اتسع دور شجرة الزيتون في تطور القطاع الزراعي في سورية، واحتلت موقعاً متقدماً بعد الحبوب والقطن. ولا يزال التوسع مستمراً بزراعتها باعتبار أن سورية تقع ضمن ''الهلال الخصيب'' الذي هو الموطن الأصلي للزيتون ومنه انتشر الى مناطق حوض المتوسط.
أدى قدم هذه الزراعة في سورية الى وجود تنوع وراثي في الأصناف المزروعة التي تحقق الجوانب الانتاجية المختلفة. فالكثير منها يؤمن إنتاج الزيت، وبعضها لزيتون المائدة، وبعضها ثنائي الغرض من زيت وزيتون. وهي من محاصيل الأمن الغذائي، وتؤمن أسباب الرزق لأكثر من 150 ألف عائلة في محافظة إدلب وحدها.
يقول المهندس عبدالقادر عيسى، مدير مكتب الزيتون في وزارة الزراعة، إن لزراعة الزيتون أهمية خاصة كونها تصلح في الأراضي البعلية والفقيرة والهامشية المنحدرة والتي لا تصلح للزراعات الأخرى. فشجرة الزيتون تتميز بقدرتها على مقاومة الجفاف، خصوصاً أن 95 في المئة من مزروعاتها في سورية بعلية، الأمر الذي يعني الحفاظ على المياه الجوفية التي بدأ نضوبها يشكل عبئاً وخطراً حقيقياً على مستقبل الزراعة في أنحاء العالم. كما أن المردود الاقتصادي لهذه الشجرة ينافس الكثير من الزراعات والمحاصيل الأخرى، مع ازدياد الطلب العالمي على زيت الزيتون، الذي يوفر فرصاً للتصدير وتأمين القطع الأجنبي.
وقد أعدت وزارة الزراعة والاصلاح الزراعي برامج تنموية وإرشادية أدت الى زيادة المساحات المزروعة بالزيتون وزيادة الانتاج وتحسين نوعيته. وتشكل زراعة الزيتون في سورية 10 في المئة من إجمالي المساحة المزروعة بالزيتون و65 في المئة من إجمالي مساحة الأشجار المثمرة. وتتوزع بشكل رئيسي في الشمال والغرب في محافظات إدلب وحلب واللاذقية وطرطوس، تليها المناطق الجنوبية والوسطى في محافظات درعا وريف دمشق وحمص وحماه والسويداء والقنيطرة، وحديثاً انتشرت في المحافظات الشرقية في دير الزور والرقة والحسكة.
ظروف مناخية وممارسات خاطئة أحياناً
شهدت هذه الزراعة خلال العقود الثلاثة الماضية تطوراً ملحوظاً، سواء على صعيد التوسع الأفقي بزيادة المساحة المزروعة، أو الرأسي بزيادة الانتاج في وحدة المساحة. فازدادت المساحة المزروعة وعدد الأشجار من 125 ألف هكتار و16,7 مليون شجرة عام 1971، إلى 600 ألف هكتار و87 مليون شجرة عام 2007، وإلى 617 ألف هكتار و90 مليون شجرة عام 2008. هذا التوسع جاء نتيجة عدة عوامل، أهمها استصلاح الأراضي الهضابية والمحجرة والعائدة ملكيتها الى القطاع الخاص بأسعار رمزية، وتأمين الغراس الجيدة بأسعار بسيطة، ومنح قروض ميسرة للفلاحين الذين يرغبون في تشجير أراضيهم بالزيتون. هذا إضافة الى البرامج الإرشادية التي تطبقها وزارة الزراعة لتحسين عمليات الخدمة ورفع الإنتاجية، وبرامج المكافحة المتكاملة للآفات والأمراض التي تسبب خسائر في المحصول.
وأشار عيسى الى أن إنتاج سورية من ثمار الزيتون بلغ عام 2008 نحو 800 ألف طن، خصص منها نحو 20 في المئة لتصنيع زيتون المائدة والبقية لاستخلاص زيت الزيتون. بالتالي تكون كمية الزيت المنتجة 135 ألف طن، في حين كانت كميات الإنتاج عام 2007 نحو 600 ألف طن من ثمار الزيتون و100 ألف طن من الزيت علماً أن موجة الصقيع في كانون الأول (ديسمبر) عامي 2007 و2008 وارتفاع درجات الحرارة في فترة الإزهار أثّرا على النمو الخضري للشجرة والإنتاج بشكل عام.
ويقدر استهلاك سورية من زيت الزيتون بنحو 100 ألف طن، وبالتالي هناك فائض لتصدير 35 ألف طن. هكذا انتقلت سورية من مرحلة استيراد الزيت الى مرحلة الاكتفاء الذاتي ومن ثم التصدير، وباتت تحتل المركز الخامس عالمياً في إنتاج الزيت بعد تونس واسبانيا واليونان وايطاليا. ويتوقع تزايد الإنتاج بشكل مستمر خلال السنوات القليلة المقبلة لعدة أسباب، منها استمرار التوسع في هذه الزراعة، ودخول أشجار جديدة في الإنتاج بمعدل مليون الى مليوني شجرة سنوياً.
وتميز الزيت المنتج خلال شتاء 2008 ـ 2009 بمواصفات فنية وكيميائية جيدة، نظراً لخلو الثمار من الاصابات بالآفات والحشرات، بفضل برامج الإرشاد والتدريب التي ينفذها مكتب الزيتون بالتعاون مع الهيئات العلمية والبحثية ومديريات الزراعة، ونشر التقنيات الحديثة في مجال خدمة وزراعة الزيتون في مختلف المحافظات. وقد تم تنفيذ عدة دورات حول تقنيات قطاف الزيتون وتخزينه والاستفادة من المنتجات الثانوية وبرامج المكافحة المتكاملة لآفات الزيتون، إضافة الى إقامة الأيام الحقلية والدورات التخصصية للمزارعين والمشاركة في عدد من المعارض الزراعية المحلية والدولية المتخصصة بالزيتون.
وعلى رغم توافر الظروف البيئية المناسبة ونوعية الأصناف التي تؤمن إنتاج ثمار وزيت بنوعية جيدة، فإن قطاع الزيتون في سورية كما هي الحال في العديد من دول المتوسط المنتجة للزيتون يعاني من عدم استقرار الظروف المناخية، خصوصاً كمية الأمطار وتوزعها. كما أن مساحات كبيرة موجودة في مناطق هضابية ذات تربة فقيرة وأحياناً صعبة الوصول، إضافة الى صغر حجم الحيازات الزراعية حيث أن أكثر من 80 في المئة منها لا تتعدى مساحتها 15 هكتاراً، ما يعوق عمليات التكثيف الزراعي ويرفع كلفة الإنتاج. كما أن غياب الخدمات الزراعية أحياناً أو تطبيقها بشكل خاطئ، لا سيما عمليات التقليم الجائر، يقلل إنتاجية الثمار. والقطاف المبكر في بعض المواقع يقلل من إنتاجية الزيت، فضلاً عن ارتفاع كلفة اليد العاملة.