شهد الأسبوعان الأولان من كانون الأول (ديسمبر) الماضي انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة حول تغير المناخ في مدينة بوزنان البولندية. شارك في الاجتماع نحو 4000 مندوب حكومي و5500 مراقب وصحافي. ولم تكن التوقعات المتوخاة منه كبيرة، بسبب الأزمة المالية العالمية والافتقار الى القيادة من الولايات المتحدة وإضعاف الالتزامات السابقة للاتحاد الأوروبي.
وفيما يرى بعض المراقبين، خصوصاً مسؤولي الأمم المتحدة، أن مؤتمر بوزنان مهّد الطريق للمباحثات التي ستعقد في كوبنهاغن هذه السنة، فان غالبية القضايا الرئيسية ـ الأهداف والجداول الزمنية للاجراءات التخفيفية، وتمويل اجراءات التكيف ونقل التكنولوجيا، وتعرية الغابات الاستوائية ـ أحيلت على كوبنهاغن.
ولكن على رغم عدم التقدم نحو التوصل الى اتفاقية شاملة تلي بروتوكول كيوتو، فقد كان هناك تطور واعد وتحوّل عن مواقف سابقة، تمثل في تعهد بعض البلدان النامية الرئيسية بخفض انبعاثاتها الكربونية.
فقد تعهدت البرازيل بخفض معدل زوال غاباتها سنوياً بمقدار 70 في المئة مع حلول سنة 2017، مما قد يخفض الانبعاثات الكربونية في البلاد بنسبة 30 ـ 45 في المئة خلال العقد المقبل. وسوف تخفض المكسيك انبعاثاتها بنسبة 50 في المئة بحلول سنة 2050 عن مستويات 2002. وسوف تستقر انبعاثات جنوب أفريقيا بين سنتي 2020 و2025، وتبدأ بالانخفاض بين 2030 و2035. وبالمثل، سوف تخفض الصين ''شدّتها الطاقوية'' بنسبة 20 في المئة بحلول سنة 2010، وتعزز الهند انتاجها للطاقة الشمسية.
هذه التعهدات طوعية، وتنفيذها يعتمد كثيراً على مقدار المساعدة المالية ونقل التكنولوجيا من جانب البلدان المتقدمة.
المستقبل هو الذي سينبئ ما إذا كانت هذه التعهدات، والاتفاق حول هيكلة صندوق التكيف (الصغير)، ستمهد الطريق أمام اتفاقية عالمية جديدة. وتبقى الأسئلة الرئيسية من دون أي جواب أو توضيح: الى أي مدى ستخفض البلدان المتقدمة انبعاثاتها من غازات الدفيئة؟ ماذا ستفعل البلدان التي تمر في مرحلة من التصنيع السريع، مثل الصين والهند، للتحكم في انبعاثاتها المتنامية؟ كيف ستتم مساعدة البلدان الأفقر في جهودها من أجل التكيف وفي سعيها الى تنمية منخفضة الكربون؟
يعتقد كثير من المراقبين أن نجاح مؤتمر كوبنهاغن هذه السنة يعتمد على القيادة الجديدة في الولايات المتحدة. فقد قال الرئيس المنتخب باراك أوباما إنه يريد العودة الى مستوى انبعاثات 1990 بحلول سنة 2020. وهو يعتقد أيضاً أن استراتيجية للطاقة في الولايات المتحدة تتصدى لتغير المناخ سوف تساهم في تحسين الاقتصاد. ودعا الى استثمار 150 بليون دولار لاستحداث 5 ملايين وظيفة ''خضراء'' خلال السنين العشر المقبلة.
إن حل أزمة المناخ التي تؤثر على جميع البلدان، غنية وفقيرة، يتطلب اتفاقية شاملة تضم جميع البلدان وجميع القطاعات وجميع مصادر الكربون وخزّاناته، واجراءات للتخفيف والتكيف. كما يجب أن تكون هذه الاتفاقية عادلة ومنصفة. وعلى البلدان المتقدمة أن تحتل الصدارة في خفض الانبعاثات العالمية، في ضوء مسؤوليتها التاريخية وقدرتها على التصرف.
لكن تغير المناخ الخطر لا يمكن تجنبه بمساعي البلدان المتقدمة وحدها. وحتى خفض الانبعاثات بنسبة 80 في المئة في جميع البلدان المتقدمة بحلول سنة 2050 لن يحقق وحده هذا الهدف. فالمطلوب أيضاً الانخراط الفعال للبلدان النامية في هذه الجهود، خصوصاً البلدان ذات الاقتصادات المتسارعة النمو صناعياً.
إن مواجهة التحدي المناخي على المستوى المطلوب تحتاج الى تعاون دولي حقيقي وثقة بين الشمال والجنوب. وهي تحتاج فوق ذلك الى قيادة والى إرادة سياسية.
الدكتور محمد العشري زميل رفيع في مؤسسة الأمم المتحدة ورئيس تنفيذي سابق لمرفق البيئة العالمي.