جليد القطب الشمالي يتقلص مع الاحترار العالمي، وقد خسر 30 في المئة من مساحته خلال الـ 30 سنة الأخيرة، وسجل مستواه الأدنى في العام 2007. لكن علماء يتوقعون تحطيم هذا الرقم القياسي مع نهاية صيف 2008. وذوبان الجليد القطبي يبطل مفعوله التبريدي العاكس لأشعة الشمس، ما يعني ازدياداً في الاحترار العالمي واختلالاً في أنماط الطقس. وبزوال الجليد البحري لا يبقى هناك ما يصدّ المجالد الأرضية، ما يهدد بانزلاقها الى المحيطات، فترفع مستوى المياه وتغرق الشواطئ والجزر.
راغدة حداد، رئيسة التحرير التنفيذية لـ''البيئة والتنمية''، كانت بين 14 صحافياً من أنحاء العالم دعاهم الاتحاد العالمي للصحافيين العلميين (WFSJ) للانضمام الى بعثة علمية دولية على متن كاسحة الجليد الكندية ''أموندسن'' المخصصة للأبحاث. فأبحرت لمدة أسبوعين في منطقة القطب الشمالي (The Arctic) لتشهد على مفاعيل الاحترار العالمي حيثما تبدو للعيان بأسرع تجلياتها، وتنقل مشاهداتها الى القراء في العالم العربي.
24 تموز (يوليو) 2008
الليلة الماضية نمت في أرجوحة. هذا ما شعرت به على متن كاسحة الجليد الكندية ''أموندسن'' وهي تمخر عباب المحيط القطبي الشمالي الهائج. ولكن لا جليد لكي تكسحه، بل مياه زرقاء مكشوفة. كانت السفينة ترتجّ من وقت الى آخر وهي تطأ كتلاً جليدية معلقة تحت الماء، ولكن لا جليد على السطح. فمعظم الجليد البحري ذاب في هذا المحيط، باستثناء الكتلة القطبية الكبرى التي تتقلص سنوياً بسرعة غير مسبوقة، والأكداس الجليدية الملاصقة لجزيرة غرينلاند وألاسكا والأراضي الشمالية، وهذه أيضاً في حال ذوبان سريع.
وصلتُ البارحة الى جزيرة بانكس، شمال غرب كندا، بعد سفرة طويلة من لبنان تخللتها 8 رحلات جوية. على تلك الجزيرة الباردة القاحلة تصورت كيف يمكن أن تكون الحياة على سطح القمر. ومع ذلك فالجزيرة مأهولة، فيها قرية لشعب الإنويت (Inuit المعروف بالاسكيمو) يعيش فيها 120 شخصاً. جاء شاب من القرية الى مهبط الطائرات حيث كنا ننتظر الهليكوبتر لتقلّنا الى كاسحة الجليد. فسألته عن طبيعة الحياة على الجزيرة. أخبرني أن قومه يعيشون على صيد الأسماك والفقم وأيائل الرنة وثيران المسك وإوز الثلج الذي يحطّ بمئات الألوف. الصيف قصير جداً لا يتعدى الشهرين، لذلك لا يستطيع الإنويت زراعة الخضار والفواكه. ويسمح لأهل القرية بصيد 28 دباً قطبياً كحصة سنوية، وهم يأكلون لحمها ويبيعون جلودها، ''لكننا لم نفِ بحصتنا في السنوات الماضية، فقد قلّ عدد الدببة".
أضاف الشاب: ''نحن قوم نعيش في الهواء الطلق، وتربط بيننا علاقات وثيقة. لن أقايض حياتي على الجزيرة بأي شيء في العالم. هنا ترعرعت، وهنا أصطاد. هنا موطني".
انه موطنه الذي يحب، حتى على جزيرة نائية شبيهة بسطح القمر في منطقة القطب الشمالي.
غير أن الحياة تغيرت على الإنويت الذين عاشوا في هذه الأصقاع منذ آلاف السنين. فهم يعوِّلون على تجمد مياه المضائق للتنقل والعبور الى جزر أخرى من أجل صيد الأيائل. ولكن مع ارتفاع لا سابق له في درجة الحرارة في منطقة القطب الشمالي، أصبح الجليد يذوب ربيعاً في وقت أبكر، وتبدأ مياه المحيط بالتجلد خريفاً في وقت متأخر. وبات الإنويت يجدون الجليد المترقق وتغير أنماط الحياة الفطرية غير مؤاتيين لمعيشتهم.
وهذا أيضاً ما يقلق جمهرة العلماء الآتين من أنحاء العالم، الذين احتلوا سفينة خفر السواحل الكندية ''أموندسن''، ليدرسوا تغير المناخ حيث تتبدّى تأثيراته أولاً... في منطقة القطب الشمالي.
قاهرة الجليد
نحن نبحر في بحر بوفورت، غرب جزيرة بانكس. قمرتي مريحة، مجهزة كغرفة فندق، وفيها نافذة تطل على المحيط والشمس المشرقة على مدار 24 ساعة.
في يومنا الأول تلقينا تدريبات على اجراءات الطوارئ: ارتداء سترة النجاة وبذلة السباحة في الماء القارس، إنزال قوارب النجاة، ركوب الهليكوبتر، تشغيل الأبواب المانعة لتسرب المياه، استعمال أجهزة الانذار ومعدات الاطفاء، وتدابير حيوية أخرى.
في وقت لاحق، رافقت كبير المهندسين فنسنت غروندين لرؤية غرفة المحركات، حيث شرح لي كيف تشغّل السفينة لتكون بمثابة ''مبنى'' مكتف ذاتياً. فالكهرباء تولَّد على متنها. وتُحلّى مياه البحر عن طريق التبخر والتكثف في مراجل عملاقة لتوفير مياه عذبة للمحركات والحمّامات والمغاسل والاستهلاكات الأخرى. هكذا اكتشفتُ أنني كنت أشرب مياه القطب الشمالي المقطَّرة. أما المياه المبتذلة فتعالج بيولوجياً بواسطة البكتيريا، ويضاف اليها الكلور قبل تصريفها في المحيط. قعر السفينة خزّان ضخم يحوي 2700 متر مكعب من الوقود. الأبواب العازلة للحريق ولتسرب المياه تقفل وتفتح بالتحكم عن بعد في حالات الطوارئ، وتنفتح مرشات المياه تلقائياً في أنحاء السفينة لدى شبوب حريق. ويمكن التحكم بالقيادة من غرفة المحركات اذا فقدت السيطرة على السفينة من منصة القبطان.
قلّما رحمت كتلة الجليد القطبي الدخلاء، خصوصاً بعد انقضاء الصيف. فقد تكسرت عليها السفن الخشبية للمستكشفين الأوائل، وعلقت في براثنها السفن الفولاذية التي تلتها. وتحطمت أحلام كثيرين بعبور متاهة المضائق والقنوات المحروسة بالجليد في الممر الأسطوري الذي يخترق أميركا الشمالية من الغرب الى الشرق ليصل المحيط الأطلسي بالمحيط الهادئ عبر بحر بيرينغ.
المستكشف البريطاني جون فرانكلين، الذي شغل العالم ببحثه المحموم عن ذاك ''الممر الشمالي الغربي''، قضى على جزيرة متجلدة عام 1847. ومات آخرون في سعيهم للعثور عليه، وتروي مذكراتهم التي وجدت قرب جثثهم المتجمدة كيف عانوا برداً وجوعاً وجنوناً وهم ينتظرون انشطاراً منقذاً في الجليد.
أخيراً جاء قبطان نروجي حريص رابط الجأش يدعى روالد أموندسن، أمضى ثلاث سنوات وهو يشق طريقه بحذر بين جزر الجليد حتى عبَر الممر قبل نحو قرن. وقد بنيت كاسحة الجليد الكندية لتكون بصلابة هذا الرجل الذي تحمل اسمه. فطولها 100 متر، ومحركاتها أقوى ثلاثة أضعاف من سفن بحجمها، وتمت تقوية بدنها ودفتها ودواسرها (مراوحها). وصمم مقدَّمها في شS فمنحها القدرة على ركوب الجليد الذي يتكسر تحت ثقلها البالغ 8500 طن. وهي قادرة على المضي بثبات وسط جليد سنوي بسماكة 120 سنتيمتراً وبين كتل أقدم بسماكة ثلاثة أمتار. خصمها هو الجليد المعمّر الصلب، الذي تعلوه طبقة من الثلج الخفيف لكن بطنه الأزرق المنتفخ تحت الماء قد يكون بوزن مبنى، ولطالما بقر بطون السفن.
كاسحة الجليد ''أموندسن'' هنا لتقهر الجليد الذي كان حارساً دهرياً للممر الشمالي الغربي. لكن الجليد المرعب يتهاوى ويذوب بفعل تغير المناخ. وبعدما كانت السفن تعبر أجزاء من هذا الممر خلال شهر واحد، في أيلول (سبتمبر) حين يذوب جليد الشتاء الماضي وقبل تكون جليد جديد، انفتح الممر كلياً للابحار في صيف 2007، وقد عبرته ''أموندسن'' من كيبيك في شرق كندا الى بحر بوفورت في غربها. كذلك انفتح شق في الكتلة الجليدية من المنطقة القطبية الروسية الى القطب الشمالي. وهذان حدثان لم يتم تسجيلهما من قبل. هكذا أيقظ الذوبان المتسارع أحلاماً قديمة بطريق مختصرة تمتد في محاذاة القطب الشمالي وقاعه الواعد بثروات النفط والمعادن.
أصوات من الأعماق
هناك دائماً متّسع من الوقت للعمل في الصيف القطبي، فاليوم 24 ساعة نهاراً. خرجت مرة في منتصف ''الليل''، فرأيت الشمس ساطعة فوق الأفق ترفض المغيب. ورأيت شابين ينزلان أداة أسطوانية الى الماء، وشرح لي أحدهما: ''هذا جهاز لالتقاط أغاني الحيتان وغيرها من أصوات الأعماق''. فثمة قطعان من الحيتان تمكث في مياه المحيط المتجمد الشمالي خلال هذا الوقت من السنة.
في تلك الساعة المتقدمة من الليل المضاء، كان أربعة باحثين على متن قارب آلي يراقبون انزال معدات وأجهزة قياس الى المحيط. وراح ثلاثة آخرون على متن السفينة يأخذون عينات مياه من ''الوردية '' (Rosette)، وهي جهاز ضخم يضم 24 أسطوانة يتم التحكم بها بواسطة الكومبيوتر، تقوم بسحب المياه من أعماق مختلفة تصل الى 900 متر.
داخل أحد المختبرات، كانت ماري ثالر، المتخصصة بالبيولوجيا الجزيئية في جامعة لافال الكندية، تصفّي عينات المياه القطبية لارسالها الى عدة مختبرات ومراكز أبحاث في كندا والخارج. وفي أبحاثها الخاصة، سوف تستخرج الحمضين النوويين DNA وRNA لتحديد الكائنات الوحيدة الخلية الموجودة فيها واستكشاف مورثاتها.
كيف يؤثر المناخ في حياة بحرية كهذه؟ شرحت ثالر أن العوالق النباتية هي موسمية في المنطقة القطبية الشمالية وشمال المحيط الأطلسي. في الشتاء يغطيها الجليد. وعندما يتكسر الجليد ويذوب في الربيع والصيف، تتكاثر أعدادها إذ تتعرض لأشعة الشمس. لكن مع الاحترار العالمي فان موعد تكاثرها قد يأتي أبكر. ومع تغير أنماط التكاثر تتزايد أعداد بعض الطحالب الى حدٍّ مؤذ. أضافت ثالر: ''في بعض أجزاء كندا ينشأ مدّ أحمـر من الطحالب السامة، وتدخل سمومها الى أجسام البشر حين يأكلون بلح البحر mussels) الذي يقتاتها. وفي نيوبرونسويك حيث أعيش، بات من الشائع رؤية لافتات تحذّر الناس من أكل المحار وثمار البحر الصدفية".
تقلّص مكيف هواء الأرض
خسر القطب الشمالي نحو ثلث جليده منذ بدء القياسات بواسطة الأقمار الاصطناعية قبل 30 عاماً. وتتقلّص كتلة الجليد الدائم بمعدل 70 ألف كيلومتر مربع سنوياً. وإذا استمر الذوبان بهذا المعدل المتزايد، يتوقع العلماء أن يصبح الصيف القطبي خالياً من الجليد ربما في موعد لا يتجاوز سنة 2013.
قال لي غاري ستيرن، كبير العلماء على متن سفينة الأبحاث: ''لقد اختفى أكثر من مليوني كيلومتر مربع من الكتلة الجليدية القطبية خلال خمس سنوات فقط، من 2003 الى 2007. ويسجل أدنى مقدار من الجليد البحري في أيلول (سبتمبر) من كل سنة".
المنطقة القطبية الشمالية، التي توصف بأنها ''مكيف هواء الأرض''، تساعد في تبريد الكوكب بواسطة جليدها البحري الأبيض العاكس لأشعة الشمس. ولها تأثير قوي على الأحوال الجوية، خصوصاً في النصف الشمالي للكرة الأرضية. الجليد البحري هنا يذوب في الربيع والصيف، لتتجمد مياه سطح المحيط من جديد في الخريف والشتاء. لكن الاحترار في المنطقة القطبية الشمالية بلغ نحو ضعفي الاحترار الذي شهدته بقية الكرة الأرضية في العقود الأخيرة. والذوبان الكاسح سيؤدي الى عدم ارتداد أشعة الشمس عن الأرض، مما يخفض عملية التبريد هذه ويزيد الاحترار ويخل بأنماط الطقس فتزداد العواصف والأعاصير، كما سيشوّش النظم الايكولوجية البحرية ويدمر الحياة الفطرية، بما في ذلك الدببة والفقم.
هنا قصة محزنة عن الدببة القطبية. فهي تستعمل الأطواف الجليدية كوسيلة انتقال واستراحة لصيد الفقم. ومع تسارع ذوبان الجليد، تعلق أحياناً على طوف جليدي وسط المياه ولا تستطيع القفز الى طوف آخر لا وجود له في مكان قريب، فتسبح وتغوص من أجل الصيد. وأحياناً تبعد مسافة كبيرة جداً، فتتعب كثيراً أثناء محاولتها العودة الى البر أو الى الحيد الجليدي الذي قد يبعد أكثر من مئتي كيلومتر. لذلك فهي تغرق. من جهة أخرى، ومع وصول الدببة الرمادية الى مواقع أبعد شمالاً بسبب ذوبان الجليد، باتت تتزاوج أحياناً مع الدببة القطبية. وتشاهد حالياً أعداد متزايدة من الدببة الهجينة المتولدة من هذين النوعين وتدعى grolar bear (من polar وgrizzly).
موكيش غوبتا، من الهند، يدرس ''الجليد الهامشي'' الذي هو نافذة تبادل بين مياه المحيط والجليد البحري والغلاف الجوي. قال لي: ''ما هو استثنائي جداً أن مجرى الجليد الذائب في محاذاة ساحل جزيرة بانكس ظل صالحاً للملاحة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. كما أن الجسر الجليدي بين الطرف الجنوبي للجزيرة والبر الكندي لم يتشكل للمرة الأولى في التاريخ المسجل".
وكان غوبتا عمل مدة سبع سنوات لدى المنظمة الهندية لأبحاث الفضاء، جامعاً معلومات بواسطة الأقمار الإصطناعية لمراقبة مواصفات المحيطات ومسار الرسوبيات واستقرارها. وقد تبين أن المعادن الموجودة بشكل خاص في جبال هملايا باتت موجودة بتركيزات كبيرة في بحر العرب وخليج البنغال. وهذا يعني أن المجالد تذوب بسرعة بعد أن صمدت آلاف السنين في هذه الجبال، وتنتقل الى المحيط الهندي على بعد أكثر من 2000 كيلومتر. ومع ارتفاع مستوى البحر ثلاثة سنتيمترات في السنوات المئة الأخيرة، تم رصد التآكل وتراكم الرسوبيات في جميع السواحل الهندية التي يبلغ طولها 7500 كيلومتر، اضافة الى تكوّن الجزر الصغيرة والألسن الرملية، خصوصاً منذ العام 2004.
قال غوبتا: ''التغيرات التي يفترض أن تحدث خلال ملايين السنين حدثت في عقود قليلة".
عالم الأعماق في محيط يزداد حموضة
كريستينا روميرا، من إسبانيا، رافقتني في جولة على المختبرات الـ 12 على متن كاسحة الجليد. انها تجمع عينات مائية لمعهد علوم البحار في برشلونة، لدراسة محتوياتها من الكلوروفيل والبكتيريا والفيروسات والكائنات المجهرية القطبية الأخرى من أجل فهم أكبر لدورة الكربون. وسوف يخزن بعض هذه العينات في ثلاجات ببرودة متدنية تبلغ 80 درجة مئوية تحت الصفر باستعمال النيتروجين السائل.
داخل أحد المختبرات، رأيت شابة أمام وعاء يحوي نجوم بحر وأصدافاً وديداناً. هايكه لينك باحثة ألمانية توثّق التنوع الأحيائي في قاع المحيط المتجمد الشمالي والدور الذي يؤديه في النظام الايكولوجي. وقد عاينت معها سمكة تنّينية (dragon fish) وديداناً غريبة تعيش داخل أنابيب تبنيها من الافرازات اللزجة وطين القاع.
ورأيت سيلفيا غريميز ـ كورديرو، من الأرجنتين، تثبّت فوق حافة السفينة جهاز ليزر لقياس منحنيات الأمواج، وهذه إحدى الطرق لاحتساب انتقال الغازات بين الهواء والماء. وهي تجري أبحاثاً حول التفاعل بين الهواء والمحيط في ''طبقة الحدود'' ضمن أول 10 أمتار من الغلاف الجوي وأول خمسة أمتار من المياه. وأوضحت أن هذا مهم في احتساب ما يمتصه المحيط من ثاني أوكسيد الكربون الجوي، وهو غاز الدفيئة الرئيسي المتهم بزيادة الاحترار العالمي. أضافت: ''عندما تتكاثر العوالق النباتية في الصيف يحدث تباين كبير في مستوى ثاني أوكسيد الكربون بين الهواء والمحيط. نحن نحتسب تبادل الغاز وسرعته والعوامل التي تعزز هذا التبادل أو تعوقه، مثل درجة الحرارة وسرعة الريح وتكسر الأمواج. فعند إعداد نماذج مناخية، كلما ازدادت المعرفة بالتفاعلات بين الغلاف الجوي والمحيط كانت النماذج أكثر دقة".
وأخبرتني ستيفاني مور، وهي باحثة كندية على متن سفينة الأبحاث: ''كلما امتص البحر مزيداً من ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي تزداد حموضته''. وتقوم مور بقياس الكربون غير العضوي الذائب في المياه القطبية الشمالية على أعماق مختلفة، اضافة الى مستوى حموضة المياه (pH). فهذان المؤشران يساعدان العلماء على دراسة الدورة العالمية للكربون.
أظهرت دراسة حديثة نشرت في أواخر تموز (يوليو) 2008 أن بعض الحيوانات البحرية تتأثر بالمياه الحمضية. فقد وضع علماء من السويد وأوستراليا قنافذ بحر (توتياء) لتتزاوج في مياه خفّض فيها الرقم الهيدروجيني من مستوى pH 8,1 المعتاد الى pH 7,7 الذي يمثل بيئة أكثر حموضة بثلاثة أضعاف يتوقعها العلماء للمحيطات في نهاية القرن الحالي (كلما انخفض الرقم الهيدروجيني ازدادت درجة الحموضة). إناث قنافذ البحر تضع بيوضها في المياه لتلقحها الحيوانات المنوية التي يطلقها الذكور. ولكن في هذه المياه الحمضية انخفض معدل تكاثرها بنسبة 25 في المئة، لأن الحيوانات المنوية باتت تسبح بشكل أبطأ وأقل فعالية. كما أن الحيوانات البحرية ذات الهياكل العظمية والأصداف الكلسية قد تتفتت في بيئات أكثر حمضية. ويعمل الباحثون حالياً لمعرفة ما إذا كانت حيوانات بحرية أخرى تبدي تأثراً مماثلاً، خصوصاً الأنواع التجارية مثل الكركند والسلاطعين والمحار والأسماك.
رحلة السموم
الدكتورة هايلي هنغ مهندسة كيميائية في وكالة البيئة الكندية، تقود دراسة حول انتقال الملوثات جوّاً عبر القارات الى المنطقة القطبية الشمالية، وهي دراسة مشتركة بين كندا والولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان وفيتنام. والهدف قياس مستويات الملوثات العضوية الدائمة (POPs) والزئبق في الهواء، ووضع نماذج كومبيوترية لوصف حركتها وتقييم تأثير تغير المناخ على ترسبها في المنطقة القطبية الشمالية. وقد عُثر على هذه الملوثات السامة بمستويات عالية في بعض الثدييات البحرية التي يستهلكها سكان المناطق الشمالية، حيث تتراكم وتبقى في الجسم وقتاً طويلاً.
شرحت هنغ أن هذه الملوثات تصل الى المنطقة القطبية نتيجة ''تأثير الجندب''(grasshopper effect) لحركة الهواء من الجنوب الى الشمال. بعضها يترسب في المياه، وقد ينتقل مع التيارات المائية، لكن أسرع طريق لها نحو الشمال هي عبر الغلاف الجوي حيث تزيد الرياح من سرعتها. ففي شتاء سنة 1995، على سبيل المثال، رُصدت في إقليم يوكون شمال كندا مستويات عالية من مبيدات حُظر استعمالها في كندا. ومن خلال تعقب أثرها و''تحديد بصمتها''، تبين أنها جاءت مع الكتل الهوائية التي انطلقت من آسيا قبل خمسة أيام وعبرت المحيط الهادئ خلال هذه الفترة الوجيزة.
وبخلاف الملوثات العضوية الدائمة التي هي جميعها من صنع البشر، الزئبق عنصر موجود في الطبيعة حولنا ولا يمكن خلقه أو تدميره. لكن النشاط البشري، مثل حرائق الغابات وحرق الوقود والاحترار العالمي، يطلق الزئبق ويؤثر في تواجده البيولوجي. وفي ربيع المنطقة القطبية الشمالية، يحدث أعلى ترسب للزئبق من الهواء الى سطح الجليد والماء، نتيجة تفاعل بين الزئبق والملح البحري وأشعة الشمس. لكنه يمكن أن يقفز عائداً الى الهواء. ويحاول العلماء معرفة كمية الزئبق التي تترسب والتي تخرج.
التلوث الزئبقي هو المجال الرئيسي لأبحاث الدكتور غاري ستيرن، كبير العلماء على متن سفينة الأبحاث ''أموندسن''. وهو يدرس عمليات انتقاله وتراكمه في أنسجة الأسماك والثدييات البحرية، خصوصاً مع تغير أنماط الجليد نتيجة الاحترار العالمي. والنتائج المستقاة من أبحاثه سوف تساعد في تقييم تعرض سكان الشمال لتغير المناخ والتأثيرات العنيفة للملوثات على صحتهم وأمنهم الغذائي. كما ستساهم في وضع استراتيجيات تكيّف وسياسات عالمية لانبعاثات هذه الملوثات ودعم برامج الادارة المتكاملة للمحيطات.
الحرب الباردة الثانية
''أجل، المنطقة القطبية الشمالية تسخن الآن، لكنها سوف تبرد من جديد في غضون ثلاث سنوات''، قال لي أندريه روبشينيا، وهو عالم محيطات روسي يدرس مجاري الجليد الذائب على السواحل القطبية لروسيا وغرينلاند وكندا. وهذه ممرات مائية صالحة للابحار بين الجليد الطافي والجليد الثابت الملتصق بالشاطئ. وأضاف: ''هناك حقبات من التسخين وحقبات من التبريد، والقوى الطبيعية أقوى من أن تذعن للعامل البشري. الانبعاثات الكربونية عامل طفيف في عملية الاحترار العالمي. وما لم يتم تفجير ألف قنبلة نووية، لا أستطيع أن أتصور أي قوة بشرية قادرة على مواجهة القوى العظمى للطبيعة''. وخلص الى أن ''تغير المناخ قضية سياسية".
في آب (أغسطس) 2007، قام رجلا قانون روسيان في غواصة صغيرة بغرس علم روسي (مصنوع من التيتانيوم المقاوم للتآكل) في قاع القطب الشمالي. وكان ذلك اجراء آخر في ادعاء روسيا الحق في ملكية 1,2 مليون كيلومتر مربع، أي نحو نصف قاع المحيط المتجمد الشمالي. ورداً على ذلك، أعلن رئيس وزراء كندا ستيفن هاربر خططاً لبناء قاعدتين عسكريتين جديدتين في الجزء الكندي من المنطقة القطبية الشمالية.
مع ذوبان الجليد أسرع من أي وقت مضى، ثمة مسألة حيوية الآن هي: من سيملك حق التنقيب عن الرسوبيات المعدنية الهائلة المحتملة تحت القاع؟ فبحسب كثير من الجيولوجيين، قد تحوي المنطقة القطبية الشمالية نحو 25 في المئة من النفط والغاز الطبيعي غير المكتشفين في العالم. لكن ليس من السهل الوصول الى هذه الموارد بسبب الغطاء الجليدي والأمواج القوية والقاع العميق.
البلدان المطلة على المنطقة والتي تدعي حقوق التنقيب تشمل روسيا والولايات المتحدة وكندا والدنمارك والنروج وأيسلندا. وثمة مخاوف من أن هذه الفورة المستجدة قد تمهد الطريق لنوع جديد من الحرب الباردة.
اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تحدد حقوق البلدان في محيطات العالم. فالدول الساحلية تملك سيادة على نحو 200 ميل بحري (370 كيلومتراً) قبالة شواطئها، وتعتبر البقية مياهاً دولية. لكن يمكن لدولة ما أن تدعي بحقها في مناطق تتعدى هذا الحد، اذا كان جرفها القاري يمتد أكثر. وقد بدأ ''السباق'' بادعاء روسيا الحق في ملكية سلسلة جبال لومونوسوف الضخمة في قاع القطب الشمالي. ويحاول الدنماركيون أن يثبتوا أن الجانب التابع لهم من سلسلة الجبال هذه ـ والمنفصل حالياً عن جرفهم القاري ـ كان في ما مضى جزءاً من جزيرة غرينلاند التي تملكها الدنمارك. وفي هذا السباق المحموم، قد تصدّق الولايات المتحدة أخيراً على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وتطالب بحقها في امتلاك الجرف القاري الممتد شمالاً من ألاسكا.
الاتفاقية تحكم أيضاً حقوق الملاحة، التي هي مثار اهتمام كبير الآن بعد الانفتاح الكامل لـ''الممر الشمالي الغربي'' المختنق عادة بالجليد، للمرة الأولى في صيف 2007. فمع الاحترار العالمي وذوبان الجليد، قد يصبح هذا الممر قناة ملاحة تجارية تقصِّر الى حد كبير مسافة الابحار بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ. وتطالب كندا بحقوق في هذا الممر، الذي يتعرج بين جزر أرخبيلها الشمالي. وفي أيار (مايو) الماضي، تعهد رئيس الوزراء ستيفن هاربر بتعزيز قدرة القوى المسلحة الكندية من أجل ''حماية سيادة المنطقة القطبية الشمالية وأمنها''. لكن بلداناً أخرى، خصوصاً الولايات المتحدة، تصر على فتح هذا الممر لحركة الملاحة العالمية، مثلما هي الحال في ممرات مائية استراتيجية أخرى كالتي في جنوب بحر الصين. وثمة دعوات الآن للتوصل الى حل ديبلوماسي متعدد الأطراف لكي لا تنزلق منطقة المحيط المتجمد الشمالي الى نزاع مسلح.
أين الجليد؟
عام 2007 سجل رقماً قياسياً بذوبان أكثر من مليون كيلومتر مربع من الجليد البحري في منطقة القطب الشمالي، لتصبح مساحة الكتلة الجليدية البحرية 4,2 مليون كيلومتر مربع، بالمقارنة مع 7,8 مليون كيلومتر مربع عام 1980. وفيما يحكم الاحترار العالمي قبضته، يتوقع علماء أن تكسر السنة الحالية هذا الرقم وتشهد أسوأ انكماش للغطاء الجليدي في التاريخ المسجل. فقد رصدت صور الأقمار الاصطناعية انهيار كتل جليدية كبرى وتشقق أخرى، مع اشتداد العواصف في بحر بوفورت الشمالي وسحبها تيارات من الهواء الدافئ الى المنطقة القطبية. لكن العلماء لن يعرفوا مدى الخسارة إلا حين تبلغ الكتلة الجليدية أدنى مستوياتها في منتصف أيلول (سبتمبر).
معظم العلماء يؤكدون أن الاحترار العالمي ناجم عن أعمال البشر، خصوصاً حرق الوقود للصناعة والنقل وانتاج الطاقة. لكن علماء آخرين يصرّون على أن هذه مرحلة في دورة طبيعية، يسخن فيها جو الأرض ثم يبرد بعد حين. بل ان أناساً كثيرين يؤمنون بأن ما يحصل هو غضب الله على خليقته التي استخلفها على الأرض فعاثت فيها فساداً.
لقد أبحرتُ في المحيط ''المتجمد'' الشمالي ولم أرَ جليداً يذكر. هذا أمر يكاد لا يصدق. وأياً يكن السبب، فالاحترار العالمي حقيقة، وذوبان الجليد عملية حاصلة. وعلينا جميعاً، أفراداً ومؤسسات وحكومات ومجتمعاً دولياً، أن نفعل شيئاً حيال هذا الأمر. ومهما تكن مساهمة البشر في هذا الاحترار كبيرة أم صغيرة، فإن ''كسر عادة الكربون'' بالتقليل من حرق الوقود واستهلاك الطاقة سينفع في كل حال. فإن لم يخفف الاحترار، فسوف يخفف بالتأكيد فداحة التلوث واستنزاف الموارد الطبيعية.
كادر
تعاون دولي لدراسة ذوبان جليد المنطقة القطبية الشمالية
تقلصت كتلة الجليد البحري في منطقة القطب الشمالي (The Arctic) بمعدل 70 ألف كيلومتر مربع سنوياً منذ العام 1979. وتمول الحكومة الكندية حالياً دراسة لنظام مجاري الجليد الذائب (flaw leads) التي تنفتح بين الجليد الثابت والجليد العائم المنجرف، حيث يقوم فريق دولي من الباحثين بدراسة تأثيرات تغير المناخ وذوبان الجليد. وتستخدم كاسحة الجليد التابعة لخفر السواحل الكنديCCGS Amundsen كمنصة أبحاث في هذه المنطقة النائية من أصقاع الأرض.
هنا ملخص للأبحاث الجارية. ولئن تكن ذات طابع علمي أكثر مما يألفه القارئ العادي، فانها تحدد المخاوف المتعلقة بذوبان الجليد القطبي.
1. فيزياء المحيطات: من أهداف المشروع فهم العمليات الفيزيائية التي تحدث في المياه، وما يحصل تحت الجليد في أشهر الشتاء. فالعلماء يقيسون التيارات وتركيبة المياه وعمليات الامتزاج في أول 10 أمتار تحت الجليد. وهذا قد يوضح، على سبيل المثال، كيف تؤثر العمليات في انتاج الطحالب الكامنة تحت الجليد.
2. الجليد البحري: انحسرت مساحة الجليد البحري في المنطقة القطبية الشمالية الى حد بعيد خلال العقود الماضية، نتيجة تغيرات في النظام المناخي لم يسبق لها مثيل. وتتكهن نماذج المحاكاة الكمبيوترية بمحيط قطبي خالٍ من الجليد صيفاً في المستقبل القريب. ولهذه التغيرات في الجليد البحري أثر مباشر على حياة الحيوانات والطيور والمجتمعات الشمالية. ومجرى الجليد الذائب الذي يركز عليه المشروع هو ممر بين الجليد الطافي المنجرف والجليد الثابت الملتصق بالشاطئ، يصلح لابحار السفن. ففي كل سنة، يتشكل الجليد في الخريف والشتاء ويذوب في الربيع والصيف. وارتفاع الحرارة نتيجة تغير المناخ قد يؤدي الى انفتاح هذا الممر المائي أبكر مما كان يحدث من قبل. ويهدف المشروع الى فهم كيفية تأثير هذا الانفتاح المبكر وترقق الجليد على مياه المحيط والجليد الطافي المجاور.
3. الانتاج النباتي: النباتات هي مصدر طاقة جميع النظم الايكولوجية على الأرض، اذ تستخدم طاقة الشمس لانتاج الغذاء بواسطة التركيب الضوئي. خلال هذه العملية، تثبت النباتات ثاني أوكسيد الكربون، غاز الدفيئة الرئيسي، في جزيئات الطعام. لذلك فهي على صلة بالمناخ العالمي. وفي البحار التي يغطيها الجليد موسمياً، توجد النباتات في موئلين رئيسيين: إما كطحالب مرتبطة بالجليد البحري، وإما كعوالق في طبقة المياه العليا. وتوفر الطحالب والعوالق النباتية مورداً غذائياً أولياً لجميع الحيوانات البحرية. والمشروع يدرس دينامياتها هي وأحياء دقيقة أخرى في بيئة الجليد البحري، مثل الفيروسات والبكتيريا. ويتم جمع عينات من الجليد والمياه لتنفيذ مجموعة منوعة من التحاليل، وقياس أنماط انتاج الطحالب والعوالق النباتية وموتها.
4. النسيج الغذائي: الغطاء الجليدي المجزأ والرقيق والغائب يسمح لأشعة الشمس بالوصول الى الطبقة السطحية للمحيط حيث تنشط عملية التركيب الضوئي للطحالب والعوالق النباتية. ويستقصي المشروع مدى استغلال الطحالب والعوالق النباتية من جانب العوالق الحيوانية التي تعيش قرب السطح والحيوانات التي تعيش في قاع البحر. وتُمكن المعدات العلمية المتطورة على كاسحة الجليد ''أموندسن'' العلماء من أخذ عينات توضح توزّع العوالق الحيوانية والأسماك والحيوانات القاعية وأوضاعها. ومن خلال قياسات تنفس العوالق الحيوانية وأنماط غذائها وتكاثرها، تكتمل الدراسة بتسجيل دفق الكربون.
وكلما سخنت مياه المحيط المتجمد الشمالي، أصبحت أقل ملاءمة للحيواناتالمتخصصة جداً في بيئته الفريدة. وثمة مؤشرات كثيرة على تراجع هؤلاء ''الاختصاصيين'' ليحل مكانهم ''عموميون'' يهاجرون شمالاً من المحيطين الأطلسي والهادئ.
5. الثدييات البحرية: تصمد الدببة والفقم القطبية في الشتاء القطبي بالتنقل عبر الجليد البحري والمياه المكشوفة. وفي فصل الربيع، تهاجر الحيتان وأنواع من الطيور من الجنوب الى المنطقة القطبية الشمالية لتتوالد. أحد مجالات الأبحاث في المشروع هو فهم علاقات ''المفترس والفريسة'' بين الدببة القطبية والفقم، ومراقبة حركة الطيور والثدييات الرئيسية وهي تهاجر الى الجليد الربيعي المترقق. فكيف سيؤثر الاحترار العالمي والذوبان المبكر للجليد في عملياتها الحياتية التوقيتية مثل البقاء والتناسل؟ وتجرى مسوحات جوية بواسطة الهليكوبتر والطائرات الصغيرة لمراقبة تحركات الطيور والحيتان وأنماطها الغذائية. وتراقب أجهزة صوتية غاطسة وصول الحيتان. وتوضع حلقات على زعانف الفقم وحول رقاب الدببة القطبية لمتابعة تحركاتها تحت امتدادات الجليد البحري. وسوف تقدم هذه الدراسة معلومات مفصلة عن علاقة تحركات الحيوانات بالأحداث المناخية.
6. تدفق الغازات: امتصاص المحيطات واطلاقها لثاني أوكسيد الكربون عامل رئيسي يتحكم بتركيز غاز الدفيئة الرئيسي في الغلاف الجوي. وتمتص المنطقة القطبية الشمالية نسبة كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون، لأن المياه الباردة تذيب كمية أكبر من الغاز (هذا يلاحظ مثلاً عندما تفتح علبة صودا، فهي تفور وتطلق غازات أكثر عندما تكون ساخنة). والتركيب الضوئي الذي تستهلك خلاله النباتات ثاني أوكسيد الكربون يكون في الربيع أسرع نتيجة تنفس الحيوانات التي تزفره. وقد تبين للعلماء مؤخراً أن الجليد البحري هو أيضاً يمتص كثيراً من ثاني أوكسيد الكربون، لكنهم لا يعلمون بعد كيف يحدث ذلك. ويدرس الباحثون في المشروع تبادل غازات الدفيئة بين الهواء والمحيط، بما في ذلك ثاني أوكسيد الكربون والميثان، اضافة الى غازي البرومين وكلوريد البرومين المتفاعلين ضوئياً مما يساعد في التحكم بدورتي الأوزون والزئبق.
7. دفق الكربون: الطحالب الدقيقة التي تنمو في قنوات الجليد المالحة وفي المياه السطحية هي المصدر الرئيسي للنسيج الغذائي البحري، مثلما هو العشب التي تعتاش عليه الماشية في البر. ولكن ثمة فارق رئيسي، هو أن هذه الطحالب ليست مثبتة بالأرض ويمكن أن تهبط مئات الأمتار تحت الطبقة التي تنيرها الشمس. وعندما يحدث ذلك، تفقد آكلات العشب التي تعيش قرب السطح مصدر طعامها. وبعض الكتلة الحيوية الغارقة يتحلل بفعل الميكروبات أثناء نزوله، وتصل البقية الى القاع حيث يمكن أن تشكل طعاماً للحيوانات أو تختزن الكربون في الرسوبيات. هذا الانتقال الحاصل للكربون المثبت بالتركيب الضوئي، من السطح الى عمق المحيط، من شأنه أن يزيد تخزين المحيط لثاني أوكسيد الكربون ويخفف أثر الدفيئة. ويعتقد العلماء أن قدرة الحيوانات الرعوية البحرية على استغلال الطحالب الدقيقة تعتمد على دورتها التناسلية وتوقيت تكاثر الطحالب الذي يعتمد بدوره على توافر الضوء والمغذيات. لذا يتوقع حدوث اختلالات في النسيج الغذائي اذا ذاب الجليد واختل توقيت دورة حياة آكلات النباتات الرئيسية. ويستقصي فريق المشروع تأثر دفق الكربون والمغذيات بالتغير المناخي.
8. الملوثات: تشير نماذج تغير المناخ العالمي الى احتمال حدوث تغيرات جوهرية في عناصر بيئة المنطقة القطبية الشمالية، بما في ذلك درجة الحرارة والتساقط والرياح وتيارات المحيط وهيدرولوجيا البحيرات والأنهار والغطاء الثلجي والجليدي. هذه التغيرات ستعدل بشكل ملحوظ المسالك التي تنتقل الملوثات بواسطتها الى المنطقة. ويجري باحثو المشروع قياسات للزئبق في الهواء القريب من السطح وفي عينات جوفية للثلج والجليد ومياه المحيط والرسوبيات والأنسجة الغذائية. كما يتم تحليل عينات مائية وهوائية لقياس الملوثات العضوية المهلجنة مثل المبيدات والمركبات العضوية الدائمة ومخمدات اللهب البرومية والمركبات العضوية الفلورية والهيدروكربونات العطرية المتعددة الحلقات وملوثات أخرى.
9. النمذجة: يستخدم العلماء المتغيرات المناخية والبيوفيزيائية التي يتم جمعها أثناء المشروع لتحسين دقة نماذج المتغيرات الموسمية في المحيط والجليد البحري والمناخ. وهم يستعملون أنظمة اقتفاء رقمية لتتبع المسالك وتغيرات الكتل المائية الرئيسية في المنطقة القطبية الشمالية (مياه المحيطين الأطلسي والهادئ، وانسكابات الأنهار، ومياه الجليد الذائب). ويعتمد اختبار النماذج الاقليمية على بيانات الرصد الجوي من سفينة الأبحاث ''أموندسن'' والمحطات الأرضية. وسوف تستعمل النماذج لدراسة القوى السطحية في المنطقة، بما في ذلك الاعاصير.
10. سكان المنطقة القطبية: يساعد فريق في المشروع على إدماج المعارف التقليدية في الأبحاث، مع أخذ احتياجات المجتمعات المحلية في الاعتبار. وقد شارك صيادون من الانويت في عملية تخطيط المشروع، من خلال اجتماعات عامة عُقدت في مجتمعات فطرية. كما اجتمع زعماؤهم مع مسؤولين من المناطق المشاطئة للقطب (كندا، ألاسكا، غرينلاند، روسيا) لتبادل وجهات النظر حول هشاشة الأوضاع والتحديات التي تواجه شعب الإنـويت بسبب تغير المناخ، واستكشـاف اجـراءات التكيـف والمـوارد المطلوبة لتخفيف تأثـيرات تغير المنـاخ على هذه المجتمعات الفطرية.