Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
بول جيفري منزل الليف  
كانون الثاني (يناير) 2009 / عدد 130
تستخدم إلسا زالديفار بقايا نبتة الليف بعد خلطهـا مع مواد نباتية أخرى ومواد بلاستيكية مكررة، لانتاج ألواح قوية خفيفة الوزن يمكن تجميعها بسهولة لانشاء هياكل بسيطة بما فيها المنازل. هذا الحل التكنولوجي الصديق للبيئة لمشكلة نقص المساكن في باراغواي يساهم في انقاذ ما تبقى من غاباتها التي تشهد انحساراً متمادياً. وقد منحت زالديفار عام 2008 جائزة رولكس للمبادرات الطموحة
 
النص: بول جيفري
الصور: جس هوفمان
في أعماق الريف المبتلي بالفقر في باراغواي في قلب أميركا الجنوبية، ابتكرت ناشطة اجتماعية مبدعة استخدامات جديدة لنبتة قديمة لم يعد أحد يهتم بها. فقد توصلت إلسا زالديفار، التي أكسبها سعيها الدؤوب منذ زمن طويل في مساعدة الفقراء وحماية البيئة احتراماً شديداً في وطنها، الى طريقة لمزج الليف (أو اللوف) وهو نوع من الخضار يتم تجفيفه للحصول على إسفنج خشن يستخدم للاستحمام، مع غيره من المواد النباتية الأخرى مثل قشور الذرة أوراق النخيل والمواد البلاستيكية المكررة، من أجل تشكيل ألواح قوية وخفيفة الوزن. ويمكن استخدام هذا الخليط في صناعة الأثاث وبناء منازل تقي الفقراء من الحرارة والضجيج. وتشير التقديرات الى أن نحو 300 ألف أسرة في باراغواي تفتقر الى مساكن لائقة.
ولدت إلسا زالديفار في مدينة أسونسيون عاصمة باراغواي عام 1960، خلال الحكم القمعي للرئيس ألفريدو ستروسنر الذي دام 35 عاماً. عملت أمها في مجال الفن، وكان والدها زعيماً سياسياً معارضاً للديكتاتورية العسكرية التي كانت تحكم البلاد. وقد ورثت زالديفار عن والديها حب التغيير وانخرطت في العديد من البرامج الاجتماعية، فكانت تكرس وقتها وجهودها لمساعدة فقراء الحي الذي كانت تقطن فيه. حصلت على شهادة بكالوريوس في الاتصالات. وفي العام 1992 أطلقت برنامجاً للتنمية الريفية في كاغوازو، إحدى المناطق التي خسرت جزءاً كبيراً من غاباتها على مدى أكثر من أربعة عقود. وسرعان ما أدركت أن تغييراً بسيطاً يمكن أن تحدث تحولاً ايجابياً كبيراً في حياة الناس.
تقول زالديفار: ''تعاوناً مع نساء المنطقة لتنفيذ مشروع بناء دورات مياه ومواقد طبخ. إنه لأمر يدعو الى الفخر حقاً، فمن خلال هذه الأعمال البسيطة تغيرت حياة النساء الى الأفضل. لقد عبّرن لي عن فرحتهن قائلات: ''نشعر الآن أننا أناس لنا كرامة''. هذه هي أهمية اجراءات بسيطة مثل توفير دورة المياه داخل المنزل أو بالقرب منه بدلاً من أن تكون على بعد 100 متر، أو إتاحة المجال لطهو الطعام باستخدام موقد بدلاً من الانحناء فوق نار على الأرض".
وأدركت زالديفار أن السبيل الأكثر فعالية لتحسين حياة نساء الريف يتمثل في تحسين دخلهن. فقد انخفض اقتصاد المنطقة مع انهيار زراعة القطن وانتشار زراعة فول الصويا والمحاصيل المفرطة في استخدام المبيدات والأسمدة الكيميائية، التي أدت الى تلوث التربة وهجرة العديد من العائلات لأراضيها لتقع في مستنقع البطالة. وركزت زالديفار جل اهتمامها على نبات الليف الذي اهمله الناس رغم سهولة زراعته. وأقنعت نساء منطقة كاغوازو بأهمية هذا النبات كمصدر للرزق.
عندما يتم اقتطاف الليف قبل أن ينضج بالكامل، يكون صالحاً للأكل. لكن النساء اللواتي تعمل زالديفار معهن يتركن النبات حتى ينضج ويجف بشكل كامل، ثم يقمن بمعالجته الى أن تتبقى منه إسفنجة ليفية فقط. وقد ساهم عملهن الشاق هذا الى جانب أساليبهن الصديقة للبيئة في أنتاج ألياف عالية الجودة حازت ميزة تنافسية مقارنة بالألياف التي تنتج في الصين وبلدان أخرى. وشكلت النساء جمعية تعاونية، وقمن ببيع إسفنج الليف كمنتجات تجميل. واستخدمن الليف لتصنيع الحُصر والأحذية الخفيفة ومجموعة متنوعة من المنتجات الأخرى التي يتم تصديرها الى أسواق بعيدة مثل أوروبا. وشهد دخل النساء نمواً ملحوظاً، ونال المشروع الناجح ثناء أنصار البيئة وغيرهم. وفي النهاية، حصل المشروع على احترام الرجال المحليين، الذين سخروا منه في البداية باعتباره فكرة نسائية ليس أمامها أية فرصة للنجاح.
ونشرت زالديفار دليلاً إرشادياً حول زراعة الليف لتشجيع الناس في المناطق الأخرى على انتاج هذا المحصول المهم. وقد حازت على زمالة ''مؤسسة آشوكا العالمية'' عام 2001 تكريماً لها ودعماً لجهودها الرامية الى تمكين المرأة الريفية من الاستفادة من نبات الليف في صناعة منتجات متنوعة واقامة مشاريع صغيرة.
 
تنحني ولا تنكسر
مع كل ما تحقق، لم تكن زالديفار راضية كلياً عن نجاح الجمعية التعاونية. فعلى رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها النساء في زراعة أنواع مختلفة من الليف، إلا أن ثلث المحاصيل لم تكن بالجودة المطلوبة التي تصلح للتصدير، فضلاً عن أن 30 في المئة من الاسفنج الليفي المخصص للمنتجات الجاهزة كان يهدر خلال عملية التصنيع. وانطلاقاً من عزمها على ايجاد سوق لمخلفات الليف، تعاونت زالديفار مع المهندس الصناعي بيدرو بادروس لابتكار طريقة للاستفادة من المواد النباتية في انتاج ألواح رخيصة الثمن تدخل في صناعة الجدران والأسقف، وكذلك استخدامها في تشييد المنازل. وأدركت بعدها أنه اذا كانت الخطوة الأولى لتحسين حياة الفقراء هي زيادة دخلهم، فان الخطوة التالية تتمثل في مساعدتهم على ايجاد سكن لائق يرفع من مستويات معيشتهم بشكل كبير. وهي كانت في البداية متحمسة للغاية، لكنها سرعان ما أصيبت باحباط كبير لأن الجهود الأولية لمزج الليف مع الأنواع المختلفة من الغراء لم تعطِ النتيجة المرجوة، والسبب الرئيسي ارتفاع التكاليف التي تتطلبها هذه العملية.
في تلك الأثناء، خطرت في بال المهندس بادروس فكرة استخدام النفايات البلاستيكية مع نبات الليف. واخترع آلة تقوم باذابة مزيج من ثلاثة أنواع من البلاستيك المكرر، ومن ثم تخلط السائل الناتج مع الليف وغيره من الألياف النباتية مثل ألياف القطن وقشور الذرة. وبعد مئات المحاولات، نجحت الآلة في صنع منتج عملي. وبمساعدة مـن وزارة البيئة فـي باراغواي، حصلت منظمة Base ECTA  غير الربحية التي ترأسها زالديفار على منحة من ''بنك إنترأميريكان ديفلوبمنت'' لتطوير آلة قياسية لانتاج الألواح.
بعد ربط وحدة الاذابة وآلة المزج وجهاز الطرد ووحدة القطع بعضها ببعض، تمكن هذا النظام من انتاج لوح بعرض نصف متر وطول 120 متراً في غضون ساعة واحدة. وتتفاوت مرونة اللوح ووزنه وخصائصه العازلة تبعاً لكميات مكونات الخليط من البلاستيك والألياف، وسماكة اللوح، بما يلبي مختلف احتياجات البناء. ويمكن اضافة الألوان المطلوبة الى المزيج البلاستيكي في مرحلة التصنيع، مما يلغي الحاجة الى طلاء الجدران بعد البناء ويوفر الوقت والمال. ويقول بادروس إنه يمكن تعزيز قوة اللوح بشكل أكبر من خلال استخدام قرص عسل أو حشوة ترابية، الى جانب مواد نباتية، للحصول على ما يشبه شطيرة من لوحين.
وتتميز الألواح بسهولة التعامل معها مقارنة بالخشب أو الطوب، وتعتبر أفضل بكثير من المواد التقليدية في حال وقوع زلزال أو كارثة طبيعية أخرى. وبدمجها مع وصلات معدنية خاصة، فانها كما يقول بادروس ''سوف تنحني ولكن دون أن تنكسر''، مضيفاً: ''واذا ما انهار المنزل، تكون فرصة السكان في البقاء على قيد الحياة أكبر بكثير، نظراً لأن الجدران أخف وزناً من الجدران التقليدية. وسيساعد استخدام الألواح على حماية غابات البلاد لأننا نستخدم أليافاً قابلة للتجديد، الأمر الذي يحد من استخدام الأخشاب لأغراض البناء، وهي مسألة غاية في الأهمية، حيث تقلصت مساحة الغابات الأصلية حتى الآن الى ما دون 10 في المئة من أراضي باراغواي".
وقد ساهمت التعديلات والتحسينات التي أدخلها بادروس على تصاميم الألواح الى خفض الكلفة. فقد بلغت الكلفة الأولية لانتاج متر مربع واحد من الألواح ستة دولارات، لكن التحسينات الجديدة خفضت الكلفة الى أقل من النصف، مما يجعلها منافسة قوية لمواد البناء التقليدية مثل الخشب. وتتوقع زالديفار أن تنخفض الكلفة أكثر بفضل التجارب المستمرة والتحسينات الاضافية. وهناك مفاوضات بينها وبين العديد من الشركات المهتمة بالألواح لأغراض تجارية، إلا أن هدفها الأساسي يتمثل في توفير الألواح بكلفة منخفضة لمن هم في أشد الحاجة اليها.
ومن خلال تدعيم الألواح بمواد أخرى يمكن الحصول عليها محلياً، مثل الخيزران والطوب، تعتقد زالديفار أن الأسر الريفية سوف تكون قادرة على تشييد منازلها البسيطة في غضون ثلاثة أو أربعة ايام فقط. وحتى سكان المدن، الذين غالباً ما تتوفر لهم فرصة الحصول على القروض المدعومة وغيرها من المساعدات الحكومية، سيتمكنون من استخدام الألواح في بناء مساكن لائقة.
 
اختيار دقيق للبلاستيك
يستمد هذا المشروع المميز نجاحه من التوليفة الفريدة بين مهارات بادروس الهندسية وعبقرية زالديفار في ايجاد نظام متكامل للزراعة وعمليات التدوير والانتاج والتوزيع. وتعمل زالديفار مع منتجي الليف ومعامل التدوير في المناطق الحضرية من أجل ضمان الحصول على البلاستيك المناسب، وكذلك مع مجموعات من النساء لتوفير أطنان من قشور الذرة والنخيل، وغيرها، التي تستخدم في هذه العملية بدلاً من أن تنتهي في مكبات النفايات.
ويشير بادروس الى أن الألواح مصممة بحيث لا تخلف أي بقايا. فاذا ما أصبحت بالية أو تعرضت لكسر معين، يمكن تحويلها الى قطع صغيرة ومن ثم إعادة تدويرها لانتاج ألواح جديدة. ويمكن تكرار هذه العملية عدة مرات الى أن تصبح تركيبة اللوح غنية جداً بالألياف النباتية التي يمكن استخدامها حينئذ، حسب قول بادروس، كوقود عالي الكفاءة. وهذا يعني أن المواد البلاستيكية التي تم تدويرها والمستخدمة في الخليط الأولي يجب أن يتم اختيارها بعناية فائقة لضمان أن لا ينتج عن احتراقها أي أدخنة سامة.
وتحظى هذه الألواح بثناء كبير من قبل الباراغويانيين. وقال غوستافو كانديا، المستشار المتخصص في شؤون ادارة الحكم الجيد والحد من الفقر لدى منظمة التنمية الألمانية  GTZ، ان مبادرة زالديفار ''تتيح للمنتجين الرئيسيين المشاركة في تعزيز قيمة منتجاتهم''، وهذا بحد ذاته انجاز متميز بالنسبة لهؤلاء المزارعين. ويعتقد كانديا أن زالديفار تستحق هذه السمعة كمبتكرة مبدعة، مضيفاً: ''من خلال هذا المشروع، أثبتت إلسا من جديد أنه بالاصرار والتفكير الابداعي يمكنك أن تلعب دوراً اجتماعياً واقتصادياً فاعلاً في قطاعات تم استبعادها عموماً من استراتيجيات التطوير والنمو".
وحال انتهاء زالديفار وبادروس من اختبار آلة تصنيع الألواح المحسّنة، ستعمل ''جائزة رولكس'' على تمويل مركز ترويجي بالقرب من مدينة أسونسيون، ومشروع بناء ثلاثة منازل نموذجية يتم من خلالها عرض الألواح المتقنة الصنع أمام جمهور من سكان الريف والمدن، اضافة الى تمويل انتاج فيلم فيديو حول المشروع لعرضه أمام المهتمين بتطبيق تقنيات مماثلة في بلدان أخرى.
تسعى زالديفار من خلال توفير منازل منخفضة الكلفة الى الحفاظ على الغطاء الأخضر لريف باراغواي الذي يشهد انحساراً متسارعاً. وتقول: ''نعمل على توفير حلول سكنية مستدامة للفقراء، واكتشاف أسواق جديدة لمنتجاتهم الزراعية ولا سيما الليف. هذه هي المعادلة المثالية الذي نسعى الى تحقيقها''. 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.