مع الرؤية الاستراتيجية لمملكة البحرين لسنة 2030 في المحافظة على البيئة والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، خصوصاً طاقة الشمس والرياح، فان بصمتها الكربونية ستكون أقل بكثير مما هي الآن، خصوصاً بعد انشاء المجلس البحريني للمباني الخضراء ضمن مهام شركة ''إدامة'' التابعة لشركة البحرين القابضة ''ممتلكات.
في ما يأتي تطلعات للاستثمار في الطاقة المتجددة وآلية التنمية النظيفة والمباني الخضراء والسيارات الهجينة... والنفايات
يشير تقرير التنمية البشرية الى أن المنطقة العربية ستتكبد خسائر هائلة بسبب تغير المناخ، من جراء شح الأمطار، وخسارة في المياه المتاحة وفي الانتاج الزراعي، فضلاً عن ارتفاع مستوى البحر مع تسارع ذوبان الصفائح الجليدية حول العالم. وقد أشار البلاغ الأول للتغير المناخي في مملكة البحرين عام 2005 الى احتمال غمر نحو 20 في المئة من أراضيها في حال ارتفاع منسوب البحر متراً واحداً.
الكل يعلم أن ظاهرة تغير المناخ عالمية. فالمناخ لا توقفه حدود جغرافية ولا تكتيكات سياسية، والغلاف الجوي لا يفرق بين انبعاثات البحرين وبريطانيا والصين وأميركا. فطنّ من ثاني أوكسيد الكربون البحريني له تأثير نظيره الأجنبي تماماً.
إننا في حاجة الى تخفيض كثافة الطاقة (مقدار الدخل من كل وحدة كهرباء مستهلكة). واليابان مثال مشرف، إذ تنتج 5,9 دولارات لكل وحدة طاقة مستعملة، والنروج 5,6، والولايات المتحدة 4,6، والبحرين 1,8، والامارات 2,2، والسعودية 2، والكويت 1,9. كما أننا في حاجة الى خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون لكل فرد، حيث أن الفرد الياباني ينفث 9,9 أطنان، والنروجي 19,1، والأميركي 20,6، والسعودي 13,6، والبحريني 23,9، والاماراتي 34,1، والكويتي 37,1 والقطري 79,3 (حسب تقرير التنمية البشرية 2007 ـ 2008).
وعلى البحرين ـ ودول مجلس التعاون ـ خفض كثافة الكربون (طن لكل 1000 دولار)، فهي 2,37 للبحرين، و1,6 للسعودية، و1,69 للامارات، و1,4 لقطر، و1,11 لعُمان، و1,43 للكويت، بينما هي في النروج 0,26 طن لكل 1000 دولار. أما انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من حرق الوقود في دول الخليج فهي كالآتي: البحرين 16 مليون طن، السعودية 301 مليوناً، الامارات 89 مليوناً، قطر 38 مليوناً، عُمان 26 مليوناً، الكويت 57 مليوناً (النروج 33 مليون طن).
ولقد نظمت دورة تدريبية حول جرد غازات الدفيئة في البحرين، برعاية الدكتور ابراهيم جناحي رئيس جامعة البحرين وبالتعاون مع الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية ممثلة بالادارة العامة لحماية البيئة والحياة الفطرية. وذلك لمنح فريق البحث البحريني، الذي يضم باحثين من كلية العلوموكلية الهندسة في جامعة البحرين وباحثين من جامعة الخليج العربي ومركز البحرين للدراسات والبحوث، حرفية أكبر في حساب كمية غازات الدفيئة المنتجة من مصادر مختلفة. وهذا يعني بالتالي تقديراً أدق للمخاطر البيئية الناتجة من تأثير غازات الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية على البحرين، وحساباً أدق لمساهمة البحرين عالمياً في نفث انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون. ويعادل مجمل انتاج دول الخليج العربي من هذا الغاز الحابس للحرارة نحو 3 في المئة من الانتاج العالمي، لكن انتاج الفرد منه سنوياً يعتبر الأعلى تقريباً.
الاستثمار في تغير المناخ والوقود الخامس
إن المجتمع المتحضر والواعي والمثقف هو الذي يستفيد مما يدور حوله من محن وكوارث وفشل. على سبيل المثال، انفجار مكوك الفضاء الأميركي ''تشالنجر'' تحوّل الى مكسب، حيث مع فهم مكامن الخلل تم الوصول الى براءات اختراع أغنت ميزانية ''ناسا". الدول المتقدمة لا تعتبر فشل تجاربها العلمية خسارة، وإنما جزءاً من ديمومة تعويد أفراد المجتمع على البحث العلمي لكي لا ينقطع عن التجارب الجادة والفكر الاستنباطي والاستقرائي. ففي النهاية، العلم يأتي بالثروة. ولعل أكبر دليل هو الصمت الأوروبي عن تعطل ''مصادم الهادرون الكبير'' على الحدود السويسرية ـ الفرنسية، بعد أن عمل لمدة 10 أيام بسبب خلل في نظام التبريد، وكلّف اصلاحه 50 مليون دولار.
وهنا، لا بد من التنويه بمؤسسة أبوظبي لطاقة المستقبل ''مصدر''، وهي ذراع الطاقة النظيفة لأبوظبي والإمارات عامة. فقد أطلقت مبادرتها عام 2006 لتحث المنظمات ومراكز الأبحاث والدول والأثرياء المهتمين بحفظ كوكب الأرض على التوجه الى مدينتهم ''المحايدة كربونياً'' والتي تتسع لإيواء 50,000 شخص بحلول سنة 2016 بكلفة 22 بليون دولار، وتشغلها طاقة نظيفة من الشمس والرياح والهيدروجين. وقد بادرت مؤسسات الى استئجار مبان في مدينة مصدر، وهي ستوظف مواطني الإمارات بعد تأهيلهم بعلوم خضراء ـ أي خلق وظائف خضراء.
تقول الأمم المتحدة إن الطاقة المتجددة الممكن أسرها اقتصادياً تساوي 15 مرة ما يستهلكه العالم حالياً من كهرباء. ولو استغلت الدول الطاقات المتجددة لديها، وخفضت من استهلاكها للكهرباء باستخدام أجهزة ذات كفاءة عالية في الأداء، ورشدت استهلاكها عن طريق التوعية والتثقيف (الوقود الخامس)، وخفضت من بصمتها الكربونية، واهتمت ببصمتها الايكولوجية، وحسنت الأداء البيئي، فانها من دون شك ستساهم في كبح التغيرات المناخية الخطرة المرتبطة بانبعاثات غازات الدفيئة، التي يتوجب إنقاصها بنسبة 80 في المئة من انبعاثات عام 1990 قبل حلول 2050.
ألبا ومؤتمر المنتدى العربي للبيئة والتنمية
لقد كانت خطوة موفقة من شركة ألمنيوم البحرين (ألبا) أن تكون شريكاً وراعياً رئيسياً للمؤتمر السنوي الأول للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (26 ـ 27 أكتوبر 2008). هذا المنتدى أصدر تقريراً هاماً بعنوان ''البيئة العربية: تحديات المستقبل''، وكانت هناك أوراق ومداخلات وتوصيات هامة. وإنني كباحث أرى أن ذاك التقرير العلمي الذي ضم إحصاءات جمة سيكون مرجعاً هاماً، وسيكون المؤتمر متداولاً بين أيدي الباحثين يستندون اليه كمرجع في أبحاثهم. ولكون المؤتمر عقد في البحرين برعاية شركة بحرينية، فهو انعكاس لدعم مملكة البحرين واهتمامها بالوضع البيئي.
كما أن ''ألبا'' لها نشاط بيئي لا يمكن تجاهله. فهي استخدمت مسخنات شمسية لناديها الصحي، ووفرت بذلك هدراً في الطاقة والانبعاثات الكربونية. وهي تقوم دورياً بحساب حجم غازات الدفيئة الناتجة من عمليات انتاج الألمنيوم. وتعمل على خفض غازات PFC ـ أحد أنواع غازات الدفيئة ـ بنسبة 30 في المئة، ما يعادل تأثير 37 ألف طن من ثاني أوكسيد الكربون المكافئ. كما أنها التزمت باعلان أبوظبي للانتاج الأنظف في قطاع الصناعة بخفض استهلاك الطاقة والمياه بنسبة 20 في المئة. وهذا يعني خفضاً في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 20 في المئة.
ولا أنسى دعمها لي في إصدار كتاب حكّمته ووافقت عليه جامعة الأمم المتحدة في طوكيو حول الدفء العالمي وتغير المناخ عام 2004، وحاز الكتاب على جائزة ولي العهد. كما أنها سمحت لطلاب جامعة البحرين المشاركين في مسابقة أفضل عرض شفوي بيئي لطلاب الكليات في دول الخليج بالمشاركة في هذا الملتقى لاثراء معرفتهم. ولا ينسى الجميع الود والتعاون بين رئيس الشركة وموظفيها الذين عملوا كفريق موحد عكَس بيئة العمل البحرينية وحرفيتها في تنظيم المؤتمرات.
آلية التنمية النظيفة: ''جيبيك'' مثالاً
الاستفادة من آلية التنمية النظيفة هي إحدى فرص الاستثمار، بالاضافة الى المتاجرة بشهادات الكربون. فالميزانية المتاحة في المتاجرة بشهادات الكربون تقدر بـ250 بليون دولار ولم يتم توفير إلا 1 في المئة فقط على المستوى العالمي. ومشروع ''جيبيك'' لتجميع ثاني أوكسيد الكربون المنبعث من مداخن مصنع الأسمدة الكيماوية، وحقنه وتدويره واستخدامه كمادة خام لانتاج اليوريا والميثانول، سيوفر أكثر من 100 ألف طن سنوياً. وتتلقى الشركة دخلاً مالياً من هذا الحقن من خلال آلية التنمية النظيفة بواقع 10 يورو لكل طن من ثاني أوكسيد الكربون، أي ما لا يقل عن مليون يورو سنوياً.
إننا نتوقع مشاريع مماثلة هامة من ''بابكو''، ذات السمعة البيئية العالية محلياً وعالمياً، إذ أننا شهدنا مشاريع رائدة فيها مثل الديزل المنخفض الكبريت الذي تقل انبعاثاته الكربونية عن انبعاثات البترول. فهي في صدد تشغيل مبنى بكهرباء متحصلة من طاقة الرياح والشمس والهيدروجين بكلفة 100 ألف يورو بالتعاون مع جامعة البحرين.
ولا ننسَ شركة ''بناغاز'' بدعمها للبرامج البيئية ومؤتمرات الطاقة، وكذلك ''بتلكو'' مع ترويجها البيئي الرائع في الحفاظ على الكهرباء والبيئة، بمنح شاحن بالطاقة الشمسية عند شراء هاتف جوال، علماً أن كل هاتف يسبب انبعاث 7 كيلوغرامات من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً للشاحن الواحد. وإذا افترضنا أن عدد الهواتف الجوالة التي ستستخدم الشاحن الشمسي هو مليون، فاننا سنمنع انبعاث 7000 طن سنوياً!
المباني الخضراء والسيارات الهجينة
من فرص الاستثمار الأخرى في التغيرات المناخية وضع قيود على المباني لتكون صديقة للبيئة. وهذا يعني تحسين كفاءة الطاقة والمياه والمخلفات فيها، إضافة الى مواد بنائها. فناطحة السحاب الاماراتية ''لايت هاوس'' مشروع فريد، إذ ترتفع 400 متر، ومساحة طوابقها أكثر من 100 ألف متر مربع، وكلفتها بليون درهم (273 مليون دولار)، وينتهي بناؤها في نيسان (أبريل) 2011. كذلك مبنى البحرين للتجارة العالمية الذي يستغل طاقة الرياح، ويقلل من ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 65 في المئة ويقتصد في المياه بنحو 35 في المئة بالمقارنة مع التصاميم المتبعة في دبي والبحرين وقطر. والأمل كبير أن تتولى شركة البحرين القابضة (ممتلكات) من خلال شركة ''إدامة'' انشاء مجلس البحرين للمباني الخضراء، فهو سيخفض الانبعاثات (خفض الطلب على الطاقة لقطاع المباني) بنسبة 60 في المئة. وستكون هذه استجابة سريعة لاستراتيجية البحرين الاقتصادية لسنة 2030 في مجال البيئة وكفاءة استخدام الطاقة في المباني والأجهزة.
وللقائمين على حلبة البحرين الدولية فرصة لتحويلها الى منشأة خضراء، من خلال تعزيزها بمسطحات خلايا شمسية ومقعّرات عاكسة شمسية وتوربينات رياح، مع تحضيرها بشجر الجوجوبا لتحويلها الى حلبة خضراء. فتقل انبعاثات الكربون منها أكثر من 100 طن سنوياً (بحسب دراسة أجريتُها ونشرت نتائجها في مجلتين علميتين محكّمتين).
لكن الاستثمار الأمثل سيكون في قطاع المواصلات، الذي يتسبب في نفث ما لا يقل عن 20 في المئة من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الاجمالية. ولقد أقفلت شركة ''جنرال إلكترك'' أربعة مصانع لسيارات الدفع الرباعي (كل 10 كيلومترات تسيرها تلك السيارات يصدر منها نحو كيلوغرامين من ثاني أوكسيد الكربون) وستنتج بدلاً منها سيارات هجينة تعمل بالكهرباء والوقود. وهناك سيارات ''فيات'' بالطاقة الشمسية (سيارات ''فيلا'' أي ورق الشجر، اقتداء بقدرة ورق الشجر على تحويل أشعة الشمس الى طاقة) تعمل بالخلايا الشمسية ويمكن شحنها كهربائياً عند الضرورة أو بطاقة الهيدروجين.
نحن في البحرين نحتاج الى عمل أكثر فاعلية وأكثر نشاطاً. ويشير ''أطلس التغيرات المناخية 2007" الى أن عدد سكان البحرين 725 ألفاً (عام 2004)، وانبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون فيها من حرق الوقود الأحفوري 16 مليون طن، ومن المواصلات مليونا طن، ونسبة انتاج كل فرد من هذا الغاز سنوياً 31 طناً (عام 2002). أما انتاج الميثان (الذي يحبس الحرارة أكثر 22 مرة مقارنة بثاني أوكسيد الكربون) فهو 2,5 مليون طن مكافئ لثاني أوكسيد الكربون و3,5 طن لكل فرد سنوياً (عام 2000). وبلغت كثافة الكربون 2,3 طن لكل 1000 دولار من الدخل القومي (النسبة في النروج ـ الدولة الأفضل بيئياً ـ هي 0,26 طن لكل 1000 دولار من الدخل القومي عام 2003).
كيف نتخلص من نفاياتنا؟
كثر الحديث على مشروع التخلص من النفايات في البحرين. فالبعض يرى أن الحرق هو الأفضل، اقتداء بفرنسا وهولندا وسنغافورة واليابان وغيرها من الدول التي تهتم بالبيئة. فكل خمس سنوات تشيد سنغافورة مصنعاً لحرق النفايات وتستفيد من كل عناصر الطاقة الكامنة فيها، مع وضع الضوابط الدقيقة لذلك. وهذه حال فرنسا التي جاورت محرقتها مبنى رئاسة الجمهورية. أما البعض الآخر فيرى أن هناك تقنيات أفضل في مشاريع مثل التي تنتهجها ''جنرال إلكتريك''، التي تستخدم تقنيات الكتلة الحيوية وما يستتبعها من تقنيات مكملة خضراء. المهم أن يتم التخلص من النفايات ومعالجتها بأسرع وقت، فبقاؤها على حالها كارثة، لأنها تحرر غاز الميثان الأقوى احتباساً للحرارة.
وهنا، أندب الحظ بعدم حصول شركة ''زيرو ويست'' على عقد في البحرين لتحويل النفايات الى طاقة ونباتات عطرية تصلح للدواء وللصناعة الصيدلانية والتجميلية، خصوصاً أن سطح المصنع مصمم ليضم لاقطات شمسية مقعرة (رخيصة وعالية الكفاءة). وهي شركة تتعاون مع ''جنرال إلكتريك'' التي أطلقت مبادرة ''ايكوماجينيشن'' عام 2005، حيث ارتفعت أرباحها من عائد المنتجات النظيفة الصديقة للبيئة نحو 14 بليون دولار عام 2007 (بزيادة 15 في المئة)، وهي الشركة التي تبني أكبر سطح شمسي لتوليد الطاقة في أوروبا، حيث يغطي سطح مصنعها في سرقسطة نحو 19 ألف متر مربع (مساحة مدينة الحد) من الصفائح الشمسية بكلفة 50 مليون يورو، تؤمن 25 في المئة من حاجة المصنع من الكهرباء. وأقول هنا: ''أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير'' (البقرة 61).
كادر
استهلاك الطاقة
في مباني البحرين
أشارت إحدى الدراسات الهامة حول استهلاك الطاقة في مباني البحرين الى أن 56% من الطاقة الكهربائية المتوفرة (3,45 تيراواط) هي للقطاع السكني، و26% للقطاع التجاري، و17% للقطاع الصناعي، و1% للقطاع الزراعي. كما أشارت الى أن 50% من كهرباء القطاع السكني هي لغرض تكييف الهواء، وأن ذروة استهلاك الكهرباء صيفاً سببها التكييف (80%).
الدكتور وهيب عيسى الناصر رئيس فريق بحث جرد غازات الدفيئة في مملكة البحرين، وأستاذ فيزياء في كلية العلوم بجامعة البحرين.