يعتزم مشيّدو مدينة صديقة للبيئة في صحراء أبوظبي أن يكونوا في مقدمة الأبحاث والجهود العالمية لتطوير تكنولوجيات الطاقة المتجددة. فالطاقة النظيفة هي المحور الرئيسي لمبادرة مصدر، التي أطلقتها حكومة أبوظبي من خلال شركة ''مبادلة للتنمية''، والتي ستشيد في الامارة أول مدينة خالية من الكربون في العالم.
وقــد أعـلن ولي عهـد أبوظبي الشيـخ محمـد بـن زايــد آل نهيـان، مفتتحـاً ''القمة العالمية لطاقة المستقبل'' الشهر الماضي، أن اهتمام الامارات بتطوير مصادر الطاقة المتجددة يأتي في ظل تصاعد الطلب العالمي على مصادر الطاقة التقليدية وتسارع وتيرة التغيرات المناخية.
وأكد سلطان أحمد الجابر، الرئيس التنفيذي لشركة أبوظبي لطاقة المستقبل ''مصدر''، أن الطاقة المتجددة لا تزال تحظى بجدوى مطلقة حتى في ظل الأوضاع الصعبة التي يشهدها العالم اليوم. ومن المؤشرات الواضحة لذلك تعهد الرئيس الأميركي باراك أوباما باستثمار 150 بليون دولار في قطاع الطاقة النظيفة على مدى السنين العشر المقبلة، ومصادقة البرلمان الأوروبي مؤخراً على قانون يتضمن إجراءات لخفض انبعاث الكربون بنسبة 20 في المئة بحلول سنة 2020، ومبادرة الحكومة الأوسترالية الى تأسيس صندوق ببلايين الدولارات للاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة. كما رحب بالجهود التي تقودها ألمانيا والدنمارك وإسبانيا لتأسيس الوكالة الدولية للطاقة المتجددة. ويذكر أن أبوظبي عرضت استضافة مقر الوكالة في مدينة مصدر.
وتابع الجابر، في كلمته أمام القمة التي عقدت في أبوظبي من 19 الى 21 كانون الثاني (يناير)، أن أبوظبي ستعلن قريباً سياستها الشاملة في مجال الطاقة، التي تتضمن التزاماً بتوفير ما لا يقل عن 7 فيالمئة من إجمالي انتاج الكهرباء في الامارة من مصادر متجددة للطاقة بحلول سنة 2020. وتوقع أن يؤدي ذلك الى نشوء سوق بقيمة 6 ـ 8 بلايين دولار خلال السنين العشر المقبلة.
ودعا ولي عهد هولندا الأمير وليم ألكسندر الى ''إحداث ثورة سلمية في مجال الطاقة المستدامة والطاقة المتجددة، لتزويد الأجيال القادمة باحتياجاتها والحفاظ على الطاقة ومواجهة تحديات التغير المناخي''. وأكد في كلمته الافتتاحية أن التوسع في استخدام الطاقة الشمسية بالاستفادة من الصحراء التي تغطي مساحات كبيرة جداً يمكن أن يوفر بين سنتي 2020 و2050 جزءاً كبيراً من احتياجات العالم من الطاقة لتوليد الكهرباء وتحلية المياه.
وقال وزير البيئة الألماني ماتياس ماكنغ، في كلمة بالنيابة عن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، إن سوق تكنولوجيا الطاقة المتجددة بلغت عام 2008 نحو 1,4 تريليون دولار، وستتضاعف الى 3,1 تريليون دولار سنة 2020 لتكون أكبر سوق في العالم. ووصف القمة بأنها ''منتدى دافوس في مجال الطاقة المتجددة".
لكن اللافت أن مصدر، التي وقعت اتفاقات تعاون جديدة، أعلنت خلال المؤتمر عن نيتها ''مراجعة الجدوى الاقتصادية'' لقرارها السابق المشاركة بحصة 20 في المئة في مزرعة رياح على الساحل البريطاني لانتاج ألف ميغاواط من الكهرباء، عن طريق 341 توربيناً هوائياً في البحر. وهذا يكفي لتأمين الكهرباء لأكثر من 750 ألف منزل في بريطانيا. ويبدو أن مصدر تمهد للانسحاب من المشروع بالكامل.
تكنولوجيات الطاقة الخضراء
شارك في القمة العالمية لطاقة المستقبل 15 وزيراً للطاقة والبيئة، وممثلو الهيئات الدولية المختصة، وحشد كبير من المسؤولين والخبراء ورجال الأعمال وممثلي معاهد البحوث الناشطة في مجال التنمية المستدامة والطاقة النظيفة. وشاركت في المعرض المرافق 300 شركة عربية وعالمية.
بحثت القمة على مدار ثلاثة أيام سياسات الطاقة البديلة والنقل النظيف والمصادر المتجددة، خصوصاً طاقة الشمس والرياح والوقود الحيوي، فضلاً عن توليد الطاقة من المحيطات وحرارة جوف الأرض والنفايات. كما تطرقت الى تكنولوجيا خلايا الوقود وإدارة الكربون والمباني الخضراء.
ومنحت ''جائزة زايد السنوية لطاقة المستقبل'' الى ديبال شاندرا باروا، مؤسس ومدير منظمة ''غرامين شاكتي''، تقديراً لجهوده في ايصال حلول الطاقة النظيفة الى أرياف بنغلادش. وقد ركّبت المنظمة أكثر من 200 ألف نظام فوتوفولطي شمسي يوفر الطاقة لنحو مليوني مواطن. كما أنشأت أكثر من 6000 محطة لانتاج الغاز الحيوي (بيوغاز) من نفايات البقر والدجاج واستخدامه في الطبخ والانارة. ودربت آلاف النساء الريفيات على التقنيات الشمسية، ليؤسسن أعمالاً حرة من خلال برنامج للقروض الصغيرة.
اتفاقات ثنائية
تم خلال القمة توقيع اتفاقات مهمة، منها اتفاق تعاون بين ''مصدر'' وحكومة سيشيل لانشاء مزرعة رياح على جزيرة ماهي في الأرخبيل الأفريقي، تنتج في المرحلة الأولى 18 ميغاواط من الكهرباء تلبي 10 ـ 15 في المئة من حاجة السكان وتخفض حاجتهم الى النفط المستورد. وسوف تحتسب اعتمادات الانبعاثات المخفضة في إطار آلية التنمية النظيفة لبروتوكول كيوتو.
وتوصلت ''مصدر'' الى اتفاق مع شركة البترول الوطنية في نيجيريا لتحديد وتطوير مشاريع تخفيض الانبعاثات الكربونية في قطاع النفط والغاز في نيجيريا. واعتبر سلطان الجابر، الرئيس التنفيذي لمصدر، أن ''هذه الشراكة الاستراتيجية تعكس التزامنا بتطوير مشاريع تعزز النمو المستدام في صناعة النفط والغاز على نطاق عالمي. فتخفيض الانبعاثات الكربونية في نيجيريا، وبالتحديد تلك الناجمة عن إحراق الغاز الطبيعي المرافق لانتاج النفط، سيكون له أثر مهم في مكافحة تغير المناخ".
كما وقعت ''مصدر'' مذكرة تفاهم بحضور حاكمة أوستراليا كوينتن برايس، كشريك مؤسس في المعهد العالمي لاحتجاز الكربون وتخزينه الذي أنشأته الحكومة الأوسترالية. وتنشئ ''مصدر'' شبكة متطورة لاحتجاز الانبعاثات الكربونية وتخزينها في أبوظبي. وتهدف المرحلة الأولى الى خزن خمسة ملايين طن من الغاز سنوياً اعتباراً من نهاية 2013، من ثلاثة مصادر للانبعاثات هي محطة لتوليد الطاقة الكهربائية ومصهر ألومنيوم ومصنع للصلب. وسيتم نقل غاز ثاني أوكسيد الكربون عبر شبكة أنابيب الى حقول النفط في أبوظبي لحقنه في الآبار لتعزيز انتاجها.
ودخلت ''جنرال إلكتريك'' كشريك في مدينة مصدر، حيث سينشأ مركز Ecomagination Centre لحلول الأعمال المستدامة. وسوف يدعم المركز تطوير منتجات كفوءة طاقوياً في المنطقة.
وأعلن ''معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا'' انضمامه الى مبادرة معهد مساتشوستس للتكنولوجيا بشأن الطاقة (MITEI) بصفة عضو عام مؤسس، وذلك لدعمالأبحاث والتطويرات الجارية في حقل تكنولوجيات وحلول الطاقة. وقد أنشئ معهد مصدر بالتعاون مع MIT كأول معهد جامعي مكرس لدراسات وأبحاث الطاقة المتقدمة والتكنولوجيات المستدامة. وسوف تبدأ الدروس فيه في أيلول (سبتمبر) 2009.
كادر
الصحراء العربية ''وادي السيليكون'' للطاقة الخضـراء
تسعى الدول النفطية الخليجية الى دور قيادي في الطاقة النظيفة وتقوم بمبادرات رائدة لدعم الأبحاث وتطوير التكنولوجيات في أنحاء العالم.
إحدى هذه الدول هي الامارات العربية المتحدة، التي تملك خامس أكبر احتياط نفطي في العالم وتعتبر بصمتها الكربونية للفرد من الأعلى عالمياً، ومع ذلك انطلقت منها ''ثورة خضراء'' فريدة من نوعها.
''أبوظبي هي بلد مصدّر للنفط، ونحن نريد أن نصبح بلداً مصدراً للطاقة. وللقيام بذلك ينبغي أن تنفوق في أشكال الطاقة الأحدث والأكثر تطوراً''. هذا ما قاله خالد عوض مدير ''مصدر''، وهي مدينة مستقبلية خالية من الكربون يتم بناؤها في الصحراء على مشارف مدينة أبوظبي.
فقد أعلن ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في كانون الثاني (يناير) 2008 أن حكومة الامارة سوف تستثمر 15 بليون دولار في الطاقة المتجددة. ومدينة مصدر المستقبلية هي في صميم هذه المبادرة. وسوف تشمل حرماً جامعياً متصلاً بمعهد مساتشوستس للتكنولوجيا بواسطة الأقمار الاصطناعية، فضلاً عن مركز أبحاث يضم مختبرات مرتبطة بكلية لندن الملكية ومعاهد ومؤسسات دولية أخرى. وتمثل مصدر طرازاً جديداً لحياة المدينة. فسوف تستهلك ربع الطاقة التي تستهلكها مدينة عادية بحجمها (تضم نحو 50,000 مقيم)، وسوف تنتج هذه الطاقة ذاتياً. ولن يكون فيها أي سيارات، بل يتنقل السكان في مركبات كهربائية تحت سطح الأرض.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، وقعت الحكومة القطرية اتفاقية مع رئيس الوزراء البريطاني الزائر غوردون براون لاستثمار أكثر من 220 مليون دولار في صندوق بريطاني لتكنولوجيا الكربون المنخفض. وهذا المبلغ أكبر كثيراً من الاستثمارات البريطانية في هذا الصندوق.
وفي المملكة العربية السعودية، قدمت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا الى فريق أبحاث في جامعة ستانفورد الأميركية 25 مليون دولار السنة الماضية لاقامة مركز أبحاث يعمل على جعل كلفة الطاقة الشمسية منافسة لكلفة طاقة الفحم. وعقدت الجامعة اتفاقيات أخرى مع جامعات بيركلي وكالتيك وكيمبريدج وكورنيل وإمبيريال وأوكسفورد وأوترخت وغيرها.