Saturday 23 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
فرنسيسكو رايلي (مانيلا) تأهيل أسطول الدراجات النارية  
نيسان (أبريل) 2009 / عدد 133
 الانتشار الواسع للدراجات النارية الثلاثية العجلات ذات المحركات الثنائية الأشواط في آسيا سبب رئيسي للتلوث. وقد تمكن المهندس الأميركي تيم باور، الذي يعمل وفريقه في الفيليبين، من تطوير نظام لتعديل أداء هذه المحركات وتخفيف انبعاثاتها الضارة إلى حد كبير. ويخطط باور حالياً لتركيب  هذا النظام في آلاف  الدراجات أملاً بتحسين نقاوة الهواء وزيادة دخل السائقين. وتقديراً لعمله منح جائزة رولكس للمبادرات الطموحة عام 2008
 
يركب إينجل راكوينو فجر كل يوم دراجته النارية الثلاثية العجلات بعربتها الجانبية المهتزة، ويجول الشوارع الضيقة المرصوفة في مدينة فيغان السياحية الرائعة التي تقع على بعد 400 كيلومتر شمال العاصمة الفيليبينية مانيلا. وقد شرع راكوينو في دراسة الإلكترونيات منذ وقت طويل، لكن الظروف أجبرته على التخلي عن الدراسة والعمل كسائق تاكسي لدعم عائلته. وهو يعتبر الدخان الأزرق المنبعث من 3000 دراجة ثلاثية العجلات تجوب شوارع المدينة، لنقل السياح والسكان المحليين في أنحاء هذه التحفة المعمارية العائدة للقرن السادس عشر، أسوأ من ساعات القيادة الطويلة على الطريق، ويقول: ''إذا قدّر لك أن تعلق في الزحام خلف واحدة من هذه المركبات، فاعلم أن الهواء المحيط بك غير صالح للتنفس".
 
أظهرت دراسة ''مراقبة البيئة في الفيليبين'' التي أصدرها البنك الدولي عام 2006 أن تلوث الهواء يتسبب في 15 ألف وفاة سنوياً في البلاد، كما أن تكاليف الرعاية الصحية للمتضررين من تلوث الهواء تصل سنوياً إلى قرابة 19 مليون دولار، بينما تقدر خسائر الإيرادات بنحو 134 مليون دولار. وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن تلوث الهواء في قارة آسيا يسبب نحو 537 ألف وفاة سنوياً. ويلعب قطاع المواصلات دوراً كبيراً في هذا التلوث، إذ تتسبب كل واحدة من غالبية المركبات المجهزة بمحرك ثنائي الأشواط (two-strike engine) والتي يقارب عددها 100 مليون مركبة بتلوث يعادل ما تسببه 50 سيارة معاً. ومن هذه المركبات الملوثة الدراجـات الثلاثية العجلات وعربات ''تك تك''(tuk-tuk) وعربات ''ريكشاو'' الآلية وعربات ''تريشاو''، التي تعد رموزاً سياحية ووسائل للتنقل، وهي منتشرة في المدن الآسيوية من نيودلهي حتى مانيلا.
 
ويرى المهندس الميكانيكي الأميركي تيم باور البالغ من العمر 31 عاماً، أن هناك إمكانية لإيجاد حل من صميم المشكلة، إذ يقوم منذ عام 2006 بتوزيع نظام يجعل من السهل تحويل محركات هذه العربات إلى العمل بطريقة حقن الوقود المباشر، ما يحد من التلوث الذي تسببه. وقد تطلب إجراء التجارب العديدة توظيف تيم وفريقه قدراتهم وإمكاناتهم الإبداعية في سبيل إيجاد الحلول للتعقيداتالتقنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، فكانت النتيجة فوزه بجائزة ''رولكس'' للمبادرات الطموحة عام 2008.
 
 
 
حل مرفوض
يعاني أكثر من 1,8 مليون سائق فيليبيني للدراجات النارية الثلاثية من الازدحام الخانق لساعات طويلة يومياً أثناء نقل الركاب في الشوارع المكتظة، والطرق التي يغمرها المطر الغزير وتفسدها الأخاديد. وفي حين تعجز الحافلة والسيارة عن العبور وسط هذا الزحام، تستطيع الدراجة الثلاثية إيجاد طريقها بسهولة. وتوفر هذه العربات وسيلة نقل منخفضة التكاليف للسياح، فيما تمثل لملايين المواطنين وسيلة لكسب العيش والتنقل. ويقول تيم باور: ''في حين تلعب هذه الدراجات دوراً حيوياً في النسيج الاقتصادي والاجتماعي، فإنها تترك أثراً مفجعاً على الصحة العامة".
 
ويقتصر استخدام المحرك الثنائي في أوروبا والولايات المتحدة على آلات جز العشب والمنشار الكهربائي، أما في الفيليبين فتزيد نسبة استخدامه في الدراجات النارية على 94 في المئة، وتتراوح في الهند وباكستان وتايلاند بين 50 و90 في المئة. ويعلل تيم باور ذلك بقوله: ''يمثل المحرك الثنائي الأشواط آلة رائعة، فهو متين وقوي ويمكن الاعتماد عليه، إضافة إلى سهولة التعامل معه بحيث يستطيع السائق إصلاحه بنفسه، وهذا أمر هام جداً لأصحاب الدخل المنخفض الذين لا يتجاوز دخلهم اليومي 5 دولارات. ولكن تكمن مشكلة هذه المحركات في أن ما يقارب 40 في المئة من الوقود والزيت تخرج من المحرك دون احتراق كامل''. ويؤدي ذلك إلى انبعاثات كبيرة من أكاسيد الكربون والنيتروجين والكبريت والمواد الهيدروكربونية والغبار الدقيق، ما يجعل هذه المحركات أحد المصادر الرئيسية للتلوث في أرخبيل الفيليبين.
 
وقد حاولت حكومة الفيليبين عام 2003 إيقاف هذه العربات واستبدالها بدراجات آلية ذات محركات رباعية الأشواط أقل تلويثاً للبيئة ولكن أعلى كلفة، إذ يصل سعر الواحد منها إلى 1500 دولار، أي ما يعادل الدخل السنوي لسائق الدراجة الثلاثية العجلات. بيد أن الرفض الشديد من السائقين والميكانيكيين وبائعي قطع الغيار أجبر السلطات على التراجع عن هذه المحاولة. وفي هذا الصدد يقول تيم باور: ''إن إيجاد حلول تتيح للسائقين الاحتفاظ بمصادر رزقهم شكل التحدي الأكبر بالنسبة الينا، إذ كنا مضطرين للإبقاء على المحركات الثنائية الأشواط والانطلاق منها في إيجاد الحل الملائم".
 
من السعودية الى الفيليبين
بدأت فكرة نظام حقن الوقود المباشر تتضح عام 2000 في ''مختبر المحركات والحفاظ على الطاقة'' التابع لجامعة ولاية كولورادو الأميركية، التي التحق باور بها عام 1997 خلال دراسته الهندسة الميكانيكية. وكان يبلغ من العمر آنذاك 24 عاماً، وهو قاد مع زميله ناثان لورينز فريقاً من الطلاب في مشروع أبحاث حول تزويد عربات الثلج في منتزه يلوستون الوطني بتقنية الحقن المباشر. وقد رأى في هذه التقنية حلاً فعالاً للحد من الانبعاثات الملوثة للبيئة. وعند انتهاء فترة دراسته عام 2004، وبدلاً من التقدم لوظيفة مريحة قي قطاع الطيران، قرر باور وشريكه لورينز تطوير منتج قابل للاستخدام التجاري، وتوفيره في آسيا على نطاق واسع.
 
لكن الانتقال من العمل على عربات الثلج في أميركا إلى العمل على الدراجات النارية الثلاثية العجلات في الفيليبين تطلب سعة أفق وقدرة عالية على الإبداع. ويذكر باور: ''بدأ اهتمامي بمشكلة تلوث الهواء في سن مبكرة. فعندما كنت أقيم في المملكة العربية السعودية خلال طفولتي، قمت بزيارة بانكوك وهونغ كونغ مع والديّ، وكانت تلك المرة الأولى التي ألحظ فيها التلوث الناتج عن المحركات الثنائية الأشواط، وترك ذلك عندي انطباعاً طويل الأمد".
ويتمثل الحل المبتكر في إجراء تعديل بسيط وفعال، يشرحه باور قائلاً: ''عندما يتحرك المكبس في المحرك الثنائي الأشواط الى الأسفل، فإنه يكشف منفذ العادم، حيث يتم دفع المواد القابلة للاحتراق إلى جانب منفذ امتصاص الوقود والزيت، مما يؤدي إلى اندفاع كمية كبيرة من مزيج الوقود والزيت إلى مجرى العادم. أما مع نظام الحقن المباشر، فيتم حقن الوقود في عملية الدوران بعد أن تقوم الأسطوانة بإغلاق منفذ العادم، مما يحد بشكل كبير من تسرب الوقود غير المحترق".
 
ويمكن تركيب النظام الجديد في غضون ساعتين إلى أربع ساعات، لينخفض بذلك انبعاث الجزيئات السامة بنسبة 70 في المئة تقريباً، وانبعاث أول أوكسيد الكربون بنسبة 76 في المئة، والهيدروكربون بنسبة 89 في المئة، وثاني أوكسيد الكربون بنسبة 35 في المئة. كما يعمل النظام على منع انبعاث الدخان الأزرق من العادم، وخفض استهلاك الزيت بنسبة 50 في المئة والوقود بنسبة 35 في المئة، أي ما يعادل نحو 450 ليتراً من البترول سنوياً. وتساهم هذه العملية في الحفاظ على محرك أكثر نظافة من المحرك الرباعي البسيط، فضلاً عن أنها توفر على السائق نحو 3 دولارات من النفقات اليومية، أي أكثر من 1000 دولار سنوياً، ما يضاعف راتبه تقريباً. ويقول تيم باور: ''يعطي السائقون إيراداتهم عادة لزوجاتهم لاستثمارها في متاجرهن الصغيرة أو في تعليم الأولاد".
 
وفي خطوة تهدف إلى خفض كلفة تصنيع النظام الجديد، البالغة 350 دولاراً حالياً، استخدم باور ولورينز بعض المكونات الجاهزة. يقول باور: ''قمنا بتعديل ما استطعنا من المكونات السابقة لمحرك يعمل بنظام الحقن المباشر، وبتطوير مكونات أخرى مثل رأس اأسطوانة والأسلاك التي يمكن استخدامها في معظم الدراجات النارية الشائعة في آسيا. ويتم إنتاج ثلث مكونات النظام البالغ عددها ثلاثين قطعة في الفيليبين".
 
عام 2003، أطلق باور وثلاثة من زملائه مؤسسة ''إنفايروفيت'' (Envirofit) غير الربحية لدعم تطوير النظام الجديد وتسويقه وتوزيعه. ويعمل في المؤسسة حالياً ما يزيد على 20 موظفاً، يقيم نصفهم في الفيليبين. وفي خطوة لكسب التأييد الرسمي، وقعت ''إنفايروفيت'' عام 2005 مذكرة تفاهم مع مجلس مدينة فيغان، وأصدرت في العام التالي كتيباً إرشادياً حول إصلاح الأعطـال، تمت ترجمته إلى لغة ''تاغالوغ'' الشائعة في الفيليبين إضافة إلى ''إيلوكانو'' السائدة في فيغان. ونظم باور، الذي يقوم بخمس رحلات إلى الفيليبين سنوياً، نحو 15 ورشة تدريبية وندوات شارك في كل منها أكثر من 20 سائقاً وميكانيكياً في فيغان وبورتو برنسيسا الساحليتين والخاليتين من نشاطات صناعية ضخمة، مما يجعل الدراجات النارية الثلاثية العجلات مصدراً رئيسياً لتلوث هواء هاتين المدينتين السياحيتين. ويقول باور: ''صممنا النظام الجديد بطريقة تجعل تركيبه سهلاً حتى بالنسبة للميكانيكيين غير المختصين. لقد توجب علينا إقناع هؤلاءأولاً بعدم صحة الاعتقاد الشائع بأن زيادة الدخان المنبعث من المحرك تدل على قوته".
 
قروض صغيرة
بما أن ثمن النظام الجديد يعتبر مبلغاً ضخماً بالنسبة الى سائقي الدراجات الثلاثية العجلات، أطلق باور وفريقه برنامجاً للقروض الصغيرة، بالتعاون مع بنك ''نوفا سيغوفيا'' التعاوني الذي يتولى تحصيل الأقساط. ويقول باور: ''تساهم القروض الصغيرة في ضمان الاستفادة المستدامة من ابتكارنا. فالسائقون يكسبون النقود يومياً، ومن السهل عليهم سداد قروضهم، علماً أن 90 في المئة منهم تمكنوا من سداد كامل المبلغ في أقل من سنة".
 
وقام أكثر من 260 سائقاً في فيغان وبورتو برنسيسا، حتى شهر آب (أغسطس) 2008، بتركيب النظام الجديد في محركات سيارات الأجرة الخاصة بهم، وقطعوا بها مسافة إجمالية تقارب 5,2 مليون كيلومتر. ويسعى باور لاستثمار النقود التي حصل عليها من جائزة ''رولكس''، البالغة 100 ألف دولار، في تطوير السوق في هاتين المدينتين والمناطق المجاورة، في خطوة ترمي إلى توزيع النظام المبتكر على نطاق أوسع في الفيليبين وخارجها، خصوصاً في باكستان والهند وإندونيسيا وسري لانكا، حيث تسيّر ملايين المركبات الملوِّثة التي يمكن تعديلها ببساطة.
 
وبالإضافة إلى النظام الجديد، يجري مجلس مدينة فيغان اختبارات على وسائل تقنية أخرى للحد من التلوث، مثل دراجات ثلاثية العجلات تعمل بالكهرباء أو بالغاز الطبيعي. بيد أن أسعار هذه المركبات غير مشجع، وفي حال استخدامها بطريقة غير مدروسة، قد يؤدي ذلك إلى مشكلة بحسب اعتقاد باور: ''يتراوح متوسط عمر الدراجة ذات المحرك الثنائي الأشواط بين 20 و30 عاماً، وقد يؤدي إبعادها عن المدن إلى استخدامها في مناطق أخرى نائية. من هنا تتجلى أهمية النظام الجديد، فهو يحد من الأضرار البيئية لملايين المحركات الثنائية المستخدمة حالياً والتي ستبقى قيد الاستخدام لسنوات عديدة أخرى".
 
ويؤيد أموري لوفينز، الخبير الدولي في مجال مصادر الطاقة، كلام باور موضحاً: ''لقد طرحت ''إنفايروفيت'' طريقة عملية ومنخفضة التكاليف لإصلاح العربات ذات المحركات الثنائية في آسيا. وهذا هو الحل الأنسب حالياً'".
 
ويقول باور: ''يحتل هؤلاء السائقون قاعدة الهرم الاقتصادي، وتعد هذه الدراجات الثلاثية العجلات شاهداً على براعتهم والتزامهم بأخلاقيات العمل. لقد بات بإمكاننا تحسين حياتهم ببساطة، عبر تعزيز أداء محركاتهم، وهذه أثمن مكافأة نحلم بها".
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.