Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
كتاب الطبيعة
 
حامي الخفافيش في كهوف المكسيك  
تموز-آب (يوليو-اوغسطس) 2009 / عدد 136-137
 الخفافيش حيوانات مفيدة للانسان نظراً لدورها المهم في تلقيح النباتات وافتراس الحشرات. ومع ذلك ينظر الى هذه الثدييات الطائرة كمخلوقات بشعة وكريهة، ولطالما تعرضت للقتل. ويأتي المكسيكي رودريغو ميديلين لتفنيد الخرافات المنسوجة حولها والتوعية بأهميتها والتشجيع على حمايتها. وعلى ذلك نال جائزة رولكس للمبادرات الطموحة عام 2008
 
لين شويلر (مكسيكو)
حظيت الخفافيش باهتمام كبير في العصور القديمة، حتى أن بعض الشعوب اعتبرتها مخلوقات مباركة، واحتلت مكانة مرموقة في المشهد الثقافي الغني لحضارة المايا. بيد أن هذه الحيوانات، التي تشكل أنواعاً أساسية في النظام البيئي، عانت على مدى قرون من تداعيات المفاهيم الخاطئة والتقاليد الشعبية التي صورتها كمخلوقات شيطانية ناقلة للأمراض ومصاصة دماء. ونتيجة الجهل بها والخوف منها، قام الانسان بإبادة مستعمرات كاملة من الخفافيش بواسطة المبيدات أو بالاعتداء على مواطنها من خلال حرق أو تفجير الكهوف التي تؤويها، أو عبر مشاريع التنقيب عن المعادن.
وبسبب قلة الاهتمام العلمي والبحثي بالخفافيش، وإقصائها غالباً عن خطط حماية البيئة، باتت من أسرع الثدييات دنواً من حافة الانقراض. ويوجد في العالم نحو 1116 نوعاً من الخفافيش، باستثناء المناطق القطبية والصحارى القاحلة، منها 85 نوعاً مهدداً بالانقراض.
بالنسبة الى رودريغو ميديلين، الذي يعد من أبرز الناشطين في مجال حماية البيئة في المكسيك، تمثل الخفافيش حيوانات مذهلة، ولذلك قرر تغيير صورتها في أعين الناس. وهو أستاذ لعلوم البيئة في جامعة المكسيك الوطنية المستقلة، وكرّس ما يزيد على 30 عاماً من حياته لنشر الوعي بالدور الكبير الذي تلعبه هذه المخلوقات في الحفاظ على توازن النظام البيئي وحماية المحاصيل الزراعية من الحشرات الضارة.
كان ميديلين في الثانية عشرة من عمره عندما قابلها للمرة الأولى في كهف حار رطب يعج بالحياة، حيث كانت خفافيش ماصّة للدماء تتدلى من إحدى الزوايا، وفي الزاوية الأخرى تتزاوج خفافيش تتغذى على الرحيق. وقد حفرت الحشرات جحورها في أكوام فضلات الخفافيش، وقامت أفعى باصطياد عشرات الخفافيش النائمة. يقول ميديلين متذكراً: "لقد كان أمراً مذهلاً، لم أستطع أن أركز على بقعة واحدة في ذلك المكان الذي يضج بأشكال الحياة". كان اكتشاف هذا التنوع الحيوي الغني في ذلك المكان المنفرد عاملاً حاسماً في اتخاذ الفتى قراره بدراسة أحد أكثر الثدييات تنوعاً في العالم وتصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة عنها.
 
دراكولا!
الخفافيش عدو طبيعي للحشرات التي تنشط ليلاً، حيث تأكل كل ليلة ما يعادل وزنها تقريباً من البعوض والحشرات الضارة بالمحاصيل. وعلى سبيل المثال، تسبب حشرة عث الذرة للمزارعين خسائر ببلايين الدولارات سنوياً، علماً أن بمقدور مليون خفاش مكسيكي إبادة عشرة أطنان من العث في ليلة واحدة.
وتقوم الخفافيش المنتشرة في الغابات المطيرة الكثيفة وحقول السافانا الواسعة والصحارى الشاسعة في المكسيك بتلقيح أزهار مئات الأنواع من النباتات، كما تنثر بذور الكثير من الأشجار التي تعزز تجدد الغابة. وتعادل كميات البذور التي تنثرها الخفافيش في كل متر مربع خمسة أضعاف ما تنثره الطيور، ويعود لها الفضل في تكاثر 95 في المئة من نباتات الغابة. وتشتهر المكسيك بتشكيلة فريدة من الخفافيش، ويقدّر ميديلين أنها تحتضن نحو 138 نوعاً، منها 19 نوعاً مهددة فعلياً بالانقراض.
وتتغذى ثلاثة أنواع من الخفافيش المكسيكية على دماء الحيوانات الفقارية الأعلى تصنيفاً، وقد تم الابلاغ عن حالات قام فيها الخفاش المصاص الدماء Desmodus rotundus بمهاجمة البشر. ولكن ميديلين يقول: "هذه الحوادث نادرة الوقوع، ونسبة الخطر الذي تشكله الخفافيش على البشر منخفضة جداً. والواقع أن جميع الخفافيش تقريباً غير مؤذية، وهي مفيدة مئة في المئة، بل ضرورية للنظم البيئية والبشر".
وبما أن فوائد الخفافيش كبيرة جداً، وأخطارها على البشر قليلة جداً، وجد ميديلين أن الانخفاض الحاد في أعداد هذه المخلوقات الموجودة في عشر مستعمرات رئيسية في بلده يستوجب اتخاذ إجراءات ضرورية لحمايتها. ولذلك، قام عام 1994 بتأسيس "برنامج حماية الخفافيش في المكسيك" بالتعاون مع جامعته والمبادرة العالمية لحماية الخفافيش(Bat Conservation International). وتم تحت إشرافه وضع استراتيجية شاملة ترتكز على البحث والتوعية والحماية.
يعمل ميديلين وفريقه الذي يضم 30 عضواً من طلاب الماجستير والدكتوراه على تحديد أهم الكهوف من أصل 30 ألف كهف تقريباً في المكسيك، ليصار بعد ذلك الى تطوير برامج لإنقاذ الأنواع المهددة بالانقراض. وعلى سبيل المثال، يقوم مربو الماشية بإبادة الآلاف من الخفافيش المفيدة لاعتقادهم خطأً أنها من الأنواع الماصة للدماء التي تهاجم مواشيهم. ويعكف ميديلين وفريقه على حل هذه المشكلة من خلال توعية أصحاب المواشي، وإطلاعهم على الاستراتيجيات الناجعة لمكافحة الخفافيش الماصة للدماء. وفي إطار البرنامج، يتم توفير المواد التعليمية وتنظيم الندوات الاجتماعية بشكل دوري، كما يتم تقديم صورة دقيقة عن الخفافيش وتعريف الناس بفائدتها عبر الوسائل الاعلامية الوطنية. ومنها برنامج إذاعي حائز على جوائز يتابعه ملايين المستمعين. وعنوانه "مغامرات الطيران"، تبلغ مدة الحلقة الواحدة منه 15 دقيقة، ويقدممعلومات موجهة بشكل رئيسي الى الأطفال وتغطي جوانب متنوعة عن عالم الخفافيش وسبل حمايتها.
 
أطفال منقذون
أثبتت استراتيجية ميديلين الشاملة فعاليتها الكبيرة وأصبحت نموذجاً عملت به مبادرات مماثلة في بوليفيا وكوستاريكا وغواتيمالا وغيرها. وهو يؤكد على أهمية تغيير نظرة الشباب الى الخفافيش، وإلا تعرضت للهلاك. ويعمل فريقه بالتعاون مع المدارس والمجتمعات المجاورة لمواطن الخفافيش المهددة بالانقراض، مستعيناً بالألعاب والدمى والقصص لاجتذاب اهتمام الأطفال. يقول: "استطعنا التواصل مع ما يزيد على 200 ألف شخص، نصفهم تقريباً من الأطفال. وباتت المعلومات الصحيحة حول الخفافيش تصل الى ملايين الناس حالياً بفضل البرامج الإذاعية والتلفزيونية والمقالات الصحافية".
وقد حققت هذه الاستراتيجية نجاحاً كبيراً عام 1996، بعد الجهود التي بذلها ميديلين وفريقه بالتعاون مع مدرسة قريبة من مونتيري في شمال المكسيك. وكانت شائعات تنتشر بوجود مخلوق غريب يفتك بالمواشي ويختبئ في كهوف "كويفا دي لا بوكا" الشهيرة، التي تشكل موطناً لأكبر مجموعة من الخفافيش المكسيكية ذوات الذيل في العالم. وهدد السكان المحليون بإحراق الكهف، فتدخّل أطفال المدرسة الذين قام فريق ميديلين بتوعيتهم حديثاً حول الخفافيش، وشرحوا للأهالي فوائد هذه المخلوقات. ومن ثم أصبح السكان المحليون يقدّرون دور الخفاش المكسيكي ذي الذيل، فارتفعت أعداده من 100 ألف عام 1991 الى 2,5 مليون عام 2001. ويؤكد ميديلين: "ما زال الكهف محمياً حتى يومنا هذا".
ومن التحديات الرئيسية لهذا العمل إقناع الأطراف الذين يمولون مبادرات حماية البيئة بأن الخفافيش جديرة بالدعم والحماية. يقول ميديلين: "إنه تحد متواصل، لأن معظم المتبرعين يركزون على الحيوانات الجذابة، كاللواحم الضخمة أو الطيور. الصبر والتوعية ضروريان، وعلينا أن نوضح للمتبرعين مدى أهمية الاستثمار في حماية الخفافيش". وقد فاز ميديلين بالمرتبة الثانية من جائزة رولكس للمبادرات الطموحة عام 2008. وسيشكل المبلغ المالي الذي ربحه (50 ألف دولار) دعماً مطلوباً سيتيح لفريقه العمل في عشر ولايات، واختيار كهوف جديدة ذات أولوية، بالاضافة الى 25 كهفاً تقرر سابقاً أنها بحاجة للحماية. كما سيركز الفريق على خمسة أنواع المهددة بالانقراض، ومنها الخفاش المسطح الرأس. وقد أعاد ميديلين ورفاقه عام 2004 اكتشاف هذا الحيوان الصغير، الذي يبلغ وزنه 3 غرامات ويعد من أصغر الخفافيش في العالم، بعدأن كان الاتحاد الدولي لصون الطبيعة أعلن انقراضه عام 1996.
ولا يقتصر التزام ميديلين على حماية الخفافيش، بل يشمل كل الكائنات البرية في المكسيك، ومنها الظبي ذو القرون الشائكة، وكبش الجبال الصخرية، والدب الأسود، بالاضافة الى إجراء أول دراسة شاملة لتقدير أعداد الفهد الأميركي المرقط (الجاغوار) في المكسيك. وأصبح ميديلين، الذي يتلقى الدعوات باستمرار للتحدث في المؤتمرات والتعليم في الجامعات حول العالم، من أبرز الشخصيات الفاعلة في تصحيح المفاهيم السلبية حول أكثر الحيوانات غرابة في المكسيك واستعادة تقدير الناس لها.
وقالت الدكتورة ماري بيرل، رئيسة "صندوق حماية الحياة البرية" في نيويورك: "يتميز ميديلين بذكائه الحاد، ويستطيع بفضل عبقريته وشغفه والتزامه وحس الفكاهة الذي يتمتع به أن يقنع الناس على اختلافهم بأهمية الخفافيش، وضرورة تعزيز معرفتهم بها والمشاركة في حمايتها".
أما ميديلين فيعتبر أن كلمات صبي صغير هي أفضل دليل على جدوى عمله. يقول: "قبل بضع سنوات، بعد أن كان فريقي قد عمل في أحد كهوف غرب المكسيك، وصلت متخفياً مع بعض المتبرعين الى الكهف. وعند نزولنا من السيارة التي كانت تقلنا، اقترب منا طفل لا يتجاوز التاسعة من العمر وعرض علينا أن يخبرنا عن مدى أهمية الخفافيش التي تعيش في ذلك الكهف مقابل حصوله على بيزو واحد. وبادرت على الفور بإعطائه قطعتين نقديتين، فبدأ يشرح لنا عن الخفافيش وأهميتها في مكافحة الحشرات وتلقيح النباتات ونثر بذورها. كانت تلك أسعد لحظة في حياتي".
رودريغو ميديلين مع خفاش طويل الأنف Leptonycteris curasoae
في كهف بيناكات. هذا الخفاش المفيد وغير المؤذي، الذي يؤدي دوراً مهماً في
تلقيح النباتات ونشر البذور، غالباً ما يعتقد خطأ أنه من الأنواع الماصة للدماء/
تلاميذ يتفحصون خفافيش مخنطة ليتعرفوا على بنية هذه الثدييات الطائرة
مئات الخفافيش الطويلة الأنف تير حول أحد طلاب ميديلين في كهف سوسافي
 وقد حدد ميديلين 25 كهفاً بأنها ذات أهمية حيوية للحفاظ على الخفافيش في المكسيك
خفاش الموز Musonyeteris harrissoni
نوع مهدد بالانقراض
خفاشة طويلة الأذنين Corynorhinus mexicanus
مع صغيرها
الأغاف الأزرق الذي يستعمل لإنتاج مشروب
رحيق أزهار صبّار ساغوارو جزء من طعام الخفاش الطويل الأنف الذي يعمل بدوره ملقّحا لهذه الأزهار
ميديلين وطلابه يراقبون مواقع حماية الخفافيش في أنحاء المكسيك، مستعملين كاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء لإحصاء أعداد الخفافيش والتعرف على سلوكها
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.