يتوقع الباحثون أن يختفي ثلثا الغابات في حوض نهر الكونغو خلال 50 عاماً اذا استمر قطع الأشجار والتنقيب عن المعادن بالمعدلات الحالية. فحوض الكونغو، الذي يعتبر ثاني أكبر غابة استوائية في العالم بعد الأمازون، ويضم أكثر من 60 في المئة من التنوع البيولوجي في القارة الأفريقية، يخسر 1,5 مليون هكتار سنوياً لمصالح المشاريع الزراعية وتجارة الأخشاب والتنقيب عن النفط والمعادن.
يقول لورن سوميه، مدير المكتب الإقليمي للصندوق العالمي لصون الطبيعة في أفريقيا الوسطى، إن هذه الغابة الاستوائية تختفي بنسبة 5 في المئة كل عشر سنين، ما يؤدي الى تدمير الموائل واطلاق ثلاثة بلايين طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، تمثل خمس الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة.
ثروات وتهديدات
يشمل حوض النهر جمهورية الكونغو الديموقراطية ومعظم جمهورية الكاميرون، وجنوب جمهورية أفريقيا الوسطى، والغابون، وغينيا الاستوائية. ويعيش فيه نحو 400 نوع من الثدييات، بما في ذلك أكبر عدد من قردة الغوريلا والشمبانزي والبونوبو وفيلة الغابات، وجميعها مهددة بسبب تدمير موائلها. وتؤدي الأشجار الكثيفة أكثر من 655 نوعاً من الطيور. وينمو على أرض الغابة نحو 10 آلاف نوع من النباتات، كثير منها فريد في المنطقة ويحوي خصائص طبية.
لكن إزالة الأشجار لاقامة مشاريع زراعية واستخراج الألماس والكولتان، وهو مركّب يدخل في صنع الالكترونيات ومنها الهواتف المحمولة، تدمر كل سنة أجزاء كبيرة من حوض نهر الكونغو الذي تبلغ مساحته 200 مليون هكتار. ويتم أيضاً صيد الببغاوات والتماسيح والسحالي لتجارة التذكارات أو لاتخاذها حيوانات مدللة، في حين ما زالت الفيلة تُقتل بطرق غير مشروعة طمعاً بلحمها وعاجها.
وتؤوي الغابة أيضاً ملايين الأقزام، وهم السكان الأصليون الذين يعيشون على الصيد وجمع الخيرات الطبيعية ويعرفون بغنائمهم وقرعهم للطبول ورقصهم المميز تكريماً لـ"جنغي" أي روح الغابة.
التدهور البيئي في منطقة البحيرات الكبرى أصبح قضية رئيسية لبلدان المنطقة والمجتمع الدولي، خصوصاً بعد مجزرة الغوريلا في متنزه فيرونا الوطني الذي يحتله الجيش الكونغولي وجنود منشقون عنه ولاجئون من رواندا وثوار المايماي. وتستغل ثروات المتنزه مجموعات مختلفة تعيش فيه وبجواره. وقد تفاقمت القضايا المعقدة في هذا المتنزه الغني بالتنوع الحيواني والنباتي بسبب الاضطرابات في شرق الكونغو.
محمية وكهرباء تنعشان الآمال
في محاولة لوقف تدهور هذه الموارد الطبيعية العالمية الهامة، تم في شباط (فبراير) 2008 الاعلان عن ثاني أكبر محمية للأراضي الرطبة في العالم في حوض نهر الكونغو (المحمية الكبرى هي ملاذ الطيور المهاجرة في خليج الملكة مود في كندا). ويعيش نحو 300 ألف شخص في هذه المنطقة الرطبة المعروفة باسم Grand Affluents والتي تبلغ مساحتها نحو 6 ملايين هكتار وتغذيها أربعة روافد رئيسية جعلت منها شبكة مواصلات هامة. هذا سيساعد في تأمين المياه ومصادر الرزق لملايين الأشخاص والمحافظة على المعالم المائية والغابات والموائل الهامة. فهذه المناطق هي ملاذات هامة في أوقات الجفاف للفيلة وأفراس النهر والجواميس وكثير من أنواع الطيور المهاجرة.
وفي شباط (فبراير) الماضي أيضاً، كشف برنامج الأمم المتحدة للبيئة عن خطة لاستغلال طاقة نهر الكونغو في توليد الكهرباء، وضعتها "اسكوم هولدنغز" إحدى أكبر شركات الطاقة في أفريقيا. وتهدف الخطة في النهاية الى توليد كهرباء تفوق حاجة التصنيع في أفريقيا، وبيع الفائض الى بلدان في جنوب أوروبا مثل إسبانيا وإيطاليا بواسطة كابل مشترك يمتد تحت البحر المتوسط. وقدرت الشركة أن الطاقة المائية للنهر يمكن أن تولد أكثر من 4000 ميغاواط، معتبرة أنها ستساهم في انتشال شعوب أفريقيا من الفقر وتحقيق تنمية مستدامة، علماً أن نحو 525 مليون نسمة في القارة محرومون من الكهرباء.
وتلحظ الخطة تقنيات هندسية لسحب مياه النهر بفعل الضغط الجوي من مستوى أعلى الى مستوى منخفض، وتحويلها عبر توربينات لتوليد الكهرباء، قبل إعادة توجيهها الى مجرى النهر. وأوضحت "إسكوم" أن نصف الكهرباء أو أكثر يمكن توليده بهذه الطريقة ، مما يجعل المشروع صديقاً للبيئة. وقد تم الاتفاق على أن يكون مشروع نهر الكونغو مؤهلاً لمقايضات انبعاثات الكربون التي تنفذ بموجب آلية التنمية النظيفة في بروتوكول كيوتو.