Tuesday 23 Apr 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
عماد فرحات وراغدة حداد العشرة القاتلـة  
أذار (مارس) 2009 / عدد 132
 في منطقة لارينكونادا في البيرو، يتم استخراج نحو ثلاثة أطنان من الذهب سنوياً بطرق بدائية يستخدم فيها الزئبق، ما يؤدي الى انبعاث نحو خمسة أطنان من هذا المعدن السام في الهواء، يستقر بعضها على سطوح المنازل والمنشآت. وبسبب عدم توافر شبكة مياه شرب في المنطقة، اعتاد السكان تجميع مياه الثلج الذائب عن سطوحهم واستعمالها لاستهلاكهم الشخصي. وبهذه الطريقة يبتلعون الزئبق السام.
التنقيب عن الذهب بوسائل بدائية، المياه السطحية الملوثة، تلوث المياه الجوفية، تلوث الهواء الداخلي، صناعات التعدين، صهر المعادن ومعالجتها، النفايات المشعة ومناجم اليورانيوم، مياه الصرف الصحي غير المعالجة، نوعية الهواء في المدن، إعادة تدوير بطاريات السيارات، هي أخطر مصادر التلوث في العالم وفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن معهد بلاكسميث للأبحاث البيئية في الولايات المتحدة ومنظمة غرين كروس في سويسرا بعنوان ''أسوأ مشاكل التلوث في العالم: العشرة الأكثر سمّية".
 
التلوث هو المساهم الأول في الموت والعجز. وتشير دراسة أجراها فريق أبحاث من جامعة كورنيل في نيويورك الى أن نحو 40 في المئة من الوفيات حول العالم تعزى مباشرة الى التلوث، ومعظمها يحدث في بلدان نامية. كما أن التلوث يعرض للخطر نوعية حياة ملايين آخرين من خلال أمراض دائمة واضطرابات عصبية وتقصير العمر.
هنا عرض لمصادر التلوث العشرة الأكثر سمية وانعكاساتها الصحية.
1. التنقيب عن الذهب بوسائل بدائية
التنقيب اليدوي عن الذهب، الذي يأتي بأكثر من ربع الانتاج العالمي، هو من أبرز مصادر إطلاق الزئبق الى البيئة في العالم النامي. فالمنقبون يمزجون الزئبق بالطمي النهري الحامل لخامات الذهب، فيتكون مزيج (مَلْغم) مقسَّى يحوي معظم الذهب الموجود في الطمي. ثم يسخن المزيج بواسطة مواقد اللِّحام أو على نار مكشوفة لتبخير الزئبق، فتبقى قطع صغيرة من الذهب. والزئبق يستنشق خلال عملية الحرق، كما يستقر في البيئة المحيطة أو ينتقل عالمياً ليترسب بعيداً عن الموقع، حيث تمتصه أنواع مختلفة من الكائنات الحية. وهو من أخطر السموم العصبية التي تلوث السلسلة الغذائية.
تقدر منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) أن عمليات المزج (الملغمة) هذه تطلق في الطبيعة نحو 1000 طن من الزئبق سنوياً، تشكل 30 في المئة من الانبعاثات الزئبقية العالمية الناتجة من أعمال الانسان. كما تقدر أن هناك ما بين 10 و15 مليون منقب عن الذهب في أنحاء العالم، بمن فيهم 4,5 ملايين امرأة و600 ألف طفل. ويُهدر ما بين كليوغرام وكيلوغرامين من الزئبق المعدني في مقابل كل كيلوغرام من الذهب يتم انتاجه بعملية المزج.
عند إطلاق الزئبق في المجاري المائية، يدخل السلسلة الغذائية من خلال هضمه بواسطة البكتيريا، فيتحول الى زئبق مثيلي (methylmercury) أكثر سمية، ليتناوله سكان مجتمعات ضفاف الأنهار عبر أكل أسماك ملوّثة. لكن مصدر التلوث المباشر هو استنشاق الأبخرة الزئبقية الناتجة من عملية الحرق. والمنقبون وأفراد عائلاتهم هم الأكثر تأثراً بهذه الأبخرة السامة.
التعرض للزئبق قد يسبب اضطرابات كلوية، والتهاب المفاصل، وفقدان الذاكرة، وإجهاضات، وانقطاع التنفس، واضطرابات عقلية، وأضراراً عصبية، وحتى الموت. وقد باشر معهد بلاكسميث للأبحاث في الولايات المتحدة تجارب على تكنولوجيات ملائمة للحد من انبعاثات الزئبق المرتبطة بعمليات التنقيب عن الذهب على نطاق صغير، بما في ذلك استخدام تقنية الأوعية المعوجَّة (retorts) الأبخرة الزئبقية واستعادة الزئبق من المزيج لاعادة استعماله.
2. المياه السطحية الملوثة
المجتمعات الريفية في أنحاء العالم تحصل على إمداداتها المائية من الأنهار أو الآبار القليلة العمق. لكن تنامي التجمعات البشرية وتصنيع استخدامات الأراضي يجعلان كثيراً من الأنهار الرئيسية شديدة التلوث، الى حد أن بعضها تصبح ميتة أحيائياً والشرب منها ساماً. وحيث لا تتوافر المصادر السطحية بسهولة، تشكل المياه الجوفية المصدر الرئيسي، وهي تخدم نحو 20 في المئة من سكان العالم الذين يعيشون في مناطق جافة وشبه جافة. هذه المياه الجوفية هي أبطأ تعرضاً للمشاكل، لكنها حالياً تتأثر على نحو متزايد بتلوث يصعب عكس مفعوله.
الملوثات الرئيسية في النظم المائية هي البكتيريا والفيروسات الموجودة في الفضلات البشرية، والمعادن الثقيلة، والمواد الكيميائية العضوية التي تنتج من النفايات الصناعية. وابتلاع كائنات ممرضة عن طريق الشرب أو تناول طعام تم إعداده باستعمال ماء ملوث هو السبيل الأكثر شيوعاً للمرض. كذلك تناول أسماك صيدت من مياه ملوثة، إذ ربما تراكمت فيها كائنات ممرضة ومواد سامة. كما تتأثر صحة الانسان بمحاصيل استمدت ملوثات من مياه الري أو من أراض طافت بمياه أنهار ملوثة.
تتسبب الجراثيم بعدد من الأمراض المعديّة المعوية التي قد تكون مميتة للأطفال وللأشخاص الضعفاء. وتظهر بيانات منظمة الصحة العالمية أن تلوث المياه هو أحد أهم أسباب الوفيات المرتبطة بعوامل بيئية. وغلي الماء يقضي على معظم الكائنات الممرضة، لكنه يحتاج الى وقود لا يتوافر كفاية لدى المجتمعات الفقيرة.
المجتمعات الموسرة تستطيع تحمل تكاليف محطات معالجة المياه، أو اتخاذ تدابير احترازية مثل اللجوء الى المياه المعبأة أو مياه صهاريج من مصادر مأمونة. لكن خيارات الفقراء محدودة، وأفضل ما يطمحون اليه الحصول على خدمات الشبكة العامة، علماً أن بلداناً نامية كثيرة تواجه تحديات مائية في القطاع العام. وحيث تكون المشكلة موضعية أو يمكن ربطها بمصادر قليلة أو ملوثات محددة، فان تدخلات على نطاق صغير قد تكون فعالة في تحقيق بعض التحسن ومباشرة عملية طويلة الأجل.
3. تلوث المياه الجوفية
يعتمد مئات ملايين الناس في العالم النامي على المياه الجوفية، غالباً من خلال آبار ضحلة محفورة. وهذه يمكن أن تتلوث بسهولة نتيجة أنشطة بشرية تصنف في أربع مجموعات، هي المصادر البلدية والصناعية والزراعية والفردية. وتشمل المصادر البلدية مكبات النفايات المكشوفة، والمطامر السيئة الاعداد والصيانة، والمجارير. وقد يحتوي كل منها على مجموعة من الجراثيم والسموم، بما فيها المعادن الثقيلة التي تنتقل نزولاً وتلوث طبقات المياه الجوفية. أما التلوث الصناعي فقد يأتي من تصريف المياه والنفايات الصناعية وارتشاحها وتسرب المواد الكيميائية من المخازن. ويأتي التلوث الزراعي أساساً من الافراط في استعمال المبيدات والأسمدة التي قد ترتشح الى المياه الجوفية. ويتسبب الأفراد في تلويث المياه الجوفية من خلال التخلص من النفايات بشكل غير مناسب، فزيوت المحركات والمطهرات والمنظفات قد ترتشح الى مصادر المياه. وقد تتلوث المياه الجوفية بمصادر طبيعية، كارتشاح المعادن الثقيلة من تكوينات ترابية وجيولوجية، ويتفاقم ذلك مع الضخ المفرط من الآبار، خصوصاً لأغراض زراعية.
ملوثات المياه الجوفية تدخل الجسم من خلال الشرب، أو تناول أطعمة أُعدّت بمياه ملوثة أو نمت في حقول رويت بها، أو من خلال التماس المباشر بمياه ملوثة. ومن التأثيرات الصحية الاسهال وتهيج المعدة، مما قد يسفر عن أضرار أكثر خطورة. كما أن تراكم المعادن الثقيلة وبعض الملوثات العضوية في الجسم يمكن أن يؤدي الى الاصابة بالسرطان وبتشوهات خلقية وأضرار صحية خطيرة أخرى.
من الصعب جداً معالجة المياه الجوفية، إلا في مناطق محددة صغيرة. لذلك يجب أن يكون التركيز على الوقاية. وهذه تقوم على حماية الطبقات المائية الجوفية السريعة التأثر، وضبط معدلات الضخ والتوزيع، وتوفير نظم لتصريف مياه الأمطار والمياه المبتذلة لتجنب انتقال الملوثات.
4. تلوث الهواء الداخلي
أهم سبب لتلوث الهواء داخل المنازل في العالم النامي هو حرق الفحم أو وقود الكتلة الحيوية لأغراض الطبخ والتدفئة والاضاءة. ويحصل أكثر من 50 في المئة من سكان العالم على الطاقة اللازمة للطبخ بهذه الطريقة، جميعهم تقريباً في بلدان فقيرة.
يشمل وقود الكتلة الحيوية الحطب وروث الحيوانات ومخلفات المحاصيل. وهو يحرق عادة في مواقد بدائية، قلة منها تحرقه تماماً، مما يطلق جسيمات وغازات ملوّثة. وبسبب سوء التهوئة عادة، تنتج تركيزات من الأبخرة السامة داخل المنازل تشكل خطراً صحياً على العائلات. والأكثر تأثراً هم النساء اللواتي يتولّين الطبخ، والأطفال الصغار الذين يلازمون أمهاتهم.
تلوث الهواء الداخلي يؤثر في الصحة من خلال الاستنشاق، كما يؤثر في الأعين مباشرة بسبب الدخان. وهو يساهم بنحو 3 ملايين وفاة سنوياً، ويشكل 4 في المئة من العبء المرضي العالمي. ومن تأثيراته الصحية الالتهابات التنفسية الحادة (تشكل ثُمن العبء المرضي في الهند) والانسداد الرئوي المزمن (يسبب 16 في المئة من وفيات النساء في الصين) وسرطان الرئة وإعتام عدسة العين (كتراكت) والسل واضطرابات الحمل والولادة.
لقد تم تنفيذ مئات الحملات حول العالم للحد من أخطار تلوث الهواء الداخلي، تركزت غالبيتها على استعمال مواقد أكثر كفاءة. لكن هذه الجهود تحتاج الى تكملة، من خلال مقاربات تشمل تحسين التهوئة وتغيير بعض أنماط الحياة والتحول الى أنواع من الوقود أنظف احتراقاً.
5. صناعة التعدين
التلوث الأكبر من المناجم هو نتيجة التخلص من النفايات المعدنية. فالصخور التي تُزال لكشف المعدن الثمين هي عادة غنية بتركيبة معدنية. والنفايات المتخلفة من عمليات فصل المعادن في المصاهر تحوي مستويات معدنية ومواد كيميائية تستخدم في هذه العمليات، وهي تنتج سائلاً حمضياً عندما يلامس الهواء والماء معادن محتوية على كبريتيد فلزي. ويؤدي حمض الكبريتيد الناتج الى تلويث المجمعات المائية السطحية والجوفية. وقد تصرف المناجم النفايات في المجاري المائية، وأحياناً بأحجام كبيرة، مما يلحق الضرر بالنظم الزراعية والنهرية. وتراكم النفايات قد يجعل قيعان الأنهار قليلة العمق، مما يؤدي الى فيضانات.
تحوي الخامات المهمة اقتصادياً عناصر كيميائية كثيرة، بعضها سام وموجود بتركيزات خطرة على البيئة وصحة الانسان. وقد تتواجد هذه العناصر في مستودعات النفايات المعدنية وفي الجدران المكشوفة للحفريات. وقد ترشح من كلا المصدرين، أو تنتقل بفعل الرياح، أو تستهلكها النباتات والحيوانات في السلسلة الغذائية البشرية، أو تدخل الجسم بطرق مختلفة مثل الاستنشاق أو الملامسة أو تناول طعام أو ماء ملوث.
الأضرار الصحية الناجمة عن التلوث من المناجم تتوقف على نوعية الملوثات وتركيزاتها في الهواء أو التراب أو الماء أو الطعام. وغالباً ما تكون مزمنة، من تهيج العينين والحنجرة والأنف والجلد الى أمراض الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والدورة الدموية والكليتين والكبد، ومن السرطانات المتنوعة الى تلف الجهاز العصبي واضطرابات النمو والعيوب الخلقية.
وتستهدف التشريعات الحكومية الخاصة بالتنظيم البيئي لعمليات التعدين تحسين الأداء وتخفيض الأخطار التي تسببها للبيئة وصحة الانسان. ولكن تنشأ المشاكل عندما لا يفرض القانون قيوداً مشددة على الانبعاثات والنفايات أو عندما لا تنفذ القوانين المرعية. وفي هذه الحالات، يمكن أن تبادر الشركات الى تبني برامج طوعية لتخفيض الانبعاثات والنفايات، غالباً تحت ضغط منظمات المجتمع المدني. ومن هذه المبادرات محطات لمعالجة مياه الصرف واعتماد طرق بديلة للتخلص من نفايات المناجم.
6. صهر المعادن ومعالجتها
تقوم مرافق صهر المعادن ومعالجتها باستخراج المعادن المتنوعة من الخامات وتحويلها الى مواد أكثر نقاوة. وهي تنفث كميات كبيرة من الملوثات الهوائية، مثل فلوريد الهيدروجين وثاني أوكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين والأدخنة والأبخرة والغازات المؤذية والسامة وسواها. كما تطلق معادن ثقيلة مثل الرصاص والزرنيخ والكروم والكادميوم والنيكل والنحاس والزنك. وتُستهلك في معالجة المعادن كميات كبيرة من حمض الكبريتيك الذي ينطلق أيضاً. وخلصت إحدى الدراسات الى أن إنتاج الفولاذ وحده مسؤول عن 5 الى 6 في المئة من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون العالمية الناجمة عن النشاطات البشرية.
وقد تنطلق الملوثات المعدنية في شكل جسيمات دقيقة أو مركبات متطايرة، إما عبر المداخن وإما كانبعاثات ''هاربة'' من العمليات. الأبخرة العضوية وأكاسيد الكبريت الناتجة من التحميص والصهر وحرق الوقود يمكن أن تتسبب في ضباب دخاني يحتوي على غاز الأوزون وجسيمات دقيقة وأكاسيد النيتروجين وثاني أوكسيد الكبريت وأول أوكسيد الكربون. وتنتج بعض عمليات الصهر كميات كبيرة من النفايات الصلبة التي تحتوي على مقادير لا يستهان بها من الملوثات. والغبائر الحاملة للمعادن يمكن أن تنتقل مسافات بعيدة وتلوث التربة والمجاري المائية السطحية. كما أن مياه الصرف القلوية والنفايات الناتجة من المصاهر تلوث المجاري المائية.
العاملون في هذه المرافق هم الأكثر تعرضاً للملوثات عن طريق الاستنشاق أو التماس المباشر. وقد تستقر طبقات من الغبار الملوث على حقول زراعية مجاورة، فتمتصه المحاصيل التي يستهلكها الناس. ويمكن أن تدخل الملوثات السائلة والصلبة الى المجاري المائية المستعملة لأغراض الشرب.
التعرض لملوثات ينقلها الهواء من عمليات صهر المعادن ومعالجتها يمكن أن يؤدي الى أمراض حادة ومزمنة، قد تبدأ بتهيج العينين والأنف والحنجرة، وتتفاقم الى مشاكل القلب والرئتين وحتى الموت قبل الأوان. وتشكل المعادن الثقيلة أخطاراً صحية مزمنة، بما فيها تراكم العناصر السامة، مما قد يتسبب في عيوب خلقية ومشاكل في الكليتين والكبد وتقرحات في القناة الهضمية وآلام في المفاصل، فضلاً عن اختلالات في الأجهزة العصبية والتنفسية والتناسلية.
يمكن تصميم مرافق الصهر الحديثة وتشغيلها بطريقة تحصر الانبعاثات في مستويات منخفضة جداً، لكن هذه العمليات قد تكون مكلفة نسبياً. وكثير من المرافق لا تستوفي المعايير، خصوصاً حيث لا تطبق الأنظمة جدياً. أما المصاهر القديمة فغالباً ما تلتصق بها سمعة ''بؤرة تلوث''، حيث ينتشر الغبار المعدني السام على مساحات واسعة، وحيث تسببت سنوات من اطلاق الأحماض في أضرار بيئية جسيمة. ويجب أن يتركز اصلاح هذه الأماكن على ازالة مصدر المشكلة أو تقليصه، ومن ثم التصدي لمعابر التلوث التي تؤثر على السكان المحليين، وهي غالباً المياه والغذاء الملوث.
7. النفايات المشعة ومناجم اليورانيوم
تستعمل المواد المشعة لتوليد الطاقة ولأغراض عسكرية وصناعية وطبية وعلمية. أما النفايات المشعة فتصنف ضمن فئتين: نفايات عالية المستوى تنتج بشكل رئيسي من الوقود المستعمل في مفاعلات مدنية أو عسكرية، ونفايات منخفضة المستوى تنتج من المفاعلات والاستعمالات الصناعية والتجارية وغيرها.
وتتمثل النفايات العالية المستوى عادة في الوقود ''المستنفد'' الناتج من مفاعل نووي. وتشغل غالبية المفاعلات بقضبان وقود اليورانيوم التي تكون في البداية مشعة قليلاً. لكن عندما ''يُستنفد'' قضيب الوقود أو يستعمل، يصبح عالي الاشعاعية وساخناً حرارياً. وينخفض نشاط المواد المشعة خلال ما يسمى ''نصف العمر'' (halflife) ، وهو الزمن الذي يستغرقه تقلص النشاط الى نصف قيمته الأولية. هذا العمر النصفي يمكن أن يمتد من أجزاء من الثانية الى ملايين السنين.
المواد المشعة لا يمكن معالجتها، ولا يزول خطرها إلا عندما تكمل انحلالها. ولأن ذلك قد يستغرق آلاف السنين، فان هذه المواد يجب أن تخزن حسب الأصول. وتبذل جهود في أنحاء العالم لايجاد طرق لعزل النفايات المشعة العالية المستوى عن المحيط الحيوي لمدة مليون سنة على الأقل في ما يسمى ''مستودعات نهائية''، وهذه عملية معقدة ومثيرة للجدل.
أما النفايات المنخفضة المستوى فتشمل مواد ذات نشاط انحلالي صغير، أو أصبحت ملوثة أو منشّطة بمواد نووية. وهذه قد تكون ملابس تستعمل في الصناعة النووية، أو مواد طبية، أو مصادر إشعاعية مستنفدة، أو مواد من داخل مفاعلات.
النفايات الناتجة من استخراج اليورانيوم ومعالجته هي فئة خاصة من النفايات المشعة المنخفضة المستوى، لكنها موضع قلق كبير بسبب الكميات الكبيرة المخزونة في أماكن صغيرة عادة، مما يحدث خطراً شاملاً. ومن أصل أكبر 10 منشآت لاستخراج اليورانيوم، هناك 7 في بلدان لا تستوفي معايير السلامة الصناعية، هي كازاخستان وروسيا والنيجر وناميبيا وأوزبكستان وأوكرانيا والصين. وما لم تتم ادارة نفايات التنقيب والمعالجة حسب الأصول لضمان استقرارها وأمنها على المدى البعيد، فهي تشكل تهديداً خطيراً لصحة الانسان، غالباً من خلال ارتشاح المواد المشعة وتسربها. وفي حالات سيئة جداً، أقيمت مناجم في مناطق تعبرها خطوط الصدوع الزلزالية، ما يجعل النفايات معرضة للتسرب. وفي بعض المواقع، تم استعمال هذه النفايات في بناء المنازل. ونظراً الى أن كثيراً من عمليات التنقيب عن اليورانيوم تحدث في العالم النامي، وغالباً تحت إشراف جهات يهمها الانتاج لا السلامة، فان كميات كبيرة من النفايات السامة والمشعة ما زالت تشكل تهديداً للانسان يومياً.
الدقائق المشعة يمكن أن تدخل الجسم من خلال الطعام أو الماء أو الهواء. والقرب من مواقع النفايات المشعة غير المحكمة الاغلاق، ومن الطرق والانشاءات الأخرى التي تبنى بمخلفات التنقيب، يعرض الناس للاشعاع. ولا يوجد مستوى ''مأمون'' للتعرض الاشعاعي، الذي يؤثر على العمليات الحيوية في الجسم بطرق كثيرة مختلفة. وقد تكون تأثيراته دراماتيكية، فيهاجم جميع وظائف الجسم في حالات التعرض الحاد، وغالباً ما يتسبب بعدد من الأمراض السرطانية نتيجة التعرض الطويل الأمد، أو يؤثر في الشيفرة الوراثية مما يؤدي الى مشاكل صحية تنتقل الى الأجيال التالية. والأشخاص الذين يتعرضون لجرعات غير قاتلة قد يعانون من تغيرات في كيمياء الدم أو غثيان أو إعياء أو تقيؤ أو طفرات وراثية. والأطفال سريعو التأثر بنوع خاص، إذ يعيق الاشعاع نموهم. وتعرّض الأجنة يمكن أن يؤدي الى تصغير حجم الرأس أو الدماغ وتشويه شكل العينين ونمو غير طبيعي وتخلف عقلي.
هناك أنظمة دولية لادارة النفايات المشعة العالية المستوى. لكن في البلدان الفقيرة، ثمة إدراك ضعيف لمدى الأخطار المتعلقة بالتنقيب عن اليورانيوم ومعالجة نفاياته، وجهد قليل أو معدوم من قبل الصناعة أو الحكومات للتعاطي مع المشكلة.
8. مياه الصرف الصحي غير المعالجة
تقدر منظمة الصحة العالمية أن 2,6 بليون نسمة كانوا يفتقرون الى مرافق خدمات صحية محسنة عام 2008. وسجلت المستويات الأدنى في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (37%) وفي جنوب آسيا (38%) وفي شرق آسيا (45%). هذه المرافق تمنع تماس الانسان مع البراز، وتشمل المراحيض المزودة بالماء أو بحفرة امتصاصية ومراحيض التسميد. وحتى حين تتوافر المراحيض المائية، فان الفضلات غالباً ما تتسرب الى مصارف ومجاري المياه، في غياب نظم التجميع والمعالجة المكلفة. ونتيجة لذلك، تصبح المياه السطحية في كثير من المناطق الريفية شديدة التلوث بالفضلات البشرية. وحيث توجد مراحيض مزودة بحفر امتصاصية، يشكل الارتشاح الى المياه الجوفية مشكلة رئيسية، لأن مجتمعات كثيرة تعتمد على آبار قليلة العمق للحصول على مياه الشرب.
إن الافتقار الى مرافق الخدمات الصحية يؤثر على المجتمعات الفقيرة في المدن والأرياف، حيث تشح الموارد اللازمة للاستثمار في البنية التحتية. لكن التحدي ماثل حتى في أغنى مجتمعات العالم للحفاظ على النظم القائمة لحماية الناس من تفشي الأمراض المنقولة بالمياه.
يتم تصريف المياه المبتذلة عمداً الى المجاري المائية بواسطة الأنابيب أو الحفر الصحية. كما يمكن أن تصل اليها مع سقوط الأمطار. وعندما يستعمل الناس هذه المجاري المائية للشرب أو الاستحمام أو الغسل، يتعرضون لكائنات ممرضة قد يعيش الكثير منها لفترات طويلة في بيئات مائية. فيمرضون نتيجة شرب مياه ملوثة، أو ملامستها، أو دخولها الجلد أو الأنف أو الأذنين أو العينين، أو تناول أطعمة أعدت بها.
من الكائنات المهددة لحياة الانسان التي تنقلها مياه الصرف الصحي الكوليرا والتيفوئيد والديزنطاريا. ومن الأمراض الأخرى البلهارسيا والتهاب الكبد ''أ'' والتهابات الدودة الشريطية المعوية. وتقدر منظمة الصحة العالمية أن من الممكن تجنب مليون ونصف مليون وفاة في السنة تنتج من مياه غير مأمونة أو مرافق خدمات صحية أو تدابير نظافة غير وافية، معظمها لأطفال صغار. ويموت سنوياً 860 ألف طفل آخر دون الخمس سنوات كنتيجة لنقص الوزن أو سوء التغذية المرتبطين بتكرار الالتهابات التي يسببها الاسهال أو التهابات الديدان الشريطية المعوية.
يتحقق بعض التقدم عالمياً في هذا المجال. وقدرت منظمة الصحة العالمية أن 3,8 بليون شخص يحظون بمرافق صحية محسنة اعتباراً من العام 2004. ووضعت هدفاً لشمل نسبة 75 في المئة من سكان العالم بحلول سنة 2015. وسيكون الوفاء بهذا الهدف الطموح تحدياً، لكن عدداً من التدخلات أثبتت أنها فعالة في تخفيف عبء الأمراض الاسهالية، وهذه تشمل غسل الأيدي، والتثقيف بممارسات النظافة الصحية، وتركيب المراحيض، وتعقيم المياه قبل استعمالها.
9. هواء المدن
الجسيمات وثاني أوكسيد النيتروجين وثاني أوكسيد الكبريت والأوزون هي بعض الملوثات الهوائية الأكثر مراقبة عموماً. وتعزى الجسيمات أساساً الى احتراق الوقود، خصوصاً الفحم والديزل (المازوت)، وهي تشتمل على جزيئات دقيقة من الجوامد والسوائل، بما في ذلك الرماد والسخام الكربوني والأملاح المعدنية والمركبات العضوية والمعادن الثقيلة مثل الرصاص. والأوزون الأرضي مكوِّن رئيسي للضباب الدخاني الفوتوكيميائي، الذي يتشكل عندما تتفاعل ملوثات رئيسية مثل ثاني أوكسيد النيتروجين وأول أوكسيد الكربون مع ضوء الشمس، مما يكوّن تشكيلة من الملوثات الثانوية.
وتقدر منظمة الصحة العالمية أن 865 ألف وفاة سنوياً في أنحاء العالم تعزى مباشرة الى تلوث الهواء خارج المنازل. ويتعرض الأشخاص الذين يعيشون أو يعملون قرب مصادر التلوث، مثل محطات الطاقة والطرق الرئيسية، لتركيزات مرتفعة من الملوثات على مدى فترات طويلة، مما يرفع خطر إصابتهم بمشاكل صحية حادة أو مزمنة. وغالباً ما تعاني مدن البلدان النامية من تلوث الهواء، نظراً الى الاستعمال المكثف لوقود الديزل في السيارات والحافلات، وهيمنة الفحم على محطات توليد الطاقة، وقرب سكان المدن من المرافق الصناعية، والافتقار الى أجهزة متطورة للتحكم بانبعاثات السيارات والمصانع.
التأثيرات الصحية الرئيسية لتلوث الهواء الخارجي ترتبط عادة باجهاد رئوي أو قلبي وعائي مزمن، خصوصاً نتيجة استنشاق الجسيمات الدقيقة. وتزداد إصابات سرطان الرئة والالتهاب الرئوي الحاد أو المزمن ونوبات الربو والحساسية. وتبين أن التعرض المزمن لثاني أوكسيد النيتروجين قد يعيق التطور الرئوي للأطفال ويتلف رئتي كبار السن. كما أن التعرض للأوزون الأرضي يتسبب بتهيج العينين والأنف والحنجرة، وجفاف الأغشية المخاطية، وانخفاض قدرة الجسم على مقاومة الالتهابات الرئوية.
تلوث هواء المدن مشكلة كبرى في البلدان النامية. وعلى رغم إحراز تقدم كبير في البلدان المتقدمة، فان مدناً كثيرة في هذه البلدان ما زالت تظهر مستويات من التلوث تتعدى الحدود الموصى بها. ومن التدابير التي ساهمت في الحد من تلوث الهواء تطوير المحول الحفاز في السيارات، واستعمال البنزين الخالي من الرصاص والديزل القليل الكبريت، وفرض معايير صارمة على انبعاثات السيارات والمصانع ومحطات الطاقة. لكن جميع هذه التغييرات تحتاج الى استثمارات رأسمالية لا تتحملها بلدان نامية كثيرة.
10. تدوير بطاريات السيارات
تصنع بطاريات السيارات عادة من لوحات رصاصية مثبتة في حوض من حمض الكبريتيك ضمن غلاف بلاستيكي. وهي تستعمل في كل بلدان العالم. ويمكن شحن البطارية مراراً، ولكن بعد مدة تتلف اللوحات الرصاصية، فتفقد البطارية قدرتها على حفظ الطاقة المخزنة وتصبح غير صالحة للاستعمال. عندئذ تصنف في فئة النفايات الخطرة بموجب اتفاقية بازل.
الرصاص المعاد تدويره سلعة قيمة في العالم النامي، لذلك يشكل استرداد بطاريات السيارات عملاً مربحاً لكثيرين. وفتحت عدة بلدان نامية باباً واسعاً لشراء هذه البطاريات بكميات كبيرة من أجل استخلاص الرصاص منها. وتجرى عمليات اعادة تدوير البطاريات وصهر رصاصها في معظم مدن العالم النامي، وغالباً في أماكن مكتظة بالسكان ومن دون ضوابط صحية وبيئية أو تدابير سلامة، وتطلق كميات كبيرة من النفايات المشبعة بالرصاص، وهذا يسبب تسمماً خطيراً للعمال والمجتمعات المجاورة.
الخطر ماثل طوال عملية اعادة التدوير العشوائية. وغالباً ما يرمى حمض (أسيد) البطارية على الأرض أو في أكوام النفايات أو في أقرب جسم مائي. وعندما تذوّب صفائح الرصاص، يسقط رماد الرصاص في الطبيعة المجاورة وعلى الملابس، ويستنشقه بشكل مباشر أشخاص على مقربة منه.
التربة المحتوية على رصاص قد تتحول الى غبار ينقله الهواء. وقد يرشح الرصاص الى الامدادات المائية. ويتعرض له الأطفال بنوع خاص أثناء اللعب على أرض ملوثة أو تناول طعام ملوث بالرصاص. ويمكن أن يحدث تسمم حاد بالرصاص عند التعرض المباشر لمقادير كبيرة منه باستنشاق أغبرة أو أدخنة أو أبخرة منتشرة في الهواء. لكن التسمم المزمن الناتج من امتصاص مقادير صغيرة خلال فترات زمنية طويلة هو مشكلة أكثر شيوعاً. وقد يتراكم الرصاص خلال فترات طويلة في العظام. وقد يؤدي التسمم بالرصاص الى الشعور بالتعب والصداع وألم العظام والعضلات والنسيان وفقدان الشهية واضطراب النوم. وغالباً ما يعقب ذلك امساك ونوبات من الألم الشديد في البطن تدعى مغص الرصاص. وفي الحالات المتطرفة تحدث تشنجات وغيبوبة وهذيان، وصولاً الى الموت. والأطفال هم الأكثر عرضة للتسمم بالرصاص من البالغين، وقد يعانون من تلف عصبي وألم وإعاقة في النمو الجسدي والعقلي. أما تعرض النساء الحوامل فقد يؤدي الى أذى للجنين والى ولادات مشوهة.
وقد أدخلت في بعض البلدان تحسينات على عمليات إعادة تدوير البطاريات، وباتت أكثر تنظيماً. لكنها في كثير من البلدان الأشد فقراً ما زالت تجرى بطرق عشوائية محفوفة بالأخطار الصحية والبيئية.
 
كادر
شرب الزرنيخ في بنغلادش
تعتبر منظمة الصحة العالمية أن تلوث المياه الجوفية بالزرنيخ في بنغلادش ''أكبر تسمم لشعب في التاريخ''. فملايين المواطنين معرضون لشرب مياه ملوّثة بالزرنيخ، إذ ان الآبار تزود 90 في المئة من السكان بالمياه. وقد سجلت في بنغلادش 100 ألف اصابة بأمراض جلدية على الأقل ونحو 3000 وفاة سنوياً بسبب الزرنيخ.
 
كادر
طاقة من الفحم تخنق الصينيين
جاء في تحقيق علمي نشرته مجلة Scientific American عن مدينة تشونغكينغ الصينية حيث تقوم محطات لانتاج الطاقة من الفحم:
''لا يوجد أفق حقيقي في هذه المدينة المينائية الداخلية... انها ''فرن'' الصين الذي يضاهي كامل ''حزام الصدأ'' في الولايات المتحدة. هذه البؤرة محشورة في مجتمع يضم أكثر من 30 مليون نسمة (ضعفا حجم مدينة نيويورك الكبرى)، يتنفس سكانه هواء عابقاً بسخام يسد الرئتين ولا يستوفي معايير السلامة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
''الدخان الخانق الذي ينتجه حرق الفحم بكميات هائلة يدخل الى رئات الصينيين، رجالاً ونساء وأطفالاً، ويكلف الصين ما يقدر بمئة بليون دولار سنوياً كنفقات صحية مرتبطة بأمراض تنفسية، بحسب البنك الدولي. وهذا قد يعوق أيضاً نمو الجيل القادم في هذه المدينة الواقعة في قلب الصين، وفق دراسة حديثة أجرتها فريدريكا بيريرا وزملاؤها في جامعة كولومبيا في نيويورك".
مصفاة نفط في الجوار
أفادت تقارير صحافية ومنظمات محلية أن سكان مدينة سلامانكا بولاية غواناخواتو المكسيكية يُنصحون بابقاء أطفالهم في المنازل. فهم لا يستطيعون اللعب في الخارج خوفاً من أن تسبب لهم غيمة الغازات السامة المنبعثة من مصفاة النفط تقيؤاً أو دواراً أو صداعاً أو ألماً في المعدة أو التهابات رئوية. وورد في دراسة حكومية أن التلوث المنبعث من سلامانكا يشكل 92,8 في المئة من مجمل التلوث المتولد في 46 مدينة وبلدة تضمها الولاية.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.