قرابة 7 بلايين دولار ذهبت الى استخدام عمال.
وتشمل توقعات الوظائف الخضراء في كندا 5600 الى 7840 سنة استخدام/شخص لتعديل الأبنية البلدية على النطاق الوطني. ويتوقع تقرير ''تحالف أبولو'' نشوء نحو 827 ألف وظيفة في الولايات المتحدة من خلال الاستثمار في أبنية عالية الأداء، سواء بتعديل الأبنية القائمة أو انشاء أبنية خضراء جديدة. وتتطلب الخطة استثمار 90 بليون دولار لتحسين تمويل الأبنية الخضراء، وتوفير حوافز ضريبية، والاستثمار في الأبحاث والتنمية، وترويج قوانين ومقاييس بناء جديدة. كما يقدر التقرير ان استثمار 3,5 بلايين دولار لتحديث مقاييس الأدوات الكهربائية ستنتج عنه 30 ألف وظيفة.
وقدرت المفوضية الأوروبية ان انخفاضاً بنسبة 20 في المئة في استهلاك الطاقة في الاتحاد الأوروبي بامكانه خلق نحو مليون وظيفة، كثير منها في قطاع البناء. وتتوقع وزارة الطاقة الأميركية أن وضع مقاييس لغسالات الملابس وسخانات المياه ومصابيح الفلورسنت سوف يخلق 120 ألف وظيفة في الولايات المتحدة حتى سنة .2020 وفي الهند، يؤدي استبدال مواقد الطبخ التقليدية بتكنولوجيات طبخ متقدمة تستخدم الكتلة الحيوية في 9 ملايين منزل الى خلق 150 ألف وظيفة، وهذا لا يشمل فرص العمل المستحدثة في جمع الكتلة الحيوية وزراعتها.
النقل المستدام
الريادة في الاقتصاد بالوقود وانتاج سيارات أنظف باتت شرطاً لاستمرارية صناعة السيارات. والشركات المتأخرة بهذا الخصوص تخسر زبائنها مع ارتفاع أسعار الوقود. ويظهر تقييم عالمي أن عدد الوظائف في صناعة السيارات ''الخضراء نسبياً'' يبلغ نحو ربع مليون. وباستعمال تعريفات أكثر تساهلاً يرتفع الرقم الى نحو 800 ألف وظيفة. هذا التقدير مبني على بيانات من أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، التي تستأثر بأكثر من 4 ملايين وظيفة في صناعة السيارات، أي نصف المجموع العالمي، وباعتماد عتبتي انبعاثات كربونية هما 120 و140 غراماً من ثاني أوكسيد الكربون لكل كيلومتر لتحديد نسبة انتاج السيارات التي يمكن اعتبارها كفوءة ونظيفة.
السيارات الهجينة (هايبريد) قد تكون جزءاً هاماً من الحل، شرط أن يستعمل المحرك الكهربائي المضاف لخفض استهلاك البنزين بدلاً من زيادة قدرة السيارة وتسارعها. والسعي الى انتاج سيارات كهربائية يتم شحنها من مقبس كهربائي عادي وتعمل بخلايا الهيدروجين والوقود يبشر بوظائف أكثر اخضراراً في السنوات المقبلة.
الحافلات والترام والقطارات تستهلك طاقة أقل بكثير في كل كيلومتر لنقل المسافرين والبضائع. والوظائف اللازمة لصنعها وتشغيلها هي في المبدأ وظائف خضراء، ولكن تلزمها تحسينات خصوصاً في ما يتعلق بانبعاث الملوثات الهوائية. وحافلات الديزل القديمة هي مركبات ملوثة رديئة السمعة، وهناك فرص عمل خضراء كثيرة في تعديلها لخفض انبعاثات الجزيئات وأكاسيد النيتروجين، وفي صنع حافلات حديثة تعمل بوقود بديل كالغاز الطبيعي المضغوط، أو حافلات هجينة تعمل بالوقود والكهرباء. وقد استثمرت الصين والهند وباكستان وبلدان اخرى مبالغ طائلة في الغاز الطبيعي المضغوط، ويتوقع أن يؤدي ادخال 6100 حافلة تعمل بالغاز في العاصمة الهندية نيودلهي الى خلق 18 ألف وظيفة جديدة.
الزراعة والنظام الغذائي العالمي
التوظيف الأخضر مضمون ورابح في قطاعات رئيسية من الاقتصاد مثل الطاقات المتجددة والاقتصاد بالطاقة والنقل. أما في الزراعة فيحتاج سيناريو الوظائف الخضراء الى تدخلات سياسية لتذليل سلسلة من العقبات الهائلة، ناتجة عن تهديد أرزاق المزارعين الصغار، والاستهلاك الكبير للطاقة والمواد الكيميائية المستخدمة في الزراعة المكثفة، والتوسع في زراعة محاصيل معينة، والنظم المكثفة لتربية المواشي نتيجة ارتفاع استهلاك اللحوم، وعولمة الطعام والمسافات الطويلة التي يقطعها من المنتج الى المستهلك، ومشكلة الكميات الهائلة من النفايات الغذائية المنتجة لغازات الدفيئة في العالم المتقدم.
هناك شيء واضح: التشغيل في الغذاء والزراعة يبتعد عن الاستدامة والعمل اللائق. وتزداد الضغوط من جميع الجوانب على أشكال الزراعة القليلة الاستهلاك الطاقوي والكيميائي والأكثر استدامة التي يتولاها صغار المالكين، في عملية تسرّع النزوح الى المدن. وهذا يؤدي الى إجهاد اجتماعي وبيئي في أنحاء العالم النامي على وجه الخصوص. ومن دوافع هذا الضغط تحرير التجارة بدعم من منظمة التجارة العالمية، والدعم المالي الذي تقدمه البلدان الغنية للشركات الزراعية، وازدياد القوة السوقية للمنتجين والتجار الكبار.
المزارعون يجري استبعادهم من النظام الغذائي العالمي. ونسبة سكان العالم الذين يكسبون قوتهم من الزراعة هي في انخفاض حاد. ففي عام 2006 كسب 36,1 في المئة من سكان العالم، أي نحو 1,3 بليون شخص، رزقهم من زراعة المحاصيل الغذائية وتربية المواشي. لكن في عام 1995 كان 44 في المئة يرتزقون من الزراعة.
وهناك حاجة ملحة لتأمين العمل اللائق في الزراعة، من خلال تحسين أجور وظروف عمل 500 مليون عامل زراعي، كثيرون منهم نساء وأطفال. ويؤدي التعرض للمبيدات الى وفاة 40 ألف عامل كل سنة في المزارع، لذلك فان خفض استعمال المبيدات يساعد في ''تخضير'' الوظائف الحالية وفي انقاذ الأرواح.
في ظل هذه الظروف، تحتاج أجندة الوظائف الخضراء في الزراعة الى تدخلات سياسية جريئة تواجه اتجاهات السوق والأنماط الاستهلاكية للبلدان الغنية ومصالح الشركات الكبرى ذات النفوذ.
النظم الزراعية الصغيرة تستخدم عمالاً أكثر من المزارع الممكننة. فقد أظهر أحدث احصاء زراعي في البرازيل أن وظيفة ريفية واحدة تُستحدث لكل 8 هكتارات يزرعها مزارعون صغار، بينما المزارع الممكننة تحتاج الى وحدة أو وظيفة ريفية واحدة لكل 67 هكتاراً. وفي دراسة أجراها الاتحاد العالمي للغذاء أن 2000 عامل يستخدمون في كل 1000 هكتار مخصصة للموز. لكن في كولومبيا، حيث نما انتاج زيت النخيل كثيراً وحل مكان زراعة الموز، يُستخدم 100 عامل فقط في كل 1000 هكتار.
الزراعة المستدامة العالية المردود تحتاج الى معرفة واسعة، وتتطلب نظم أبحاث وتدريب تولد المعارف ومهارات صنع القرار وتنقلها الى المزارعين. لذلك فان تطوير المعرفة الايكولوجية لدى المزارعين يمكن أن يخلق فرص عمل جيدة. وهناك أيضاً حاجة الى سياسات تدعم توسيع الزراعة المدينية. ويمارس نحو 800 مليون شخص زراعة المحاصيل الغذائية في مناطق مدينية.
وتؤكد دراسة أجرتها منظمة الأغذية والزراعة (فاو) ان الزراعة العضوية تحتاج الى أيد عاملة إضافية بالمقارنة مع النظم التقليدية. وقد أظهرت دراسة واسعة شملت 1144 مزرعة عضوية في بريطانيا وايرلندا أن هذه المزارع استخدمت عمالاً متفرغين بنسبة 135 في المئة أكثر من المزارع التقليدية. وتبلغ مساحة الاراضي الزراعية العضوية 4,3 في المئة من اجمالي مساحة المزارع في بريطانيا، وواحداً في المئة في ايرلندا. وإذا اصبح 20 في المئة من الأراضي الزراعية عضوية في البلدين، فسيترافق ذلك مع زيادة 73,200 وظيفة في بريطانيا و9,200 وظيفة في ايرلندا.
وهناك دراسات أجريت في بلدان نامية مثل الهند وتركيا تتماشى مع هذه النتائج. وانخفاض الاعتماد على الماكينات والمواد الكيميائية في مكافحة الآفات والأعشاب الضارة وفي الزرع وصون النباتات والحيوانات يتطلب مزيداً من العمال، لزراعة المحاصيل التي تحمي التربة من التعرية (cover crops) وتوزيع السماد الحيواني وانتاج السماد العضوي.
بالإضافة الى ذلك، ثمة تحسينات مقترحة في ادارة الموارد الطبيعية لها امكانية خلق وظائف. فنشاطات مثل اقامة جلول في المنحدرات، وبناء منشآت ري وزرع أشجار واقامة جدران تدعيم لمكافحة انجراف التربة، تتطلب عمالاً كثيرين وهي مطلوبة بإلحاح لمنع مزيد من الاستنزاف والتدهور. وهناك حاجة الى استثمارات اضافية لتخزين المياه والحفاظ عليها والري المقتصد، مما يخلق فرص عمل في انتاج المعدات الضرورية وتركيبها وصيانتها. ومن مصادر العمل الأخرى بناء سدود واعادة تأهيل الخزانات وضفاف الأنهار.
أجندة الاستثمار الأخضر
ان ضخ القطاعين العام والخاص استثمارات كافية في عدد من المجالات ذات الأولوية يمكن أن يخلق وظائف لا تحصى. وهذا يشمل الاستمرار في تطوير متسارع لتكنولوجيات طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقات المتجددة الأخرى، وتكنولوجيات الاقتصاد باستهلاك الوقود بما في ذلك الجيل الثاني من سيارات الهايبريد والسيارات التي تعمل بخلايا الوقود، والنقل المستدام داخل المدن، ومواد وتكنولوجيات بناء متقدمة، وزيادة كفاءة الأدوات والتجهيزات، وأساليب زراعية عضوية ومقاومة للجفاف ومقتصدة في المياه، والحفاظ على الأراضي، وبنية تحتية لمنع الفيضانات والحماية من التقلبات المناخية.
ويقدر حجم المنتجات والخدمات البيئية في السوق العالمية حالياً، بما في ذلك كفاءة الطاقة واعادة التدوير ونظافة المياه وكفاءتها والنقل المستدام، بنحو 1700 بليون دولار وقد يصل الى 3700 بليون دولار بحلول سنة 2020.
وهناك حاجة الى استراتيجية فعالة لتمويل التكيف العالمي مع تغير المناخ. وبحسب تقديرات برنامج الأمم المتحدة الانمائي، فان تمويل الاستثمارات والبنية التحتية اللازمة لتطوير ''الصمود المناخي'' سيتطلب 44 بليون دولار سنوياً بحلول سنة .2015 وهناك حاجة الى 40 بليون دولار أخرى سنوياً لتكييف برامج تخفيف الفقر مع تغير المناخ، ما يقوي قدرة الناس على التأقلم معه. ويمكن أن تضيف الاستجابة لكوارث المناخ بليوني دولار. هذا المجموع البالغ 86 بليون دولار يتطلب من البلدان المتقدمة أن تحشد نحو 0,2 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي سنة 2015، أي نحو عُشر ما تنفقه حالياً على الدفاع.
آلية التنمية النظيفة (MDC) وأدوات التنفيذ المشترك التي يتضمنها بروتوكول كيوتو، والتي تستطيع الشركات والحكومات بموجبها حيازة اعتمادات كربونية من خلال دعم مشاريع محددة لخفض الانبعاثات، هي آليات تمويل محتملة لمشاريع خضراء. وفي العام 2006، بلغت القيمة الاجمالية لهذه المشاريع نحو 4,4 بلايين دولار (من اصل قيمة الصفقات الكربونية العالمية البالغة نحو 30 بليون دولار). وتفيد تقديرات اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية لتغير المناخ أن تدفقات تمويل الكربون العالمية الى البلدان النامية يمكن أن تقفز الى 100 بليون دولار سنوياً.
التدريب الوظيفي
في البلدان النامية والبلدان المصنّعة على حد سواء، هناك حاجة متزايدة الى تدريب ما يدعوه البعض ''الياقات الخضراء'' على مجموعة واسعة من الوظائف والمراكز العالية. وهذا مهم لاعداد قوة العمل ككل، ولضمان أن الصناعات وأماكن العمل الخضراء لا تواجه نقصاً في العمال والموظفين المدربين بالشكل المناسب. على سبيل المثال، ستوفر التشريعات المقترحة في الولايات المتحدة تمويلا بقيمة 125 مليون دولار لبرامج تدريب وظيفي ومناهج دراسية ومقاييس وظيفية. وتعمل حملة ''أخضر للجميع'' (Green for All) على تأمين بليون دولار بحلول سنة 2012 لاستحداث ''ممرات خضراء الى خارج الفقر'' لربع مليون أميركي.
ولهذا التدريب الوظيفي أهمية مماثلة في البلدان النامية. فهناك مجموعة من المنظمات الدولية، مثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية والمجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية، تتعاون مع قطاعات الأعمال ونقابات العمال ومنظمات المجتمع المدني، ويمكنها أن تؤدي دوراً حاسماً في اقامة مراكز للتدريب على الوظائف الخضراء في البلدان النامية، بما فيها العربية.
كادر
ياقات خضراء
''علينا أن نعزز الوظائف في هذا البلد من جديد''، قالت هيلاري كلينتون المرشحة للرئاسة الأميركية خلال مناظرة في كانون الثاني (يناير) 2008، مضيفة: ''لهذا السبب أريد أن أضخ مالاً في وظائف الطاقة النظيفة، وظائف الياقات الخضراء''. وقال المرشح الديموقراطي الآخر باراك أوباما ان الياقات الخضراء ''محور خطتي الخاصة بالطاقة''.
لقد انضمت وظائف الياقات الخضراء الى وظائف الياقات الزرقاء (عمال المصانع والمنشآت) والياقات البيضاء (الوظائف المكتبية). وهي تشير الى وظائف في الاقتصاد الايكولوجي الجديد، من اصلاح الدراجات الى تغطية سطوح الأبنية بلاقطات شمسية. وتتوقع الجمعية الأميركية للطاقة الشمسية أن نحو ربع القوة العاملة في الولايات المتحدة يمكن أن تشغل وظائف خضراء بحلول سنة .2030
ولكن، تقول بات توماس، رئيسة تحرير مجلة ''إيكولوجيست'': ''لا يمكننا الحديث عن وظائف مستدامة إلا اذا تحدثنا عن اقتصاد مستدام، وهذا يفتح علبة ديدان لا يريد معظم السياسيين فتحها، فيطلقون وعوداً سطحية وعبارات رنانة تستثير تخيلات الناس لكنها لا تحثهم على التفكير بجدية''.