تنوعت آليات المراقبة والمتابعة لصيانة المنظومات البيئية الهشة في الساحل التونسي الممتد على نحو 1300 كيلومتر. وتعتبر وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي من أبرز المؤسسات الوطنية التي تم إحداثها لصون تلك المنظومات ووقف مسار التلوث والاعتداء على هذا الشريط، الذي كان قبل عقدين المركز الرئيسي لكل الأنشطة التنموية وفي مقدمتها السياحة والصناعة.
تعمل الوكالة بالتنسيق مع الأطراف المعنية على تنظيم إشغال الملك العمومي البحري، لحماية توازن المنظومات الشاطئية ودعم الخدمات التي تقدم للمواطن خاصة في فترة الصيف. وتهدف عمليات المراقبة الى الحد من التجاوزات المتمثلة أساساً في الأبنية والإحداثات المخالفة للأنظمة. وتقوم الوكالة برفع المخالفات المرتكبة واتخاذ الاجراءات القانونية في شأنها، كما تعمل على تصفية الأوضاع العقارية للمنشآت المخالفة المقامة قبل إحداث الوكالة وعددها نحو 800 مخالفة.
يتولى ''مرصد الشريط الساحلي'' جمع المعلومات وإعداد الخرائط وتشغيل شبكات القياس وبناء قواعد معلوماتية متخصصة تتناول الضغوط على البيئة الساحلية. وقد بينت دراسة شاملة أن نحو 100 كيلومتر من الشواطئ الرملية، من أصل 500 كيلومتر، تشكو من الانجراف وتتطلب التدخل العاجل. وتم اعتماد مبدأ استخدام ''التقنيات اللينة'' المتمثلة في التغذية الاصطناعية بالرمال، لمعالجة أوضاع الشواطئ المنجرفة التي تمت دراسات في شأنها وتوفرت التمويلات لها. وأنجزت الوكالة مشروعاً نموذجياً لاستصلاح شاطئ في سيدي بوسعيد طوله 120 متراً وعرضه 35 متراً، باستخدام تقنية التغذية الاصطناعية بالرمال وحماية الشاطئ من تنقل الرواسب.
استصلاح ومحمية بحرية
يشمل مشروع ''صون المناطق الرطبة والنظم البيئية الساحلية في حوض المتوسط'' عدداً من المناطق الطبيعية المتميزة في ست دول متوسطية هي المغرب وتونس ومصر وفلسطين ولبنان وألبانيا. وفي تونس، يضم المشروع مجموعة البحيرات والسباخ الممتدة بين المعمورة وقليبية، وغابتي وادي عبيد ودار شيشو، وجبل الهوارية، وجزر زمبرة وزمبرتة. وقد تم اختيار هذه المناطق لعدة اعتبارات بيئية، أهمها احتواؤها على ما لا يقل عن 35 في المئة من الكائنات الحية المتوسطية المحمية أو المهددة بالانقراض.
في إطار هذا المشروع، استصلحت الكثبان الرملية في شاطئ قربة على امتداد كيلومتر، باستعمال 6000 متر من الحواجز الخشبية (ganivelle) التي سمحت بالحد من تسرب الرمال الى الطريق المتاخمة للشاطئ كما حدت من الانجراف البحري. وتمت تغذية بحيرة قربة بالمياه المعالجة من محطة التطهير بعد إيقاف سكب مياه الصرف الصحي غير المعالجة، ما أتاح الحد من الروائح الكريهة على مستوى السبخة ومن خطر تلوث مياه البحر. وأخضعت النباتات المستوطنة والمآلف الطبيعية للحماية في وادي عبيد ودار شيشو والهوارية، ومنها العرعار والنخل القزم والزيتون البري وكهوف الخفافيش ومناطق تعشيش الجوارح. وأعيد تشجير سفح جبل الهوارية بالخروب، بصفته شجرة محمية ذات أهمية وطنية وإقليمية. وتم تسييج 10 كيلومترات في المناطق الأكثر عرضة للضغوط، وأقيمت أربعة مراصد لمراقبة الطيور في المناطق الرطبة. ويتولى باحثون وتقنيون متابعة أهم المؤشرات البيولوجية والفيزيوكيميائية للنباتات البرية والمائية والطيور والزواحف وغيرها.
وتم استصلاح المسلخ البلدي في قربة الذي كان يمثل مصدر تلوث وإزعاج، وتحويله الى مركز ثقافي بيئي. وشيد مركز استقبال في غابة دار شيشو كي تفتح المحمية للزيارات المنظمة في إطار نشر الثقافة البيئية. وأنجز مركز لدراسة الطيور المهاجرة في سيدي عامر بالهوارية. وأقيمت ثلاثة معابر الى البحر وثلاثة مسالك ايكولوجية. وتتواصل عمليات التنظيف وادارة النفايات الصلبة. وأبرمت اتفاقيات مع البلديات المعنية لاقتناء جرارات وحاويات نفايات من جميع الأحجام، ونقل موقع المكب الموقت للفضلات. ومنح الفلاحون مساعدات مالية فأصبحوا يستعملون طريقة الري بالتنقيط. كما تم تمويل مشاريع لتربية النحل للسكان في المناطق المتاخمة للمشروع.
ويهدف مشروع المحمية البحرية والساحلية في أرخبيل جالطة الى تنظيم الاطار العمراني والمحافظة على الخصائص الطبيعية للأرخبيل، وتنمية أنشطة اقتصادية زراعية وسياحية وبيئية. ويتم تمويل المشروع مشاركة بين الحكومة التونسية والصندوق الفرنسي للبيئة العالمية.
وثمة مشروع متوسطي للتصرف المستديم في الموارد المائية الساحلية من خلال ''دراسة اقتصادية واجتماعية وبيئية في تطور سبل استغلال الماء وتدعيم قدرات المتدخلين''. وهو يعرف بمشروع WADI الذي يمتد على ثلاث سنوات (2007 ـ 2009) ويموله الاتحاد الأوروبي، وتشارك فيه سبع دول هي تونس والمغرب ومصر وايطاليا واسبانيا والبرتغال ومالطا. ويهدف المشروع الى التشجيع على الاستغلال المحكم للثروات المائية، وتحديد مؤثرات استعمالات الماء على المخزون الوطني، وإعداد معطيات علمية لتحسين استراتيجية التصرف بالموارد المائية مع الأخذ بعين الاعتبار المعطيات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، واقتراح خطة علمية حول التصرف المستديم بالماء في منطقة غار الملح، وإقامة شبكة متوسطية تضم خبراء ومتصرفين في الموارد المائية من بين المستعملين المحليين والمنظمات غير الحكومية. وقد حددت مواقع نموذجية ساحلية لهذا المشروع في البلدان المشاركة. وفي تونس، تم اختيار منطقة غار الملح ومصب وادي مجردة.
أما مشروع التصرف المندمج بالشريطالساحلي في منطقتي خمير ـ مقعد وصفاقس الكبرى، فيتم إنجازه بالتعاون مع البرنامج المتوسطي للصندوق العالمي لصون الطبيعة (FWW) وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي وبلدية صفاقس وشركة تبرورا وكلية العلوم في صفاقس وجمعية MEDCITES الاسبانية. وهو يتمثل في كشف مدقق للوضع البيئي البحري والبري، وإعداد مثال لادارة المحمية البحرية والساحلية في منطقة خمير ـ مقعد، وتركيز منظومة الادارة المتكاملة في الشريط الساحلي لصفاقس الكبرى.
إنقاذ خليج قابس
يشهد خليج قابس ضغطاً عمرانياً وتطوراً صناعياً ونمواً سياحياً متزايداً، كما أن أنشطة الصيد العشوائي تزيد من تقلص الثروات البحرية والساحلية. وينفذ حالياً مشروع لحماية الثروات البحرية والساحلية في الخليج يشتمل على أربعة عناصر هي: الدعم المؤسساتي للهياكل الوطنية المعنية بادارة الخليج وحمايته وتشرف على تنفيذه الادارة العامة للبيئة ونوعية الحياة، وتدعيم القدرات البشرية الذي يتولاه مركز تونس الدولي لتكنولوجيا البيئة، وتنمية المعارف العلمية حول الخليج باشراف المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار، ووضع وتنفيذ برامج التصرف في التنوع البيولوجي بواسطة وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي.
والهدف الأساسي من هذه الدراسات إعداد مخططات تصرّف لبحيرة بوغرارة وبحيرة البيبان وأرخبيل قرقنة وجزر الكنايس وواحات قابس، تمكن من حماية وتأهيل المنظومات البيئية والتنوع البيولوجي الساحلي والبحري لهذه المناطق في إطار مندمج مع بقية الخليج.
ويشكو خليج قابس من تقلص حاد لأعشاب البوزيدونيا التي تعتبر من أهم المنظومات البيئية في المتوسط. فهي تمثل المخزون الأساسي للتنوع البيولوجي لأنها منطقة تكاثر وحضانة للعديد من أنواع الحيوانات، كما تعتبر فخاً للرواسب فتتيح توازن القاع وتقليص ديناميكية المياه وتحمي الخط الساحلي من الانجراف. وسيتم إعداد خريطة للغطاء النباتي البحري في خليج قابس، وخصوصاً لأعشاب البوزيدونيا. ومن خلال إنشاء شبكة لمتابعة الأعشاب البحرية ستنفذ مراقبة متواصلة للبوزيدونيا باعتبارها الأسلوب الأمثل لتفادي الاخلال البيئي بالبحر، بالاضافة الى تقييم التطورات البيئية الساحلية في الخليج.
ويشمل ''البرنامج الوطني لحماية واستصلاح وتثمين السباخ الساحلية'' ثماني سباخ هي: أريانة، وبن غياضة، وقليبية، وقربة، وسليمان، والسيجومي، والمكنين، ورادس. وحظيت سبخة بن غياضة في المهدية بالأولوية لدى زيارة رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي الى المنطقة عام 1998. فهو أوصى بانطلاق الاعداد للمشروع الهادف الى تأهيل السبخة وضفافها بما يساهم في تحسين نوعية حياة السكان والمحافظة على التوازن البيئي وإحداث فضاء لممارسة الأنشطة الترفيهية البحرية. ويغطي المشروع 142 هكتاراً، ويتضمن إحداث بحيرة اصطناعية وميناء ترفيهي وفق تصميم يؤمن تجديد مياه البحيرة وتدعيم رصيد المدينة من المناطق الخضراء.
تأهيل الشواطئ للواء الأزرق
تنفذ وزارة البيئة والتنمية المستديمة برنامج إرساء علامة بيئية للشواطئ والموانئ الترفيهية تدعى ''اللواء الأزرق''، من خلال مركز تونس الدولي لتكنولوجيا البيئة ووكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي وبالتعاون مع الجمعية التونسية لحماية الطبيعة والبيئة. ويهدف البرنامج الى تحسين الواجهات البحرية، وتوفير التجهيزات الضرورية لاستقبال المصطافين، وتنمية السياحة، وبلوغ مواصفات الجودة المطلوبة.
وتعد الوكالة برنامجاً سنوياً لتنظيف الشواطئ العمومية يشمل كل الولايات الساحلية. وتتولى التنظيف الآلي للشواطئ باعتماد عملية غربلة الرمال وتمشيطها طوال فصل الصيف، وبالتنظيف اليدوي للشواطئ التي يتعذر تنظيفها آلياً، ورفع الأعشاب البحرية التي تتراكم على الشواطئ. وتشارك في تنفيذ استراتيجية التوعية والتربية البيئية للوزارة.
في الصيف الماضي، نظمت وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي، بالتعاون مع الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، قرية بيئية تنشيطية متنقلة في الشواطئ العمومية، اختارت لها شعار ''تمتع بالصيف وخلي الشط نظيف''، وذلك من 15 تموز (يوليو) الى 19 آب (أغسطس) 2007 خلال عطل نهاية الأسبوع. وافتتحها وزير البيئة والتنمية المستديمة نذير حمادة. وتهدف القرية البيئية الى تحسيس المصطافين بأهمية المحافظة على البيئة البحرية واستدامة تنوعها البيولوجي، ودعم المجهود الوطني للتحكم في التلوث وخصوصاً النفايات البلاستيكية. وضم برنامج القرية اقامة خيم بيئية في أهم الشواطئ العمومية في ولايات سوسة والمنستير ونابل وجندوبة وبنزرت والمهدية وقابس ومدنين، أشرف عليها منشطون من خريجي المعاهد المختصة في التنشيط الشبابي والثقافي.