Saturday 23 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
نيروبي - "البيئة والتنمية" نحو ميثاق عالمي أخضر  
أيار (مايو) 2009 / عدد 134
 الكوارث الطبيعية ازدادت 30ضعفاً، والثروة السمكية انخفضت بنسبة 90 في المئة، والانظمة البيئية تدهورت بنسبة 90 في المئة. هذا بعض ما جاء في كتاب ''يونيب'' السنوي 2009، الذي يعرض تقدم العمل حيال التغير البيئي العالمي وما قد يتحقق مستقبلاً، ويوضح الروابط بين القضايا البيئية التي تسرّع التغيير وتهدد الرفاه البشري. التحولات تحدث على جبهات كثيرة: من الزراعة الصناعية الى الزراعة الايكولوجية، ومن مجتمع مبذر الى مجتمع مقتصد بالموارد، ومن تنافس بين المجتمع المدني والقطاع الخاص والحكومة الى نموذج أكثر تعاوناً قائم على الفوائد المشتركة. في خضم الأزمة الاقتصادية العالمية، يضيء الكتاب على مستقبل أكثر إشراقاً واستدامة، من خلال اقتصاد عالمي أخضر جديد يعزز كفاءة الموارد ويحسن إدارة الأصول الطبيعية ويؤمن فرص عمل لائقة في العالمين المتقدم والنامي.
 أهمية تحقيق ميثاق جديد عالمي أخضر، والحاجة الملحة الى تحول نحو اقتصاد أخضر قليل الكربون ومقتصد في استهلاك الموارد، محوران رئيسيان لكتاب ''يونيب'' السنوي 2009.
هنا عرض لأبرز محتويات الكتاب:
النفايات
يتم توليد أكثر من بليوني طن من النفايات سنوياً في أنحاء العالم. ويرمي الفرد في بلد متقدم نحو 1,4 كيلوغرام من النفايات الصلبة يومياً. هذه الكمية تتقلص وتستقر نتيجة تدابير تقليل النفايات واعادة تدويرها.
وتنتج البلدان النامية، خصوصاً السريعة النمو، مزيداً من النفايات. ويتوقع أن تنتج الصين 500 مليون طن من النفايات الصلبة سنوياً، والهند 250 مليون طن، بحلول سنة 2030 وفق الاتجاهات الحالية.
 
الانشاء والمباني
هناك تطورات ايجابية في قطاع البناء والانشاء بشكل خاص، أهمها تحسينات كفاءة الطاقة التي تهدف الى خفض 30 الى 40 في المئة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية المرتبطة بالبيئة المبنية. وقد وجدت دراسة عالمية أجرتها مؤسسة ماكغرو ـ هيل للتحليل الانشائي أن ثلث المحترفين في هذا القطاع يعتقدون أن أكثر من 10 في المئة من الانشاء المنزلي يتجه فعلاً نحو كفاءة أعلى للموارد. وقال 50 في المئة آخرون إن مبادئ كفاءة الطاقة سوف تطبق على 60 في المئة من مشاريعهم في السنوات الخمس المقبلة. كندا وفرنسا وبريطانيا هي من بين بلدان عدة أطلقت برامج لجعل المباني محايدة طاقوياً، أي تولد كمية من الطاقة تعادل الكمية التي تستهلكها، من خلال تكنولوجيات كنظم الطاقة الشمسية أو النظم الحرارية الطاقوية المزدوجة. وقد أطلقت بريطانيا، على سبيل المثال، اتفاقية طوعية للصناعة تهدف الى خفض كمية مخلفات الانشاء التي تذهب الى المطامر بمقدار النصف (12,5 مليون طن) بحلول سنة 2012، ومن شأنها استرداد مواد بقيمة بليون دولار.
ويبين الكتاب السنوي كيف أن تقليد الطبيعة، أي ما يدعى المحاكاة الأحيائية (biomimicry)، يمكن أن يقدم حلولاً مذهلة. على سبيل المثال، مبنى Eastgate في مدينة هراري عاصمة زيمبابوي يعتمد نظام تبريد سلبي ذاتي صُمم على غرار بيوت النمل الأبيض. وهو يضم مكاتب ومتاجر ومواقف سيارات، ويستهلك طاقة أقل بنسبة 90 في المئة من مبنى مماثل، ما وفر أكثر من 3,5 ملايين دولار منذ افتتاحه في تسعينات القرن العشرين.
"استبدال المواد" مجال ناشئ آخر، حيث الباحثون حول العالم في سباق لانتاج إسمنت وخرسانة في حرارة أقل من 1000 درجة مئوية كما هو الوضع حالياً. ويبحث معهد مساتشوستس للتكنولوجيا MIT حالياً في استعمال مركبات المغنيزيوم، وهي مواد متخلفة عن كثير من العمليات الصناعية الأخرى، كبديل لجسيمات الكلسيوم ـ السيليكات ـ الهيدرات في الاسمنت التقليدي. كما يبحث آخرون في استعمال بدائل قائمة على السيليكون والألومنيوم، اللذين يُستردان من مخلفات ثانوية للانتاج مثل رماد الفحم وخبث الحديد. فلهما القدرة على خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من صناعة الاسمنت بنسبة 20 في المئة، فضلاً عن استخدام نفايات صناعية وإنتاج مادة أقل عرضة للعوامل المناخية. وهذه الفوائد الاقتصادية والبيئية المتعددة تقع في صلب مبادرة ''الاقتصاد الأخضر".
التخلص من المادية (dematerialization) مصطلح آخر في الايكولوجيا الصناعية الناشئة. ومن أبسط الأمثلة على ذلك طلب المستهلكين تغليفاً أقل للمنتجات. إن صانعاً للقطن غير المبيَّض يستعمل موارد أقل، قد يستطيع أن يتقاضى سعراً أعلى وأن يحقق هوامش ربح أعلى.
والتكافل الصناعي، الذي يعرف في الصين بالاقتصاد الدائري، هو فرع من هذا المفهوم العام. والفكرة هي جعل الشركات والمرافق متجاورة بحيث تكون نفاياتها مواد أولية لشركات ومرافق أخرى قريبة. وتضم شبكة التكافل الصناعي الرائدة في مدينة كالندبرغ الدنماركية أكثر من 25 عملية لادارة النفايات الصناعية مندمجة في نظام واحد. أما برنامج التكافل الصناعي في بريطانيا فيشمل في عضويته أكثر من 8000 شركة، وهو حوّل أكثر من أربعة ملايين طن من نفايات الشركات عن المطامر، وأبعد أكثر من 350 ألف طن من النفايات الخطرة عن البيئة، ووفر أكثر من تسعة ملايين طن من المياه، وجنّب استعمال 6,3 ملايين طن من المواد الأولية البكر، وخفض الانبعاثات الكربونية بأكثر من 4,5 ملايين طن، كما غلّ 208 ملايين دولار كمبيعات جديدة للأعضاء، ووفر عليهم قرابة 170 مليون دولار. وقد تبنت مدينة شيكاغو في الولايات المتحدة ومدينة شنغهاي في الصين مشاريع تكافلية مماثلة.
مبادرة الاقتصاد الدائري في الصين تعتزم أيضاً تضمين استهلاك الموارد في ملصقات المنتجات، وفرض عقوبات صارمة على الشركات التي تستعمل عمليات ومواد وتقنيات مدرجة في ما يدعى ''قائمة المستبعدات''. فإذا تم استعمال بنود مدرجة في هذه القائمة، يمكن للحكومة أن تصادر المعدات أو المواد أو المنتجات، أو تفرض غرامات تصل الى 30 ألف دولار، أو تقفل الشركة. ويتوجب إعادة المواد المستوردة المدرجة في قائمة المُلْغَيات، ويمكن فرض غرامة تصل الى 150 ألف دولار بموجب الخطة. وإذا تعذر تحديد المستورد، يمكن تحميل شركة الشحن مسؤولية إعادة المواد المستبعدة أو تسديد كلفة التخلص منها. كما يحظر على المصارف والمؤسسات المالية الأخرى دعم الشركات التي تصنع أو تستورد أو توزع مواد مدرجة في قائمة الملغيات.
 
النقل
يستأثر النقل بأكثر من 20 في المئة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية. في العام 2005، كان هناك نحو 650 مليون سيارة على الطرق، ويتوقع أن يتضاعف هذا العدد بحلول سنة 2030.
تتعاون مدينة شيناي الهندية مع مبادرة أبحاث النقل المستدام (SMART) في جامعة ميشيغن الأميركية بغية التصدي للتحديات الاقتصادية والبيئية المتمثلة في الازدحام والتلوث. وسوف يتم تزويد نظم القطارات والحافلات بتكنولوجيا لاسلكية تمكن آلاف المسافرين الذين يصطحبون أجهزة كومبيوتر من العمل في الطريق. وفي المحطة الأقرب الى العمل، يمكن للمسافرين أن يختاروا بين ركوب حافلات خاصة قليلة التلويث، أو سيارات أجرة، أو دراجات مستأجرة، أو سلوك مسارات المشي.
ويستعين النظام بالهواتف الجوالة للمسافرين للافادة عن أوضاع حركة السير وتوقعها. وسيتمكن المسافرون من استعمال هواتفهم لتفقد شبكات النقل واختيار الوسيلة الأكثر كفاءة بناء على الظروف السائدة.
 
المياه الصناعية
يفتقر نحو 880 مليون شخص حالياً الى إمدادات وافية من المياه النظيفة، وهناك 2,5 بليون شخص من دون خدمات صرف صحي محسنة في منازلهم. وبحلول سنة 2030، قد يعيش نحو أربعة بلايين شخص في مناطق تعاني نقصاً حاداً في المياه، خصوصاً في جنوب آسيا والصين. وتستهلك الصناعة 10 في المئة من المياه في البلدان القليلة والمتوسطة الدخل، ونحو 60 في المئة في البلدان العالية الدخل. وتدخل مصانع حول العالم تحسينات على عملياتها للاقتصاد في استهلاك المياه والتقليل من تلويثها. في فنلندا، تحوّل مصنع للورق من معالجة عجينة الورق كيميائياً الى معالجتها حرارياً وميكانيكياً، وأنشأ مرفقاً لمعالجة المياه المبتذلة بيولوجياً، فحقق توفيرات في المياه بنسبة 90 في المئة.
وتحول مصنع للأقمشة في الهند من استعمال الألومنيوم الى استهلاك الزنك في المنسوجات الاصطناعية، فتم تخفيض استهلاك المياه بنسبة 80 في المئة، وباتت مياه الصرف الأنظف صالحة للري في مزارع قريبة.
ومن خلال فصل مياه التصنيع عن مياه الصرف الصحي، خفضت شركة مكسيكية لانتاج السكر استهلاك المياه بنسبة 90 في المئة.
وقامت شركة إسبانية تدير 300 كيلومتر من الطرق السريعة في ولاية ساوباولو البرازيلية بتصميم الطرق لتحويل مياه الأمطار الى 250 سداً استيعابياً سعتها مليونا متر مكعب. ويسمح هذا النظام لمياه الأمطار بأن ترتشح ببطء في الأرض، مما يساعد في تعويض النقص في خزان ''غواراني'' الجوفي ويوفر المال نتيجة خفض نفقات صيانة الطرق.
 
الكوارث والنزاعات
يناقش التقرير السنوي الصلات بين الكوارث الطبيعية والتدهور البيئي والنزاعات وسرعة التأثر البشري والاجتماعي، فضـلاً عن أهمية الاستعـداد للكـوارث، إذ تصبح هذه القضايا موضع قلق متزايد في عالم يربكه تغير المناخ.
فيما بقيت الكوارث الجيولوجية، مثل الزلازل والبراكين، مستقرة تقريباً خلال القرن الماضي، فان الكوارث المائية والمناخية، كالعواصف والأعاصير والفيضانات وموجات الجفاف، ازدادت بشكل مثير منذ 1950. وازداد عدد هذه الحوادث بمعدل 8,4 في المئـة سنويـاً بين عامي 2000 و2007. وأشار تقييم حديث الى أن إجمالي عدد الكوارث ازداد من نحو 100 في كل عقد خلال الفترة 1900 ـ 1940 الى نحو 3000 كارثة في كل عقد بحلول تسعينات القرن العشرين. وأوردت دراسة أخرى أن اجمالي عدد الكوارث بين عامي 2000 و2005 بلغ 4850 حادثة، وربطت ذلك بأمرين: ''كوارث تكنولوجية'' مثل تحطم القطارات وانهيار المباني، و''حوادث مناخية".
سلط التقرير السنوي الضوء على الاعصار ''نرجس'' الذي ضرب ميانمار، حيث وصلت سرعة الرياح الى 215 كيلومتراً في الساعة في أيار (مايو) 2008، مما أدى الى وفاة أو فقدان أكثر من 140 ألف شخص، وتشريد 2,4 مليون شخص ''تأثروا على نحو كارثي".
كما حصل في تسونامي الذي ضرب المحيط الهادئ عام 2004، أدت خسارة ''البنية التحتية البيئية'' في ميانمار الى جعل المجتمعات الساحلية أكثر تأثراً. ففي أوائل القرن العشرين، كانت غابات المنغروف تغطي أكثر من 242 ألف هكتار من حوض نهر إراواديفي ميانمار، لكن مع انتهاء القرن لم يبق منها إلا نحو 48,5 ألف هكتار، نتيجة قطع الأشجار لانتاج الفحم ولاحقاً لزراعة الأراضي وإنشاء مزارع الروبيان. وبزوال غابات المنغروف زال حاجز طبيعي لصد أهوال الأعاصير.
 
النظم الايكولوجية
استنتج ''تقييم الألفية للنظم الايكولوجية'' عام 2005 أن 60 في المئة من النظم الايكولوجية على الأرض، من الغابات والسهول الى الشعاب المرجانية والأراضي العشبية، تضررت أو هي في حال تدهور. ويشدد التقرير السنوي على أن هذا الاتجاه استمر خلال العام 2008.
ويؤدي ازدياد الطلب على الانتاج الغذائي، في ظل النظم والنماذج الاقتصادية الحالية، الى ارتفاع ملحوظ في الطلب على الأراضي الزراعية، التي تغطي حالياً نحو ربع مساحة سطح الأرض. لقد زالت نظم غابية بكاملها في 25 بلداً على الأقل، وانخفضت بنسبة 90 في المئة في 29 بلداً آخر.
مصايد الأسماك البحرية هي في حالة ركود منذ قرابة عقد. فمنذ انطلاق المصايد الصناعية في ستينات القرن العشرين، انخفض إجمالي الكتلة الحيوية للأنواع السمكية البحرية الكبيرة المستهدفة تجارياً بنسبة ''مذهلة'' بلغت 90 في المئة. وقدرت الخسائر الاقتصادية الناتجة من الاستغلال المفرط والاستنزاف شبه التام للمخزونات السمكية الأكثر تأثراً بنحو 50 بليون دولار عام 2008.
الوقود الحيوي وتأثيراته على إنتاج الغذاء والفقر والنظم الايكولوجية يمكن أن يثير وجهات نظر متعارضة، إذ يتيح فرصاً لتنويع الدخل وتخفيف الضغوط عن الأراضي الزراعية في نماذج ريفية على نطاق صغير.
أما على نطاقات صناعية، فتحدث المحاصيل المختلفة تأثيرات مختلفة. وقدرت دراسة حديثة التأثير على استعمال المياه سنة 2030 بزراعة محاصيل طاقوية على نطاقات صناعية وفق الاتجاهات الحالية. فانتاج 50 بليون ليتر من الوقود الحيوي المستخرج من الذرة في أميركا الشمالية يحتاج الى 20 في المئة من إمدادات مياه الري في المنطقة. ويحتاج انتاج 34 بليون ليتر من الوقود الحيوي المستخرج من قصب السكر في البرازيل الى 8 في المئة من امدادات مياه الري. أما الوقود الحيوي المستخرج من بزر اللفت في الاتحاد الأوروبي فقد تكون له أدنى ''بصمة مائية'' محتملة، فانتاج نحو 20 بليون ليتر من هذا الوقود يحتاج الى واحد في المئة فقط من مياه الري في الاتحاد الأوروبي.
ويشير التقرير السنوي الى أن الفقراء، وخصوصاً فقراء الأرياف، هم المحتاجون بشكل خاص الى نظم ايكولوجية سليمة تؤدي وظائفها وخدماتها حسب الأصول. ويعتمد نحو 90 في المئة من فقراء الأرياف على الغابات لتأمين جزء من دخلهم على الأقل. وفي المناطق الريفية الأفريقية، تشكل المشاريع الزراعية الصغيرة المصدر الرئيسي لدخل نحو 90 في المئة من الناس. ويستأثر الدخل المبني على الطبيعة بأكثر من نصف مجمل مداخيل فقراء الأرياف في العالم.
إن أدارة أفضل وأذكى للنظم الايكولوجية وثرواتها وخدماتها سوف تصبح ضرورة حيوية على نحو متزايد خلال القرن الحالي، مع ارتفاع عدد السكان الى أكثر من 9 بلايين نسمة بحلول سنة 2050. وفي ضوء التوقعات الحالية، فان نصيب الفرد من الأراضي الزراعية مهيأ للانخفاض الى 0,1 هكتار، ما يتطلب رفع الانتاج الزراعي ''بشكل يتعذر تحقيقه بوسائل تقليدية".
إن تدهور التربة، المرتبط بكثافة الاستغلال، أثر على جميع الأراضي الزراعية في العالم ما عدا 16 في المئة، وباتت الأراضي الزراعية السليمة محصورة الآن في مناطق معتدلة المناخ في وسط غرب الولايات المتحدة، ووسط غرب كندا، وروسيا، ووسط الأرجنتين، وأورغواي، وجنوب البرازيل، وشمال الهند، وشمال شرق الصين، وأراض متفرقة في المناطق الاستوائية. ومن الحلول المطروحة ادارة الأراضي الزراعية مثل ''فسيفساء''، حيث يكون انتاج الطعام أحد الخدمات المركزية المتعددة للنظم الايكولوجية.
الادارة الايكولوجية، كما تسمى الآن، تعود في بعض الحالات الى آلاف السنين، كما في ممارسات السكان الأصليين في الأميركتين الذين أداروا الغابات لاستحداث مروج ترعى فيها الأيائل. وتحتوي أتربة ''تيرا بريتا'' في وسط حوض الأمازون على مواد عضوية ونيتروجين وفوسفور أكثر بثلاث مرات، وعلى فحم نباتي أكثر بنسبة 70 في المئة، بالمقارنة مع الأتربة المجاورة. وقد كوّن هذه الأتربة السكان الأصليون قبل اكتشاف القارة الأميركية، باضافة مخلفات متفحمة ونفايات عضوية وبراز وعظام الى التراب.
وثمة دور تؤديه آليات السوق والأدوات المالية، بما في ذلك تسديد نفقات الخدمات البيئية. على سبيل المثال، تستمر تعرية الغابات بواقع 13 مليون هكتار سنوياً، ما يعادل نصف مساحة بريطانيا. وخسارة الغابات الاستوائية مسؤولة عن نحو 17 في المئة من انبعاثات غازات الدفيئة. وتدرس البلدان حالياً إدخال تمويل الغابات في اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بتغير المناخ التي يؤمل إبرامها في كوبنهاغن لاحقاً هذه السنة، تحت بند ''خفض الانبعاثات نتيجة إزالة الغابات وتدهورها".
إن منح المجتمعات والصيادين الذين يعتاشون من صيد الأسماك حقوقاً ومسؤوليات في المصايد قد يكون أيضاً خطوة الى الأمام. وتشير مسوحات لحصص الصيد المبنية على الحقوق، في كندا وتشيلي ونيوزيلندا والمكسيك والولايات المتحدة وبلدان أخرى، الى أنها قللت خطر انهيار النظم الايكولوجية للمصايد وفي الوقت نفسه عززت مصادر الرزق.
 
المواد الضارة والنفايات الخطرة
كانت 2008 سنة أزمات الغذاء وتلوث المنتجات. فقد هزت إيطاليا في آذار (مارس) حوادث تلوث جبن الموتزاريلا بالديوكسينات، وهي مواد ذات علاقة بأمراض السرطان تنتج عن مجموعة من العمليات الصناعية بما فيها الاحتراق. وتعقبت السلطات حالات التلوث التي تركزت فيإقليم كالابريا، فوجدت أنها تعود الى تلوث محتمل للأراضي الرعوية.
وفي أيلول (سبتمبر) 2008، تورطت الصين في حوادث خطيرة حين تبين أن الحليب، بما فيه حليب الأطفال، ملوث بمادة الميلامين الكيميائية السامة.
وفي اليابان، استردت شركتان كبريان في تشرين الأول (أكتوبر) 2008 أنواعاً من المعكرونة من الأسواق بعدما تبين أنها ملوثة بمبيدات حشرية. وبعد ذلك بأيام استردت أكبر شركة لتصنيع اللحوم في البلاد منتجات من الأسواق، إذ تبين أن المياه الجوفية المستعملة في مصنع قرب طوكيو احتوت على مستويات من مركبات السيانيد السامة.
وفي كانون الأول (ديسمبر) 2008 سحبت السلطات الايرلندية من الأسواق منتجات من لحوم الخنزير بعد اكتشاف تلوثها بالديوكسين عن طريق العلف.
وخلال العقدين الماضيين، تم اكتشاف تلوث بالزرنيخ في عدد متزايد من البلدان في جنوب آسيا. فقد سجلت في نحو 30 في المئة من الآبار الخاصة في بنغلادش مستويات عالية من الزرنيخ، بمعدل يزيد على 0,5 مليغرامات في الليتر، وتأثر أكثر من نصف الوحدات الادارية في البلاد بمياه شرب ملوثة.
ويشير التقرير السنوي الى أن زوال الغابات يفاقم الوضع في حوض الأمازون. فأتربتها تحوي طبيعياً كميات من الزئبق تزيد ثلاث مرات عما تحويه المراعي، ويؤدي زوال الغابات الى اطلاق الزئبق السام في الهواء والأنهار وتراكمه في السلسلة الغذائية.
كادر
تغير المناخ: ذوبان جليد غرينلاند وأنتارتيكا يرفع البحار أكثر مما قدر العلماء
عام 2008 تم تسجيل ثاني أصغر مساحة للجليد البحري في منطقة القطب الشمالي مع انتهاء الذوبان الصيفي، منذ بدأت المراقبة بواسطة الأقمار الاصطناعية عام 1979. ووجد المركز الأميركي للثلج والجليد أن هذه المساحة الدنيا، التي سجلت في 12 أيلول (سبتمبر)، بلغت نحو 4,52 مليون كيلومتر مربع. وجاء في التقرير السنوي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة: ''فيما شهد عام 2008 غطاء جليدياً أكبر بنسبة 10 في المئة عما كان عام 2007، حين سجلت أصغر مساحة على الاطلاق، فهو ما زال أقل بأكثر من 30 في المئة من المعدل خلال العقود الثلاثة الماضية. وإذا أُخذ الصيفان معاً، فليس لهما مثيل في التاريخ المسجل".
وللسنة الثانية على التوالي، كانت هناك صيف 2008 قناة خالية من الجليد في الممر الشمالي الغربي عبر جزر شمال كندا. كما انفتحت الطريق البحرية الشمالية على ساحل سيبيريا القطبي. وهذان الممران ربما لم ينفتحا في وقت واحد منذ العصر الجليدي الأخير قبل نحو 100 ألف سنة.
الصفيحة الجليدية في غرينلاند، التي يمكن أن ترفع مستويات البحار ستة أمتار لو ذابت، تفقد حالياً أكثر من 100 كيلومتر مكعب سنوياً، أي بوتيرة أسرع مما يمكن تفسيره كذوبان طبيعي. كما ازدادت خسائر الصفيحة الجليدية في غرب القارة القطبية الجنوبية (أنتارتيكا) بنسبة 60 في المئة بين عامي 1996 و2006. وازدادت الخسائر في شبه الجزيرة القطبية الجنوبية بنسبة 140 في المئة.
عام 2007، قدرت اللجنة الحكومية المشتركة بشأن تغير المناخ (IPCC) أن مستويات البحار يمكن أن ترتفع ما بين 18 و59 سنتيمتراً خلال هذا القرن. والآن يعتقد كثير من الباحثين أن الارتفاع سيكون أعلى، وذلك يعود جزئياً الى تقييمات حديثة للصفيحتين الجليديتين في غرينلاند وأنتارتيكا. وتتوقع إحدى الدراسات ارتفاع مستوى البحار بين 0,8 و1,5 متر خلال هذا القرن، فيما تفترض دراسة أخرى ارتفاعاً بمقدار مترين، نتيجة ذوبان الجليد من غرينلاند وحدها. إن ارتفاعاً بمقدار متر واحد في مستويات بحار العالم سوف يشرد ملايين الناس: نحو 100 مليون شخص في آسيا معظمهم في بنغلادش وشرق الصين وفيتنام، و14 مليوناً في أوروبا، و8 ملايين في كل من أفريقيا وأميركا الجنوبية.
ويدعو التقرير السنوي الى اتخاذ اجراء عاجل لخفض انبعاثات غازات الدفيئة، لعدة أسباب، منها أن بعض نظم التخزين الطبيعي للكربون قد تفقد قدرتها على الامتصاص، ما يزيد امكانية حدوث ''أثر دفيئة هارب''. وتشير دراسات أجريت عام 2008 الى أن المحيطات، وهي أحد نظم التخزين الطبيعي الرئيسية للكربون، تمتص حالياً كمية من ثاني أوكسيد الكربون أقل بعشرة ملايين طن.
ويتزايد قلق العلماء حيال انطلاق غازات دفيئة مثل الميثان من منطقـة القطب الشمـالي مع ذوبان الجليد والتربة الدائمة التجمد. وذلك يعود جزئياً الى دراسات حديثة تشير الى أن غرب المحيط المتجمد الشمالي يسخن 3,5 أضعاف أكثر من بقية الكرة الأرضية. وقد حـاز هذا القلق أهمية أكبر نتيجة دراستين نشرتا حديثاً. تفترض دراسة تركز على أميركا الشمالية أن كمية من الكربون تزيد بنسبة 60 في المئة عما كان يعتقد سابقاً يمكن أن تكون مخزنة في التربة الدائمة التجمد. ووجدت دراسة دولية أن كمية الكربون الترابي في الأراضي الدائمة التجمد في جميع أنحاء المحيط المتجمد الشمالي هي ضعفا ما كان يعتقد سابقاً.
اكتشف باحثون بحريون أكثر من 250 موقعاً لانطلاق غـاز الميثان على حافة الجرف القاري شمال غرب جزر سفالبارد النروجية. ووجدت دراسة دولية للجرف السيبيري تركيزات عالية من الميثان في المناطق البحرية الممتدة من دلتا نهر لينا. ويرى باحثون أنه عند بدء ذوبان التربة الدائمة التجمد في شرق سيبيريا، التي يعتقد أنها تحوي 500 بليون طن من الكربون، سوف يتعذر وقف هذا الذوبان، ويمكن انطلاق 250 بليون طن خلال قرن.
وتشير مراقبة مستويات الميثان في الغلاف الجوي الى أن تركيزاته ارتفعت عامي 2007 و2008 بعد نحو عقد من الاستقرار. وتم اكتشاف تركيزات أعلى في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي.
في هذه الأثناء، ثمة مخاوف حول نظام آخر لتخزين الكربون هو الغابات. فارتفاع درجات الحرارة قد يجهد الأشجار، ما يؤدي الى وقف التمثيل الضوئي، وبذلك يتوقف تخزين الكربون في وقت أبكر خلال أشهر الصيف. والغابات المجهدة حول العالم قد تصبح أكثر عرضة للتلوث والأمراض والآفات، ما يضعف قدرتها أكثر على تخزين الكربون.
يركز التقرير السنوي أيضاً على أبحاث حديثة في حوض الأمازون. فمضاعفة كمية ثاني أوكسيد الكربون يمكن أن تسخن المحيطات الى درجة قد تخفض هطول الأمطار في الأمازون بنسبة 40 في المئة. ويمكن أن يحدث انخفاض في نمو النباتات بنسبة 53 في المئة. ومن شأن خسارة الغابات على هذا النحو السريع والجائر أن ترفع الحرارة ''محلياً'' بحدود ثماني درجات مئوية، ما يحدث مزيداً من موجات الجفاف ويضغط على الأمازون، النهر الأكبر في العالم والذي ينقل خمس المياه النهرية العالمية.
ذوبان الكتل الجليدية في العالم، بما في ذلك المجالد الجبلية، يسبب أيضاً مخاطر أخرى تفوق التهديدات البالغة الخطورة للامدادات المائية في حال ذابت المجالد. فنحو بليون شخص في جنوب آسيا يعتمدون على مياه الجليد الذي يذوب موسمياً من سلسلة جبال هملايا ـ هندوكوش على سبيل المثال.
المواد الخطرة، التي تترسب من الغلاف الجوي وتحتجز في المجالد، تنطلق مجدداً الآن. ويتم اكتشاف المبيد ''ددت'' بكميات غير متوقعة في أجسام البطارق التي تعيش في أجزاء من الخط الساحلي للقارة القطبية الجنوبية. وتعود الملوثات العضوية الى البيئة من المجالد الذائبة في جبـال روكي في أميركا الشمالية. ويُعثر على ثنائيات الفينيل المتعددة الكلورة (PCBs) في مجاري المجالد الأوروبية.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
فاروق البااز عندما كانت الصحراء خضراء
نيروبي - "البيئة والتنمية" نحو ميثاق عالمي أخضر
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.