وصفه كلاوس توبفر، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، في حفل تسليمه الجائزة البيئية المرموقة ''الخمسمئة العالميون" Global 500، بأنه ''صحافي لبناني استطاع، منفرداً تقريباً، أن يضع القضايا البيئية الحساسة في دائرة الاهتمام العربي''. هكذا يمكن باختصار شديد تعريف نجيب صعب، المهندس والأستاذ الجامعي، ناشر مجلة ''البيئة والتنمية'' ورئيس تحريرها وأمين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية.
بدأ نجيب صعب نشاطه الإنمائي في مشروع للتنمية الريفية في جنوب لبنان، من خلال حركة ''وجهة نظر'' التي أسسها أثناء دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت بين عامي 1972 و1977. وخلال الفترة ذاتها عمل محرراً في صحيفة ''النهار''، فبدأ الكتابة في شؤون الطلاب، ثم كتب سلسلة تحقيقات حول قضايا البيئة والتنمية، كانت السبب الرئيسي لتعيينه عام 1977 مسؤولاً إعلامياً للمنطقة العربية في برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب).
عام 1982 أسس في بيروت مركز الشرق الأوسط للتكنولوجيا الملائمة، وهو مركز دراسات بيئية تولى مهمات أبحاث وتدريب لمنظمات دولية في أرياف دول عربية وأجنبية، في مجالات الطاقة المتجددة والأساليب البيئية لمعالجة النفايات والزراعة العضوية ومواد البناء المحلية. وتحت شعار ''الفقراء زبائننا''، درَّب المركز آلاف الريفيين في سورية ولبنان واليمن وجيبوتي وغيرها على بناء المراحيض اللامائية ومعالجة مياه الصرف على المستوى المنزلي وتوليد الغاز الحيوي من المواد العضوية وتقنيات ملائمة أخرى.
وفي 1996 قام صعب بخطوة جريئة في العمل الصحافي العربي تمثلت بإصدار مجلة ''البيئة والتنمية'' التي بدأت بمبادرة خاصة وتمويل شخصي منه، واستطاعت أن تكسر حاجز الخوف بين القارئ العادي وموضوع البيئة، الذي كان يعتبر مختصاً بنخبة من المهتمين. ولم تكن المجلة حيادية منذ العدد الأول، فهي ''ملتزمة بمستقبل رغيد ونظيف وعصري للعالم العربي، من خلال سعيها إلى إحداث تغيير سلوكي في مواقف الناس من البيئة وحثهم على العمل الشخصي للحفاظ عليها. وهي تعمل لكي يصبح لدعاة البيئة صوت مسموع يحترمه ويهابه أصحاب القرار، وأن يصبحوا هم أصحاب القرار''، كما يقول صعب.
تجاوزت ''البيئة والتنمية'' العمل الصحافي التقليدي، فأصدرت جريدة حائط بيئية اسمها ''الجريدة الخضراء'' توزع مجاناً على المدارس بشكل دوري. وهي أيضاً ترعى أكثر من 360 نادياً بيئياً مدرسياً، وتنظم مسابقات مدرسية سنوية لتعزيز الحفاظ على البيئة، كما أنتجت عشرات البرامج التلفزيونية بالتعاون مع ''تلفزيون المستقبل'' و''تلفزيون لبنان'' إضافة إلى مسرحيات وأغان بيئية يتم بثّها فضائياً في كل العالم العربي. هذا عدا عن الكتب، والأدلة، والدورات التدريبية، والخط الساخن الذي يتلقى شكاوى الناس البيئية ويلاحق حلها مع المسؤولين.
أما ''المنتدى العربي للبيئة والتنمية'' الذي انطلق رسمياً بداية عام 2007، فيعتبر صعب نجاحه في إنشائه أبرز انجاز حققه خلال مسيرته البيئية، لأنه ينتظر من هذه المنظمة العربية غير الحكومية أن تحوّل الاهتمام البيئي لدى المجتمع إلى عمل مؤسساتي منظم. وقد انتخب مجلس أمناء المنتدى نجيب صعب أميناً عاماً له، تقديراً لدوره في العمل على إنشائه.
صعب الذي ترك الهندسة بمكانتها المرموقة وعائداتها المرتفعة، أنفق جزءاً كبيراً من دخله من العمل الهندسي بين عامي 1978 و1982 على مركز الشرق الأوسط للتكنولوجيا الملائمة، أما مجلة ''البيئة والتنمية'' والمشاريع المتفرعة عنها فأجهزت على دخل السنوات التالية. حين يلومه البعض على ذلك، يجيب بثقة وحماس: ''إذا كان البعض يعتبر أن ما صرفته على هذا المشروع البيئي من الوقت والمال خسارة، فأنا أعتبره استثماراً في مستقبل العالم العربي، أي مستقبل الجيل الجديد وأولادي أيضاً".
في هذا الحوار، نتعرف على أسرار حب نجيب صعب للبيئة، وعوامل نجاح وسائله الإعلامية التي جعلت للبيئة أنصاراً كثراً في العالم العربي.
كيف أتتك الجرأة لإصدار مجلة بيئية باللغة العربية وأنت بالأصل مهندس معماري؟ ألم تخشَ الفشل؟
لست جديداً على الصحافة. فقد ولدت في عائلة صحافية، وعندما كنت طفلاً كنت أقضي عطلة نهاية الأسبوع في المطبعة. في الجامعة الأميركية في بيروت درست الهندسة المعمارية والإعلام في الوقت ذاته، وكنت رئيساً لتحرير مجلة تصدر عن إدارة الجامعة. كما أصدرت مجلة أثناء دراستي الجامعية باسم ''وجهة نظر''، وخلال الفترة نفسها كنت محرراً في صحيفة ''النهار''. العمل الأول الذي مارسته بعد تخرجي من الجامعة كان مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة كمسؤول إعلامي للمنطقة العربية بين عامي 1977- 1979. ومع أنني مارست العمل الهندسي بعد ذلك الوقت، لكنني واصلت العمل مستشاراً لمنظمات متعددة في الأمم المتحدة في قضايا تتعلق بالبيئة والتنمية والتكنولوجيا. وبالتالي فإن عملي في الإعلام والبيئة لم يأتِ من فراغ. أما عن الخوف من الفشل، فهذا ليس من طبيعتي، خاصة أن هدفي من إصدار مجلة ''البيئة والتنمية'' كان إحداث تغيير عن طريق إطلاق نهضة بيئية في العالم العربي. في هذا الإطار أستطيع القول إن المجلة نجحت في وضع البيئة على جدول الأعمال الشعبي والرسمي والاعلامي أيضاً. علينا أن نتذكر أين كان موضوع البيئة حين بدأ صدور مجلة ''البيئة والتنمية'' عام 1996 وأين أصبح الآن. هذا من دون شك مصدر رضى. أما إذا كان النجاح يقاس بالمال والثروة، فقد كان إصدار مجلة ''البيئة والتنمية'' مشروعاً فاشلاً على المستوى الشخصي. فلقد مولت المجلة من مدخراتي وعملي الهندسي، في حين أن أعمالاً كهذه في الدول المتقدمة تحظى بتمويل القطاع العام. ما يميز ''البيئة والتنمية'' أنها عمل مستقل يقتصر تمويله على الناشر والقراء والمعلنين.
يقول منتقدوك إنك تبحث عن الشهرة أو تسعى وراء منصب سياسي! فماذا تقول لهم؟
هناك طرق أقرب وأسهل للحصول عل منصب سياسي. إن عملي، إن كان في إصدار مجلة ''البيئة والتنمية'' أو كأمين عام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية، هو عمل إقليمي يغطي جميع الدول العربية وبالتالي لا يوصل الى منصب سياسي. أما الشهرة فلم أكن بحاجةإليها. حين أصدرت ''البيئة والتنمية''، كنت معروفاً بصفتي كاتباً وخبيراً في شؤون البيئة والتكنولوجيا، وكنت أنشر في أهم الصحف العربية والعالمية. كما كنت معروفاً بصفتي مهندساً معمارياً أعمل لبعض أهم الشركات في العالم. لو كنت أبحث عن الشهرة والمنصب السياسي لكنت اخترت العمل المحلي عن طريق أكثر سهولة وأرخص كلفة. أنا أحلم بالمساهمة في وضع العالم العربي على خريطة العالم الحديث، وليس بمنصب مختار أو نائب في زواريب السياسات المحلية الضيقة. وهنا أكشف للمرة الأولى أنني رفضت خلال السنوات الماضية أكثر من عرض لمناصب دولية كبيرة، لأن هذا كان سيعيق استمراري في المهمة التي أخذتها على عاتقي في مجلة ''البيئة والتنمية''. أما مركزي كأمين عام لمنظمة المنتدى العربي للبيئة والتنمية فلا يتعارض مع المجلة لأن الاثنين يتكاملان.
ما هي العوامل التي تضمن نجاح أي مشروع إعلامي أو تربوي لحماية البيئة؟
المعرفة والاحتراف والإيمان والمثابرة. على من يعمل في الإعلام البيئي أن يكون محترفاً في البيئة والإعلام معاً. ولأنني استطعت تطوير فريق يتمتع بهذه الصفات، نجحت مجلة ''البيئة والتنمية'' في البقاء والتطور والانتشار وحفر بصمة في المجتمع، بينما فشلت محاولات أخرى تميزت بالهواية وقلة الخبرة وضعف الالتزام.
ما هو ''الاقتصاد الأخضر'' الذي يُنادى به كحل للأزمة الاقتصادية الراهنة؟
حصل الانهيار الاقتصادي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية تحت إدارة الرئيس بوش. وهو كان من أكبر أعداء البيئة، ولم يتوقف عن التحذير من أن الالتزام بالاشتراطات البيئية، خاصة في مجال الحد من الانبعاثات المسببة لتغير المناخ، يؤدي الى انهيار الاقتصاد الأميركي! النتيجة كانت حصول الانهيار الاقتصادي بسبب سياسات بوش، وليس بسبب الالتزامات البيئية. إنها فرصة للعالم اليوم أن يتم تضمين سياسات الانقاذ الاقتصادي تدابير تؤمّن إدارة سليمة للموارد الطبيعية وتوازناً بين متطلبات الحفاظ على البيئة وأهداف التنمية. إنه الوقت المناسب لوقفة تأمل في ما وصلت إليه التنمية المنفلتة من أية قيود، وقد شهدت دول الخليج نماذج صارخة عن هذا في السنوات الأخيرة، حيث كان التركيز على البناء بلا حدود أسرع من الاهتمام بتطوير الخدمات البيئية والبنى التحتية. وقد قرأنا جميعاً وشهد بعضنا فيضانات المجارير على الشواطئ، ونفوق آلاف أطنان الأسماك، وتضاعف معدلات تلوث الهواء في المدن بسبب سوء تخطيط شبكات المواصلات وإهمال النقل العام. هناك الآن فرصة للتحول إلى ما ندعوه ''الاقتصاد الأخضر''، كي لا يتبع الانهيار الاقتصادي كارثة بيئية عالمية تكون آثارها مدمرة. وهذا يكون عن طريق التحول نحو الصناعات الأقل استهلاكاً للمواد الأولية والأقل تلويثاً، واستثمار الموارد الطبيعية على نحو متوازن، والمحافظة على العناصر الطبيعية للاقتصاد. وتعتبر استراتيجية الاقتصاد الأخضر مثالية لتعزيز تنوع المداخيل والتشغيل المنتج وتخفيف الفقر. ويكون خلق القيمة المضافة مبنياً على استثمارات في الثروات الطبيعية وفي نظم مستدامة يمكن أن تشمل: التكنولوجيات النظيفة والكـفوءة في التصنيع والري مثلاً، والسياحة البيئية والمناطق المحمية، والإدارة المستدامة والتجديدية للموارد المائية، والطاقة المتجددة، والمنتجات والخدمات المبنية على التنوع البيولوجي مثل إنتاج الأدوية من نباتات محلية وشعاب مرجانية، والزراعة العضوية، والعمارة الخضراء.
صرفتم الكثير من الوقت والمال والجهد في سبيل توعية المواطن العربي بقضايا البيئة. ولكن الى الآن هناك تراجع في مستوى الاهتمام الرسمي. فمتى سيحدث التغيير المطلوب؟
لا أوافقكم كلياً أن هناك تراجعاً في الاهتمام الرسمي بقضايا البيئة في المطلق. بالطبع كنا نطمح الى اهتمام أكبر، ولكن ما نشهده يمثل خطوة كبرى الى الأمام. لقد صدر عن القمة الاقتصادية العربية التي عقدت في الكويت بداية هذه السنة إعلان مهم يتحدث في جزء كبير منه عن التزام جدي بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، بما فيها إدارة الموارد على نحو رشيد، واستراتيجيات مستدامة للمياه العذبة، وتطوير الطاقات المتجددة، وكفاءة استخدام الطاقة والمياه، والتصدي لمشكلة تغير المناخ. قد تقول لي إن هذا كلام بكلام والمطلوب التنفيذ. ولكن ليس قليلاً أن ترِدَ هذه الالتزامات في وثيقة تصدر عن الملوك والرؤساء العرب. يبقى علينا أن نتابع ونذكر ونضغط من أجل تنفيذ هذه الالتزامات. التقدم يحصل، لكنه بطيء ومتواضع، ويجب أن يكون أكثر سرعة وجدية. إنها بداية الطريق.
ما رأيك في من يشبِّهك بـ''دون كيشوت''، الذي أخذ على عاتقه محاربة الشر، فانتهى بمحاربة طواحين الهواء؟
في الواقع أشعر بعض الأحيان أنني مثل "دون كيشوت''، خاصة حين أتعاطى لفترة طويلة مع المسؤولين والحكومات. أما ما يدعو الى الأمل والتفاؤل ويشجعني على الاستمرار، فهو الاهتمام الذي ألمسه لدى الناس العاديين ولا سيما الجيل الجديد. فقد ركز عمل مجلة ''البيئة والتنمية'' منذ البداية على الطلاب، مما ساهم في إطلاق نهضة بيئية في مئات المدارس. حين أقرأ رسائل الناس العاديين التي تصلني من العالم العربي كله، وأستمع الى التقارير البيئية التي يقدمها الطلاب الى مسابقاتنا، وأراجع سجلات الاتصالات التي ترد الى المجلة يومياً من مواطنين يعرضون مشاكلهم البيئية، أشعر بالرضى بدل الاحباط، لأن الرسالة وصلت الى جيل عربي جديد، رغم حواجز طواحين الهواء المنتشرة في كل مكان. فلئن بقي كثير من محاولاتنا مثل معارك دون كيشوت في مواجهـة طواحين الهواء، فحسبنا أن بين القراء كثيرين مثل رفيقه ''سانشو''، أصبحوا يشاركوننا الحلم ببيئة أفضل هي الضمان الوحيد لمستقبل أولادنا. وأسمح لي أن أروي هذه القصة: بعد سنتين من عودتي الى بيروت من هولندا وبدء إصدار مجلة ''البيئة والتنمية'' أصابني القرف، فأفصحت لزوجتي الهولندية عن رغبتي بالتوقف والمغادرة. أجابتني أنه لا يحق لي ترك ما بدأت به، لأنني بعت الناس أحلاماً، وهم صدقوها، وينتظرون أن أتابع تحقيقهـا. في تلك اللحظة تخيلت بالفعل أنني ''دون كيشوت'' وأن زوجتي رفيقه ''ساشو''. وللتذكير، فقد جاء في القصة أنه حين يئس ''دون كيشوت'' من محاربة طواحين الهواء، صدق مساعده ''سانشو'' الحلم وقرر المتابعة. ويبدو أن العائلة كلها تخطو على طريق ''دون كيشوت''، إذ إن ابنتي، التي تخرجت في القانون من هولندا وفرنسا، تعمل الآن على أطروحتها في الدراسات العليا في جامعة لندن، وهي عن أثر تغير المناخ على حقوق الانسان، وإبني تخرج من الولايات المتحدة في سياسات البيئة والطاقة.
الدول العربية من أغنى مناطق العالم بالطاقة الشمسية. لماذا ما زال استخدامها محدوداً جداً؟
السبب الرئيسي لمحدودية استخدام الطاقة الشمسية في الدول العربية حتى اليوم هو الانخفاض غير الطبيعي في أسعار النفط، وهي مدعومة بشكل اصطناعي في معظم دول المنطقة. عندما يتم رفع الدعم عن النفط، وبيعه للمستهلك بأسعار السوق، يصبح اعتماد الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح اقتصادياً. وقد رأينا أن إنتاج الكهرباء من الرياح والشمس في دول مثل ألمانيا والدانمارك وهولندا تضاعف خلال السنوات الأخيرة ليصل إلى 20 في المئة من مجمل الطاقة المنتجة. إن الإدارة البيئية قرار سياسي واقتصادي بامتياز. ولا بد هنا من التنويه بمبادرة أبوظبي إلى إنشاء شركة للطاقة النظيفة والمتجددة باسم ''مصدر''، وهي أبرز عمل عربي لتطوير تكنولوجيات الطاقة واستخدامها على نطاق واسع.
هل البيئة ضحية لتصرفاتنا، أم أننا ضحايا لعدم قدرتها على استيعاب متطلبات حياتنا؟
الموارد الطبيعية والبيئة هي العنصر الثابت، ونحن العنصر المتحول. لذلك فالبيئة ضحية لتصرفاتنا، لأن علينا التأقلم مع محدوديات الطبيعة وقوانينها وليس العكس. هذا لا يعني إطلاقاً رفض التكنولوجيا والتطوير، ولا يعني العودة إلى العصر الحجري. لكن للتدخل في الطبيعة حدوداً لا يمكن تجاوزها.
أتابع مجلتكم منذ نحو 10 سنين، سلوكي نحو البيئة تغير، ولكن التدهور حولي ما زال قائماً. كيف أظل ملتزماً والواقع لا يتغير؟
حين عدت من هولندا الى لبنان قبل 12 سنة صُدم ابني الصغير بأطنان النفايات على شواطئ لبنان الجميلة، ومصدرها مكبات النفايات التي ترميها البلديات على الشاطئ. فقال لي: ''كنت تطلب منا دائماً أن نضع النفايات في جيبنا الى أن نجد سلة قمامة. لو فعل جميع اللبنانيين هذا، فلن تحل المشكلة ما دامت الحكومة ترمي النفايات التي نضعها في سلال القمامة في مكبات عشوائية على الشواطئ''. لكن ابني الذي قال هذا قبل 12 سنة، قرر اليوم أن يتخصص في السياسات البيئية، وهو حصل على وظيفة استشارية لمساعدة إحدى حكومات المنطقة في تطوير سياسات بيئية حديثة، قد يكون بينها إدارة النفايات. إن تدريبه السلوكي على العمل الشخصي في الاتجاه الصحيح، وهو ولد صغير، أوصله الى أن يصبح مستشاراً بيئياً لواحدة من حكوماتنا. أعطي هذا المثل لأوضح ما قلته سابقاً من أهمية العمل الشخصي لرعاية البيئة لا تنحصر في الفائدة المباشرة منه، بل تتعداها الى التأثير في إحداث تغيير في المجتمع وعلى مستوى القرار السياسي.
إذا قُدّر لنجيب صعب أن يحكم العالم لأربع وعشرين ساعة، فما هي الأشياء التي سينفذها خلال هذا الوقت القصير جداً؟
أنا لا أؤمن بالسحر وإمكانية تغيير العالم خلال 24 ساعة، لأن عملية التغيير تحتاج الى وقت طويل. لذا، إذا حكمت العالم لمدة 24 ساعة، سأطلب من جميع الشبكات التلفزيونية والصحف تخصيص برامجها وصفحاتها لمواضيع بيئية، كما أمنح الناس يوم عطلة لاعادة اكتشاف الطبيعة، فيشاهدون ما تم تخريبه ويتعرفون على ما يستحق الحماية. وبعد هذا، سيكون عليهم، شعوباً وحكاماً، اتخاذ القرارات الملائمة وتنفيذها وفق الأولويات خلال سنوات.
كادر
زايد والحريري من حماة البيئة
عُرف عن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، اهتمامه بحماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية، وكان من المعجبين بمجلة ''البيئة والتنمية''، فدعا في صيف 1997، ناشرها ورئيس تحريرها نجيب صعب الى مقابلة في قصر الوثبة بأبوظبي، ودار بينهما حوار شائق، تحدث فيه الشيخ زايد عن آرائه في الطبيعة والحياة البرية والعلاقة بين البيئة والتنمية والانسان، وحضر هذا اللقاء الذي استمر نحو ساعتين جمع كبير من الشيوخ والمسؤولين الذين أورثهم، رحمه الله، حب البيئة والطبيعة، وما يتفرع عنهما.
كذلك كان رئيس الوزراء الراحل، رفيق الحريري، من المتابعين للمجلة ونشاطاتها وحملاتها التوعوية. وفي عام 2001، تسلّم، رحمه الله، بطاقة العضوية ''الأولى'' في ''منتدى البيئة والتنمية'' الذي أعلن عنه في احتفال أقيم بمناسبة الذكرى الخامسة لصدور ''البيئة والتنمية".