المناخ اللبناني هو مناخ متوسّطي، يتميّز بغزارة المتساقطات في فصل الشتاء، من كانون الثاني (يناير) الى نيسان (أبريل)، وبفترة جفاف تمتد على الأشهر المتبقية من السنة. يبلغ متوسّط المتساقطات 800 مليمتر تقريباً تتراوح بين 600 مليمتر و900 مليمتر على السواحل و1400 مليمتر في المرتفعات، وتهبط الى 400 مليمتر في شرق البلاد وما دون 200 مليمتر في الشمال الشرقي. تساهم المتساقطات على المنسوب 2000 متر وما فوق في المحافظة على استمرارية تصريف الينابيع خلال فترة الجفاف وتزايد غزارتها خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني (ديسمبر) الى أيّار (مايو)، التي تشهد 75 في المئة من التصريف السنوي، ويتدنّى ذلك الى 16 في المئة خلال شهري حزيران (يونيو) وتمّوز (يوليو)، و9 في المئة خلال الأشهر الخمسة المتبقيّة من آب (أغسطس) الى كانون الأول (ديسمبر).
لكن هذه المتساقطات بدأت تشهد تغيراً، وذلك بتدني نسبتها مع تقلص فترة الشتاء، نظراً لعامل الاحتباس الحراري الذي يشهده حوض البحر المتوسط منذ فترة. ويمكن تلخيص اجمالي المياه المتجددة داخل الأراضي اللبنانية بنحو 2,7 بليون متر مكعب.
الاحصاءات الرسمية الأخيرة حددت عدد السكان المقيمين في لبنان عام 2005 بنحو 4,8 ملايين نسمة، مع نسبة نمو سكاني سنوي تقدر بنحو 2,7 في المئة. ويقدر مجموع كمية الطلب على مياه الشرب والصناعة وفق المعايير المعتمدة من وزارة الطاقة والمياه وتقارير البنك الدولي، بنحو 300 ليتر/نسمة/يوم. وفي ما يتعلق بالطلب على مياه الري، بلغت المساحة المروية في العام 2008 نحو 100 ألف هكتار، بموجب احصاءات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) ووزارة الزراعة، كما أن المساحة المتوقّع ريّها حتى سنة 2050 تبلغ 280 ألف هكتار.
على رغم تعدد مصادر المياه في لبنان، فان الواقع العملي يظهر وجود عجز في الميزان المائي، مردّه الى هدر نحو 1,2 بليون متر مكعب سنوياً في البحر، بالاضافة الى أزمة متعددة الجوانب، حيث يغلب الشحّ والتقنين طوال السنة.
وتعرضت مصادر المياه في لبنان لكل أنواع التلوث بسبب غياب شبكات الصرف الصحي عن مناطق وجودها. وفي حال تم تنفيذ بعض هذه الشبكات، فان انعدام أعمال صيانتها ومراقبتها وعدم ربطها بمحطات التكرير قبل تصريفها بالقرب من السواحل ومجاري الأنهار والآبار، يزيد من أسباب التلوث. هذا إضافة الى المكبّـات العشوائية واستخدام الأسمدة والمبيدات ورمي الزيوت والمحروقات في طبقات المياه الجوفية والأنهار والبحر.
الخطّة العشرية
وضعت وزارة الطاقة والمياه ـ المديرية العامة للموارد المائية والكهربائية "الخطة العشرية للادارة المتكاملة للمياه"، التي تتضمن تأمين موارد مائية اضافية تشمل مشاريع مياه الشفة، من خطوط جر وخزانات وشبكات وسدود وبحيرات جبلية. كما تشمل مشاريع ري جديدة وتحديث المشاريع القائمة، وتقويم مجاري الأنهر للحماية من أخطار الفيضان، واعادة استعمال المياه المكرّرة للري وتغذية الأحواض الجوفية. وقد نالت خطة السدود والبحيرات الجبلية (27 سداً وبحيرة) موافقة مجلس الوزراء وكبرى المؤسسات الدولية كالبنك الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك الأوروبي. وباشرت الوزارة على الفور درس وتلزيم وتنفيذ عدّة سدود. وقد تم حتى الآن تنفيذ سد شبروح (8,5 ملايين متر مكعب) مع التوزيع الكامل لمياه السد في منطقة كسروان، مما أدى الى وفر في فاتورة كهرباء الضخ بلغ ستة ملايين دولار. كما تم تلزيم سد العاصي وسد بقعاتا وسد اليمونة وسد القيسماني، وأجريت دراسة نهائية لـ12 مشروعاً جاهزاً للتلزيم. إنها المرة الأولى في لبنان يتمّ وضع خطة متكاملة ومبرمجة وشاملة للمشاريع المائية على جميع الأراضي اللبنانية وفقاً للحاجات والطلب ومع تنظيم مؤسساتي جديد لادارة المياه.
يبلغ اجمالي أكلاف هذه الاستراتيجية 2,000 بليون ليرة لبنانية (1,3 بليون دولار) كانت مجدولة على امتداد عشر سنين ومددت الى سنة 2018، ومموّلـة من موازنة الدولة ومن قروض ميسّرة ومشاريع التنفيذ والتشغيل والاعادة (BOT).
ارتكزت الخطة في مراحل إعدادها على مبادئ فنية واقتصادية واجتماعية وبيئية وغيرها، لكنها ركّزت بشكل خاص على مبدأ الانماء المتوازن بين المناطق اللبنانية كافة كل وفقاً لاحتياجاتها. فبالاضافة الى أولوية تأمين مياه الشفة والصناعة للعاصمة بيروت والمدن الساحلية الكبرى والمحيطة، تمّ التركيز على تأمين مياه الريّ للمناطق الريفية والزراعية بالكميات الكافية، ليس لريّ الأراضي الموجودة فقط المقدرة بنحو 100 ألف هكتار بل لتوسيع رقعة المساحات الزراعية المروية في المستقبل الى 280 ألف هكتار. ولهذا الموضوع أهمية استثنائية للوطن ككل وليس للمناطق الزراعية والأرياف فقط، إذ يؤثّر على تحريك العجلة الاقتصادية وتنشيط الصناعات الغذائية وخلق فرص عمل وتشجيع الاستثمار، وبالتالي تثبيت المواطن الريفي في أرضه والحؤول دون الهجرة من الأرياف الى المدن الكبرى وخصوصاً بيروت وخلق أحزمة البؤس حولها.
ان العمل الاستراتيجي الذي قامت به الوزارة، باعتماد ادارة متكاملة للموارد المائية وطريقة استخدامها، يشكل الأهداف الرئيسية التي تكمن في ترشيد الموارد المائية وتنميتها بطريقة متكافئة ومتساوية لتلبية حاجات المجتمع ضمن أسس بيئية سليمة. ان هذه الخطة تهدف الى تأمين الكميات الكافية من المياه مع جودة عالية لكل المواطنين، والسهر على حفظ على التوازن بين العرض والطلب وضمان التنمية المستدامة والنشاطات والموارد المرتبطة به.
النمو السكاني في تزايد مستمر حول العالم، وبالتالي فان زيادة الطلب على المياه لتلبية حاجات المجتمع وتطلعاته الى مستوى معيشي أرقى، أدّت الى الاقرار بضرورة ترشيد استخدام المياه في مختلف القطاعات واعادة استعمال المياه المبتذلة بعد معالجتها، نظراً لمحدودية الموارد المائية الطبيعية. من ناحية أخرى، الهدف الأسمى من الترشيد المستدام لاستخدامات المياه هو زيادة فاعلية هذا الاستثمار والمحافظة عليه وتخفيف الهدر الى أقصى الحدود.
وافق مجلس الوزراء اللبناني على اعتماد الخطة العشرية في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1999، وتم التصديق على اعتماداتها في قانون برنامج ضمن موازنة عام 2001، كما تم التأكيد على هذا القرار عام 2003 بعد عرض الخطة بكل تفاصيلها على مجلس الوزراء وبحث تمويل بعض من مشاريعها بطريقة DBOT. وجاء في قرار مجلس الوزراء:
1. الموافقة على الخطة العشرية وتعديلاتها وفقاً لبرنامج عمل دراسة وتنفيذ السدود والبحيرات الجبلية.
2. تؤمن الاعتمادات من قانون برنامج الخطة (تأمين موارد مائية إضافية) المعدّلة في موازنة عام 2003، على أن تصرف ابتداء من موازنة 2004 حتى 2011.
3. يمكن تلزيم التنفيذ لبعض مشاريع السدود بطريقة BOT أو بواسطة قروض ميّسرة وفقاً للبرنامج الزمني للدراسة والتنفيذ.
4. يمكن لوزارة الطاقة والمياه إجراء بعض الدراسات التفصيلية لمواقع بحيرات جبلية إضافية حسب الحاجة للمياه في مختلف المحافظات
معوقات التنفيذ
تحول دون التنفيذ الفعال للخطة المائية معوقات متنوعة، أهمها:
تأمين الاعتمادات: تضمن قانون موازنة عام 2001 في المادة الثانية والعشرين، قانون برنامج لوزارة الطاقة والمياه جاء فيه: يخصص لبرنامج الأشغال المائية والكهربائية في مختلف المناطق للأعوام 2001-2010 اعتماد قدره 1200 بليون ليرة (800 مليون دولار)، ويجاز للحكومة عقد كامل هذا الاعتماد والمباشرة بالتنفيذ قبل توفر اعتمادات الدفع في الموازنة، مع تحديد تنسيب هذا الاعتماد وبرنامج اعتمادات الدفع التي تلحظ سنوياً في الموازنة، وعلى أساسه وضعت المديرية العامة للموارد المائية والكهربائية الخطة العشرية للسدود والبحيرات الجبلية.
عمدت الحكومة في الموازنات اللاحقة الى تعديل القانون وتمديد فترة أعوام الخطة حتى أصبحت اعتماداتها في موازنة 2005 موزعة حتى سنة 2014 بدلاً من 2010، مع تعديل توزيع اعتمادات الدفع في مشاريع موازنات 2006 ـ 2008 حتى بلغت سنة 2018، الأمر الذي أعاق تنفيذ برنامج الخطة العشرية. هذا بالاضافة الى اجراءات اتخذتها وزارة المالية في السنوات اللاحقة، تقضي بعرض طلبات حجز الاعتمادات لموافقة وزارة المالية المسبقة قبل حجزها، الأمر الذي يتناقض مع نص قانون البرنامج مما سبب إشكالات كثيرة وارتباك عملية السير في تلزيم مشاريع السدود وحجز الاعتمادات اللازمة لها وفقاً للخطة الموضوعة.
الاستملاكات: لما كانت الاستملاكات العائدة الى مشاريع السدود والبحيرات الجبلية تشكل مساحات واسعة من الاملاك الخاصة، فان دفع بدل هذه الاستملاكات يستوجب مبالغ كبيرة لم يعد من السهولة تأمين حجزها وفقاً لتوزيع الاعتمادات من 2001 حتى 2018 الامر الذي يعيق أعمال المباشرة في التنفيذ قبل دفع التعويضات المترتة لأصحاب الأملاك المستملكة.
الجهاز البشري والتدخلات السياسية: لم تُرفد الادارة بالعناصر البشرية اللازمة من كفاءات هندسية وخبرات، علماً أن مشاريع السدود والبحيرات الجبلية تختلف في طبيعة تنفيذها عن المشاريع المائية الأخرى مثل مشاريع بناء خزانات وشبكات مائية وغيرها. أضف الى ذلك التدخلات السياسية المناطقية في هذا الشأن، مع تضارب مفاهيم التنمية المستدامة للبنان. وتجدر الاشارة أيضاً الى الظروف الأمنية والاعتداءات الاسرائيلية، كما حصل في مشروع سد العاصي حين قامت الطائرات الاسرائيلية بقصف المنشآت وتخزينها خلال تنفيذ المشروع، ما أدى الى توقف العمل وعدم استكمال المشروع بسبب عدم دفع الهيئة العليا للاغاثة التعويضات التي طلبها الملتزم بدل الاضرار التي حصلت من جراء ذلك القصف. وكذلك العراقيل التي حصلت في سد اليمونة، عندما كلفت الهيئة العليا للاغاثة بدفع التعويضات للأهالي عن الأملاك المستثمرة في منطقة السد، ولم تزل عالقة حتى الآن مما أدى الى وقف تنفيذ هذا السد. هذا بالاضافة الى عدم تصديق مشاريع السدود الملزمة من قبل المراجع المختصة.
استراتيجية تأهيل قطاع المياه: يقتضي اصلاح هذا القطاع تحقيق ما يأتي:
- بناء مؤسسة تعنى بادارة السدود في لبنان ورفدها بالعنصر البشري اللازم.
- بناء مؤسسات المياه ورفدها بالعنصر البشري اللازم مع استعمال الموارد المائية بطريقة مستدامة.
- قانون المياه 221 وتعديلاته: يتوجب وضع الخطوط النهائية لتطبيق وتحضير برنامج مفصل لتقوية الجهاز البشري واللوجستي في كل من وزارة الطاقة والمياه ومؤسسات المياه الاقليمية والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، بالاضافة الى تنفيذ جميع المراسيم التطبيقية العائدة له من قبل المؤسسات العامة للمياه، ودعم الحكومة اللبنانية لهذه المؤسسات، ويمكن الاستعانة بخبرات القطاع الخاص.
هذا بالاضافة الى وضع التنظيم الجديد لوزارة الطاقة والمياه، والأخذ بعين الاعتبار المواضيع المؤسساتية والمالية والبيئية العائدة لهذا القطاع. كما أن تنفيذ الخطة العشرية وجميع المشاريع العائدة لها يقتضي انشاء وحدة تعنى بادارة السدود، مع ما تتطلبه من خبرات تساهم في تنظيم قطاع المياه وادارته على نحو أفضل وعصري وبكفاءات هندسية عالية من أجل مواكبة المشاريع الانمائية كافة.
ان عدم الأخذ بهذه الاستراتيجية التقنية والتنظيمية سيؤدي الى عدم استغلال لبنان لمياهه المتجددة، وبالتالي يحرم اللبنانيين من هذا المورد الهام للتنمية الاقتصادية وتأمين الأمن الاجتماعي والغذائي بصورة مستدامة. ولا ننسَ الأطماع الاسرائيلية التي ترى أن مياه لبنان تهدر وتذهب الى البحر المتوسط من دون الانتفاع منها.
الدكتور فادي جورج قمير هو المدير العام للموارد المائية والكهربائية في وزارة الطاقة والمياه.
كادر
ادارة الطلب على المياه حتى سنة 2030
حددت وزارة الطاقة والمياه الحاجة الى مياه الريّ، بما في ذلك الهدر في شبكات الجر والتوزيع، كالآتي:
10,000 متر مكعب للهكتار في السنة عام 2000
8,000 متر مكعب للهكتار في السنة عام 2015
6,000 متر مكعب للهكتار في السنة عام 2020
استناداً الى هذه المعطيات، عمدت الوزارة الى احتساب الميزان المائي في لبنان وادارة الطلب لسنتي 2005 و2030 لمجمل القطاعات كما يأتي:
ري
صناعة
شفة
المجموع
عام 2005
900 مليون متر مكعب
150 مليون متر مكعب
500 مليون متر مكعب
1550 مليون متر مكعب في سنة
عام 2030
1800 مليون متر مكعب
293 مليون متر مكعب
975 مليون متر مكعب
3068 مليون متر مكعب في سنة