Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
جايمس غودمان (منتدى المستقبل، لندن) عيد رأس السنة 2030  
كانون الثاني (يناير) 2009 / عدد 130
 مهاجرون يتوجهون الى القارة القطبية الجنوبية (أنتارتيكا) بحلول سنة 2030 نتيجة ارتفاع درجة الحرارة، والألعاب الأولمبية تقام على شبكات الكومبيوتر أمام بلايين المشاهدين فيما الرياضيون المتبارون لا يبرحون بلدانهم، ونزوح من وسط أوستراليا بسبب تعرضه لجفاف شديد. هذا بعض ما تنبأت به دراسة حديثة أجراها ''منتدى المستقبل'' الذي يضم مجموعة من الباحثين والمفكرين العلميين ومقره في بريطانيا، وباحثون من مختبرات هيوليت ـ باكارد، في محاولة لاثارة نقاش حول كيفية تفادي أسوأ تأثيرات الاحترار العالمي.
 إنه عيد رأس السنة، 2030.
تمر أمام الثلاجة التي تتحسس قصدك، فينزلق الباب منفتحاً، وتتناول علبة ''بيكن'' خال من اللحم تم انتاجه اصطناعياً. تبحث وأنت شارد الذهن عن تاريخ انتهاء الصلاحية، قبل أن تتذكر أنه يدوم الى الأبد بفضل تكنولوجيا الحفظ الحديثة. المطبخ مزود بتكنولوجيا ذكية، فكل التجهيزات تشغلها طاقة قليلة، غالبيتها تأتي من طلاء شمسي على السطح. تنظر الى الخارج من النافذة التي تعدل درجة لون زجاجها ذاتياً لكي يحرف الوهج. إنه يوم مشمس دافئ آخر. وترى طائرة كبريت تحلّق فوق أحياء البؤس العشوائية من بعيد، وهي تكاد لا ترى، لكنها تنفث رذاذاً دقيقاً يساعد على منع كوكب الأرض من الغليان. وفيما أنت ممسك علبة البيكن، تلتفت الى الفرن وتطلب منه أي شيء آخر تريده للفطور.
 
بدلاً من ذلك...
إنه عيد رأس السنة 2030. تمر أمام الثلاجة وتفتح الباب بعنف. تلتقط قطعة غذاء أرجوانية اللون كنت تدخرها، وتجلس على الأريكة وتطلب قناة الأفلام السينمائية. بعد دقيقتين يتبيّن أنه فيلم دعائي آخر، يبرز جهود ''متطوعين عالميين'' شجعان في المنطقة القطبية الجنوبية يساعدون في ادارة مستوطنات اللاجئين. لكن المشاهدة يقطعها سريعاً مرقابك، الذي يعلن أنك تركت باب الثلاجة مفتوحاً، وهذا يهدر كثيراً من الطاقة. ينقطع البث وقد خسرت عدة اعتمادات كربونية بسبب المخالفة المناخية. يحدث الكثير من هذا القبيل، وبعد مدة تتوجه أنت نفسك الى مستوطنات اللاجئين.

من جهة أخرى، قد يكون...
عيد رأس السنة 2030، في لندن. تمر أمام الثلاجة وتفتح الباب. في الداخل، كل شيء تقريباً أحمر وأبيض وأزرق، بلون العلم البريطاني. ما إن تلتقط علبة كرتون تحتوي على عصير برتقال وطني الصنع حتى ينتابك الضحك من أن بلد المنشأ هذا كان في الماضي مطمح الطبقة الوسطى. الآن بات من غير الممكن غالباً الحصول على أي شيء من خارج بريطانيا. إننا نستطيع اطعام أنفسنا، شكراً جزيلاً لك. تشغّل ''صندوق الفرجة'' وتطلب خطاب الملك الذي لم تستطع الاستماع اليه في عيد الميلاد لأنك كنت تؤدي واجب وظيفتك: كلامه ملهم عن توحيد الجميع في كنف الدولة. ما زال يبدو في ريعان الشباب ونشيطاً في بزته العسكرية. وما إن تقف مصغياً باحترام، حتى ترى عبر النافذة طائرات استطلاعية تشق الأجواء الزرقاء.
ثلاث نسخ لمستقبل محتمل، كل منها نتيجة للقرارات التي نبدأ اتخاذها غداً. وهي تبدو بعيدة، ولكن في عالم تتغير فيه الأنماط المناخية العالمية بسرعة تغير الأسواق، ليس من الحكمة أن تخطط لبقاء الأشياء على حالها.
هذه النسخ هي من بين مجموعة سيناريوات نشأت من آراء وتحليلات خبراء، تمت مناقشتها كجزء من مشروع ''مستقبَلات المناخ" (Climate Futures) المشترك بين ''منتدى المستقبل'' (Forum for the Future) ومختبرات ''هيوليت ـ باكارد''. والهدف إثارة تفكير حي حول النتائج المحتملة للاحترار العالمي والاستراتيجيات المتغيرة التي قد نختارها لترويضه أو التكيف معه. وهذا ليس تمريناً أكاديمياً. فالطريقة التي نتصدى بها لتغير المناخ لن تحدد فقط طبيعة الطقس في المستقبل، وإنما ستغير كل شيء، من الطريقة التي نعمل بها الى الطريقة التي نُحكم بها. والسنوات المقبلة سوف يحددها تغير المناخ، مثلما حدد الكساد الاقتصادي ثلاثينات القرن العشرين والحرب الباردة خمسيناته. وسيكون تغير المناخ في صلب القرارات والمناقشات، سواء كنا في الطريق الى حل هذه المشكلة أم لا. باختصار، يجب أن نخطط لعالم متغير المناخ، وليس فقط لتغير المناخ.
 
لاقطات شمسية تغطي الصحراء الأفريقية
ما الذي قد يأخذنا الى أي من هذه الصباحات المختلفة جداً؟
سيناريو ''الكفاءة أولاً'' الذي بدأنا به هو عالم أعيد فيه تصميم آليات السوق لتقييم الكربون بالمستوى الصحيح واطلاق عاصفة من الابداعات المنخفضة الكربون والعالية التقنية. وقد بدأ كل ذلك في العقد الأول من القرن الحالي، عندما بذل الاتحاد الأوروبي جهداً كبيراً لاتخاذ مزيد من الاجراءات المتشددة في مواجهة توقعات علمية متشائمة، ليجد نفسه محاصراً من الهند والصين اللتين لم تكونا ترغبان في التضحية بازدهارهما الاقتصادي ''لحل مشكلة الغرب".
لكن ما إن بات واضحاً للهند والصين أن تغير المناخ شكل تهديداً رئيسياً لشعبيهما، حتى أبرما اتفاقية جديدة بنيت أساساً على الحوافز والأسواق، لا على أسعار الفائدة والقيود. لذلك حازا على دعم حماسي من الولايات المتحدة، التي اعتبرت أن مستقبـلاً منخفض الكربون فرصة لاعادة بناء اقتصادها المتداعي. وقد ساهموا معاً في اتخاذ قرار ثابت بعدم التضحية بالنمو الاقتصادي لجني مكسب بيئي، وإنما بالحفاظ على اندفاع العالم نحو التنمية من خلال النمو.
الصناعات والمنتجات تحقق مكاسب مذهلة بفضل الكفاءة، كل ذلك باسم الربح. فقد حققت أجهزة السوبركومبيوتر مستوى عالياً من التطور، حتى أنها اضطلعت بمجموعة من مهمات صنع القرار وإعداد الاستراتيجيات. وباتت السيارات تعمل بالكهرباء، وشاع في العالم اقتناء العائلة لسيارتين. أصبح توليد الطاقة هائلاً وراسخاً. فقد انتشرت المفاعلات النووية الضخمة، وغطت صفوف كثيفة من اللاقطات الشمسية شمال الصحراء الأفريقية كيلومتراً إثر آخر. وأقيم جيل جديد من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم النظيف ويتم التحكم بها بواسطة أجهزة الكومبيوتر، وهي تطلق عوادمها مباشرة الى داخل آبار الغاز الناضبة. وامتصت مشاريع جيوهندسية مدهشة ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي وحرفت ضوء الشمس لخفض الاحترار العالمي.
استقر تراكم انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون سنة 2020، وبدأ يهبط ببطء. وعندما انتشرت الأخبار، أقيمت احتفالات في أنحاء العالم. نعم، ما زال الشعور بتأثيرات تغير المناخ ماثلاً، ومن بنغلادش الى فلوريدا ما زال فقراء العالم يعانون. لكن الدافع الى ''تكبير الحل المتعلق بتغير المناخ'' اكتسب مزيداً من الزخم غير المسبوق، على رغم الشكوك في بعض الأماكن حيال الاقتصاد ''اللاأخلاقي'' الـذي أحدثه. في سنة 2030، يبدأ اعتبار الاحترار العالمي بمثابة مشكلة الأمس. والآن تناقش البلدان حسنات إعادة العالم الى مستويات تركيزات غازات الدفيئة قبل الحقبة الصناعية.
أمر لا يصدق؟ ربما، لكن هناك بعض التأثيرات السلبية الخطيرة لسيناريو ''الكفاءة أولاً''. فالاندفاعة الى النمو مهما كانت التكاليف وسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء وأججت الصراع الاجتماعي.
في هذه الأثناء، الطبيعة آخذة في التدهور. النظم الايكولوجية في كل مكان تحتاج الى ادارة دقيقة وإلا انهارت. البرّية اختفت تقريباً عن وجه الأرض. الموارد الطبيعية تعاني من نقص. العالم في سباق محموم لتطوير تكنولوجيات ومواد وصناعات تحويلية جديدة قبل انهيار البيت الكرتوني بالكامل.
 
مرقاب يضبط استهلاكك الكهربائي
في المقابل، تفضي مجموعة أخرى من التكهنات الى سيناريو ''اقتصاد الحرب البيئية''. هذا عالم استيقظ متأخراً على تغير المناخ، ونأت حكوماته بنفسها عن إبرام اتفاقية عالمية حتى سنة 2017. وبحلول هذا الوقت أفادت الأدلة المتراكمة التي أثبتت حدوث تغيرات كارثية في أنماط الطقس أن الحكومات لا ترى خياراً إلا أن تتخذ اجراء صارماً. لقد انقضى الكلام المعسول عن الحوافز والاقناع، وحلت سياسة صارمة وأنظمة متشددة. ومع مضي الوقت، اتخذت الدولة دوراً أقوى وأقوى، ما أدى الى ترشيد قطاعات الصناعة برمّتها لخفض تأثيراتها على تغير المناخ، وحتى وضع مراقيب للكربون في منازل المواطنين لرصد استهلاكهم للطاقة. وفي سنـة 2030 أيضاً، بدأت انبعاثات غازات الدفيئة أخيراً في الانخفاض دراماتيكياً، لكن كلفتها على الحرية الفردية وحرية العمل كانت بالغة.
قد تبدو هذه النسخة منذرة بالخطر، لكن بعض علمائنا المختصين بمستقبل المناخ يرون أن بعض عناصرها ـ على الأقل ـ يتعذر اجتنابها. وبناء على وجهة النظر هذه، لدينا فرصة سانحة، ربما لبضع سنوات أخرى مقبلة، كي نستعمل الأسواق لمكافحة تغير المناخ. وإذا فقدنا هذه الفرصة، فسوف نكون مجبرين على اتخاذ مزيد من الاجراءات الفورية الحاسمة. وبالنسبة الى قطاع الأعمال، فان الفرصة ستصبح مسألة امتثال أو مواجهة للنتائج.
 
حتى الطعام يرفع الراية
يفترض السيناريوان السابقان أن هناك نوعاً من الاجماع الدولي على التصرف، عاجلاً أم آجلاً. لكن البطء الشديد في التقدم حتى الآن لا يمكن الاستخفاف به. وهذا قد يتركنا نعيش في السيناريو الثالث ''عالم الحمائية''، الذي يوحي بما قد يحدث إذا بدأت المصالح الوطنية تأخذ أولوية على أي اندفاعة عالمية لتخفيف وطأة تغير المناخ.
إنه عالم أدارت فيه الحكومات ظهرها لالتزامات مرهقة نصت عليها معاهدات، وصبّت الموارد لحماية نفسها من عواقب تغير المناخ المتفاقم. لقد سحبت الجسر المتحرك، رافعة الحواجز التجارية، وحتى ذاهبة الى الحـرب لتأمين الامدادات المائية والغذائية. تخفيف وطـأة المناخ طُـرح جانبـاً لصالح القليل من اجراءات التكيف الأنانية، ما ينتج ''مأساة عامة الشعب'' التي يسببها التزايد السكاني الهائل. بحلول سنة 2030، تقلصت التجـارة دراماتيكياً، والأمم المتحدة على شفير الانهيار، والحضارة المعولمة كما نعرفها اليوم تواجه مستقبلاً غامضاً جداً.
هذا عالم لا يريده أحد ويخافه كثيرون. والأهم هو الحاجة الى فهم ما قد يؤدي الى هذه الطريق والقيام بكل ما هو ممكن لاجتنابها.
 
متسع للتفاؤل
هذه ليست النتائج الوحيدة التي يمكن تخيّلها. فقد حدد مشروع ''مستقبلات المناخ'' سيناريوات أخرى، بعضها أكثر ''تفاؤلاً'' من البعض الآخر، لكنها كلّها تجعل الناس يفكرون جدياً في الشكل الذي قد يتخذه العالم نتيجة تغير المناخ.
مع ذلك، ليس كل شيء شؤماً وكآبة. فالتحدي الذي يمثله تخفيف وطأة تغير المناخ والتكيف معه قد يتفاقم يومياً، لكن عملية التفكير في الاتجاهات المستقبلية للسياسة والعمل والتكنولوجيا والمواقف الشخصية تترك مجالاً كبيراً للتفاؤل.
هناك حاجة الى تغيير رئيسي، لكن حتى خطوات صغيرة تتخذ حالياً يمكن أن تفتح مسارات من الأمل كانت خيالية في السابق.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.