لقد كان للأحداث المتلاحقة التي شهدها لبنان خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة مضاعفات خطيرة على البيئة في مجالات متعددة. فازدادت المخالفات والتعديات على الموارد خلال فترات ضعف السلطة، من قضم الشواطئ إلى انتشار المقالع والكسارات بتدابير موقتة لا تخضع لأي تنظيم مستقر، وحرائق الغابات السنوية التي قضت على جزء كبير من الثروة الحرجية، وتلوّث البحر من مياه الصرف غير المعالجة وفضلات المصانع، وتدهور نوعية الهواء والمياه والتمدد العمراني العشوائي في غياب قانون حديث لاستعمالات الأراضي. وكان للاعتداءات الاسرائيلية المتكررة أثر بالغ في تدمير البيئة، من ضرب البنى التحتية وحرق الأراضي الزراعية وتلويث البحر والشواطئ.
وفي الواقع، حصلت محاولات عديدة منذ 15 عاماً لمعالجة هذه التحديات، لكن طبيعة التركيبة السياسية القائمة على التسويات وتقاسم المغانم عطلتها، لأنها تشجع على التعامل مع الموارد والثروات العامة لا كملك وطني مشترك، بل كبقرة حلوب يتقاسمها النافذون باسم الطوائف والمناطق.
لم يعد مقبولاً الاستمرار في التعاطي مع قضايا البيئة بخفة، لأن هذا يقضي على مقومات لبنان الطبيعية ويحرم أبناءه من مصادر رزق، ويضر بصحتهم. واذا كنا نعتبر السياحة أحد أبرز الموارد في لبنان، فلا يمكن تطويرها بشواطئ ملوثة وغابات محروقة وعمران عشوائي.
طرح البعض فكرة دمج البلديات في وزارة البيئة، لتصبح ''وزارة البيئة والبلديات''، وذلك بحجة منحها صلاحيات تنفيذية على الأرض. لكن فات أصحاب الاقتراح أنه لا يمكن دمج عمل الاستشاري مع عمل المقاول. فمهمة وزارة البيئة هي وضع السياسات والخطط والمعايير في الدرجة الأولى، إلى جانب التخطيط والاشراف، بينما مهمة البلديات التنفيذ. وجدير بالذكر أن البلدان التي دمجت البيئة مع البلديات في السابق تراجعت عن هذا اليوم. ففي عُمان، تحولت وزارة البيئة والبلديات إلى وزارة البيئة والمياه ثم وزارة البيئة والشؤون المناخية، وفي الأردن تم فصل وزارة البيئة عن البلديات، وفي سورية يجري العمل الآن على فصل البيئة عن البلديات بعدما أثبتت التجربة فشلها. أما في الدول المتقدمة علينا بيئياً، فللبيئة وزارة مستقلة أو مشتركة مع تغير المناخ والطاقة كما في الدنمارك أو مع التخطيط العمراني كما في هولندا. وقد يكون الأنسب للبنان ضم التنظيم المدني إلى البيئة، فيصبح في الوزارة مديريتان عامتان، واحدة للبيئة وثانية للتنظيم المدني. وهذا يحل أيضاً مشكلة مزمنة هي وصاية وزارة الأشغال، المعنية بالمقاولات، على التنظيم المدني، المعني بالتخطيط والسياسات.
أولاً: مشاكل البيئة في لبنان
تلوث الهواء
تتسبب وسائل النقل بالجزء الأكبر من تلوث الهواء في لبنان. من المفيد أنه تم منع محركات المازوت القديمة. لكن ما هو البديل للمحركات القديمة المصنوعة أساساً لاستخدام البنزين مع رصاص، وهي تحتاج إلى مادة مضافة، لضمان فعالية الاحتراق وحسن عمل المحرك. وهذا البديل مفروض ليس فقط في أوروبا، بل حتى في دول مجاورة مثل الأردن، منذ تحول إلى البنزين بلا رصاص.
ان ملكية السيارات الخاصة في لبنان هي من الأعلى في العالم، بحيث تتجاوز 430 سيارة لكل ألف شخص. كما يتسبب قطاع توليد الكهرباء، إما من المحطات القديمة العاملة على الفيول أو من المولدات الخاصة غير الخاضعة لرقابة فعلية، بجزء أساسي من تلوث الهواء.
على الرغم من كل المؤتمرات والبرامج، لا يزال هواؤنا ملوثاً من الصناعات وتوليد الطاقة ووسائل النقل. وتبلغ نسب التلوث بأوكسيدات الكربون والكبريت والأوزون والغبار أضعاف المسموح به عالمياً. ويخسر لبنان نحو 200 مليون دولار كل سنة أضراراً صحية ناجمة عن تلوث الهواء.
التلويث الصناعي
تقدر التقارير وجود نحو 22,000 مؤسسة صناعية في لبنان، نصفها في بيروت، و90 في المئة منها منشآت صغيرة يعمل فيها أقل من عشرة أشخاص. ومن المتوقع أن تنتج المصانع 191,623 متراً مكعباً من النفايات السائلة سنوياً، يصل 90 في المئة منها الى شبكة مياه الصرف العادية، فتلوث المياه الجوفية والبحر، في غياب حلول جدية للمعالجة. وتساهم الصناعة بنحو 75 في المئة من انبعاثات المواد العضوية السامة، في ما عدا غاز الميثان، بينما ينتج عنها نحو 200,000 طن من النفايات الصلبة سنوياً، يقدر أنها تحتوي 3,350 طناً من النفايات الخطرة، ينتهي معظمها في مكبات النفايات المنزلية.
هدر المياه
في حين يعاني اللبنانيون نقصاً في كمية المياه المتوفرة للاستعمال وتدهوراً في نوعيتها، بسبب سوء ادارة الموارد المائية، يتم هدر أكثر من نصف الـ2600 مليون متر مكعب من المياه السطحية والجوفية التي يمكن استغلالها. ناهيك عن تلويث المياه العذبة بمجاري المياه المبتذلة، وآبار التصريف التي تحفرها البيوت والمؤسسات والمستشفيات أيضاً، فتختلط مياه المجارير بمياه الشرب.
لقد انخفضت حصة الفرد في لبنان من المياه خلال خمسين سنة، بين 1955 و2005، إلى أقل من الثلث (من 900 متر مكعب إلى 300 متر مكعب سنوياً). وما لم يتم اعتماد خطة سريعة للحفاظ على موارد المياه وتطويرها، يصل لبنان سنة 2025 إلى حافة ما تصنفه الأمم المتحدة بـ ''ندرة المياه الحادّة''. ولن يستطيع لبنان الدفاع عن حقه في ثروته المائية التي ما زال معظمها يذهب هدراً في البحر.
تراجع الغابات والزراعة
رغم الكلام عن برامج التشجير والمحميات، فقد انخفضت الغابات الى نحو 7 في المئة من مساحة لبنان، بسبب التنمية العشوائية والحرائق وقطع الغابات والمقالع، بعدما كانت قبل 25 سنة تغطي 20 في المئة منه. وقد قضت الحرائق عامي 2007 و2008 فقط على أكثر من خمسة ملايين شجرة، أي أكثر من خمسة أضعاف ما تم تحريجه خلال السنوات العشرين الماضية.
وأدى ضعف التنمية الريفية، والجفاف بسبب هدر المياه، وتقصير برامج الدعم والتوجيه، إلى إهمال نحو 40 في المئة من الأراضي اللبنانية الصالحة للزراعة، فانجرفت التربة وأصبحت الأرض صحراء قاحلة. وأكد هذا الواقع تقرير ''الخطة الوطنية لمكافحة التصحر'' الذي صدر في حزيران (يونيو) 2003، حين أشار الى أن 60 في المئة من الاراضي اللبنانية معرضة للتصحر بدرجة مرتفعة. وأدى الاستخدام الكثيف للأسمدة والمبيدات الكيماوية بلا قيود جدية، وبمعدل يفوق ضعفي المستويات المقبولة، إلى تلويث التربة والمياه واختلال التوازن الطبيعي والتسبب بأمراض للمستهلكين.
فوضى التنظيم المديني
من أهم المعضلات التي تهدد سلامة البيئة ولا تلقى اهتماماً جدياً حتى اليوم مسألة تحديد استعمالات الأراضي (Zoning)، حيث أن نحو 90 في المئة من الاراضي ما برحت غير مصنفة. البلد يعامل كعقار كبير معروض للبيع، إذ يمكن، بتفسيرات واجتهادات قانونية وبعض الشطارة اللبنانية، استثمار أي جزء من شواطئه وغاباته، عن طريق توظيف نفوذ المال والسلطة والطائفة. وهنا لا نتكلم عن الجرود والمناطق النائية فقط. بعض المشاريع في المدن الكبرى أيضاً نموذج صارخ عن الإجرام البيئي، الذي يشارك في ارتكابه المستثمرون والقانون والدوائر التي تسمح بهذا التشويه. كأن يتم بناء مجمعات تجارية بلا أي تراجعات عن الطرق، وبلا فسحات وساحات، وبلا طرق خدمة أو حتى مواقف لسيارات التاكسي، ضمن مناطق سكنية مكتظة أساساً وعلى طرق مزدحمة أصلاً. ما هو أثر هذا وسواه من انتهاكات التنظيم المديني على تلوث الهواء؟ ويعتبر بعض السياسيين منع قطع الغابات أو انشاء المقالع في مناطقهم، مثلاً، اعتداء على حق أبناء المنطقة في استثمار ثرواتها الطبيعية.
الاعتداء على الشاطئ وتلويث البحر
تحتل المشاريع الصناعية والسياحية والتجارية الخاصة 56 كيلومتراً من الشاطئ اللبناني، أي 23 في المئة منه. وتملأ النفايات معظم الجزء المتبقي، حيث يصل الى البحر يومياً نحو ألف طن منها عبر مكبات الشواطئ أو الأنهار والسواقي. ويصب في البحر كل يوم نصف مليون متر مكعب من المياه المبتذلة، بعدما تأخر إنهاء مشاريع محطات المعالجة بسبب خلافات سابقة على الاستملاكات.
النفايات
ينتج لبنان نحو 1,5 مليون طن من النفايات الصلبة سنوياً، ينتهي 40 في المئة منها في مكبات عشوائية، و50 في المئة في مطامر، ولا يتم تدوير أكثر من 10 في المئة. وفيما تغطي خدمات جمع النفايات البلدية جميع المدن، فهي لا تصل الى نحو ربع المناطق الريفية. ومع أن خدمات جمع النفايات شهدت تطوّراً ملموساً خلال السنوات العشر الأخيرة، وازدادت نسبة التدوير، إلا أن المشاريع القائمة حالياً قامت على خطط طوارئ لمعالجة مشاكل عاجلة، ولم يتم تطوير واقرار خطة وطنية شاملة للنفايات. لهذا فما زال خيار الطمر هو المعتمد أساساً.
التلوث بالضجيج
الضجيج من السيارات والمصانع ومولدات الكهرباء وأجهزة التكييف على السطوح ومعدات البناء ومكبرات الصوت، هو نوع من التلوث يؤدي الى أمراض عصبية وجسدية كثيرة. وبينما يصبح الضجيج مزعجاً عندما يتخطى نسبة 70 وحدة صوتية (ديسيبل)، فإن المستوى يتجاوز 90 وحدة صوتية في معظم مناطق بيروت. وبما أن مضاعفة الصوت تزيد من مستواه 3 ديسيبل فقط، فإن مستوى الـ90 ديسيبل يعني تزايد الضجيج نحو عشرة أضعاف عن الحد الأقصى.
ثانياً: خطوات للانقاذ البيئي
قبل وضع السياسات البيئية التفصيلية لا بد من تحديد الأولويات الوطنية، وبالتالي تعديل السياسات الاقتصادية لتخفيف الآثار السلبية على البيئة. وإن تقويماً رقمياً للثمن الباهظ الناتج عن إهمال الاعتبار البيئي كفيل بأن يقنع المخططين بإدخال الشأن البيئي في أساس المعادلة الاقتصادية. فالخسائر الاقتصادية الناجمة عن التدهور البيئي في العالم العربي تفوق معدلات النمو. لقد قدر البنك الدولي كلفة التدهور البيئي في لبنان بنصف مليار دولار سنوياً. وتقدر منظمات البيئة الدولية أن كل دولار يصرف لحماية البيئة يعطي عائداً اقتصادياً ثلاثة أضعاف قيمته.
ومع أن النمو الاقتصادي يتسبب غالباً في استهلاك أكبر للموارد، غير أنه من ناحية أخرى يسهّل إيجاد حلول للمشاكل البيئية. وتبقى كلمة السر: التوازن. وقد يكون واجباً القبول بضرر بيئي محدود في المدى القصير، اذا كان لا بد منه لتحقيق نمو اقتصادي يساعد المجتمعات الفقيرة على حماية بيئتها في المدى البعيد. من هنا، لا يمكن معالجة المشكلات البيئية دفعة واحدة، خاصة في الدول النامية التي تواجه في الوقت ذاته مشاكل اقتصادية واجتماعية متشابكة. فالسياسات البيئية، بعد تحديد الخيارات الوطنية، يجب أن تعتمد سلّم أولويات يأخذ في الاعتبار: إلحاح المشكلة، والضرر الذي لا يمكن إصلاحه، والأثر على الصحة، والأثر على نوعية الحياة. في هذا الاطار، على السياسة البيئية أن توقف فوراً أي عمل ينتج ضرراً لا يمكن إصلاحه، حتى لو أدى هذا الى تأخير في عمليات التنمية الاقتصادية. ومن ثم يتم الاتفاق على خطة تفصيلية تعتمد على سياسات عامة ومعايير اقتصادية ومؤسسية، وأدوات تطبيقية، وتدابير تنفيذية.
من هذا المنطلق، يمكن المباشرة بوضع برنامج بيئي قابل للتطبيق، يقوم على الخطوات الأساسية الآتية:
وزارة البيئة
تنظيم وزارة البيئة وتفعيلها، واستكمال أجهزتها بالكفاءات، حتى تصبح قادرة على ادارة القضايا الآتية: السياسات البيئية والتخطيط الاستراتيجي، التشريعات والقوانين، الصناعة وحماية المستهلك، النفايات، العلاقات الدولية بما فيها المعاهدات والمنظمات، الضجيج والسير، الماء والزراعة، المواد الكيميائية والمشعة، الهواء والطاقة، الاعلام والتوعية. ولما كان التنظيم العمراني وتحديد وجهة استعمالات الاراضي من أبرز العوامل المؤثرة في البيئة، نقترح دمج التنظيم المدني في وزارة البيئة، بحيث تصبح فيها مديريتان عامتان، واحدة للبيئة وأخرى للتنظيم المدني.
المجلس الأعلى للبيئة
انشاء المجلس الأعلى للبيئة برئاسة رئيس الحكومة، كهيئة سياسية مكلفة مهمة التنسيق البيئي بين الوزارات والادارات المختلفة، ومخولة باتخاذ قرارات ملزمة.
المؤسسة الوطنية لحماية البيئة
انشاء المؤسسة الوطنية لحماية البيئة، كجهاز مختص مستقل، مهمته وضع الخطط والدراسات العلمية البيئية، لتكون أساساً يستند إليه أصحاب القرار. ولا بد من تخصيص ميزانية كافية لهذه المؤسسة، كي تقوم بعملها العلمي بالتعاون مع المجلس الوطني للبحوث العلمية ومعهد البحوث الصناعية والجامعات والشركات والمنظمات المختصة. ومن مهمات المؤسسة تنسيق المشاريع ذات التمويل الدولي ومراقبتها ونشر التقارير الدورية حول وضع البيئة في لبنان.
العمل البيئي البلدي
انشاء أجهزة بيئية في البلديات لتنظيم العمل البيئي على المستوى المحلي وادارته، وتطوير برامج للتنمية الريفية تنفذها البلديات، تقوم على تعميم تكنولوجيات ملائمة صديقة للبيئة، كمعالجة النفايات بالتسميد والتخمير وتشجيع الزراعة العضوية ودعم مصادر الطاقة المتجددة وانشاء مراكز للتنمية الريفية تتولى تنفيذ هذه البرامج.
ثالثاً: خطة وأهداف
في التفاصيل، يسعى البرنامج البيئي الى تحقيق الأهداف التالية:
الهواء
- إنشاء محطات ثابتة لقياس نوعية الهواء باستمرار، خاصة في المناطق الأشد تعرضاً للتلوث الناتج عن الصناعة أو السير، ووضع نتائج المعلومات المجمعة في قاعدة معلومات لتكون بتصرف مؤسسات البحث العلمي والهيئات المختصة والجمهور.
- وضع معايير حديثة لتحديد مستوى الانبعاثات الغازية المسموحة من السيارات والآليات والمصانع، وفرض تطبيقها بالمراقبة والتفتيش والغرامات.
- تطوير نظام المعاينة الميكانيكية للسيارات، عن طريق شبكة من المشاغل المختصة، يتم تصنيفها وتدريب عمالها وفق معايير صارمة. وهذا يؤمن عملاً لعدد كبير من الميكانيكيين، كما يضمن سلامة الهواء من التلوث وسلامة الركاب ومستخدمي الطرقات. وتدريب فريق من شرطة السير على إجراء فحوص دورية على الطرقات لتحديد الانبعاثات من عوادم السيارات.
- تحديث وسائل النقل العام وتشجيع استخدامها لتوفير استهلاك الطاقة المتزايد من استعمالات النقل الفردي. ودرس جدوى استخدام وسائل النقل البحري وأنفاق المترو للانتقال في ما بين المدن الساحلية والضواحي تخفيفاً لحدة الازدحام والتلوث على الطرقات الرئيسية الساحلية. وإنشاء خط ساحلي للسكك الحديدية تتصل به شبكة ربط بالمراكز الداخلية الرئيسية.
- تصنيف السيارات وفق استهلاكها للوقود والانبعاثات الناجمة عنها، وتحديد الضرائب والرسوم عليها على هذا الأساس، وذلك لتشجيع السيارات المقتصدة والأقل انبعاثاً. ووضع نظام حوافز ضريبية لتشجيع استخدام السيارات الهجينة، التي تعمل على الوقود والكهرباء معاً.
- إعتماد تقنيات وأنواع وقود ملائمة لانتاج الكهرباء تكون أقل تلويثاً للهواء، وتحويل المحطات إلى استخدام الغاز الطبيعي، وتشجيع كفاءة استخدام الطاقة عبر برنامج حوافز ضريبية.
الطاقة
- تخصيص ميزانية للابحاث العلمية في مجال الطاقة المتجددة، وإصدار أطلس للرياح والشمس في اطار دراسة جدوى تحدد المناطق القابلة لتطبيق هذه التكنولوجيات.
- وضع قوانين لتنظيم وتشجيع الاستثمارات في مجالات الطاقة المتجددة، خاصة من الشمس والرياح، وبيعها إلى شركات التوزيع من خلال وصلها إلى الشبكة العامة.
- تحديث معامل الطاقة المائية القائمة لزيادة قدرة إنتاجها، واقامة محطات جديدة ضمن برنامج لانشاء السدود، وذلك لتخفيف استيراد المشتقات النفطية وتخفيف الانبعاثات من معامل الطاقة الحرارية.
- ترشيد استخدام الطاقة في الأماكن الخاصة والعامة، وإعطاء دعم حكومي فعال لبرامج تقليل خسارة الحرارة، التي تتضمن عزل الجدران والنوافذ والسطوح واستخدام مواد بناء مناسبة، واصدار تعليمات توجيهية بالمواد الصالحة حرارياً وأساليب البناء الأكثر توفيراً للطاقة.
- تشجيع استيراد واستعمال الأجهزة والادوات الكهربائية ذات الكفاءة العالية، للتخفيف من استهلاك الطاقة وبالتالي تقليل الانبعاثات، وذلك عن طريق تخفيضات ضريبية على الأجهزة المقتصدة وغرامات على الأجهزة المستنفدة للطاقة.
- تطوير برنامج دعم ضريبي لتشجيع استخدام الطاقة الشمسية لتسخين المياه في الأماكن العامة والخاصة، ودعم الصناعات المحلية في هذا المجال، على أن تتحول 50 في المئة من البيوت الى تسخين المياه من الشمس خلال عشر سنوات.
- إنشاء مراكز نموذجية في الأرياف لانتاج الطاقة من الشمس والرياح، والبيوغاز الناتج عن تخمير النفايات العضوية، خاصة في المزارع.
الماء
- إجراء دراسة تفصيلية لمصادر المياه وامكانات تنميتها، وايصال المياه النظيفة الى جميع الناس كحق أساسي. إن لبنان يستخدم اليوم أقل من نصف كمية المياه المتاحة، ويذهب الباقي هدراً.
- جمع مياه الأمطار في سدود وبرك جبلية، وتقديم مساعدة فنية لتجميع مياه الشتاء عن السطوح، في القرى كما في المدن، حيث يمكن تحويلها الى آلاف الآبار الارتوازية الخاصة التي تم حفرها على طول الساحل، وذلك لتجديد مخزونها وتخفيف ملوحتها. وجدير بالذكر أن معظم هذه الآبار أصبحت مالحة وغير صالحة للاستعمال، ولا تصل إليها مياه الأمطار لأن الأرض الطبيعية أصبحت نادرة بعدما غطتها طرقات الاسفلت وعمارات الباطون.
- وقف الهدر في شبكات المياه ومنع مصادر التلوث عنها، عن طريق تجديدها وتحديثها وصيانتها.
- تكرير مياه الصرف الصحي باستخدام تقنيات ملائمة صديقة للبيئة، على مستوى القرية والمنزل، وليس من خلال محطات مركزية فقط. واستخدام مياه الصرف المكررة في ري حدائق المدن والقرى.
- ترشيد استخدام المياه في الأماكن العامة والخاصة، عن طريق حملات توعية، وتشجيع استعمال الأدوات الصحية التي تستهلك كميات أقل من الماء بخفض الضرائب عليها.
الزراعة والغابات
- وضع معايير لاستخدام المبيدات والأسمدة والهورمونات، لمنع الضّار منها، وتوجيه المزارعين لاستخدام الأساليب السليمة.
- تشجيع الزراعة العضوية وتدريب المزارعين على ممارستها، ودعم تسويق منتجات الزراعة العضوية عن طريق تعاونيات خاصة، وهذه تدابير تدعم التصدير أيضاً.
- تعميم برامج صناعات غذائية ريفية، مثل تجفيف الفواكه والمحاصيل وحفظها، باستخدام وسائل ملائمة ونظيفة كالطاقة الشمسية، وتسويقها لدعم الاقتصاد المحلي. وفي أكثر من عشرين قرية لبنانية اليوم نماذج ناجحة لهذه الصناعة.
- تحريج مـواقع المقالع خلال خمس سنوات على نفقة الجهات التي استثمرتها، وتسريع اصدار قوانين ثابتة لتنظيم مواقع وأساليب عمل المقالع والكسارات، خاصة في سلسلة الجبال الشرقية الخالية من الغابات والأحراج، والعمل على فرض تطبيقها مع عقوبات رادعة.
- تحريج مئة ألف هكتار من الغابات خلال عشر سنوات، تحت إدارة البلديات وبمشاركة قوى الجيش والقطاع الأهلي، خاصة طلاب المدارس.
- إقامة نظام متكامل لادارة الغابات والأحراج وحمايتها من الحرائق، ضمن إدارة مركزية تدعمها هيئات بلدية مختصة إضافة الى المجتمع الأهلي.
- وضع تنظيم حديث وثابت للصيد وفرض تطبيقه، حفاظاً على توازن التنوع في الطيور. وهذا يشمل برنامج تدريب ينتهي بامتحان تفصيلي نظري وعملي، يحوي معلومات عن الطبيعة والطيور والحيوانات، يكون اجتيازه بنجاح شرطاً لاستعمال سلاح الصيد.
تنظيم المدن والشواطئ
- إقرار مخطط توجيهي عام يحدد وجهة استعمالات الاراضي، للسكن والتجارة والزراعة والصناعة والسياحة والغابات، وفق معايير علمية حديثة توازن بين حاجات التنمية ومتطلبات البيئة، فلا يبقى البلد كله عقاراً معروضاً للبيع والاستثمار. وهنا لا بد من تسريع دراسة واقرار مشروع القانون الخاص بترتيب الأراضي.
- وقف البناء فوراً على الشواطئ وفي المناطق غير المصنفة، الى حين صدور المخطط التوجيهي المفصل، وتخصيص 80 في المئة من الشواطئ للاستعمال العام بلا استثناءات.
- إلزام جميع المنشآت الخاصة القائمة على الشاطئ، سياحية أم صناعية أم تجارية، معالجة نفاياتها الصلبة والسائلة، وخاصة اقامة نظام لتكرير مياه المجاري وعدم تصريفها في البحر مباشرة. وهذا التدبير يجب أن يكون فورياً وإجبارياً، ولا يمكن أن ينتظر أي برنامج آخر لمعالجة مياه الصرف الصحي.
- اعادة الأملاك العمومية البحرية الى الاستعمال العام خلال فترة محددة، وإجبارها خلال مدة انتقالية على فتح أبوابها لاستعمال الجمهور، وهدم الانشاءات المخالفة التي تشوه الشاطئ، بعد فترة إنذار.
- إحصاء الأراضي الشاغرة في المدن، ووضع اليد بالاستملاك على قسم منها لتحويلها الى مساحات خضراء وحدائق عامة. وتحويل جميع فضلات الأراضي المستملكة، وغير الصالحة للبناء، الى مساحات عامة خضراء.
- تشجيع انشاء حدائق على سطوح البنايات في بيروت. ويمكن أن يكون هذا عن طريق الترخيص بانشاءات اضافية شرط أن يتم تخصيص نصف مساحة السطح لحديقة مفتوحة، وفق مواصفات محددة. ويسقط الترخيص ويهدم البناء الاضافي اذا لم تعد حديقة السطح قائمة. وهذا يتيح متنفّساً عمودياً أخضر لمناطق مدينية مكتظة تفتقر كلياً الى المساحات الأفقية الشاغرة.
النفايات
- وضع خطة وطنية للنفايات، تعتمد أساليب المعالجة المتكاملة وتحدد حلولا ملائمة لكل منطقة. ففي حين قد تكون المحارق الحديثة، بعد الفرز والتخمير والتدوير، هي الأنسب والأقل ضرراً للمدن الكبرى، هناك أساليب أبسط وأجدى للأرياف.
- تخفيف كمية النفايات من المصدر، وتشجيع اعادة الاستخدام واعادة التصنيع، وذلك عن طريق تدابير ضريبية وتحفيزية مناسبة. والهدف تخفيف حجم النفايات المنزلية 30 في المئة خلال خمس سنوات ورفع نسبة التدوير من 8 إلى 20 في المئة من المجموع.
- وضع نظام متكامل لاسترجاع القناني الزجاجية والعبوات البلاستيكية المستخدمة لتعبئة المشروبات الغازية والمياه، بغية اعادة استعمالها وتدويرها، بما فيه فرض رسوم رهن على العبوات الفارغة، وتحميل شركات التوزيع مسؤولية استرجاعها.
- تعميم تكنولوجيات ملائمة لمعالجة النفايات في القرى والتجمعات الريفية، تعتمد التخمير والتسميد بأساليب سليمة بيئياً، واقامة نظام عملي لجمع الفضلات التي يمكن إعادة تصنيعها. وفي دوما وعكار العتيقة وميس الجبل وبنت جبيل وشقرا وغيرها من البلدات اللبنانية نماذج ناجحة لتقنيات محلية لمعالجة النفايات.
- إقامة «حدائق» لفرز النفايات في الأرياف والمدن الصغرى، يرمي فيها السكان فضلاتهم مفروزة، وتكون زيارتها بمثابة نزهة للعائلة.
- وضع معايير للحد من التلوث الصناعي والنفايات الصناعية، ومعالجتهـا بطـرائق سليمة بيئياً. وهذا يقوم أولاً على اعتماد تقنيات الانتاج الأنظف التي تخلّف فضلات أقل أساساً، بدل انتاج الفضلات الملوثة بلا قيود ومحاولة معالجتها لاحقاً. ووضع معايير لتقارير بيئية سنوية تصدرها كل مؤسسة صناعية عن أدائها.
- تطوير شروط لمعالجة نفايات مثل إطارات السيارات والزيوت المستعملة والبطاريات، تفرض رسوماً لاعادة تصنيع بعض أجزائها والتخلص من بقاياها غير النافعة بطريقة سليمة.
بيئة العمل
- تأمين شروط الوقاية والحماية للعمال لضمان عملهم في بيئة سليمة ونظيفة لا تؤثر على صحتهم، بل تحميهم من التلوث بالمواد الكيميائية والاشعاعية أو استنشاق الهواء الملوث أو الضجيج.
- وضع معايير تحدد مواصفات بيئة العمل المقبولة للصناعات والمهن المختلفة والتشدد في تنفيذها.
- وضع معايير ومقاييس تعين حدود الانبعاثات المسموح بها من الصناعات والمشاغل المختلفة وأساليب معالجتها والعمل على التقيد بها.
- تعميم المواصفات الدولية للجودة والنوعية والادارة البيئية (إيزو) على الصناعات والمهن.
التربية والاعلام
- تعزيز برامج التربية البيئية في المدارس، واقامة دورات مكثفة لتدريب المعلمين على علوم البيئة ونشاطاتها، وتعميم نوادي البيئة المدرسية.
- اقامة متاحف ومراكز للحياة الطبيعية وعلوم البيئة في جميع المناطق، يتعرف فيها الأطفال والناس عامة على الطبيعة والبيئة، ودعم القطاع الخاص لتنفيذ مشاريع من هذا النوع.
- فرض تخصيص أوقات ومساحات محدّدة في محطات التلفزيون والاذاعة والصحافة المطبوعة للتوعية البيئية.
- اطلاق خطة للاعلام البيئي تركز على مجموعة مواضيع بيئية مختارة وتهدف الى احداث تغيير سلوكي إيجابي في مواقف الناس منها.
خاتمة
هذه أهداف جميلة ونبيلة. غير أنه لا يمكن تطبيقها بفعالية إلا في موازاة العمل على اقامة استقرار اجتماعي. فحماية البيئة استثمار في المستقبل يقوم على حس بالانتماء المجتمعي. وحين يصارع الفقراء من أجل البقاء يوماً بيوم، تسقط من أولوياتهم هموم التخطيط للمستقبل والاستثمار في حماية التربة والأشجار والمياه والهواء، التي تعطي نتائج بعد سنوات، بينما المشكلة الملحّة هي صراع البقاء اليومي، اذ يتحكم في استعمال الفقراء للموارد الطبيعية إلحاح الاحتياجات الآنية مع وسائل محدودة جداً لتلبيتها.
السياسات البيئية القابلة للحياة يجب أن تترافق مع إيقاف دورة الفقر. فالاستقرار الاجتماعي والدخل الأعلى يمكّنان الناس من اعتماد خيارات بعيدة المدى لاستغلال الموارد، تعطي مردوداً أكبر في مستقبل لا يبقى التخطيط له مجرد رفاهية فكرية.
غير أن استمرار الاحتجاج بالفقر لاهمال البيئة يبقينا أسرى الحلقة المفرغة، لأن تدهور البيئة وخسارة الموارد يقودان حتماً الى مزيد من الفقر والحرمان. لقد دقت ساعة العمل لتبني برنامج بيئي بروح انسانية وتوجهـات اقتصادية سليمة، اذ هكذا فقط نربح المستقبل. ولم يعد خيار البيئة رفاهية، بل أصبح شرطاً حتمياً لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية قابلة للاستمرار. ولن يمكن بناء دولة حديثة ما لم يتم وقف توازن الرعب البيئي، باسم الطوائف والمذاهب.