Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
أسامة الطيب الكائنات المعدلة وراثياً في العالم العربي  
تموز-آب (يوليو-اوغسطس) 2009 / عدد 136-137
 أثارت الهندسة الوراثية عدداً من المخاوف، منها الهمّ الأخلاقي من التدخل في خلق الله، والهم البيئي من إفلات كائنات غريبة من المختبرات وغزوها التنوع البيولوجي الطبيعي، والهم الطبي من مخاطرها على صحة البشر. هنا إضاءة على تاريخ البيوتكنولوجيا ومحدودية الدور العربي في أبحاثها وفي المفاوضات الدولية المتعلقة بتنظيم مداولة الكائنات المعدلة وراثياً
التكنولوجيا الأحيائيّـة أو البيوتكنولوجيا (biotechnology) هي علم ''الكيانات البيولوجية'' وتطبيقاته الرامية الى توفير منتجات وخدمات لرفاه الإنسان. وتشمل هذه الكيانات النباتات والحيوانات والكائنات الدقيقة ومكوِّناتها دون الخلَـويّـة. وقد استخدم الإنسان تكنولوجيات أحيائيّـة منذ القدم لإنتاج الغذاء والألياف والأدوية والعديد منالمنتجات ''الصناعية'' كالخبز والجبن وأنواع شتّى من الأطعمة والسلع المختمرة.
ومع أنّ ''المادة الجينيّـة'' لكل الكائنات الحيّة هي في الأساس متماثلة في طبيعتها الكيميائية، فهي متميّزة لدى كل سلالة أو صنف ضمن كل نوع. وفي حين أن كائنات حيّة مختلفة تعيش معاً في النظام البيئي، فإنّ تبادُل موادّها الجينيّة المتماثلة مقتصر حصراً على الأفراد داخل النوع ذاته. ولدى الكائنات الحية نظام دقيق يتعرّف إلى أيّ مادّة جينيّـة غريبة يمكن أن تصل إلى الخليّة، ويقوم بتدميرها. وهذا الحاجز الجينيّ الطبيعي هو ما جعل كل نوع يحافظ على مميّزاته وخصائصه الأساسية على مَرّ العصور، مع السماح بحدوث تبايُنات واسعة داخل كل نوع.
وقد تَمّ تجاوز هذا الحاجز الطبيعي في المختبر عام 1971 عندما أُدمجت، بشكل نهـائيّ، موادّ جينيّـة لبكتيريا من نوع معيّن في بكتيريا من نوع آخر، و''عبَّرَت'' عن نفسها داخل المُضيف الذي ظهرت فيه خصائص جديدة نتيجة خلق هجين جيني في المختبر له خصائص مستمدّة من نوعين متنافرين. وسُمِّيت هذه التقنيّة المخبريّة ''الهندسة الوراثية''. بعد فترة وجيزة، أُدمجت المادة الجينيّة البشرية المسؤولة عن إنتاج هورمون الإنسولين (لم يكن حينذاك متوافـراً كدواء) في بكتيريا أُنمِيَت صناعياً لإنتاج إنسولين بشري بكميّـات غير محدودة للمصابين بالسكّري.
وتبع ذلك المزيد من التطبيقات في حقل الرعاية الصحية، ثم في مجال المحاصيل. وهكذا فإن المادة الجينيّة البكتيرية المسؤولة عن إنتاج المواد التي تقضي على أنواع معيّنة من الحشرات أُدمجت في نباتات محصوليّة، ممّا جعلها سامّة لهذه الحشرات وبالتالي منيعة ضدّ هجماتها. وتُطوّر الآن باستمرار أساليب جديدة في التكنولوجيا الاحيائية تتيح فرصاً جديدة لتوفير خدمات ومنتجات مستحدثة لرفاهية الإنسان لا حَدّ لها.
أثارت حداثة الهندسة الوراثية عدداً من المخاوف، منها الهَمّ الأخلاقي من التدخّـل في ''خَـلْق الله''. وتركّز الهَمّ البيئي على احتمـال أن تُفلت من المختبرات كائنات حيّة دخيلة، وربّما ضارّة، نشأت عمداً أو عَرَضاً أثناء التجارب. ومكمن الخوف هو أن الكائنات لم تنشأ بانسجام مع الطبيعة، وبالتالي لا يمكن التنبّؤ كيف يكون تصرّفها في نظام بيئيّ طبيعي، وقد يشكل تصرّفها هذا خطراً على البشر وغيرهم من الكائنات، وربما كان احتواؤه صعباً أو مستحيلاً. ولئن يكن التفاعل بين الكائنات الحية الموجودة طبيعياً والتي تتبع مبادئ البيولوجيا الطبيعية قد جُرِّب على مدى آلاف السنين، فإنّ التفاعل مع الكائنات المعدّلة وراثياً، حيث انتُهِكت تلك المبادئ في المختبر، ليس معروف النتائج.
بعد بضع سنين، خفَّ الكلام على الخوف من هروب كائنات ممسوخة من المختبرات، وازدادت ثقة الرأي العام، ممّا حفّز الاستغلال التجاري لكثير من المنتجات المهندسة وراثياً على نطاق واسع. إلاّ أنّ إطلاقها في البيئة الطبيعية أثارَ تخوفاً جديداً: ما هو تأثير هذا ''الغزو'' الواسع على التنوّع البيولوجي الطبيعي؟ وقد أقرّ جدول أعمال القرن 21 الصادر عن مؤتمر ريو عام 1992 (في الفقرة 16، 29) بالإمكانات الإيجابية للتكنولوجيا الأحيائيّـة والمخاطر الناجمة عنها. وتزامن ذلك مع المفاوضات الخاصة باتفاقية التنوّع البيولوجي عام 1992 وصياغتها. لذلك عالجت مادّتان من الاتفاقية هذا الموضوع بالتحديد، على الشكل الآتي: المادة 8(ز) نصّت أن على كل طرف موقّع أن يقوم ''بإيجاد أو حفظ وسائل لتنظيم أو إدارة أو ضبط المخاطر المرتبطة باستخـدام وإطلاق كائنات حيّـة معدّلة ناجمة عن التكنولوجيا الأحيائيّة، قد يكون لها تأثير سلبي من الناحية البيئية يمسّ بصيانة التنوّع البيولوجي واستخدامه المستدام، مع الأخذ في الاعتبار أيضاًالمخاطر على صحة البشر''. أما المادة 19(3) فنصَّت أن ''على الأطراف أن تنظر في الحاجة الى ـ وطرائق وضع ـ بروتوكول يحدد الإجراءات المناسبة، بما في ذلك الموافقة عن عِلم مسبق، في ميدان النقل والاستخدام والتناول السليم لأيّ كائن حي معدَّل ناشئ عن التكنولوجيا الأحيائية يمكن أن يؤثر تأثيراً عكسياً على صون التنوّع البيولوجي واستخدامه على نحو مستدام".
 
قيمة التنوّع البيولوجي
التنوّع البيولوجي هو مجمل التركيبة الجينية لجميع الكائنات الحيّة في جميع الأنظمة البيئيّة على الأرض، ويشمل الفوارق بين الأنواع وداخل كل نوع. وهو لم ينتج فقط عن التغييرات التي شهدها الكوكب عبر التاريخ، إنّما تأثّر أيضاً بالأنشطة البشرية، من خلال رعاية الإنسان أنواعاً مُعيّنة تخدم مصالحه، وتطويرها والتلاعب بها (باستخدام الظواهر البيولوجية الطبيعية) وإهمال أنواع أخرى. ولعلّ ما هو أهمّ أنّ البشر طوّروا أساليب لاستخدام الأرض دمّرت نُظماً بيئية بكاملها (وتنوّعها البيولوجي) وأحلّت محلّها نظماً مُستحدثة، مثل الزراعة الأحادية المستخدمة في أساليب الإنتاج الزراعي والحيواني.
وعلى مدى آلاف السنين، لكن خصوصاً في القرون الأخيرة، اضمحّل التنوّع البيولوجي. وقد تمّ التعبير عن المخاوف من استمرار هذا الاتجاه، وأطلقت الجماعات البيئية دعوات للقيام بتدابير علاجية. فالمحافظة على التنوّع البيولوجي والنظم البيئية الطبيعية أمر بالغ الأهمية بنظر هؤلاء. لكن هناك أيضاً نظرة أخرى، هي نظرة المسؤولين عن إكثار ''الأنواع الاقتصادية'' التي يعتمد عليها استمرار التطور الإنساني في الحصول على الغذاء والألياف والأدوية. فبرامج الاكثار والتهجين كانت بحاجة لأصناف وسلالات نسليّة لا يمكن الحصول عليها إلاّ من المزارع التقليدية والنظم البيئية البريّـة، التي أصبحت تسمّى ''الموارد الوراثية''. كما احتاج اختصاصيو التكنولوجيا الأحيائيّة العصريون كل أنواع المواد الجينية الطبيعية، بما أنهم لم يستطيعوا أن ''يخترعوا'' مواد جينية اصطناعية.
التقَت هذه المصالح المختلفة لإطلاق اتفاقية التنوّع البيولوجي التي صيغت عام 1992 ووُضعت موضع التنفيذ في 1994، وأصبح عدد الأطراف فيها اليوم أكثر من 190 دولة. ورأى كثير من القطاعات الصناعية، خصوصاً صناعة الأدوية، أنّ هناك طاقات غنية غير مستغَلّة من العقاقير والمنتجات متوافرة في التنوّع البيولوجي، مما يستدعي المحافظة عليه واستخدامه بشكل مستدام. وبما أن الدول النامية هي مَواطن معظم هذا التنوّع البيولوجي الطبيعي، فقد أُضيف هدف ثالث إلى الاتفاقية هو: المشاركة في المنافع بين مُطوِّر ومُقدِّم التنوّع البيئي القابل للاستغلال المستدام.
 
المخاطر المترتبة على التطبيقات
الخطر الرئيسي هو اضمحلال التنوّع البيولوجي الطبيعي أو تلوّثه. لكن نظراً الى خبرة الإنسان القليلة في منتجات التكنولوجيا الأحيائيّة، برزت المخاوف أيضاً من أن تتأثر الصحة البشرية سلباً. وهذا ما يفسّر التطرّق إلى ذلك في المادة 8(ز) من اتفاقية التنوع البيولوجي. وقد بدأت المفاوضات حول البروتوكول المذكور في المادة 19 عام 1995 وانتهت عام 2000 بموافقة أطراف الاتفاقية على ''بروتوكول قرطاجنة للسلامة الأحيائية'' الذي ينظّم حركة الكائنات المعدلة وراثياً عبر الحدود. وقد دخل حيّز التنفيذ عام 2003، وأصبح اليوم يضم 155 من الأطراف في اتفاقية التنوّع البيولوجي، التي عقدت أربعة اجتماعات لأطراف البروتوكول في الأعوام 2004 و2005 و2006 و2008 وتدارست مسألتين لم يُبَتّ بهما بعد، هما: المادة 18 المتعلقة بالوثائق الضرورية المصاحبة لنقل الكائنات المعدلة وراثياً، والمادة 27 المتعلّقة بالقواعد والإجراءات الدولية الخاصة بالمسؤولية والجبر التعويضي عن الأضرار الناجمة عن نقل الكائنات المعدلة وراثياً عبر الحدود. وسيعقد الاجتماع الخامس في 11 ـ 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 في اليابان.
الهدف الأساسي لبروتوكول السلامة الاحيائية هو، وفقاً لما جاء في المادة 19 من اتفاقية التنوع البيولوجي، تنظيم حركة الكائنات المعدلة عبر الحدود، بحيث لا تتسلم أي دولة أيّ شحنة منها إلاّ بعد تطبيق إجراءات الموافقة عن علم مسبق. ويتوقف قرار الدولة المستوردة بقبول أي شحنة على تقديم المُصدِّر معلومات معينة تمكّن السلطة الوطنية المختصّة من اتّخاذ القرار بناءً على تقييم المخاطر في البيئة المتلقّية. وقد يأخذ القرار في الحسبان الاعتبارات الاجتماعية ـ الاقتصادية الناشئة عن تأثير الكائنات المعدلة على استدامة استخدام التنوع البيولوجي، ''وبخاصة ما يتعلّق بقيمته للمجتمعات الفطرية والمحليّة'' (المادة 26).
ومع أن البروتوكول يتعلّق فقط بحركة الكائنات المعدلة وراثياً عبر الحدود، فإنّ المادة 2 تنصّ على أن ''يتخّذ كل طرف التدابير القانونية والإدارية الضرورية وغيرها من التدابير المناسبة لتنفيذ التزاماته''. وهذا يعني أنه يُفرض على كل طرف صياغة التشريعات الوطنية التي تتيح الامتثال للالتزامات الواردة في البروتوكول. كما أنشئت ''غرفة مقاصّة السلامة الأحيائية'' لتيسير تبادل المعلومات والخبرات وتوفير المعلومات الوطنية.
 
الصوت العربي في المفاوضات
مع أن جامعة الدول العربية تتمتّع بموقع رسمي في الأمم المتحدة، فليس هناك إقرار بالعالم العربي كإقليم، بل هو منقسـم بين إقليم أفريقيا وإقليم آسيا والمحيط الهادئ. ولم تكن مجموعة  آسيا والمحيط الهادئ ذات فعالية تُذكر أثناء مفاوضات البروتوكول (1995 ـ 2000) إلاّ من ضمن مجموعة الـ 77 والصين التي كان فيها للمجموعة الأفريقية تأثير كبير.
وكان ممثّل الجامعة العربية يساعد في التنسيق بين الدول العربية أحياناً ، لكن هذا التنسيق لم يكن مثمراً ولا متواصلاً. أما ضمن المجموعة الأفريقية، فقد مارسَت مصر تأثيراً كبيراً، خصوصاً لكونها الدولة العربية الوحيدة التي ظلّ ممثّلها نفسه يحضر جميع جلسات المفاوضات. وكان هناك قدر من التنسيق في العمل، بشكل غير رسمي، بين ممثّلي الدول العربية الآسيوية والأفريقية.
 
بناء القدرات بموجب البروتوكول
هذه المسألة مطروحة في المادة 22 من البروتوكول، وهي تشجّع الجهود لتعزيز قدرات الدول النامية في تنفيذ التزاماتها. والآلية المنشأة بموجب المادة 28 من البروتوكول هي نفسها المنشأة وفقاً للمادة 21 من اتفاقية التنوّع البيولوجي. وبالتالي فقد تمّ تمويل جهود بناء القدرات من قبَـل مرفق البيئة العالمي الذي أُنشئ عام 1991 ليكون الآليّة المالية للأنشطة ''التي تحمي البيئة العالمية في الدول النامية''. وقد شدّد المرفق على 6 مجالات اهتمام، منها التنوّع البيولوجي الذي رصد له 1,89 بليون دولار في الفترة 1991 ـ 2004. أمّا خطته للتنوع البيولوجي (ذات الأهداف الاستراتيجيّـة الأربعة) فتشمل ـ من ضمن هدفها الثالث ـ ''استراتيجيّـة أوّلية للتنوّع البيولوجي'' بدعم تفعيل بروتوكول قرطاجنة للسلامة الأحيائية عن طريق مشاريع وطنية وتحت إقليمية وإقليمية تهدف إلى إنشاء ما يأتي: آليات تنسيق وطنية، أُطُر سياسات تنظيميّـة فعالة، أُطر إدارية، قدرات لإجراء تقييم المخاطر بما في ذلك منهجيات إقليمية موحّدة، مشاركة عملية ومتجدّدة في غرفة مقاصّـة السلامة الأحيائية، ويشمل ذلك التعاون الإقليمي.
وقد مَوَّل مرفق البيئة العالمي مشروعاً تجريبياً في 1997 ـ 1999، حتى قبل أن يبدأ العمل بالبروتوكول، لاختبار جدوى إنشاء إطار وطني للسلامة الأحيائية في 18 دولة، منها اثنتان عربيّتان هما مصر وتونس. وتوسّع المشروع عام 2001 ليضمّ 139 دولة،منها ثماني دول عربية أخرى. واستُكمل ذلك بمنح صغيرة لتطوير المقدرة على التفاعل مع غرفة مقاصّـة السلامة الأحيائية في البلدان نفسها. كما موّل المرفق عدداً من المشاريع المتوسطة في بضعة بلدان لتطوير مرحلة التنفيذ التّام للأطر الوطنية للسلامة الأحيائية، وشمل ذلك مصر وتونس.
ويتضمّن إعداد الإطار الوطني للسلامة الأحيائية: جمع المعلومات والتحليل والمشاورات والتدريب وإعداد مشروع للإطار الوطني (مشاريع وثائق قانونية، وأنظمة إدارية، وإجراءات تقييم المخاطر، وأنظمة لمشاركة الجمهور والمعلومات). وتساهم ورش العمل الإقليمية في زيادة تفهّم البروتوكول وتقييم الآثار من أجل تقييم المخاطر واتخّاذ القرارات على المستوى الوطني، في حين أن ورش العمل تحت الإقليمية تهدف إلى تحديد احتياجات بناء القدرات وفرص التعاون وآليات تبادل خبرات تقييم المخاطر والخبرة الإدارية وتنسيق أنشطة بناء القدرات والربط الشبكي للمشاركة في الدروس المستفادة والخبرات.
هناك الآن 14 دولة عربية أطراف في البروتوكول، هي: الأردن، تونس، الجزائر، جزر القمر، جيبوتي، السعودية، السودان، سورية، عُمان، قطر، ليبيا، مصر، موريتانيا، اليمن. كما أن دولة واحدة (المغرب) وقعته فقط، في حين أن 7 دول لم توقّعه ولم تصدّق عليه. وقد ساعد مشروع تجريبي لمرفق البيئة العالمي دولتين (مصر وتونس) على إعداد إطار وطني للسلامة الأحيائية في 1997 ـ 1999، كما تمّت مساعدة 8 دول عربية أخرى من ضمن المشروع الشامل. ومن بين 95 دولة أنجزت مشاريعها، هناك 3 دول عربية فقط هي مصر والأردن وتونس. وتَمّ ذلك عموماً بدعم تقني من برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وأنتج المشروع ثلاث ''مجموعات أدوات'' (لا شيء منها بالعربية) للأغراض الآتية: بدء المشروع، إجراء تقييم شامل، المشورة والتحليل. كما تمّ التوصّل إلى مجموعة أدوات أخرى بالعربية لصياغة الإطار الوطني للسلامة الأحيائية، تتألف من عنصرين هما: صياغة الهيكل التنظيميّ، وتصميم النظام الإداري لمداولة الطلبات والتبليغات. ولم تُعقد في البلدان العربية، أو من أجلها، ورش عمل إقليمية أو تحت إقليمية.
وكان النشاط التكميلي إقامة نقاط اتّصال إلكترونية وطنية لغرفة مقاصّـة السلامة الأحيائية في كلّ من الدول التي تَمّ تمويلها. وقد وقّعت على ذلك 12 دولة عربية، أنجز العمل فيها أو قارب الانتهاء. وعيّن المشروع 47 ''مستشاراً إقليمياً''، أربعة منهم من دول عربية، وثلاثة من هؤلاء فقط يتكلمون العربية. كما يقدّم المشروع برامج إلكترونية مجّانية لنقاط الاتصال الوطنية، مُعدّة في الولايات المتحدة وكندا وسويسرا، لكن يبدو حتى الآن أنّه لم تستفد أي دولة عربية من هذه الخدمة.
تعرض غرفة مقاصّـة السلامة الأحيائية كل المعلومات التي يوفّرها الأطراف وغير الأطراف طوعاً. ولدى دولة عربية واحدة فقط، هي مصر، موقع إلكتروني وطني موصول بالبوابة الإلكترونية المركزية لغرفة مقاصّـة السلامة الأحيائية. وهناك دولتان أخريان، هما لبنان والسودان، وصلتا موقعيهما فقط من أجل مشروع الإطار الوطني للسلامة الأحيائية الذي موّله مرفق البيئة العالمي.
في أوائل أيلول (سبتمبر) 2007، أُرسل استبيان بالبريد الإلكتروني إلى نقاط الاتصال الوطنية في كل الدول العربية مع رسالة إحالة لشرح الغرض منه. بعد ذلك أُرسلت مناشدة للإسراع في الاستجابة مرتّين بفاصل أسبوعين بينهما. فجاءت إجابات من 9 دول فقط. وأخذت المعلومات عن الدول التي لم تستجب من الموقع الإلكتروني لغرفة مقاصّـة السلامة الأحيائية، وكذلك من مواقع مرفق البيئة العالمي وبرنامج الأمم المتحدّة للبيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمركز الدولي للهندسة الوراثيـة والتكنولوجيـا البيولوجيـة، وهي جميعاً تحتفظ بسجلات لأنشطة السلامة الأحيائية.
 
السلامة الأحيائية في المنطقة العربية
من الشائع في البلدان النامية ندرة المعلومات حول الأنشطة البيئيّة، والنظرة العامة إلى البيئة من دون تحليل التفاصيل. لذلك فإن مفهوم ''التنمية المستدامة بيئيٌّا'' مثلاً لا يجد ترحيباً أو صدى لدى صُنّاع القرار، وبالتالي لدى الناس. ويُـلجَـأ غالباً إلى تبريرات، أهمّها: المشاكل الاقتصادية والسياسيّة الملحّـة، وضعف المجتمع المدني. هكذا تبقى البيئة همّـاً أساسياً مقصوراً على النخبة وبضعة علماء. ولا يهتمّ الجمهور بالموضوع إلاّ عندما تسوء نوعيّة الهواء والماء ويزداد تراكم النفايات المنزلية ـ وهي العناصر التقليدية للتلوث ـ وتشكل مخاطـر صحيّـة.
والدول العربية، حتّى الغنية منها، لا تختلف عن ذلك. وتسترعي جملة من المسائل البيئية اهتمام صُنّاع القرار والجمهور في البلدان النامية نتيجة ''التهيّج البيئي'' في البلدان المتقدمة، خصوصاً عندما تؤثر على البيئة العالمية وتستدعي تحرّكاً دولياً. وممّا يدخل في صميم هذا الموضوع مسألة تغير المناخ، مع التطوّرات الحالية في وسائل الاتصال والتقارب بين الشعوب والثقافات. وينعكس ذلك في العالم العربي زيادة في الاهتمام بالسلامة الأحيائية وحتى بالمجال الأشمل للتنوّع البيولوجي.
وبتحليل المعلومات المذكورة أعلاه يتبيّن ما يأتي:
تحقيق التعاون بين الوكالات بشأن القضايا البيئية المتشابكة القطاعات: بما أن البُعد البيئي يؤثّر عمَلياً في جميع الأنشطة البشرية، يجب معالجته بعمل جماعي مشترك من عدّة لاعبين. ويحتاج ذلك إلى إرادة سياسية وضغط شعبيّ قوي لإرغام ''الجزر الادارية'' المنعزلة على التعاون. ويبدو أن البيئات السياسية والشعبيّة (وكذلك الثقافية) في البلدان العربية لا تدعم هذا التوجّه بالعمل الجماعي المشترك بين مختلف الهيئات. والواقع أن الجهات الحكوميّة المختلفة تميل إلى معالجة ما لديها من اهتمامات بيئيّة بشكل منفصل وفردي، وأحياناً على ضوء تنافس خصومي بين الإدارات التي تعتبر البُعد البيئي عائقاً وتسعى لحماية مناطق نفوذها. ومن نافلة القول أنّ لكلّ إدارة ''زبائن'' مختلفين تتركّز مصالحهم على مجمل القطاع لا على المفاهيم والاهتمامات المتبادلة في ما بين القطاعات، مثل البيئة. ولم يؤدِّ إنشاء هيئات تنسيق بيئية وطنية إلى التغلّب على هذا السلوك، ولم تقدّم وزارات البيئة في الدول العربية آليات جديدة تنجي البيئة من الصراع بين الإدارات والقطاعات.
أما الدول المتقدمة فلديها الآليات والخبرات والموارد للتنسيق بين الوكالات وتحميل كل منها المسؤولية في حال عدم استجابتها لضرورات التعاون والتنسيق.
اهتمام الجمهور وانخراطه في قضايا السلامة الأحيائية والتنوع البيولوجي: في العالم العربي، ينوء المواطن العادي غالباً تحت وطأة هموم الحياة اليومية. وهذا أمر ملحّ يطغى على هموم المستقبل المتوسّطة أو البعيدة المدى. لكنّ المفاجئ أنّه، نظراً لانعكاس النقاش الدولي القائم حول السلامة الأحيائية على وسائل الإعلام المحلية، فإن بعض جوانب هذا الموضوع (وخصوصاً آثاره الصحية) استرعت اهتمام الرأي العامّ. وقد اهتمّ الإعلاميّون، وبالتالي الجمهور، بسلامة الغذاء الذي تنتجه التكنولوجيا الأحيائية، ورافق ذلك الكثير من المزاعم غير الدقيقة. هكذا اعتُبر أنّ الكائنات المعدَّلة وراثيّـاً تؤدّي إلى التسمّم الغذائي وتفسد طعم الخضر والفواكه وتسبّب السرطان، وغير ذلك ممّا لا يمتّ بصلة أساساً إلى هذه الكائنات. ونتيجةً لذلك، اكتسب موضوع السلامة الأحيائية الغذائية حيّزاً كبيراً من المناقشات الدائرة في وسائـل الإعـلام أكثر من الموضوع الاهمّ، وهو التأثير على التنوّع البيولوجي. وسرعان ما اسـتُحضرت نظرية المؤامرة، واتّهمت الكائنات المعدلة وراثيّـاً بأنّها مُـنتَـج خَـطـِر يتمّ اختباره على شعوب الدول النامية. إلاّ أنه أُثيرت أيضاً بعض الاعتبارات الاجتماعية ـ الاقتصادية الحقيقية.
في الدول المتقدمة، بدأ العلماء والبيئيون والقادة الدينيّون بالتعبير عن الخوف على التنوّع الأحيائي منذ عام 1971. وقد تبيّن ذلك إبّان المفاوضات الخاصة باتفاقية التنوّع البيولوجي عام 1992، وانعكس في نصّ المادتين 8 (ز) و19. واستمرّت المناقشات في الدول المتقدمة، وبدأ البحث بين الوكالات، بالاضافة إلى المشاورات العامة، من أجل صياغة المواقف. وانغمس الجمهور في المناقشات التي تأثّرت غالباً بمواقف مجموعات الضغط وقطاعات الأعمال والمنظمات غير الحكوميّـة، وبانعدام الثقة عموماً بالعلماء والهيئات الرقابية بعد الإخفاق الذريع في مسألة مرض ''جنون البقر''. وفي أواخر تسعينات القرن الماضي، عندما اقتربت مفاوضات البروتوكول من نهايتها، تمّ الاتفاق في الرأي، وتوضّحت المواقف الحقيقية للدول المتقدمة، وهي تعكس عموماً المطالب الشعبية كما يُعرب عنها الناخبون. وأصبحت السلامة الأحيائية موضوعاً سياسياً.
وبرز موقف شبيه نوعاً ما في الدول النامية التي يسمح جوّها السياسي بذلك، مثل الهند وبعض دول أميركا اللاتينيّة. لكنْ لم يحدث مثل ذلك في أيّ بلد عربي. والمسائل التي وصلت إلى وسائل الإعلام كانت انعكاساً لأخبار المفاوضات الدائرة حول البروتوكول، واقتصرت الاعتبارات الحكومية، في أحسن الأحوال، على متابعة مواقف الآخرين أثناء المفاوضات. وهذا يفسّر لماذا لا نجد حتى اليوم لدى أي دولة عربية طرف في البروتوكول ذلك التشريع الوطني الذي تدعو إليه المادة 2، وهو ضروري لتنفيذ الالتزامات، في حين أن عدّة دول نامية أخرى أصبح لديها تشريعات وهيئات ناظمة عاملة.
أهمية الارادة السياسية: من الجدير ملاحظته أنّ استعداد الدولة لا يتأثّر أساساً بمدى توافر الخبرات والمال، وهذا يدلّ على أن انعدام الإرادة السياسية هو العامل المؤثر في أوضاع شؤون السلامة الأحيائية في البلدان العربية. لذلك، فإنّ أيّاً من الدول العربية الغنيّة الثماني، وهي غير مؤهلة للحصول على دعم مالي من مرفق البيئة العالمي، لم تَسْعَ للحصول على أي مساعدة تقنية من أي وكالة مختصّة من وكالات الأمم المتّحدة لإنشاء إطار وطني للسلامة الأحيائية، ولم تلجأ إلى الخبراء المحليّين لهذا الغرض. ومن الملاحظ أيضاً في هذا المجال أن الدول التي تلقّت دعماً مالياً لتأسيس إطار وطني للسلامة الأحيائية وأنجزته، أو كادت تنجزه، لم تقم بعد ذلك بوضع آليات وطنية للتنفيذ ـ إنّما سعت، أو لا تزال تسعى، للحصول على مزيد من الدعم المالي للتنفيذ بالرغم من أن كلفة إعداد التشريعات اللازمة وإقرارها هي كلفة زهيدة.
تمّ تسجيل بعض التناقضات في إجابات بعض البلدان على الاستبيان، وهي تدل أيضاً على فقدان الإرادة السياسية والتنسيق وليس الموارد. ففي حين أن بعض البلدان ذكرت أن لديها ''مرافق لكشف الكائنات المعدلة وراثيّـاً و''إمكانيات لتقييم المخاطر''، فإن هذه البلدان نفسها ذكرت أنّه لا يُعلم ما إذا تَمّ تسللام شحنات من الكائنات المعدلة وراثيّاً أم لا. وكذلك فإن معظم البلدان العربية لم تبلّغ أمانة البروتوكول بحاجاتها لبناء قدراتها، ردّاً على سؤال بهذا الشأن عام 2005، في حين أنّها عبّرت عن تلك الحاجات في ردّها على الاستبيان.
ويمكن أن نكتشف من مثال مصر، وبشكل عامّ، مدى الأثر الشخصيّ وليس المؤسّساتي في النشاطات المتعلّقة بالسلامة الأحيائية في الدول العربية. ونستنتج، في كثير من الأحوال، أن تحديد الجهة التي تتولّى مسؤولية تطبيق الأنظمة مسألة غير محسومة. وفي معظم البلدان، انيطت المسؤولية الرئيسية بدائرة تتولى الشؤون البيئية. إلاّ أنه عند التنفيذ، الذي يتعلّق أيضاً بالصحة والزراعة والتجارة والبحث العلمي وسوى ذلك، يصعب أكثر الجواب عن هذا السؤال. ومن أوضح الأمثلة على ذلك سورية، حيث عُيّنت ثلاث سلطات وطنية مختصّة مستقلّـة للبروتوكول (وفي بعض التقارير أربع أو خمس) بالرغم من الواقع المنطقي القاضي بأن تأخذ القرارات بالحسبان مصالح كل الجهات، مع آليّة للتنسيق مركّزة في هيئة البيئة ـ كما هي الحال لدى معظم أطراف البروتوكول. ويمكن اعتبار هذا أيضاً مثلاً على انعدام الإرادة السياسية.
إشارات إيجابية للمستقبل: على رغم هذه الملاحظات السلبية، يمكننا أن نستنتج أن النقاشات الدولية حول السلامة الأحيائية، بالإضافة إلى بدايات المشاريع المدعومة من مرفق البيئة العالمي في عدّة بلدان عربية، حفّزت عمل الهيئات الحكومية، وهي تشجّع على دراسة وبَتّ مسألة التنسيق على الصعيـد الوطنـي. وقد ساهمت الاستقصـاءات وورش العمل التي أجريَت خلال مشاريع مرفق البيئة العالمي في زيادة التوعية الحكومية والشعبية حول هذه المسائل، حتى إنّ بعض الدول التي لم تستوف شروط المرفق قامت من تلقاء نفسها بأنشطة شبيهة، وكانت فعّالة في الوفاء بأهداف مماثلة. وهناك خطط للمزيد. وقد نظّمت جامعة الدولة العربية عام 2006 ورشة عمل لمراجعة أوضاع تنفيذ اتفاقية التنوّع البيولوجي وبروتوكول قرطاجنة للسلامة الأحيائية، وطُرح اقتراح إقامة ''شبكة'' للعمل المنسّق يستضيفها المركز العربي لدراسة المناطق الجافّة والأراضي القاحلة (أكساد)، لكنّها لم تفعَّـل حتى الآن. وعُـقد اجتماع تحضيري في أيلول (سبتمبر) 2007 بين برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظّمة الأغذية والزراعة (الفاو) والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) بعنوان ''المشاورة الإقليمية حول التكنولوجيا الأحيائية والسلامة الأحيائية للزراعة والبيئة في غرب آسيا وشمال أفريقيا''، ضمّ بعض الدول غير العربية في المنطقة، وذلك لصياغة مشروع إقليمي حول السلامة الأحيائية لإحالته إلى مرفق البيئة العالمي. واعتُبر أنّ الوفاء بأنظمة السلامة الأحيائية ''هو جزء أساسي من تطوير أيّ صنف معدَّل وراثيّاً".
تتأثّر مواقف بعض الدول من قضايا السلامة الأحيائية كثيراً بالشركاء التجاريين والمصالح الأجنبيّة. وهذا واضح من التأخيرات غير المبرّرة في اتّخاذ مواقف على الصعيد الوطني في أمور كانت تسير بشكل جيّد. فمن المعلوم مثلاً أن الولايات المتحدة، وهي أكبر مُنتِج لسِلع وبذور التكنولوجيا الأحيائية، قد ساقت أعضاء الاتحاد الأوروبّي أمام منظمة التجارة العالمية مُطالبةً بتعويضات على تعليق الاتحاد الموافَقات على الكائنات المعدلة وراثيّـاً، بما أنّ لكلّ من العملاقين التجاريّين رأياً مختلفاً حول أنظمة تداولها. وقد حدث مرة أن أعلنت دولة عربيّة أنها سترفع دعوى قضائية الى جانب الولايات المتحدة، إلاّ أن جهة أعلى في تلك الدولة نفت الأمر بعد أن أعرب الاتحاد الأوروبّي عن استيائه.
مواقف الدول العربية من الكائنات المعدلة وراثياً: لا تنتج أي من الدول العربية حالياً منتجات التكنولوجيا الأحيائية، باستثناء بعض مواد العناية الصحية القليلة. ولدى بعضها برامج بحثيّة جارية لتطوير مثل تلك المنتجات. لكن، على عكس دول أخرى مثل البرازيل والصين والهند وجنوب أفريقيا، ليس هناك دلائل على أن هذا الإنتاج يمكن أن يبدأ في القريب العاجل، أي بعد 5 أو 10 سنوات. لذلك من المتوقّع أن تصبح الدول العربية مستورِداً لا مُصَدِّراً لمنتجات التكنولوجيا الأحيائية، في جميع الحقول باستثناء العناية الصحيّة.
والواقع أن موقف العالم العربي من القمح المعدّل وراثياً كان مؤثراً جداً في إقناع صناعة القمح في أميركا الشمالية بتأخير استغلاله التجاري منذ العام 2004 وحتى اليوم (وذلك نظراً لكون العالم العربي مستورداً عالمياً كبيراً للأغذية وخصوصاً الحبوب). ومع الارتفاع الحادّ مؤخّراً في أسعار الحبوب والزيوت النباتية في أسواق العالم، نتيجة محاولة استخدامها كموادّ أوّلية لإنتاج أنواع الوقود الحيوي، فإن الوضع قد يتغيّر فعلاً. ومن ناحية أخرى، فإن بعض البلدان العربية تصدِّر منتجات زراعية مُحدّدة مثل الخضر والفواكه، وخصوصاً باستخدام الأسمدة العضوية، إلى الاتحاد الأوروبّي الذي يحافظ على أنظمة في غاية التشدّد بالنسبة للسلامة الأحيائية. وبما أن هذه الكميات المصدّرة تمثّـل عنصراً أساسياً في ميزان مدفوعات تلك الدول، فإنها حريصة على إعطاء هذه الأنظمة طابعاً مؤسَّسيّـاً لتتماشى مع أنظمة الجهات المستورِدة.
وقد أظهرت دراسات مستقلّة أنّ الكثير من منتجات الكائنات المعدلة وراثيّاً المستوردة في أسواق البلاد العربية غير مصرّح بها وغير مُعرَّفة. وتشمل الذرة والذرة الصفراء (تضمّ أحياناً صنف''ستارلنك'' غير المعتمد للاستهلاك البشري) والرزّ الطويل الحبّة (الذي تلوّث بصنف غير معتمد للاستهلاك التجاري) وبذور فول الصويا وزيته.
ان تفعيل مسائل التنوّع الأحيائي بحاجة إلى إرادة سياسية ودور للمجتمع المدني. وإذا لم يتحقق ذلك، فإن جهود السلامة الأحيائية في العالم العربي لن تكون مستدامة، وستظلّ منتجات التكنولوجيا الأحيائية تدخل العالم العربي غير مصرَّح بها وغير مُعرّفة. وستكون الآثار السلبية كبيرة على تطوير التكنولوجيا الأحيائية وعلى التنوع البيولوجي والصحة والتجارة التنافسية والمعايير الاجتماعية ـ الاقتصادية.
 
د. أسامة الطيب أستاذ في قسم الميكروبيولوجيا والمناعة ومدير مركز التكنولوجيا الحيوية الميكروبية في كلية الصيدلة بجامعة القاهرة. ساهم في وضع سياسات علمية وطنية، ومثّل مصر في مفاوضات بروتوكول قرطاجة للسلامة الأحيائية. له أكثر من 120 بحثاً علمياً منشوراً.
 
 
كادر
الأطعمة المعدلة وراثياً ''خطر جدي'' على الصحة
دعت الأكاديمية الأميركية للطب البيئي (AAEM) في حزيران (يونيو) 2009 الى تعليق إنتاج الأطعمة المعدلة وراثياً، معتبرة أنها ''تشكل خطراً جدياً على الصحة''. وجاء في بيانها أن ''هناك أكثر من مجرد ترابط عرضي بين الأطعمة المعدلة وراثياً وتأثيرات سلبية على الصحة''، وأن دراسات عديدة أجريت على حيوانات أظهرت أن هذه الأطعمة تشكل ''خطراً صحياً جدياً في مجالات السمّية والحساسية ووظيفة جهاز المناعة والصحة التناسلية والأيضية والفيزيولوجية والجينية''. ودعت الى القيام فوراً باختبارات على هذه الأطعمة تتعلق بالسلامة في المدى البعيد، ووضع ملصقات عليها تبين خصائصها. كما دعت الأطباء الى رصد دورها في إصابات مرضاهم وتوعية الجمهور بضرورة تجنبها.
والأطعمة المعدلة وراثياً الأكثر شيوعاً هي زيت الذرة والصويا والكانولا وبزر القطن، لكن بدأت الآن زراعة المزيد من المحاصيل المعدلة وراثياً، مثل الببايا والبندورة (الطماطم) والبطاطا والكوسا وغيرها. وأصبحت المسألة أكثر تعقيداً، لأن منتجات غذائية حيوانية مثل اللحوم والأسماك والأجبان والبيض يتم الحصول عليها من مواش ودواجن تُطعم ذرة وصويا معدلة وراثياً.
وفي قطاع الزراعة العضوية، حيث لا يسمح بالكائنات المعدلة وراثياً، تكمن المشكلة الرئيسية في التلوث العرضي بهذه الكائنات (الحد الأقصى المسموح هو 0,1 في المئة، بالمقارنة مع 0,9 في المئة للمنتجات الغذائية التقليدية).
 
كادر
حقائق عن البيوتكنولوجيا في المنطقة العربيـة
لم تصبح السلامة الأحيائية بعد قضيّة أساسيّة بالنسبة للشعب أو صُنّاع السياسة في الدول العربية، إلاّ من زاوية السلامة الغذائية.
- توكَل أمور السلامة الأحيائية أساساً إلى الوكالات البيئية، إنّما مع عدّة لاعبين آخرين يتدخّلون بدلاً من أن يتعاونوا.
- من المتوقّع أن تصبح الدول العربية مستورداً محتملاً، لا مُصَـدِّراً، لمعظم منتجات التكنولوجيا الأحيائية. ولا يُحتمل تغيّر هذا الوضع في المستقبل القريب، خصوصاً في مجال المنتجات الأساسية. بالرغم من الدعم المالي والتقني للدول العربية النامية، فإنها جميعها لا تزال مقصّرة في تفعيل الآليات الناظمة القانونية، كما إن مساهماتها ضعيفة في غرفة مقاصّـة السلامة الأحيائية التابعة لبروتوكول قرطاجنة.
- تصل بعض منتجات الكائنات المعدلة وراثيّاً إلى الدول العربية من دون تصريح أو تعريف، بسبب نقص التشريعات وآليات التنفيذ والهياكل الإدارية.
- توجيه الموارد نحو مجالات تطوير التكنولوجيا الأحيائية والاتصال بالجمهور سوف يعني أساساً أنّه لن يتمّ تطوير المهارات في ميدان مثل تقييم المخاطر، وهي ضرورية لتتمكن الدول المستوردة من اتخاذ القرارات الملائمة وفق إجراءات الموافقة عَن عِلْم مسبق بحسب البروتوكول. وفي غياب أي مساعدة خارجية، لن تتمكّن الدول العربية من إدارة المخاطر بفعالية من أجل المحافظة على التنوّع الأحيائي واستغلاله بشكل مستدام في مناطقها أو حماية مصالحها التجارية.
- ممّا يجب القيام به أيضاً: تدريب ممثّلي الوزارات المختلفة والجمارك في ميادين التعرف المختبري على الكائنات المعدّلة وراثياً، وإجراءات الموافقة عن علم مسبق، وإدارة المخاطر، وإعداد كتيّبات إرشادية للشركات الخاصة تبيّن واجباتها بموجب تشريع السلامة الأحيائية، وبناء القدرات العلمية لمراقبة التأثيرات البعيدة المدى على البيئة والصحة والتنوّع البيولوجي على أساس برنامج لإدارة المخاطر.
 
كادر
مسيرة  السلامة الأحيائية في مصر
حالة مصر هي مثال لبطء التقدم في مجال التكنولوجيا الأحيائية. فعلى رغم أسبقيّتهـا وحماستها، لم يتمّ إحراز أي تقدّم يُـذكر عملياً نحو التطوّرات المتوقّعة منطقيـاً. فمع أن الخبـرات التقنيّـة في التكنولوجيا الأحيائية أهَّـلت مختبرات في مصر منذ 1983 لتكون منتسبة إلى المركز الدولي للهنـدسة الوراثيـة والتكنولوجيا البيولوجيـة، فـإن نشر أبحـاث السلامـة الأحيائيـة ما زال نادراً حتى اليوم. وقد انطلق مجهود مصر لمعالجة السلامة الأحيائية في 1992 وفق أحكام التعاون بين معهد بحوث الهندسة الوراثية الزراعية (مصر) والبرنامج الأميركي لدعم التكنولوجيا البيولوجية الزراعية. وأرسَت وزارة الزراعة رسمياً نظاماً للسلامة الأحيائية بإصدار قرارين وزاريين عام 1995 بتأسيس لجنة للسلامة الأحيائية سُمِّيت في ما بعد ''اللجنة القومية للأمان الحيوي''، وبتبني أنظمة وقواعد إرشادية خاصة بالسلامة الأحيائية بإشراف الإدراة المركزية لتوثيق واختبار البذور التابعة للوزارة. وقد كان ذلك ''المظلة القانونية'' للقرارين، وليس قانون البيئة رقم4 لسنة 1994 مع أنه أقرب صلة بالموضوع، وذلك لأسباب متعلّقة بنشاط أطلقه وزير الزراعة (لإتاحة المجال للوزارة لإقامة بعض نشاطات البحث) ولم يكن بمشاورة الحكومة ككلّ. والواقع أنه لم تتمّ استشارة الوزارات الأخرى (كتلك المسؤولة عن البحث العلمي والتعليم العالي والبيئة والصحة والتجارة والمالية والعدل والخارجية وغيرها) ولم تبلّغ مُسبقاً بالقرارين.
وقد وصف القراران إجراءات استخدام ''جميع'' الكائنات المعدلة وراثيّـاً ومناولتها ونقلها واختبارها ـ لكنهما وُضعا من أجل الترخيص للبذور. فتطرقا الى أمور الممارسات في المختبرات والاختبارات الميدانية على نطاق ضيّق، بما في ذلك إجراء تقييم المخاطر وإصدار تراخيص. كما دعا القراران الى إنشاء لجان مؤسَّسيّة للسلامة الأحيائية في جميع المؤسّسات التى تجري أبحاث الحمض النووي المتمازج. لكن الواقع هو أنّه لم تُنشأ أي لجنة مؤسَّسيّة فعّالة للسلامة الأحيائية. كما إنّ اللجنة القومية للأمان الحيوي لا تجتمع بشكل دوري وإنّما عرَضاً (ليس أكثر من مرة أو مرّتين في السنة)، ويكون عليها النظر، خلال ساعات، في عشرات طلبات الاختبار الميداني للبذور المعدلة وراثيّـاً وكذلك أبحاث أخرى حول الكائنات المعدلة وراثيّـاً. وليس لدى اللجنة سكرتاريا ولا موارد مـالية حكومية أو نظام تقنيّ ـ إداري للتدقيق في معلومات مقدّم الطلب، وهي عادةً ملخَّص من صفحة واحدة. ولا يجري إصدار تراخيص رسميّة موقعّة، بل تُتّخذ القرارات وتُدوّن في محاضر اجتماعات اللجنة. ولا تتحقّق اللجنة القومية للأمان الحيوي اختبارياً مما يدّعيه مقدّم الطلب ولا تقوم بتقييم المخاطر. كما إن اللجنة لم تشكّل اللجان الفرعية (للصحة والزراعة والصناعة والبيئة) التي قرّرت إنشاءها لتدقيق الطلبات وتفحص ما تحيله إليها.
وبرز التناقض جليٌّا عندما أصدرت وزارة الصحة المرسوم 242 لسنة 1997 القاضي بمنع استيراد أيّ مادة غذائية مُنتجة باستخدام الكائنات المعدلة وراثيّـاً ''ما لم تكن السلامة مؤكّـدة''، واشـتراط أن تكون أيّ بذور مستوردة مرفقة بشهادة من بلد المنشأ تؤكّد أنّها لم تُنتج ''من محاصيل معدلة وراثيّـاً وغير مُختبَـرة''. كما إنّ هـذا المرسوم لم يحـدّد الاجراءات أو المسؤوليات أو تطبيق القانون أو العقوبات، ولم يُعالج مسـألـة المواد الغذائية أو البذور المنتجة محلياً.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.