من بين 20,000 شخص كانوا يعيشون في ويتنوم، البلدة النائية التي تعتمد على نشاط التعدين في غرب اوستراليا، توفي 1000 على الأقل بأمراض متعلقة بمادة الاسبستوس (أميانت) المسببة للسرطان. وغادر الباقون المنطقة منذ زمن طويل.
لكن ماريو هارتمان، وهو مهاجر نمسوي في الرابعة والأربعين من العمر انتقل الى أقصى غرب اوستراليا لصيد الكنغارو وتربية الماشية، يستبعد أي نية في مغادرة المنطقة بعدما التقى منذ سنة حبيبة العمر غيل مالكوم، في ما تبقى من الشارع الرئيسي من ويتنوم. قال وهو يبتسم لحبيبته ويشير الى جبال همرسلي الرائعة: "لا يمكننا تخيل العيش في مكان أكثر هدوءاً وجمالاً. السرطان مسألة حظ، بعض الناس يصابون به والبعض الآخر لا يصاب".
خلال 18 سنة قضاها هارتمان في ويتنوم، التي يبلغ عدد سكانها حالياً ثمانية أشخاص فقط، راقب أصدقاءه وجيرانه وهم يغادرون المكان. بعضهم بسبب المرض، وجميعهم استجابة لطلب الحكومة بالخروج، وإلا فانهم يعرضون أنفسهم للموت بمرض أو أكثر من أمراض الرئة المرتبطة بالاسبستوس.
منجم الاسبستوس على مشارف البلدة أغلق عام 1966 اذ تجلت خطورته على صحة الناس، ولكن بعد فوات الأوان بالنسبة الى كثيرين كانوا يعملون في المنجم أو يستخدمون امدادات الاسبستوس الوفيرة في رصف الطرق وأفنية المدارس. وحتى نفايات الاسبستوس من المنجم استخدمت لبناء مهبط طائرات في البلدة.
منذ عام 1950 حتى أوائل الستينات كانت ويتنوم المصدر الوحيد للاسبستوس في أوستراليا. وانتعشت البلدة مجتذبة آلافاً من عمال المناجم وأسرهم الذين أملوا الحصول على فرص عمل ذات رواتب مجزية. وبعد إقفال المنجم، وفي محاولة فاشلة للتنظيف من هذه المادة، جرفت مواقف السيارات وأعيد تعبيد الطرق وإنشاء القنوات بمادة نظيفة. وعلى رغم ذلك ما زالت حكومة غرب أوستراليا توصي بتجنب ويتنوم، واذا كان التوجه الى هناك ضرورياً فلا بد من بقاء الأفراد داخل سياراتهم مع اغلاق النوافذ.
تدخل ألياف الاسبستوس الجسم عبر الرئتين. واتضح ان التعرض للاسبستوس يسبب سرطان الرئة ومرض الاسبستية وورم الطلائية المتوسطة (mesothelioma) وهو نوع من السرطان الذي يضر بالطبقة المبطنة لاعضاء الجسم بما فيها الرئة والصدر. لكن هارتمان، الذي يدخن السجائر بشكل متواصل، قال إنه لم تظهر عليه أي أعراض من هذا القبيل. وقالت زوجته: "لا أعتقد أن هناك أي خطر اذا ظل المرء بعيداً عن نفايات المنجم، خصوصاً عندما تنشط الرياح. ان معظم التلوث في التربة وليس في الهواء، واذا ازالت الحكومة النفايات فان ذلك يحل كثيراً من المشاكل".
قبل عامين غادر ويتنوم 30 شخصاً من أصل 38 كانوا باقين فيها. وأعلنت حكومة ولاية غرب أوستراليا انها لم تعد تعترف بها كبلدة. وقطعت امدادات الكهرباء وتوقف ايصال البريد ودوريات الشرطة. ولم يعد هناك فريق اطفاء أو طبيب في البلدة. قال هارتمان، الذي يعتمد على مولد كهرباء في فناء منزله: "منذ ذلك الحين أصبحنا نعتمد تماماً على أنفسنا".
ويتطلب التسوق قيادة السيارة مسافة 140 كيلومتراً حتى بلدة توم برايس على الجانب الآخر من السلسلة الجبلية. لذلك فضل هارتمان زراعة الخضار والصيد لتوفير الوجبات. وعندما يتوجه شخص من البلدة للتسوق فانه يتسوق لبقية السكان.
ما زال هارتمان يصطاد الكنغارو لاطعام كلبه. وهو رفض عرضاً من الحكومة بالحصول على 40 ألف دولار مقابل منزله شرط أن يغادر وزوجته البلدة.
الصور:
1. هارتمان وزوجته وكلبهما أمام بيتهما في ويتنوم
2. مقهى مهجور في البلدة
3. متظاهرون في سيدني يرفعون صور ضحايا الأسبستوس