Saturday 23 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
كاظم المقدادي البصرة في قبضة السرطان  
تشرين الأول (أكتوبر) 2009 / عدد 139
 شهدت المحافظات الجنوبية في العراق بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 ارتفاعاً لافتاً في معدلات الإصابة بأمراض السرطان. وأكدت دراسات وتقارير علمية صادرة عن مراكز أبحاث وأطباء ومنظمات محلية ودولية أن أعداد المصابين في زيادة مستمرة، وسط اغفال حكومي لتوسع رقعة الاصابة في مناطق مختلفة ولجملة التحذيرات التي أصدرها علماء وباحثون مختصون. ويثير انتشار الأمراض السرطانية وتصاعد وفياتها الرعب في نفوس المصابين، الذين لا يجدون الدواء في المستشفيات أو لا يجدون المستشفيات المتخصصة بعلاج هذا النوع من الأمراض في مناطقهم.
تدل المؤشرات على أن ازدياد إصابات السرطان في العراق، خصوصاً في المناطق الجنوبية، ناتج عن استخدام ذخائر اليورانيوم المستنفد، وأن هذا السلاح الذي استخدم لضرب آليات الجيش العراقي السابق القريبة من المدن الجنوبية ومراكز الأقضية عام 1991 تطور وضربت به مناطق مكتظة بالسكان في البصرة وبغداد وغيرهما من المدن عام 2003. وتشير تقارير دولية الى أن ما استخدمته الولايات المتحدة وحلفاؤها في حرب الخليج الثانية عام 1991 والحرب الأخيرة عام 2003 من قذائف تحتوي رؤوسها على اليورانيوم المستنفد، ما زالت باقية في المواقع المستهدفة، ومخلفاتها ذات فاعلية إشعاعية سمّية نشطة. وطبقاً لتلك التقارير، فان القوات الأميركية والبريطانية خلفت مـا بين 340 و800 طن من اليورانيوم المستنفد خلال الحرب الأولى عام 1991، ومـا بين 1100 و2200 طـن عـام 2003. وقـدر علماء أن كميـة الاشعاعات التـي نجمت عـن انفجـار تـلك الذخـائر تعـادل إشعاعات آلاف القنـابل الـذرية مـن النوع الـذي ضربت بـه مدينتـا هيروشيما ونـاغازاكي اليابانيتـان عـام 1945 (ديفيـد غوريتز، Natural News 20/5/2008).
شهدت محافظة البصرة خلالالعامين المنصرمين انعقاد عدة مؤتمرات علمية تمحورت حول واقع الأمراض والوفيات السرطانية والتشوهات الخلقية لدى الأطفال الحديثي الولادة. وذلك في ظل امتناع المؤسسات الصحية عن كشف أعداد المصابين بالسرطان بشكل دقيق (راديو ''سوا'' الأميركي، 23/8/2009). وبيّن الباحثون علاقة وثيقة بين تفاقم هذه الاصابات وذخائر اليورانيوم المستنفد، ما يثير قلق المواطنين الذين ما زال الآلاف منهم يسكنون بالقرب من ''مقابر'' الآليات والمعدات العسكرية المضروبة بتلك القذائف، من مخلفات حربي 1991 و2003 (البصرة، إذاعة ''العراق الحر''، 8/5/2009).
 
إشاعات وأقاويل؟
استكمالاً لتلك المؤتمرات، أقامت مديرية صحة محافظة البصرة، بالتعاون مع كلية الطب في جامعة البصرة والهيئة الطبية الدولية (International Medical Corps)، مؤتمراً دولياً حول الأورام السرطانية في أيار (مايو) 2009. وشارك عشرات الباحثين والأطباء المختصين، من الولايات المتحدة واليابان وكندا وبريطانيا وإيران والكويت والامارات والبحرين وقطر والعراق، ببحوث علمية رصينة طرح بعضها لأول مرة خلال المؤتمر (راديو ''سوا''، 6/5/2009). وتم تحليل الزيادة الملحوظة في الإصابات السرطانية، والكشف عن الجديد في تشخيصها وعلاجها، والتعامل الأمثل مع المصابين والوقاية والتشخيص المبكر.
شكلت نتائج المؤتمر لطمة جديدة للأصوات النشاز التي ترتفع بين آونة وأخرى مرددة كالببغاء مزاعم البنتاغون الأميركي النافية لتزايد الأمراض السرطانية والتشوهات الولادية وغيرها من الحالات المرضية الخبيثة، وعلاقتها باستخدام قذائف اليورانيوم. ففي عشية انعقاد المؤتمر، نفى المدير الجديد لمركز الأورام السرطانية في المنطقة الجنوبية الدكتور كريم عبد الساده وجود زيادة في معدلات الإصابة بالسرطان، معتبراً أن ''كل ما هناك أن امكانات تشخيص السرطان تطورت، والقدرة على تسجيل حالات الإصابة تحسنت بفارق كبير مقارنة بالسابق، وعلى أثر ذلك برز الكثير من حالات الإصابة بالسرطان وفُسرت على أنها زيادة، لكنها في الحقيقة ليست كذلك'' (راديو ''سوا'' الأميركي، 6/5/2009).
وكان أحد الأطباء في مركز الأورام السرطانية أشار عام 2008 إلى أنه ''لا توجد حتى الآن أي أدلة، أو دليل واحد فقط، على وجود إصابة سرطانية واحدة نتيجة اليورانيوم المستنفد. وحسب دراسات أعدها مختصون، فان الأسلحة المدمرة الموجودة حالياً يكون تأثيرها على مدى قريب جداً، وهذا يعني أن الأشخاص الذين يلامسون هذه المخلفات فقط هم المعرضون للاصابة''. وأضاف: ''منذ زمن النظام السابق هناك إشاعات وأقاويل كثيرة عن انتشار أمراض سرطانية سببها الأسلحة، ولكن حقيقة لم نجد شيئاً من هذا على أرض الواقع'' (وكالة ''شينخوا'' الصينية للأنباء، 13/7/2008).
وتراجعت وزيرة البيئة نرمين عثمان حسن عن تصريحاتها السابقة، معلنة أن معدل الإصابة بأمراض السرطان في العراق ''يعد طبيعياً بالنسبة لعدد الإصابات بهذا المرض في دول العالم''، مشددة على ''أن أهدافاً خفية تقف وراء إثارة وجود علاقة بين التلوث الاشعاعي الناجم عن استخدام هذه الأسلحة وزيادة أمراض السرطان'' (راديو ''الناس'' وصحيفة ''المواطن''، 19/1/2008، وصحيفة ''المدى''، 11/11/2008).
وقال مدير الصحة العامة في وزارة الصحة بعد يومين إن الخط البياني لحالات الإصابة بأمراض السرطان في البلاد يشير إلى زيادة ملحوظة (''أصوات العراق''، و''إيلاف''، 13/11/2008). ولاحقاً أعلن وزير الصحة الدكتور صالح الحسناوي عن وجود 8000 حالة سرطان في البصرة، نسبة الأطفال منها 8 في المئة (موقع ''نون''، 25/11/2008). وفي اليوم التالي نشر تقرير صحافي جاء فيه: تؤكد أرقام وزارة الصحة إصابة 12 ألف عراقي بالسرطان سنوياً بسبب الحروب. وجاء في تقرير ميداني مصوّر أن عدد المصابين بالسرطان في محافظة البصرة وحدها سجل نحو 10 آلاف مواطن، ويعتقد البعض أنه أكبر من ذلك بكثير، والمرض يتسارع في تفشيه في المناطق الجنوبية (البصرة، قناة ''الفيحاء'' الفضائية، 7/5/2009).
ومع المخاوف من استمرار هذا التزايد، ذكرت دراسة لمنظمة بريطانية أن أغلب المصابين بأمراض السرطان يعيشون حياة نفسية صعبة ويعانون حالات نفسية قد تشكل خطورة أكثر من مرض السرطان. وعلل جون فايند، مدير قسم الأورام الخبيثة في المنظمة، أن السبب في انتشار أمراض السرطان في العراق، وتحديداً في المناطق التي جرت فيها معارك، هو انتشار أشعة سامة (''المدى''، 26/11/2008).
 
منطقة موبوءة بالسرطان
في المؤتمر الدولي، أكد مدير عام صحة البصرة الدكتور رياض عبد الأمير اتفاق غالبية المشاركين على أن الملوثات الاشعاعية التي خلفتها الحروب السابقة تعد من أبرز أسباب ارتفاع معدلات الاصابة بالأمراض السرطانية. واعتبر نقيب أطباء البصرة الدكتور مؤيد جمعة أن الملوثات الإشعاعية من أبرز أسباب انتشار السرطان في جنوب العراق، موضحاً أن السبب الرئيسي يعزى إلى استخدام اليورانيوم المستنفد خلال الحروب السابقة، وأن التلوث الذي تعاني منه البيئة في محافظة البصرة هو أحد الأسباب (راديو ''سوا''، 6/5/2009).
وأظهرت دراسة أعدها الباحث المتخصص بالأورام السرطانية الدكتور جواد العلي، بالاشتراك مع الدكتور جنان بطرس توما والدكتور سالم السعد والبروفسور عمران سكر والباحث البيئي الفيزيائي خاجاك وارتانيان، حصول زيادة سرطانية كبيرة في البصرة، وأن المسح الميداني العشوائي الذي قاموا به بيّن ارتفاع المعدل الى 146 اصابة لكل 100 ألف نسمة، بعد أن كان نحو 74 اصابة لكل 100 ألف.
وأعلن مسؤول إدارة المستشفيات في العراق إيدي كامنتن، وهو مبعوث من الأمم المتحدة للإشراف على الواقع الصحي في البلد، أن ''السرطان في البصرة ينتشر في شكل كبير ومخيف، وتكمن خطورته في تعدد أسبابه التي لم يتم حصرها بالكامل''. وذكرت مسؤولة برامج التعليم الطبي في الهيئة الطبية الدولية  IMC تارا برقي أن ''التشوهات في جنوب العراق والسرطان يشكلان هوية المجتمع الصحية بسبب الحروب''، مضيفة أن ''دخولنا العراق تأخر 11 عاماً لغرض طرح البحوث التي جئنا في صددها واختبار صدقيتها في هذه المنطقة الموبوءة بالسرطان".
وقالت الدكتورة سارا الريفي من البحرين إن ''البحرين تحتل المركز الأول في العالم العربي بنسبة الإصابة بسرطان الثدي، حيث تبلغ 34 في المئة من مجموع السكان، ولكن في البصرة بمفردها تشكل نسبة الإصابة بسرطان الثدي 30 في المئة من سكان المحافظة، وهذه تعتبر نسبة خطيرة جداً إذا طرأت على محافظة''. وأضافت أن ''البحرين دونت كل الحالات في قاعدة بيانات، لكننا في البصرة فوجئنا بعدم وجود قاعدة بيانات للمصابين".
من جهته، قال معاون عميد كلية الطب في البصرة أحمد العباسي ''إن نسبة الباقين على قيد الحياة من المصابين في العراق قليلة جداً، إذ لا يوجد دواء ناجع، بل لا يوجد دواء كاف لجميع المرضى''. وأشار إلى أن ''موضوع العلاج يحتاج إلى مشروع دولي يتم من خلاله تبني المرضى العراقيين'' (البصرة ،''الحياة''، 11/5/2009).
خلاصة القول أن المؤتمر أكد صحة النتائج والمخاوف والتحذيرات التي أطلقت في العقدين الأخيرين بشأن اليورانيوم المستنفد وأضراره الصحية والبيئية. لكن الملاحظ أنه لم يحظ بتغطية من وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية، بل جوبه بتعتيم كامل، مع أن وزارة الصحة العراقية هي المبادرة بتنظيمه، من خلال مديرية صحة محافظة البصرة.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
جوان سيسلي (لندن) السيد غرين يبني لغير البشر
"البيئة والتنمية" مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.