الحق في المياه هو مبدأ لتأمين المياه للجميع. والبرلمانيون، كهيئة تشريعية، يجب أن يجعلوا هذا المبدأ نصاً صريحاً في قوانين جميع البلدان، كحق إنساني أساسي.
لتأمين ذلك، يجب على بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تنظر الى المياه كقاعدة مشتركة أساسية وسلعة عامة لسوق اقتصادية مشتركة، حيث تقام شبكة مياه عبر الحدود وتتقاضى الدول الغنية بالمياه من البلدان الفقيرة بالمياه ثمن المياه التي تستهلكها، بطريقة مماثلة لشبكة الربط الكهربائي ذي التوتر العالي عبر الحدود في المنطقة العربية. وبامكان البلدان العربية إقامة اقتصاد مشترك للمياه والطاقة، كما فعل الاتحاد الأوروبي من قبل بشأن الفولاذ والفحم.
على البرلمانيين أن يسنّوا قوانين لتعزيز تكامل الموارد المائية وتوزيعها عبر الحدود، من خلال إقامة شبكة عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تنقل المياه من مناطق الوفرة الى مناطق الشح.
تقع البلدان العربية في المنطقة شبه الجافة، ولذلك هي على عتبة خط الفقر المائي. وموجات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة والتذبذب الموسمي لسقوط الأمطار وارتفاع مستوى البحر هي نتيجة التغير المناخي المتوقع. وأي انخفاض في سقوط الأمطار أو ارتفاع في درجة الحرارة سوف يهدد النظام الايكولوجي الهش لهذه البلدان ويزيد تصحر الأراضي العربية. وسوف يدمَّر نظام دعم الحياة البيولوجية، وهذا قد يؤدي الى تفشي الأمراض وسوء التغذية، وانتشار واسع للأوبئة، والفقر، وهجرة الناس الى الشمال. لذا على البرلمانيين أن يتحركوا بتبصّر وسرعة، وأن يتخذوا إجراءات وقائية ضد كوارث تغير المناخ.
يجب الاسراع في سن قوانين لحوكمة جيدة وإدارة أفضل للموارد المائية واستعمال كفوء لـ70 في المئة من المياه في الزراعة و20 في المئة في الصناعة، من خلال خفض الهدر وتكنولوجيات أفضل في الري وإعادة تدوير المياه وسوى ذلك.
أحواض المياه العابرة للحدود، مثل حوضي دجلة والفرات بين تركيا وسورية والعراق، يجب أن توضع في إطار قانوني. ويجب إبرام اتفاقية دولية لتجنب نزاعات مستقبلية حول حقوق الجيران في هذين الحوضين، ولتجنب نزاعات وحروب في المنطقة مستقبلاً.
ويجب أيضاً وضع حوض النيل في إطار قانوني، وإبرام اتفاقية دولية بين البلدان الأفريقية الاثني عشر التي تتقاسم مياهه من أجل ايجاد نظام قانوني ملزم ومنظم. والمياه العابرة للحدود يمكن أن تكون عاملاً مساعداً في خلق الاستقرار والشراكة الاقتصادية بين دول الأحواض المشتركة، بما في ذلك الأنهار والبحيرات والخزانات الجوفية الكبيرة.
وبخلاف ذلك، فان هذه الدول قد تذهب الى حروب حول حقوق المياه.
ويعتبر الأردن رابع أفقر البلدان مائياً في العالم. وهو يتخذ اجراءات لبناء سدود يتوقف امتلاؤها على سقوط الأمطار، ويقوم ببناء شبكة وطنية لنقل المياه الجوفية من الجنوب الى الشمال. كما يتحول الى تحلية المياه من خلال مشروع ''قناة البحرين'' بين البحر الأحمر والبحر الميت، لتوفير مياه الشرب، ومنع كارثة بيئية ناتجة من انكماش البحر الميت كما حصل في بحر أرال، وتوليد الطاقة الكهربائية، وتلطيف البيئة القاسية في وادي عربة.
نحن البرلمانيين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا علينا أن نتصدى لقضايا المياه الرئيسية، من خلال سن قوانين ملائمة تضع حلولاً للمشاكل الوطنية والعابرة للحدود، بغية التغلب على تداعيات تغير المناخ من مبدأ النظر عالمياً والعمل محلياً. ومن الضروري تطبيق إدارة شاملة للموارد المائية، وتسخير العلم والتكنولوجيا من أجل استخدام فعال للمياه وصناعة التحلية وإعادة الاستعمال، ونظم فعالة للري، وتطوير محاصيل جديدة تنمو في ظروف إجهاد فيزيولوجي من شح المياه وتملحها.
علينا أن نتحرك الآن لبناء السلام حول الطاقة والمياه لمصلحتنا ولمصلحة أجيال المستقبل.
الدكتور عدنان بدران عضو مجلس الأعيان في الأردن ورئيس سابق للحكومة الأردنية، وعضو في مجلس امناء المنتدى العربي للبيئة والتنمية. وهو ألقى هذه الكلمة في افتتاح مؤتمر برلمانيي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي عقد خلال المنتدى العالمي الخامس للمياه في اسطنبول في آذار (مارس) 2009.