وسط حقل الغولف على أطراف مدينة كيمبردج البريطانية رافعات تبني وصلة طريق وبوابة لدخول وسائل النقل العمومية الى مدينة لا وجود لها بعد. نورثستوي هي النموذج الأولي لعشرة مواقع أعلنت الحكومة البريطانية أنها ستكون أول مدن ايكولوجية في البلاد، معلنة ''بزوغ فجر عصر جديد''.
المدن الايكولوجية العشر المزمع إنشاؤها ستكون مستوطنات جديدة بالكامل، يضم كل منها ما بين 5000 و20,000 منزل قليلة الكربون، مصممة وفق مجموعة من المعايير البيئية الصارمة. والمدينة بأكملها محايدة كربونياً، ما يعني أن كمية الطاقة التي تأخذها من الشبكة الوطنية هي أقل أو مساوية للكمية التي تعاد اليها من خلال الطاقة المتجددة.
نورثستوي اسم قديم للمنطقة. وعند انجاز المشروع سنة 2020، ستكون أول مدينة حديثة في القرن الحادي والعشرين توفر 9500 منزل لـ 24,000 مقيم، وأماكن عمل ومناطق صناعية لآلاف الوظائف ومنازل ومدارس وأبنية حكومية، مبنية بمواصفات صديقة للبيئة وقابلة للاستمرار اقتصادياً. وسوف تبنى المدينة الجديدة على حقل الغولف وأراض زراعية وعقار سابق لوزارة الدفاع. المنازل الأولى ومركز التعاون المشترك التي وعد المطورون بأن تكون تحفة للأنظار ستكون جاهزة للإشغال خلال سنتين. وأول مدرسة ابتدائية قد تفتح أبوابها في خريف 2010. في المراحل الأولى من الانشاء، ستجهز المنازل بملحقات صديقة للبيئة، مثل النوافذ الكبيرة المواجهة للجنوب، ونظم تسخين المياه بالطاقة الشمسية، وخزانات حصاد مياه الأمطار، والسطوح المكسوة بالنباتات لإبطاء انهمار مياه الأمطار الى الطرق. وسيتم إنشاء أرصفة مسامية ومجاري مياه وبحيرات وبرك لمنع طوفان الجداول.
عندما تتخذ المدينة شكلها، أي عندما يكتمل نحو 20 في المئة منها، فان محطات التوليد المشترك للحرارة والكهرباء بالطاقة المتجددة ستكون أكثر كفاءة وأقل كلفة من التجهيزات الشمسية التي تولد مقادير ضئيلة من الطاقة لمنازل منفصلة. وستدفأ الأبنية التجارية بواسطة مضخات من حرارة جوف الأرض. وسيكون هناك موقف للأوتوبيس ضمن مسافة 600 متر من كل منزل. ولن تبعد المنازل أكثر من خمس دقائق مشياً عن ملاعب الأطفال. وستقام مراكز صحية محلية تضم أطباء عامين واختصاصيين.
احتجاجات وخوف من الأثر البيئي
البيوت في المدن الايكولوجية العشر ستكون من ''الدرجة الثالثة'' في قانون المنازل المستدامة، أي تنتج انبعاثات أقل 25 في المئة مما هو مطلوب قانونياً حتى الآن. وستكون مواجهة للجنوب لالتقاط أمثل لأشعة الشمس، ويحتمل أن تركب على سطوحها لاقطات فوتوفولطية لمزيد من الكهرباء الشمسية. وسيكون هناك كثير من المساحات الخضراء ومسارات الدراجات وقليل من طرق السيارات. ويتوقع رؤية بضعة توربينات رياح.
وتقول الحكومة البريطانية إن كل مدينة يجب أن تكون لها هوية ''مستقلة ومميزة'' وعلاقات جيدة بالقرى والمدن المجاورة لتأمين فرص عمل ووسائل نقل وخدمات، آملة أن يكون سعر 30 في المئة من المنازل في متناول الجميع. ويجب أن تكون كل مدينة نموذجاً في مجال واحد على الأقل من الاستدامة البيئية. وتعتزم الحكومة بناء 5 مدن ايكولوجية بحلول سنة 2016، وصولاً الى 10 مدن بحلول سنة 2020، كجزء من خطط لبناء 3 ملايين منزل تحتاجها البلاد خلال السنوات الـ 12 المقبلة.
السكن والبيئة قضيتان رئيسيتان على جدول أعمال رئيس وزراء بريطانيا غوردون براون. ويقول وزير الصحة ألان جونسون ان المدن الايكولوجية يمكن أن تساعد في الكفاح ضد البدانة، وهو يريد أن يجعلها مدناً صحية من خلال تصميم طرق مأمونة للمشي الى المدارس وزيادة عدد مسارات الدراجات.
لكن ثمة اعتراضات على إقامة هذه ''المدن الايكولوجية''. وقد نبهت منظمات بيئية الى أن بعض المدن المقترحة ستدمر مواقع هامة للحياة الفطرية. ويحتج المقيمون في عدد من المدن والقرى القريبة على هذه الخطط. ويدعي كثيرون أن المستوطنات الجديدة ستضغط بشدة على الطرق والمدارس القائمة، وتتسبب بزحف الاسمنت الى الأرياف. ويتخوف أهالي قرية لونغستانتون، التي لا تبعد سوى أمتار عن حدود نورثستوي، من أن تدمر المدينة قريتهم، فتغطي أراضي خضراء وتجعل قريتهم أكثر عرضة للفيضانات. ويقول ميك بارو الذي يدير المتجر الوحيد في القرية ان كثيراً من الأهالي يريدون حاجزاً أخضر بعرض 200 متر على الأقل يفصلهم عن المدينة العتيدة. لكنه يقرّ بأن ''ليس الجميع ضد نورثستوي، فالشباب يقولون: لتكن هذه المدينة، فليس في قريتنا شيء، بعد عشر سنين نستطيع ارتياد حانات وأندية وسينما تأتي مع مدينة جديدة''.
وترى منظمة ''المنازل الخالية'' أن بناء منازل جديدة يؤدي الى انبعاث كمية من الكربون تزيد 4,5 أضعاف عن انبعاثات اعادة تأهيل المنازل القديمة. واقامة مدينة ايكولوجية تتطلب بناء منازل وطرق ومجاري صرف ومتاجر وكل ما يلزم من خدمات انطلاقاً من لا شيء، وهذا ليس أكثر اقتصاداً بالكربون من توسيع مستوطنة قائمة و''تخضيرها''.
وانتقدت ''الحملة لحماية الريف البريطاني'' كثيراً من الاقتراحات الواردة في مشروع المدن الايكولوجية الجديدة. وقالت مسؤولة التخطيط فيها كيت غوردون: ''هناك عدد من المواقع التي تنطوي على خسارة حقول خضراء وأراض زراعية وتشويه مناظر طبيعية خلابة''.
وكتب سايمون جنكينز مقالاً في صحيفة ''غارديان'' جاء فيه: ''على الناس أن يصرفوا النظر عن هذه المدن التي هي من نسج خيال المخططين. المدن الكبرى فقط هي التي تعمل بلا سيارات. ثم إن في بريطانيا كثيراً من المدن الايكولوجية المحتملة، وهي تدعى لندن وبرمنغهام ومانشستر وليفربول وليدز وشيفيلد ونيوكاسل والكثير غيرها. وهي تتطابق مع كل أهداف الحكومة المعلنة: بنية تحتية مكتملة من المرافق العامة والمدارس والمستوصفات والمكاتب وخدمات الرعاية والنقل العمومي. وقد أبدى الناس استعداداً للعيش والعمل واللعب فيها من دون أن يستعملوا سيارات خاصة. وهي مجتمعات مستقرة قادرة على استيعاب الهجرة والعيش الكثيف من دون الاخلال بروابط القيادة المحلية. هذه المدن الايكولوجية تحوي أدنى كثافات سكانية في أوروبا وأوسع الطرق، ويمكنها استقبال مزيد من المقيمين كل سنة''.
أضاف جنكينز: ''معظم الناس يعيشون في مدن. لذلك، ومن أجل خفض الانبعاثات الكربونية، يجب التغلب على هذه النزعة المناهضة للمدن. أي مغفل يمكن أن يبني في ما تبقى من الأرياف ويدعو ذلك عملاً ايكولوجياً. هذا لن يصون الحياة على الأرض، بل يدفع مزيداً من الناس الى الافراط في التنقل. الطريقة التي تؤدي الى حفظ خضرة الأرياف وزيادة كفاءة الكربون في المستوطنات البشرية هي جعل مدن اليوم تعمل بشكل أفضل''.
المحتجون على مشروع مدينة بنبوري الايكولوجية في مقاطعة لسترشاير قالوا ان التأثير على المنطقة المحيطة سيتضمن 30,000 الى 40,000 سيارة اضافية كل يوم. وقال أحدهم: ''هذا سيدمر مجتمعنا القروي الذي عرفناه واحببناه. لو أردنا أن نعيش في مدينة لفعلنا، لكننا نحب حياة القرية. حياتنا تسرق منا، والجميع خائفون من فكرة استقدام 20 ألف شخص الى عتبة قريتنا''.
قرى إيكولوجية
ثمة مجتمعات كثيرة حول العالم يعمل سكانها لتخفيض تأثيراتهم على البيئة المحلية والعالمية. البعض يدخل تعديلات على مجتمعات قائمة، والبعض يبني مجتمعات جديدة، فيما يبتكر البعض برامج حديثة لمجتمعات تقليدية.
يعتبر إريك أسادوريان، الباحث في معهد ''وورلد واتش'' للأبحاث البيئية في واشنطن، أن حركة ''القرية الايكولوجية'' العالمية من الأمثلة الأكثر تطوراً في هذا الاتجاه. والقرية الايكولوجية، وفق تعريف متفق عليه، هي ''مستوطنة مكتملة المعايير والمقومات، حيث النشاطات البشرية تندمج في العالم الطبيعي بشكل غير مؤذ، بطريقة تدعم تنمية بشرية صحية ويمكن أن تستمر بنجاح الى مستقبل غير محدود''. وحتى الآن، تقدم هذه المعايير الصارمة مثلاً أعلى تسعى اليه القرى الايكولوجية، لا مقياساً يتحقق فعلاً.
وفق دليل ''الشبكة العالمية للقرى الايكولوجية''، توجد حالياً 375 قرية من هذا النوع حول العالم. وفيما تسعى جميعها لتحقيق هدف موحد، فان التنوع في ما بينها مذهل. فهي قد توجد في الأرياف والمدن والضواحي، وفي بلدان صناعية ونامية. لكن هذا الرقم لا يعكس العدد الاجمالي للمجتمعات التي تجاهد كي تكون مستدامة. وهو يستثني، على سبيل المثال، مجمعّات المساكن المتعاونة وشبكات القرى المستدامة.
ويورد أسادوريان أمثلة على هذه القرى الإيكولوجية في كتاب ''مؤشرات حيوية 2007 ـ 2008” الصادر عن معهد ''وورلد واتش''. ففي الجبال القريبة من مدينة أشفيل في ولاية كارولينا الشمالية قرية ايكولوجية ريفية يقطنها 60 مقيماً. وقد انطلقت قبل 13 سنة، وهي مصممة لتستوعب 160 فرداً لدى اكتمالها. المنازل هناك تُبنى بأخشاب من غابات محلية تخضع لادارة صارمة، وتأتي المياه من ينابيع جبلية ومن حصاد الأمطار، ويتم توليد الكهرباء بخلايا فوتوفولطية شمسية ومولد كهرمائي صغير.
هناك قرية ايكولوجية ريفية أخرى تدعى مبام، تقع في دلتا سينيه ـ سالوم بالسنغال. وهي تستخدم تكنولوجيات ملائمة ومنخفضة التأثير على البيئة، مثل الأفران الشمسية والزراعة المستدامة، ومن نشاطاتها الرئيسية استعادة غابات المنغروف (القرم) لحماية الشاطئ من التملح.
وثمة قرية ايكولوجية في الدنمارك تدعى مونكسوغارد، تبعد نحو نصف ساعة بالقطار عن العاصمة كوبنهاغن، ويقطنها نحو 230 مقيماً يعيشون في 100 شقة ضمن خمسة مجمّعات. وهي تملك مزرعة عضوية مساحتها 24 هكتاراً توفر محاصيل غذائية للسكان. وتعتبر أكبر مشروع بناء ايكولوجي في البلاد، وقد فازت عام 2000 بالمركز الأول في مسابقة دنماركية لأفضل تصميم مستدام للقرن الحادي والعشرين.
تقام القرى الايكولوجية أيضاً في مناطق مدينية. ففي بورتو أليغري بالبرازيل، مثلاً، تم بناء مستوطنة لـ28 أسرة عام 2002، استعملت فيها تقنيات ومواد بناء مستدامة (مثل اللاقطات الشمسية والمواد المحلية)، وأقيمت حدائق وسطوح مزروعة بالعشب ومستنقعات اصطناعية لمعالجة مياه الصرف. واضافة الى كونها مشروعاً تجريبياً للسكن المستدام والميسَّر اقتصادياً، تساعد مؤسسة استشارية اقامتها المستوطنة في بناء قريتين ايكولوجيتين في المدينة.
حققت قرى ايكولوجية كثيرة خطوات كبيرة في تخفيض تأثيرها على البيئة. ووجدت دراسة حديثة أن البصمة الايكولوجية للفرد في فيندهورن، وهي قرية ايكولوجية في اسكوتلندا، بلغت نحو 60 في المئة من معدل البصمة في بريطانيا. وفي قرية سيبن ليدن الايكولوجية بألمانيا، بلغت انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون للفرد 28 في المئة فقط من المعدل الألماني.
مجتمعات تقليدية وتشاركية
بعيداً عن القرى الايكولوجية، هناك مجموعة أوسع من المجتمعات التي تقدم دروساً في العيش المستدام. فقد اختارت مستوطنات دينية معينة تبنّي طرق عيش بسيطة، حتى مع توافر التكنولوجيات الحديثة. ففي الولايات المتحدة، مثلاً، تمتنع بعض مجتمعات طائفة الأميش عن استعمال الكهرباء والمحركات (على رغم أن غالبية الأميش لا تحظر استعمال المحركات). ولكثير من المجتمعات الزراعية، حيث غالبية المقيمين يكسبون رزقهم من مزارع عائلية صغيرة وباستعمال الموارد المحلية، تأثيرات على البيئة أقل بكثير من مجتمعات أخرى.
أما الذين ترعرعوا في مجتمع استهلاكي فمعظمهم لا يهتمون بـ''العودة الى الأرض''. لكن هناك كثيراً من الفرص المتاحة لتخفيض التأثيرات البيئية للحياة اليومية، وبعضها يساهم في اعادة بناء علاقات اجتماعية في حضارة اختفت فيها هذه العلاقات.
حركة المساكن المتشاركة، على سبيل المثال، تركز على تحسين نوعية الحياة من خلال تصميم مساكن تسهل الصلات الاجتماعية. وتتضمن جهود هذه الحركة إقامة أبنية مشتركة تضم وحدات سكنية مترابطة صغيرة، ما يتيح الحفاظ على مزيد من أراضي المستوطنة في حالة طبيعية (اذا كانت في منطقة ريفية). وتقدم فيها وجبات طعام جماعية من وقت الى آخر، وبعض الخدمات والتجهيزات الرئيسية المشتركة مثل السيارات والأدوات الكهربائية والمعدات الأخرى التي لا تستعمل باستمرار. وفيما يصعب إحصاء المجتمعات ذات المساكن المتشاركة، فقد سجل نحو 230 منها في أميركا الشمالية، وأكثر من 250 في أوروبا، غالبيتها في الدنمارك منشأ هذا النوع من المساكن.
بعض متعهدي مشاريع التطوير العقاري بدأوا أيضاً بادخال الاستدامة في تصاميم المساكن الجديدة. على سبيل المثال، صندوق بيبودي (Peabody Trust) الذي يقدم مساكن ميسَّرة لأكثر من 50,000 شخص في لندن، أقام مجمَّعاً سكنياً يضـم 82 وحـدة ويـدع BedZed (Beddington Zero Energy Development). وحسبما يوحي الاسم، فان هدف هذه المستوطنة انتاج كمية من الطاقة كافية لتأمين حاجات استهلاكها. وهي تجاهد لتحقيق هذا الهدف من خلال الجمع بين التصميم المؤاتي شمسياً، واجراءات الاقتصاد بالطاقة، ومحطة طاقة تنتج الكهرباء والماء الساخن وتشغلها مخلفات خشبية، اضافة الى مزيد من المشي وركوب الدراجات ووسائط النقل العام. ولكل مقيم في مجمع BedZed بصمة ايكولوجية لا تزيد على 60 في المئة من البصمة الإيكولوجية للمواطن البريطاني العادي.
وتساعد هيئات دولية في دعم جهود التنمية المستدامة التي تعتمدها هذه المجتمعات. فبرنامج ادارة المناطق المحمية في المستوطنات (COMPACT) لدى مرفق البيئة العالمي يقدم منحاً بقيمة 50,000 دولار لمجتمعات مدرجة في قائمة المواقع التراثية العالمية، لمساعدتها على اقامة مشاريع تحسن معيشة السكان وتخفض في الوقت ذاته أثرهم على النظم الايكولوجية المجاورة.
نتيجة تغيرات دراماتيكية ناشئة عن الاحتباس الحراري والاستغلال غير المستدام للموارد الطبيعية وخدمات النظم الايكولوجية التي يعتمد عليها البشر، يحاول مزيد من المجتمعات معالجة قضايا الاستدامة. ويعمل بعضها على لامركزية الزراعة، وتخفيض استهلاك الطاقة، وايجاد فرص عمل محلية أفضل. وهي اقامت تعاونيات لمنتجات غذائية محلية، وبرامج زراعية عضوية مدعومة، ومحطات للمشاركة في ركوب السيارات، ووسائل أخرى لتخفيض تأثيراتها البيئية.
نشأت شبكات عالمية لنشر هذه الممارسات المستدامة. وشبكة اعادة التموقع Relocalization Network التي انطلقت عام 2003 تساعد في التنسيق بين 150 مجتمعاً محلياً تحاول أن تصبح أكثر استدامة وأقل اعتماداً على نظام اقتصادي هش ومعولم.
كادر
تجزيرة الكنز: المدينة الأكثر استدامة على الأرض
''جزيرة الكنز'' (Treasure Island) قطعة أرض من صنع الانسان قبالة مدينة سان فرنسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأميركية. تتكون من 15 مليون متر مكعب من تربة قاع البحر، بين طبقتين من الصخور تزنان 287 ألف طن، وتكسوها طبقة رقيقة من الطين الرملي بحجم 38 ألف متر مكعب.
أقيمت هذه الجزيرة لمناسبة ''معرض غولدن غيت الدولي'' عام 1939، ومن ثم تحولت قاعدة بحرية، الى أن تم اخلاؤها قبل 11 عاماً. ومنذ ذلك الوقت، أخذت مدينة سان فرنسيسكو تدرس سبل إعادة تطوير هذه الأرض الجرداء. وبعد نحو 300 لقاء جمع مسؤولين ومهندسين ومعماريين والجمهور، برزت خطة طموحة خضراء: اقامة ''واحة مدينية'' يقطنها 13,500 نسمة وتضم أحدث النظم التكنولوجية والطبيعية التي يتوقع أن تترك أقل بصمة بشرية على الأرض.
سنة 2009 ستبدأ المراحل الأولى للبناء، فتشتهر هذه الجزيرة فجأة كموئل ومختبر للتنمية الخضراء. وسوف تنفذ فيها أحدث تقنيات الاقتصاد بالمياه، وكفاءة الطاقة، وادارة النفايات، والعيش بأثر منخفض. والهدف اقامة ''المدينة الأكثر رفقاً بالبيئة في العالم''، كمثال مشرف لما يمكن أن يحمله المستقبل.
مصممو الخطة المثالية ينظرون الى هذه المدينة على أنها الأقل تهديداً لكوكب الأرض، بل كفرصة لحياة قابلة للاستمرار. فبدلاً من تبديد الموارد الطبيعية وهدر النفايات ومياه المجاري، سوف تنتج الجزيرة الطاقة التي تحتاجها وتعيد تدوير نفاياتها، محولة البيئة المدينية التقليدية من شبه مصنع الى نظام ايكولوجي. ومن خلال نظم ذكية صديقة للبيئة، ستكون المدينة قادرة على استيعاب عدد أكبر من السكان بموارد أقل كثيراً.
وحين تكتمل التغييرات، فإن اعادة إعمار الجزيرة برمتها سوف تزيل الشعور الحالي بالعزلة الشخصية للسكان الحاليين، لكي ينتفع الجمهور من ازدياد كبير في مساحة الحيز المكشوف. فعلى سبيل المثال، سوف تزداد الكثافة السكنية من وحدتين في كل 1000 متر مربع الى 20 وحدة، ما يضاعف مساحة الحيز المكشوف ويستوعب في الوقت ذاته نحو عشرة أضعاف عدد السكان.
تدعو الخطة أيضاً لتقصير الشوارع الى 120 متراً كحد أقصى، ما يوفر فسحات أكبر للمشاة. وسيكون بامكان 90 في المئة من المقيمين ترك سياراتهم مركونة معظم الوقت، لأن بيوتهم ستكون على مسافة 10 دقائق مشياً من وسط المدينة. والحيز المكشوف الذي تبلغ مساحته 900 ألف متر مربع سوف يزرع بمجموعة مختارة من النباتات تساعد في موازنة انتاج غازات الدفيئة في المدينة. هذا التخطيط الذكي لفسحات المشاة ونباتات امتصاص الكربون سيخفض الانبعاثات الكربونية للفرد بنسبة 60 في المئة، من 3500 كيلوغرام الى 1375 كيلوغراماً في السنة.
وأجري تحليل للأنماط المناخية، ساعد لجنة التخطيط المديني في اعادة توجيه شبكات الطرق 35 درجة غرباً على خط مستقيم شمالاً، ما يتيح أفضل تعرض للشمس ويوفر حماية أكبر من الرياح البحرية السائدة. واعادة التخطيط هذه ستزيد كفاءة الطاقة وتوفر جواً ممتعاً للتجوال في المدينة.
ومع حلول سنة 2020، سوف يكون أكثر من 93,000 متر مربع من سطوح المباني مكسواً بلاقطات شمسية تنتج نحو 30 مليون كيلوواط ساعة من الكهرباء في السنة. هذه الطاقة تفوق الاستهلاك المحلي وتتيح تغذية الشبكة العامة بالفائض أثناء ساعات الذروة. كما أن مزرعة رياح على الزاوية الشمالية الغربية للجزيرة، مدعومة بتوربينات مركبة على السطوح، سوف ترفد إمدادات الطاقة الشمسية.
وسوف تقام مزرعة محاصيل على مساحة 80,000 متر مربع، تبعد عن وسط المدينة أقل من كيلومترين، ما يخفض نفقات الشحن على السكان. وللمقارنة، تقطع السلع الغذائية في الولايات المتحدة مسافة 2400 كيلومتر في المتوسط من المزرعة الى السوق، ما يشكل عبئاً لا يستهان به على القطاع الزراعي والمستهلكين. وسوف تقام مستنقعات في طرف الجزيرة لاحتجاز غالبية مياه الأمطار المتساقطة وتصفيتها. وسوف تنتشر على الجزيرة خنادق بيولوجية، هي قنوات تملأ بسماد عضوي أو بنباتات فتساعد في ازالة الطمي والتلوث طبيعياً. وسوف تعالج نحو 25 في المئة من المياه المبتذلة الناتجة عن المنازل وأماكن العمل لري الأراضي وللاستعمال في المباني التجارية.
هذه الخطة المعتمدة سوف تنتج فرصاً مؤاتية للتطوير العقاري الصديق للبيئة ولرجال الأعمال على حد سواء، ما يمكنهم من عرض أفكارهم ومنتجاتهم المبتكرة والمراعية للبيئة على العالم. والنتائج النهائية لمجمل الخدمات التنموية المقترحة والمقررة قد تكرّس جزيرة الكنز البيئة المدينية المستدامة الأكثر واقعية على الأرض.
كادر
مدينة مصدر: حلم المستقبل لا يلغي كابوس الحاضر
في 9 شباط (فبراير) 2008 وضع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي الحجر الأساس لمدينة ''مصدر''، ايذاناً ببدء الأعمال الانشائية لأول مدينة في العالم خالية من الانبعاثات الكربونية والسيارات والنفايات.
وأعلن الدكتور سلطان أحمد الجابر، الرئيس التنفيذي لشركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر) التي تملكها حكومة أبوظبي، عن موازنة اجمالية لتطوير المدينة تبلغ 22 بليون دولار. ومن الأهداف الرئيسية لتطوير المدينة ''تمويل الكربون''، وذلك عبر منح الانخفاض المحقق في الانبعاثات الكربونية داخلها قيمة مالية بموجب آلية التنمية النظيفة في بروتوكول كيوتو.
إضافة إلى قاطنيها الدائمين، سوف تسعى المدينة إلى استقطاب كفاءات وخبراء في قطاعات الطاقة المتجددة، والنقل المستدام، وادارة النفايات، والمحافظة على المياه ومعالجة المياه المبتذلة، والإنشاءات والمباني الخضراء، والتدوير، والتنوع البيولوجي، ومكافحة التغير المناخي، وتمويل المشاريع الخضراء. ومن خلال ذلك يؤمل أن تحقق وفراً يتجاوز بليوني دولار من النفط على مدى 25 عاماً، وأن تؤمن ما يزيد على 70 ألف فرصة عمل وتساهم بأكثر من 2 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي السنوي لامارة أبوظبي.
قال الجابر: ''نعمل على إنشاء مدينة توفر لقاطنيها وروادها أرقى مستويات الحياة بأقل حد ممكن من الأضرار البيئية. وستكون مدينة مصدر مركز العالم لطاقة المستقبل. وبالارتقاء بمعايير الحياة اليومية والتنمية المستدامة إلى آفاق جديدة، ستقدم نموذجاً يدرك العالم من خلاله كيف يتم إنشاء مدن المستقبل''. وأكد أن المدينة ستشهد مستويات غير مسبوقة في انخفاض الطلب على الاحتياجات. فسوف تتطلب 200 ميغاواط من الطاقة النظيفة، في مقابل أكثر من 800 ميغاواط لمدينة تقليدية في حجمها، ما يخفض استهلاك الطاقة بنسبة 75 في المئة. وسوف تحتاج الى 8000 متر مكعب من مياه التحلية يومياً، مقارنة بأكثر من 20,000 متر مكعب لمدينة تقليدية مماثلة، ما يخفض الاحتياجات المائية بأكثر من النصف. وتحتاج مدينة تقليدية بهذا الحجم الى مكبات واسعة، في حين أن مدينة مصدر لن تحتاج عملياً الى مكبات.
وسيتم تطوير المدينة على سبع مراحل، تتمثل الخطوة الأولى في بناء ''معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا''، أول جامعة متخصصة بدراسات الطاقة المتجددة في العالم، بالتعاون مع معهد مساتشوستس للتكنولوجيا MIT. ومن المقرر افتتاحه سنة 2009.
المدينة التي تبلغ مساحتها ستة كيلومترات مربعة، والواقعة بالقرب من مطار أبوظبي الدولي، صممتها شركة ''فوستر'' لهندسة العمارة، ومن المتوقع انجازها سنة 2016 في اطار ''خطة تنمية أبوظبي 2030". ويؤمل أن تحتضن 1500 شركة و50 ألف نسمة، وتكون مقراً لشركات عالمية وخبراء الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة. وسيتم تخصيص 30 في المئة من مساحتها للسكن، و24 في المئة لمنطقة الأعمال والأبحاث، و13 في المئة للمشاريع التجارية بما فيها الصناعات الخفيفة، و6 في المئة لـ ''معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا''، و19 في المئة للخدمات والنقل، و8 في المئة للفعاليات المدنية والثقافية.
وستكون ''مدينة مصدر'' مقراً لمبادرة ''مصدر'' التي أطلقتها أبوظبي باستثمارات قيمتها 15 بليون دولار، من أجل تكريس دولة الامارات الغنية بالنفط مركزاً دولياً لتطوير تقنيات مبتكرة في مجالات الطاقة المتجددة والبديلة والمستدامة، والتصميم المستدام، وتسويقها تجارياً.
في الوقت الحاضر، لا تحصل الامارات على أي جزء من متطلباتها الطاقوية من مصادر متجددة. وقد وضعها الصندوق العالمي لحماية الطبيعة في المركز الأول كصاحبة أكبر بصمة كربونية في العالم، مع أن حكومتها نفت صحة هذا التقدير. لذلك يؤمل ألا تقتصر جهود تعزيز الطاقة المستدامة على استغلال طاقة الشمس والرياح في مدينة مصدر النموذجية، بل أن تعم الكفاءة الطاقوية وترشيد الاستهلاك جميع المناطق المأهولة في البلاد.
كادر
قرية إيثاكا البيئية في نيويورك
في ضاحية إيثاكا بولاية نيويورك قرية بيئية يعيش فيها نحو 200 شخص في 60 منزلاً متجاوراً تحتوي على تجهيزات مقتصدة بالطاقة والمياه. تملأ العائلات كلها طوال الأسبوع مستوعب نفايات سعته 10 أمتار مربعة، أي أقل من ربع الكمية التي يولدها عادة مجمّع سكني بهذا الحجم، وكل المخلفات الأخرى يعاد تدويرها أو يتم تحويلها الى سماد عضوي. وتضم أراضي القرية حقولاً وغابة، وتتاخم محمية طبيعية، وفيها مزرعة على مساحة 4 هكتارات تنتج محاصيل عضوية كافية لاطعام 1000 شخص. ويتوسط القرية ''بيت مشترك'' هو بمثابة ملتقى، حيث توجد مرافق مشتركة لغسل الملابس ومطبخ كامل التجهيز وغرفة طعام يجتمع فيها السكان لتناول أربع وجبات أسبوعياً.
قرى البحيرة في مصر
تتنافس على لقب ''صديقة البيئة''
مشاريع متنوعة من فرز النفايات ومنع التدخين الى صنع ورق وعلف من قش الرز وتعليق أكياس على مؤخرات الدواب لجمع روثها
نهال لاشين (القاهرة)
إمكانات ضعيفة، قابلتها عزيمة قوية، جعلت من 13 قرية في محافظة البحيرة في مصر ''قرى صديقة للبيئة''. مشهد بديع، وطبيعة خلابة، وجو عفوي بعيد عن التكلف عشته مع أهالي قرى البحيرة لمدة يوم كامل، شاهدت خلاله أعمالاً بيئية متميزة، ربما لم تحظ بها كبرى مدن مصر.
أجج الفكرة المهندس الزراعي سعيد الغرباوي، ابن قرية الغرباوي الرائدة لهذا العمل البيئي. فقد استلهم الفكرة من كينيا حيث كان عضو مجلس ادارة جمعية المحافظة على البيئة وتنسيق الزهور في مدينة مومباسا. قال: ''على رغم الإمكانات الضعيفة التي شاهدتها في كينيا، إلا أن البيئة خلابة وملهمة، وأنا أؤمن بأن التنمية البيئية هي مدخل لأي تنمية أياً كان نوعها''.
بعد عودته من كينيا عام 2000 جمع أهالي قريته التي يبلغ تعداد سكانها ألفي نسمة، لينقل اليهم خبرته وتجربته من أجل القيام بعمل بيئي غير مسبوق في مصر.
قرية الغرباوي بداية الطريق
يروي الغرباوي: ''عدت إلى قريتي ولدي أحلام كبيرة. كنت أتمنى أن أنشئ قرية سياحية ريفية على مستوى العالم، ولو انتظرنا القرارات الحكومية بشراء هذا وذاك لما تم شيء. أنا رجل مجتمع مدني، إن فشلت في إقناع الأهالي بالتنفيذ يكون التنحي أفضل''. فالعمل البيئي كما يراه الغرباوي يتطلب إرادة وقدرة على التنفيذ، حتى من دون تدخل حكومي.
بسواعد أهل القرية، وبالإمكانات البسيطة المتاحة، بدأ العمل الجماعي عام 2003 بتنظيف الشوارع والحارات في القرية، وتعليق سلال للمهملات بين كل بيتين، وتشجير الشوارع.
ولم يقتصر الأمر على الأعمال الجماعية، فكانت هناك أعمال فردية يقوم بها أصحاب كل منزل، باقامة حديقة صغيرة تضم أزهاراً ونباتات زينة، أو نباتات مثمرة يستفيد منها أهل البيت في سد احتياجاتهم من الغذاء.
وأبدع أهالي القرية في إنشاء حدائق جدارية بوضع أصص النباتات على رفوف خشبية معلقة على الجدران، و''حدائق معلقة'' بمد خيط نايلون شفاف وتعليق نباتات الزينة عليه فتبدو كأنها معلقة في الهواء.
وطبقت قرية الغرباوي قانوناً داخلياً يمنع التدخين في القرية، وفرضت غرامة على من يدخن أو من وجد داخل بيته أثر للتدخين كأعقاب السجائر. والطريف أن هذه الغرامة ليست مالية، بل أهلية بدعوة 12 فرداً من أهالي القرية الى مأدبة غداء.
بعد شهرين من العمل ذاع صيت القرية ووصلت أصداء هذا العمل إلى محافظ البحيرة. فقام بزيارة الى القرية وجلس مع الأهالي ليسمع منهم تجربتهم البيئية الرائدة. وكان أول تمويل من المحافظة: مليون جنيه مصري (الدولار الاميركي يعادل حالياً 5,4 جنيه مصري) لرصف شوارع القرية كلها.
وطلب المحافظ من المهندس سعيد الغرباوي تطبيق هذه التجربة التنموية على مستوى قرى البحيرة، تلك المحافظة التي تتمتع بموقع استراتيجي هام بين فرع رشيد شرقاً ومحافظتي الإسكندرية ومطروح غرباً والبحر المتوسط شمالاً ومحافظة الجيزة جنوباً، وتبلغ مساحتها 9121 كيلومتراً مربعاً يغطي القطاع الريفي 62% في المئة منها.
وبالتنسيق بين محافظ البحيرة ورئيس جهاز بناء وتنمية القرية المصرية التابع لوزارة التنمية المحلية في القاهرة، تم الاتفاق على إطلاق تسمية ''القرى الصديقة للبيئة'' على القرى التي تقوم بأعمال جادة ومستمرة للحفاظ على البيئة. وبدأت القرى تتنافس سعياً للحصول على اللقب، فأي قرية تبدأ في العمل وتحقق إنجازات واضحة يأتي المحافظ لزيارتها وإعلانها ''قرية صديقة للبيئة''، مع متابعتها بشكل دوري من خلال السلطة التنفيذية.
وبتعاون السلطة التنفيذية مع الجهود الذاتية التطوعية لأهالي القرى، بدأ العمل وفقاً لنظام محدد، مما سهل على المهندس سعيد الغرباوي نقل الخبرة الى 12 قرية أخرى في البحيرة. فتم اختيار مسؤول في كل قرية يتولى التنسيق مع السلطة التنفيذية، ومعه عدد من ''القيادات الطبيعية التي تباشر تنفيذ المشاريع البيئية الصغيرة.
يتم اختيار أشخاص من ذوي السمعة الطيبة في القرية، مشهود لهم بكفاءة تجعلهم يؤثرون في الناس. وقد اصطلح على تسميتهم ''قيادة طبيعية'' لأن لديهم استعداداً طبيعياً لعمل الخير. تقول وجيدة علي مدير عام تنمية القرية في محافظة البحيرة: ''لدى القيادات الطبيعية استـعداد فطـري لعمل الخير وخدمة البلد من دون مقابل أو طمع بمنصب سياسي، فيقومون بالعمل التطوعي من دون أي غرض، بخلاف القيادة الشعبية المنتخبة أو التنفيذية المعينة''.
ومن أبرز القيادات الطبيعية في قرية المجد، التي حصلت على لقب ''صديقة البيئة''، نوال محمد الششتاوي التي تشرف على مشروع لفرز القمامة. قالت: ''كنت مسؤولة عن تعليم ربات البيوت وتوعيتهم في كيفية فرز القمامة داخل المنزل، وذلك من خلال ندوات ولقاءات في قاعة الاجتماعات في القرية، التي كانت تستوعب أحياناً 1000 شخص بين شباب وسيدات وأطفال''. وأكدت أن الاستجابة كانت سريعة جداً من النساء والأطفال تحديداً، فعملية فرز القمامة تم تنفيذها منذ أول اجتماع مع أهالي القرية.
قمامة تدر مالاً
''بأقل الإمكانات نبيع قمامة بالألوفات''، هذه العبارة رددها أحد أهالي قرية كوم الحاصل الصديقة للبيئة. قال مصطفى وهو مأمور ضرائب سابق يعمل في مشروع فرز القمامة في القرية: ''حصلنا على 2600 جنيه لقاء حمولة 26 شاحنة من القمامة. فنحن نتقاضى 100 جنيه عن كل سيارة محملة بالمخلفات العضوية، ونبيع مخلفات معدنية لتجار الخردة''.
وبمساعدة مكتب الارشاد الزراعي في القرية يتم تحويل المواد العضوية إلى سماد عضوي يباع الى المزارعين.
ويوضح المستشار الدكتور خيري الكباش، أستاذ قانون حقوق الإنسان ورئيس جمعية الحمد الإسلامية للتنمية في قرية المجد والمسؤول عن تنفيذ التجربة في القرية، أن عملية فرز القمامة تتم داخل البيوت. اذ تقوم جميع ربات البيوت بتجهيز سلتين لفرز المواد الصلبة والمواد العضوية، ثم يمر جرار بمقطورتين، واحدة لكل نوع من المخلفات، ويتجه الى مقلب تجمع فيه القمامة بنوعيها.
منح خارجية ومشاريع اخرى
نالت قرية كوم الحاصل منحة دنماركية لشراء جرار ومقطورة وكاسحة وأدوات لفرز القمامة. وتقول وجيدة علي: ''عندما نجد لدى أهالي القرية استعداداً جيداً للعمل البيئي، نتصل بالجهات المانحة لتوفير بعض الاحتياجات المادية، مثل جرار للقمامة أو أدوات تنظيف أو ماكينة لكبس قش الرز لاستخدامه في صناعة الورق، بهدف الحد من ظاهرة حرق القش المنتشرة في مصر''.
وهناك حل آخر لقش الرز يقوم به أهالي قرية الزمارنة الصديقة للبيئة، اذ ينفذون مشروعاً لتحويله الى علف حيواني بديل للتبن.
ومن المشاريع الجديدة أيضاً التي شاهدتها في قرية العلامية، فصل النفايات الطبية الخطرة كالحقن والقطن المستعمل، لمنع نقل العدوى الى فارزي القمامة.
وآخر التجارب التي تحاول قرية الغرباوي تطبيقها ''بامبرز الحيوانات''، وهي تجربة طريفة لم يستوعبها أهالي القرية بعد، حيث يعلق كيس بلاستيك في مؤخرة الحيوان ليجمع فيه الروث.
نجحت 13 قرية وفشلت 8
على رغم الجهود التي حققتها الأجهزة التنفيذية بالتعاون مع الأجهزة الشعبية في 13 قرية في محافظة البحيرة، إلا أن 8 قرى لم تستجب لمحاولة التغيير والتنافس على لقب ''صديقة البيئة''. ويفسر الغرباوي عدم استجابتهم بغياب فلسفة العمل الجماعي لديهم قائلاً: ''النزاعات بين العائلات والجمعيات الأهلية قد تهدم أي عمل جماعي''.
ويؤكد على هذا المستشار خيري الكباش بقوله: ''الأنا تهدم كل شيء، والتعاون المخلص دون ''أنا'' هو السر وراء نجاح أي عمل تنموي. وهذا الجهد إن زانه الإخلاص أثمر كالأرض الطيبة''.
كذلك، وعلى رغم الجهود المتميزة التي شاهدتها في القرى الصديقة للبيئة، لم يخلُ المشهد من نفايات ورق متطاير، وقشر برتقال متناثر على الأرض، وعلى الجانب الآخر من ضفة النيل سيدة تغسل الأواني في مياه النهر. كل هذه المشاهد كان يعلق عليها المهندس سعيد الغرباوي أثناء جولتنا الميدانية، فكان الأهالي يهرعون لتنظيف المكان سريعاً كي لا يحرموا من اللقب.
قال المستشار الكباش: ''إنها ثقافة ماضية تراكمت وطغت، فاعتادت العين رؤية الشيء القبيح واعتادت الأذن سماع الشيء القبيح. ولا بد أن نعوّد أنفسنا ألا ترى أعيننا إلا الجمال وألا تسمع آذاننا إلا ما هو جميل وألا يتحدث لساننا إلا بكل جميل. وهذا كله يحتاج إلى بيئة جميلة''.
كادر
جوائز بيئية
- عام 2005 حصلت جمعية الغرباوي لحماية البيئة على درع أفضل عمل بيئي في مسابقة ''نادي روتاري دمنهور''.
- عام 2006 احتلت قرية الغرباوي المركز الأول في مسابقة دبي الدولية لأفضل عمل بيئي ريادي على مستوى الوطن العربي، التي نظمتها المنظمة العربية للتنمية الإدارية المنبثقة عن جامعة الدول العربية. وكانت الجائزة مقدمة من خادم الحرمين الشريفين وقيمتها 40 ألف دولار، وتم بها شراء حافلة سياحية يستخدم مردودها المادي لاستكمال المشروع البيئي في القرية.
- عام 2007 فازت قرية الغرباوي بجائزة أفضل عمل بيئي أهلي في مسابقة نظمتها مكتبة الإسكندرية على مستوى جمهورية مصر، وتم تسليم الجائزة في يوم الإصلاح العربي في نيسان (أبريل).