رداً على مقالنا "لماذا التعتيم على التلوث الاشعاعي في العراق؟" ("البيئة والتنمية"، العدد 117، كانون الأول/ ديسمبر 2007)، اتهمَنا مدير مركز الإعلام والتوعية البيئية في وزارة البيئة العراقية بـ"تضليل الناس بقرع طبول اليورانيوم" ولم يتوانَ عن ترديد مزاعم البنتاغون المبررة لاستخدام تلك الأسلحة، نافياً أخطار التلوث بأسلحة اليورانيوم المستنفد التي استخدمت بكثافة ضد العراق، ودورها في انتشار الأمراض السرطانية، من دون أن يدلنا على أسباب أخرى لتفشي هذه الأمراض وسط العراقيين. وهو نشر ردّه في صحيفة بغدادية واسعة الانتشار، كما نشرته "البيئة والتنمية" (العدد 123، حزيران/ يونيو 2008). إلا أن مقالنا وردّنا العلمي على اتهامات المدير المذكور حظيا باهتمام كبير من قبل المعنيين، وقد وصلنا العديد من الرسائل الالكترونية المثمنة لما أوردناه في المقال والرد، كتبها علماء وباحثون مختصون داخل العراق وخارجه.
نبدأ بما كتبه الباحث العراقي المتخصص بالتلوث الإشعاعي المهندس خاجاك وارتانيان، من مديرية بيئة محافظة البصرة، الذي أيّد صحة كل ما ذكرناه. وأكد أيضاً أن الجهات العليا أوقفت عمله وزملاءه ومنعتهم من كشف بقية الحقول النفطية والمواقع الملوّثة باليورانيوم ("صوت العراق"، 22/1/2008). ولشهادة وارتانيان قيمة علمية نعتز بها، وهو الذي أجرى العديد من الدراسات الميدانية، وأثبتت قياساته الإشعاعية التي شملت 1187 عينة وجود التلوث الإشعاعي باليورانيوم المستنفد وبنسب عالية في الهواء والتربة والمياه والنبات والخضرة، في البصرة وأبي الخصيب والمدَينة والزبير والقرنة وشط العرب وغيرها. وكشف النقاب حتى عام 2004 عن أكثر من 100 موقع ملوّث، من ضمنها مناطق سكنية وحقول نفطية. وحذر من خطورة بقائها، والاقتراب منها، أو استخدام المعدات المضروبة بالصواريخ الأميركية كخردة (سكراب) لكونها ملوّثة إشعاعياً.
مؤتمرات وندوات علمية
جاءت نتائج العديد من المؤتمرات والندوات العلمية التي انعقدت في البصرة خلال الأشهر المنصرمة تأكيداً لما ذهبنا إليه وحذرنا منه. ومنها المؤتمر البيئي الثاني لمجلس محافظة البصرة في حزيران (يونيو) 2008 الذي أكدت بحوثه وجود نشاط إشعاعي في التراكيب السطحية والمياه للنماذج الملوثة باليورانيوم المستنفد، وارتفاع نسبة الكربون الأسود في هواء مدينة البصرة، موضحة أن استخراج النفط الخام يشكل تهديداً خطيراً على حياة المواطنين في المحافظة ومحيطها. وشخّص المؤتمر التحديات البيئية في المحافظة، ووضع حلولاً علمية لمعالجتها بمشاركة عدد كبير من الباحثين. وكشف البحث المشترك لدراسة التراكيب السطحية والنشاط الإشعاعي للنماذج الملوثة باليورانيوم المستنفد في البصرة للباحثين الدكتور أسعد متي والفيزيائي خاجاك فرويد، والبحث المستقل للمهندس هشام محمد من بلدية المحافظة، وجود نشاط إشعاعي تعدت نسب مستوياته ما هو مسموح به علمياً، قياساً بالجدول الدولي للنشاط الإشعاعي ("الصباح"، 29/6/2008).
أما في ما يتعلق بالأضرار الصحية، فقد أكد الدكتور جواد العلي، استشاري الأمراض السرطانية والأورام وعضو اللجنة الفرعية لمكافحة السرطان في البصرة وعضو مجلس السرطان العراقي والرئيس السابق لمركز أبحاث السرطان في البصرة، في بحثه "التلوث البيئي وآثاره على الصحة العامة والإنسان"، إصابة أكثر من 7500 مواطن في مناطق جنوب البلاد بأمراض سرطانية متنوعة، وهم مسجلون في مركز الأورام السرطانية. وأوضح أن ارتفاع نسبة الإصابة يعود الى وجود تلك الإشعاعات في المناطق الموبوءة، لافتاً الى أن البصرة تحتل المرتبة الأولى في نسبة الإصابات. ونبّه العلي الى أن المرضى المسجلين في المركز الذين تكتشف لديهم اصابات جديدة بنسب غير طبيعية لا يحصلون على أدوية معالجة الأورام، مشيراً الى أن المركز يعاني من نفاد تلك الأدوية منذ مدة طويلة ما يؤدي الى وفاة عدد من المصابين بشكل يومي.
وخلص الباحثون المشاركون في المؤتمر الى أن الوضع الصحي في البصرة يحتاج الى جهود حكومية ودولية لايقاف مسببات التلوث، وايجاد الوسائل التي تتيح ازالتها بما فيها سكراب الحديد الملوث ("الصباح"، 29/6/2008).
جاءت نتائج المؤتمر مطابقة لنتائج الندوة العلمية التي نظمتها اللجنة الفرعية لمكافحة السرطان في البصرة ومديرية صحة البصرة في 25 شباط (فبراير) 2008 بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة السرطان، وحضرها نحو 150 مهتماً من جامعة البصرة والمؤسسات الصحية والطبية ومنظمات المجتمع المدني، وغطت وقائعها فضائيات وإذاعات وصحافة محلية. وأكدت جُل الدراسات والتقارير العلمية التي قدمت أن سلاح اليورانيوم المستخدم في حربي 1991 و2003 هو العامل الأهم في ارتفاع نسبة الاصابة بالسرطان في المنطقة الجنوبية، والبصرة على وجه الخصوص.
وركزت مداخلة الدكتور جواد العلي في الندوة على التلوث الإشعاعي وتأثيراته الصحية على سكان المنطقة الجنوبية من العراق، ودور اليورانيوم المستنفد في هذا التلوث. وعرض خريطة للمناطق الملوثة في البصرة، التي يتابع سكانها مرضياً منذ العام 1993، وصوراً للضحايا والحديد الخردة الملوث بالإشعاع والمنتشر بين المناطق السكنية. وأشار الى أن عدد المصابين بالأمراض السرطانية المسجلين رسمياً عام 2005 بلغ 1604 في مدينة البصرة، فضلاً عن 400 الى 500 حالة من المحافظات المجاورة. وارتفع العام 2006، شُخّص أكثر من 1470 حالة سرطانية. ولفت الى أن هذا الرقم لا يعني أن الاصابة بالأمراض السرطانية انخفضت في المحافظة، وإنما هو نتيجة سفر الكثير من المرضى الى الخارج للمعالجة، وقسم من المرضى لم يراجعوا المستشفيات، وتوفي قسم منهم في بيوتهم، وانتقل آخرون الى أماكن أخرى.
وأكد العلي تأثير الإشعاع باليورانيوم المستنفد على تزايد حالات الأمراض السرطانية في المنطقة، معدداً السرطانات التي انتشرت ولها علاقة بالإشعاع وهي سرطانات الدم والعظام والكلية والرئة والثدي والألياف، فضلاً عن التشوهات الخلقية في الأطفال الحديثي الولادة. وأوضح أن سرطان الغدد اللمفاوية والعظام يظهر عادة بعد سنتين أو ثلاث سنوات من التعرض للإشعاع. ودعا الى تنظيف المنطقة من بقايا الدبابات والمدرعات الملوثة، واتخاذ الاجراءات الوقائية حفاظاً على أرواح الناس، وخاصة الأطفال.
وفي الندوة، تناول الدكتور عمران حبيب واقع السرطان في البصرة وازدياد نسب الاصابة به، إضافة الى سير الدراسات الوبائية والتسجيل السرطاني. ونوه بأنه بغية رصد تفشي السرطان تشكل قبل ثلاث سنوات فريق اختصاصيين من كلية الطب ودائرة صحة البصرة ومختصين بالتلوث الإشعاعي، مشيراً الى أن نسبة الاصابات المسجلة في البصرة بلغت 70 إصابة لكل 100 ألف مواطن في السنة. وهو يعتقد أن هذا الرقم أقل من الرقم الحقيقي، وأن نسبة الاصابة الحالية هي أكبر من النسب السابقة قبل 10 سنوات أو 20 سنة بمعيار الاصابات والوفيات. فقد كانت النسبة 40 اصابة لكل 100 ألف مواطن، وفيما سجلت 800 اصابة سرطانية عام 1995، ارتفعت عام 2005 الى أكثر من 1600 اصابة، أي بزيادة 100 في المئة، ضمنها سرطان الدم وسرطان الثدي وسرطان الغدد اللمفاوية ("المحيط"، وكالات، 9/3/2008).
تطورات هامة
الى جانب انعقاد المؤتمرات والندوات العلمية وما تمخضت عنه من نتائج تفند كل المزاعم والتبريرات العديمة المصداقية العلمية، حصلت تطورات هامة عديدة في البصرة. فبتأثير ما أوردناه بشأن التلوث الإشعاعي، تحرك ناشطون في حقوق الإنسان وجماعات داعية الى الحد من التلوث الإشعاعي في البصرة. وهم تأكدوا من انتشار التلوث الإشعاعي في المناطق التي أشرنا لها، وتفقدوها ميدانياً، ووثّقوها بالصور، وعبّروا عن استغرابهم لعدم تعاون بعض المسؤولين مع الباحثين والناشطين في مكافحة التلوث لإنقاذ ما تبقى من المصابين في حقول النفط مثلاً. والتقى بعضهم المدير العام لشركة نفط الجنوب، وجابهوه بالحقائق، لكنه نفى وجود اصابات مشخصة نتيجة للإشعاع، وزعم أن المنطقة خالية تماماً من الإشعاع، ثم نسي نفيه، فأخبر ضيوفه بأن الشركة أبرمت عقدين، أحدهما لمعاينة أرض الواقع والثاني لايجاد الحلول، وأن المهمة أوكلت الى قسم التلوث في الشركة.
ثاني التطورات أن اتحاد نقابات النفط أطلع رئيس الوزراء نوري المالكي على واقع الحال في شركة نفط الجنوب، وعلى الاصابات السرطانية التي تحدث في قطاع نفط الجنوب. فاهتم بالموضوع، وطلب ملفات المصابين. وأرسلت الى مكتبه في البصرة 10 ملفات، أحدها يعود لآخر متوفٍّ بالسرطان آنذاك وهو مهندس عمل في الحقول. ومع أن رئيس الوزراء، أو مكتبه، لم يردّ حتى كتابة هذه السطور بشأن القضايا التي طرحت عليه، إلا إنه أمر بإعفاء المدير العام للشركة من مهماته، ونقله الى وظيفة أخرى.
وفي ثالث التطورات، تشكل ضمن العقدين اللذين أشار اليهما المدير السابق فريق مشترك لتحديد المساحات الملوثة. وتشير المعلومات الى أن الجزء الأكبر منها قد أُكمل. ويجري تداول بشأن اتفاق بين وزارة النفط وشركة نفط الجنوب ووزارة العلوم والتكنولوجيا لازالة التلوث. وثمة استعدادات من قبل المختصين لتنفيذ المهمة في أقصر فترة ممكنة. وقد علمنا بأن الشركة اشترطت رفع الفقرة المتعلقة بفحص المنتسبين اليها من الاتفاق. والغرض معروف، ويدلل على كم هي "حريصة" على صحتهم وحياتهم. وهناك مخاوف مشروعة من قيام بعض المسؤولين المتنفذين في الشركة، من أتباع المدير السابق، باحباط مشروع التنظيف بشتى الوسائل.
ومن التطورات الأخرى، بدأت في البصرة قبل أسابيع حملة لفحص الحديد الخردة المقصوف وازالته. والعمل جارٍ من قبل المختصين، الذين لا تثنيهم قلة الأجهزة الموجودة وشحة الكادر المطلوب.
كادر
نائب رئيس الجمهورية: نريد العراق نظيفاً من الإشعاع والتلوث
انضم نائب رئيس الجمهورية العراقية طارق الهاشمي الى أصوات البيئيين وغيرهم من العراقيين المخلصين، الذين يهمهم حاضر شعبهم ومستقبله ويطمحون أن يعيشوا في بيئة نظيفة خالية من الملوثات والسموم الخطرة، وأولها التلوث الإشعاعي. فقد جاء في بيان صدر عن رئاسة الجمهورية يوم 17/7/2008 أن نائب رئيس الجمهورية شدد على ضرورة الاهتمام بالنشاط البيئي لارتباطه المباشر بحياة المواطن. وقال خلال استقباله وزيرة البيئة السيدة نرمين عثمان: "لا بد أن يأخذ العمل المهني مداه في الفحص والتقييس وإصدار الموافقات وفق المعايير الدولية، مضيفاً أنه يتطلع الى عراق نظيف من الاشعاعات والتلوث. واقترح بعد حوار مستفيض مع الوزيرة إصدار "كتاب أبيض" يسلط الضوء على أبعاد الواقع البيئي الاستثنائي في البلاد، والخطط اللازمة، والفترة الزمنية المتوقعة والمطلوبة لتحسين الواقع البيئي. وأبدى الهاشمي استعداده لتقديم الدعم الكامل لضحايا مخلفات الحروب، رعاية وتأهيلاً.
جدير بالذكر أن هذه هي المرة الأولى، منذ سقوط النظام السابق وقيام العهد الجديد في العراق، يعلن مسؤول رفيع المستوى ـ عدا وزيرة البيئة ـ علانية وبصراحة اهتمامه بالبيئة العراقية ومشكلاتها، متطلعاً الى عراق نظيف من الإشعاعات والملوثات البيئية الأخرى.
وحذر نواب من التلوث البيئي الذي تواجهه محافظة البصرة، مطالبين الحكومة بالتحرك العاجل لايجاد حلول كفيلة بمكافحته. فقد أعلن النائب المستقل وائل عبداللطيف أن البصرة تتعرض لوضع بيئي خطير، وطالب الحكومة بمعالجة موضوع مخلفات أسلحة الحرب المتراكمة على الحدود العراقية ـ الإيرانية والعراقية ـ الكويتية وانتشال الغوارق من شط العرب والتي يقدر عددها بـ184.
وحذر الدكتور منجد عبدالباقي، وهو خبير نووي في دائرة المواد الخطرة بوزارة العلوم والتكنولوجيا: " إذا لم تتم معالجة موضوع المخلفات الناتجة عن قصف القوات الأميركية لبعض الدبابات باليورانيوم المستنفد إبان حربي الخليج الأولى والثانية، فستكون هناك كارثة بيئية في البصرة والعراق بأجمعه". وأشار الى أن الحدود العراقية ـ الكويتية أصبحت بكاملها منطقة ملوثة، إضافة الى مناطق أخرى من العراق خاصة على الحدود العراقية ـ السعودية، فضلاً عن محافظة بغداد. وطالب الإدارة الأميركية بتزويد الوزارة بالخرائط التي سقطت فيها قذائف اليورانيوم، لأن قواتها تمنع الخبراء العراقيين من الوصول الى بعض المناطق المتعرضة للإشعاعات.
من جهته، طالب رمضان البدران، مدير المعهد الوطني لتطوير الجنوب، الحكومة العراقية بتخصيص أموال كبيرة لمعالجة التلوث البيئي في مدينة البصرة، مشيراً الى أنه بدأ يؤثر بشكل كبير حتى على الدول المجاورة للعراق، وخصوصاً الكويت. وأكد أن تجاهل الحكومة العراقية لقضية التلوث في محافظة البصرة سيؤدي الى انتشار الأمراض بين سكان المحافظة، لوجود العديد من المناطق الملوثة بمادة اليورانيوم، فضلاً عن تلوث مياه البصرة التي تعتبر المنفذ النهائي للمخلفات الصناعية والزراعية في العراق.
كادر
ندوة في لندن عن الأخطار الصحية والبيئية في جنوب العراق
لندن ـ "البيئة والتنمية"
نظم مركز دراسات جنوب العراق ندوة علمية في لندن، في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2008، كُرست لظاهرة انتشار الأوبئة والأخطار الصحية والبيئية في العراق عموماً وفي جنوبه بشكل خاص.
افتتح الندوة مدير المركز العراقي الدكتور علي رمضان الأوسي، منوهاً بأهمية الموضوع المطروح لما يشكله من خطر حقيقي على حاضر الشعب العراقي ومستقبله، ولكونه موضوعاً مسكوتاً عنه على رغم فداحته.
وتحدث محمود الربيعي، من مركز دراسات جنوب العراق، عن تأثير اليورانيوم المستنفد الذي يؤدي الى الموت أو العوق أو ظهور حالات مرضية مستعصية، الى جانب انتشار الأمراض السرطانية.
أما البريطاني نيكولاس وود، المهتم بمخلفات أسلحة اليورانيوم المستنفد منذ لقائه العالم الألماني سيغفرت ـ هورست غوتر الذي درس آثار اليورانيوم المستنفد دراسة ميدانية في جميع أنحاء العراق، فعرض فيلمين وثائقيين سلط فيهما الضوء على القصف وسبل تلوث البيئة والآثار التي تركتها حرب الخليج الثانية في البصرة والناصرية في جنوب العراق، وكيف أصيب غوتر بالسرطان نتيجة مسحه لآثار الحرب في العراق. وأشار وود الى أنه قدم طلباً الى الحكومة البريطانية لتتبنى ضحايا اشعاع اليورانيوم المستنفد في العراق، ومعالجتهم في بريطانيا، فأجابته بأن الموضوع من واجبات الحكومة العراقية ولا علاقة لبريطانيا به.
الدكتور عبدالحسين عواد، مؤلف كتابي "داء الخليج: شهادات توثيقية عن نتائج حرب الخليج التدميرية" و"سلاح اليورانيوم المستنفد وتأثيرات استخداماته الأميركية في حربي الخليج والبلقان"،أوضح أن استنشاق جزيئات اليورانيوم المستنفد يؤثر على عمل الحمض النووي DNA مما يجعله يطلق افرازات تسبب نمو خلايا أخرى ويكون هذا مصدر الأورام في الجسم. أما إذا كان اشعاع اليورانيوم موجوداً بكثافة، بحيث يتعرض له الإنسان عبر الاستنشاق أو عن طريق السوائل أو المأكولات النباتية في التربة المشعة، فتكون هذه الحالة هي الباعثة لأنواع السرطان والمسببة لأنواع النقص العضوي للأطفال والعقم لدى الرجال والنساء، إضافة الى أن البيئة تكون ملوثة الى حد الموت. واختتم الدكتور عواد حديثه بذكر اعلان البروفسور الميجر دوك روكه، مسؤول سلاح اليورانيوم المستنفد الأميركي في مدينة الظهران السعودية في حرب الخليج والذي أصيب بمرض سرطان الدم، بأن سبب اصابته هو اشعاع السلاح الذي كان مسؤولاً عنه. وقد فُصل من وزارة الدفاع الأميركية، وأسس حركة دعت المجموعة الدولية ومنظمات حقوق الإنسان الى تنظيف جميع مناطق القصف في العراق والكويت، وطمر الفضلات بالعمق الذي يحدده القرار العلمي.
الدكتور بهاء الوكيل، رئيس الجمعية الطبية العراقية في المملكة المتحدة، شرح تأثيرات اشعاعات اليورانيوم المستنفد على جسم الإنسان، مقسماً إياها على مراحل ثلاث. المرحلة الأولى هي فترة التعرض للاشعاع، وتتصف بظهور أعراض التسمم والتخدش في الأغشية المخاطية وحتى النزف. والمرحلة الثانية هي التسمم الذي يحصل خلال أسابيع، ويتصف بالنحول وقلة الطاقة، مع تضرر بعض الأجهزة كالجهاز البولي. والمرحلة الثالثة هي التسمم المزمن، حيث تظهر سرطانات متنوعة في الجسم، إضافة الى توقف بعض الأعضاء كالكلى عن العمل، وفقدان الوزن والطاقة والشهية، وسقوط الشعر، والتأثيرات الجانبية على الجهاز التناسلي. وأشار الى أنه لا يوجد علاج شاف ومضاد لليورانيوم، وإنما محاولة لتحسين مناعة الجسم عن طريق التغذية الصحيحة، وإبعاد المريض عن المنطقة الملوثة، وعلاج ما يمكن علاجه من مضاعفات وأضرار صحية.
وكانت مداخلة للدكتور كاظم المقدادي، رئيس قسم إدارة البيئة في الأكاديمية العربية في الدنمارك، الذي ركز على خطورة السكوت عن التلوث الاشعاعي. وأشار الى جملة أخطار وحالات غريبة في المحافظات الجنوبية الثلاث (البصرة والناصرية والعمارة)، مثل كثرة الاجهاض، وظهور التشوهات الولادية، وانتشار العقم، والحالات السرطانية التي لا تستجيب للعلاج الكيميائي. ودعا الى تشكيل مجلس أعلى للبيئة، يمثل الوزارات العراقية والمحافظات ومنظمات المجتمع المدني، يأخذ على عاتقه مهمة دراسة المشكلات البيئية القائمة ووضع استراتيجية تستند الى مبادئ الادارة الطارئة للبيئة لمعالجتها ودرء أخطارها.
وفي مداخلة للبيولوجي عارف الخفاجي من محافظة الناصرية، أكد أن حربي 1991 و2003 خلقتا تركة اشعاعية كان النصيب الأكبر منها لمدينتي الناصرية والبصرة، لتمركز الدبابات والدروع وناقلات الجنود التي استخدمت قذائف اليورانيوم ضدها، ولجهل بعض الناس الذين استخدموا المعادن المتخلفة من تلك المعدات في أعمال الحدادة والمنازل. وهنا تأتي أهمية قيام الدولة ببرامج تثقيف وتوعية من خلال وسائل الاعلام المتاحة، تشارك فيها وزارات الدفاع والصحة والبيئة.
وتحدث أستاذ القانون الدكتور عبدالحسن السعدي عن جريمة استخدام أسلحة اليورانيوم المستنفد من الناحية القانونية. فذكر باتفاقية لاهاي عام 1907 التي حرّمت السموم في الحروب وغيرها، وباتفاقية جنيف عام 1949 التي نصت على وجوب حماية المدنيين وعدم تعريضهم للعنف، مؤكداً أن أبسط ما يقال في هذه الجرائم الكارثية أنها جرائم ضد الإنسانية يتعين أن يتصدى لها المجتمع الدولي ويترتب عليها الجزاء واصلاح الضرر.