''إذا لم يتم اتخاذ اجراءات حاسمة فوراً، سيتسارع الاحترار العالمي خلال القرن 21 بوتيرة تسبب ضرراً بيئياً يفوق كل التوقعات السابقة''. هذا التحذير جاء من العالم الأميركي كريس فيلد، العضو البارز في الهيئة الحكومية المشتركة لتغير المناخ، قبل يومين من انعقاد المنتدى البيئي الوزاري العالمي في نيروبي الشهر الماضي. وأكد فيلد أن الدلائل العلمية الثابتة التي ظهرت عقب صدور التقرير الرابع للهيئة عام 2007 تثبت أن الوضع أسوأ كثيراً مما جاء في التقرير. وكان التقرير قد توقع ارتفاع الحرارة بين 1,1 و6,4 درجات مئوية بحلول سنة 2100. كريس فيلد أكد أن الانبعاثات ازدادت بين 2000 و2007 بمعدلات فاقت التوقعات، خاصة بسبب الارتفاع الكبير في انتاج الطاقة في الدول النامية، ولا سيما الهند والصين، التي تعتمد في معظمها على الفحم الحجري.
وكانت دراسات نشرت خلال الأشهر الأخيرة أكدت إمكانية ارتفاع مستويات البحار متراً واحداً مع نهاية القرن، أي ثلاثة أضعاف ما قدره التقرير الرابع للهيئة الحكومية قبل سنتين. وجاءت أبرز الاستنتاجات في دراسة حديثة لمركز أبحاث المناخ في جامعة إيست أنغليا البريطانية، أثبتت للمرة الأولى وجود وتيرة متسارعة لارتفاع الحرارة في قارة القطب الجنوبي. العلماء يؤكدون أن استمرار الوضع على حاله سيؤدي إلى ارتفاع متواصل في درجات الحرارة، يُحرق الغابات الاستوائية ويذيب الجليد القطبي، فيدخل العالم في كارثة لا يمكن التهكن بنهاياتها.
على هذه الخلفية، اجتمع الشهر الماضي وزراء البيئة من 140 بلداً في المنتدى البيئي الوزاري العالمي الذي عقد في نيروبي. المناخ لم يكن على جدول أعمال المنتدى، لكن ''وزيرة المناخ'' الدنماركية كوني هيدغارد دعت إلى اجتماع وزاري مغلق للتداول في أفكار ومقترحات تسهّل الوصول إلى تفاهم في المؤتمر العالمي لتغير المناخ الذي سيعقد في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، برئاستها، في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن.
في سعيها للتوصل إلى تفاهمات تضمن نجاح مؤتمر كوبنهاغن، الذي يفترض أن يخرج باتفاقية تحدّد شروط العمل الدولي للحد من تغيّر المناخ تعقب بروتوكول كيوتو، طلبت الوزيرة البحث في أهداف طموحة لتخفيف الانبعاثات تلتزم بها الدول الصناعية. كما دعت الدول النامية إلى عرض رؤيتها في خفض الانبعاثات ومدى استعدادها للمشاركة في الجهد الدولي.
بين الدول الصناعية، وحده الوزير الألماني حدد التزام بلاده بتخفيض الانبعاثات 40 في المئة مع حلول سنة 2020، وهو الحد الأعلى الذي وضعته الهيئة الحكومية المشتركة لتغير المناخ في تقريرها الرابع، ووعد بالعمل لاقرار هذا التعهد على مستوى دول الاتحاد الأوروبي. علماً أن الرقم الذي يتداوله الاتحاد الأوروبي لخفض الانبعاثات هو 30 في المئة بحلول سنة 2020. الدول الصناعية الأخرى أبدت نيات حسنة، لكنها تجنبت الالتزام بأرقام. وإذ دعا مندوبوها الدول النامية، خاصة الصين والهند، إلى الالتزام بنسب محددة لخفض الانبعاثات، وعدوا بمساعدتها مادياً وتكنولوجياً على الوفاء بالتزاماتها، ولكن أيضاً بلا تحديد أرقام.
الوزير الصيني كرر التزام بلده تخفيض الانبعاثات بنسبة 10 في المئة سنة 2010 و15 في المئة سنة 2020، مقارنة بعام 1990، وذلك من طرف واحد، بانتظار الاتفاق على المعونات والتعويضات. كذلك التزمت البرازيل وجنوب افريقيا بتخفيضات طوعية.
موقف الدول النامية جاء واضحاً على لسان مندوب جنوب افريقيا، الذي أكد أنه ليس من العدل أن تدفع هذه الدول، بما فيها الهند والصين، ثمن الاجراءات لاصلاح التخريب الذي أحدثته الدول الصناعية خلال القرون الأخيرة. وطالب بتعهدات تكنولوجية ومالية ملزمة من مجموعة الدول المتقدمة، تحدد على أساسها برامج خفض الانبعاثات في الدول النامية. وقد كررت الدول النامية مطالبها من الدول الصناعية بالالتزام بتخفيض الانبعاثات وفق الحد الأعلى الذي جاء في التقرير الرابع لهيئة تغيّر المناخ، أي 40 في المئة مع حلول سنة 2020 و90 في المئة مع حلول سنة 2050.
وإذ أكد الوزير الجزائري الالتزام بموقف مجموعة الـ77 والصين الذي عرضته جنوب افريقيا، دعا مندوب لبنان إلى ضرورة ضبط آليات التمويل تحت مظلة الأمم المتحدة لفصلها عن الاعتبارات السياسية التي تحكم المساعدات الثنائية، كما أكد على وجوب احترام حقوق الانسان في جميع التدابير المتعلقة بتغيّر المناخ.
وقد لفت أحد الوزراء المشاركين إلى أن المندوب الأميركي كان مستمعاً ولم يشارك في النقاش. لكن الجواب جاء على لسان الرئيس باراك أوباما في 19 شباط (فبراير)، بعد يوم واحد من لقاء نيروبي، عقب اجتماعه برئيس الوزراء الكندي. فقد أكد أوباما أن برنامج الانقاذ الاقتصادي الأميركي يدعم التحول نحو ''الاقتصاد الأخضر'' داخلياً، وأن الولايات المتحدة ستكون في طليعة العمل الدولي للتصدي لقضية تغيّر المناخ. لكن أوباما لم يوضح ما فهمه الجميع، وهو أن التفاصيل تتوقف على معرفة مدى الانهيار الذي سيصل إليه الاقتصاد الأميركي.
تسعة أشهر تفصلنا عن مؤتمر كوبنهاغن، على الدول العربية أن تحدد خلالها موقفاً موحداً لتكون جزءاً من العمل الدولي المحتوم في مواجهة قضية تغيّر المناخ. ولئن تكن مساهمة العرب في انبعاثات الغازات المسببة للاحترار لا تتجاوز 5 في المئة من المجموع العالمي، لكن الآثار عليها ستكون كارثية. فما هي آثار تغير المناخ على المنطقة العربية وماذا فعلنا لمواجهتها؟ إذا ارتفعت البحار متراً واحداً، ما هي المناطق المهددة من أصل 18 ألف كيلومتر من السواحل العربية المأهولة؟ ما هو أثر ازدياد القحل والجفاف على انتاج الغذاء والمياه العذبة والصحة والتنوع البيولوجي والعمران والطرقات والبنى التحية والسياحة؟ كل هذه تحديات لن يمكن بعد اليوم تأجيل التعاطي معها بدفن الرؤوس في الرمال.
الدليل العلمي الثابت يظهر اليوم أن المناخ يتغيّر، بوتيرة أسرع مما توقعنا جميعاً. وإذا كانت الولايات المتحدة احتفظت حتى العام الماضي بلقب ''الملوث الأكبر''، فقد تجاوزتها الصين هذه السنة بمعدل انبعاثات غازات الدفيئة، والبقية تأتي لأن الصين ما زالت في بداية الطريق، ومعها الهند.
الاجتماع الوزاري في نيروبي أظهر أن هناك إجماعاً على الاعتراف بالمشكلة، وبوجوب العمل السريع على إيجاد حلول فعالة وتطبيقها. على الجميع أن يكون جزءاً من الحل، بتحمل المسؤولية المشتركة جماعياً، وقيام الدول الصناعية بواجباتها في دعم الدول النامية للتحول إلى الانتاج النظيف والاقتصاد الأخضر. لم يعد مقبولاً أن يحتج أي طرف بتقصير الطرف الآخر للتقاعس عن الاجراءات السريعة الفاعلة.
حين انفضّ الاجتماع الوزاري في نيروبي السابعة مساء، بعد أربع ساعات من المداولات، علّق أحد الوزراء أنه شبيه بالاتفاق على الذهاب إلى العشاء والاختلاف على من يدفع الفاتورة. حسناً، ليس لدينا إلاّ خيار واحد، هو المشاركة في دفع الفاتورة، كل حسب قدراته ووفق الوجبة التي اختارها للعشاء... مع الأخذ بالاعتبار جميع الوجبات السابقة منذ الثورة الصناعية، التي حصل عليها كثيرون بلا مقابل.