التغير السريع الحاصل للاقتصاد الزراعي المعولم، ومخاوف مجموعات مختلفة من الجهات المعنية والتزامها تحقيق الأمن الغذائي وسلامة الغذاء وجودته والاستدامة البيئية للزراعة المستقبلية، أُمور شَجَّعت جهات رسمية ومنظمات دوليةعلى وضع مقاييس للإنتاج الزراعي والغذائي الآمن، خصوصاً بالنسبة للمحاصيل والخضر التي تستهلك طازجة. فعند استخدام الأسمدة والكيماويات الزراعية بمعدلات أعلى مما هو مطلوب، تصبح ملوثات للغذاء والعلف والبيئة. ولكن عند استعمالها بالشكل المناسب، فإنها تحسن نوعية الانتاج وكميته. وفي البلدان العربية، كما في كل المناطق الأخرى من العالم، بات سوء استعمال المبيدات والأسمدة أمراً شائعاً، وهذا موضوع يجب اعطاؤه أهمية فائقة
يواجه العالم العربي عوائق كثيرة، مثل محدودية الأراضي الزراعية (نحو 0,22 هكتار للفرد)، ونواقص حادة في المياه (هناك 16 بلداً تحت مستوى العجز المائي البالغ 500 متر مكعب للفرد من الموارد المائية المتجددة السنوية)، وضعف خصوبة التربة، وانخفاض الاستثمارات في تقنيات الري المقتصدة بالمياه، وتسعير غير ملائم للسلع الزراعية، وضعف نظم التسويق. وعموماً، ينسب نحو 55 في المئة من الزيادة في الانتاج الزراعي الى استعمال الأسمدة. والفجوة الغذائية القائمة في جميع البلدان العربية ـ ربما باستثناء سورية ـ توجب توسعاً عمودياً في الانتاج الزراعي المتزايد.
ارتفع استهلاك الأسمدة الكيميائية (NPK )في منطقة الشرق الأوسط من 1,5 مليون طن عام 1970 الى أكثر من 6 ملايين طن عام 2002. وهي في معظمها نيتروجينية، وتستعمل الأسمدة الفوسفاتية بمعدل أقل، أما الأسمدة البوتاسية فتستعمل بكميات قليلة جداً. وبلغ معدل استخدام الأسمدة في المنطقة عام 2002 نحو 108 كيلوغرامات للهكتار، وهو أدنى من المعدل العالمي الذي بلغ 218 كيلوغراماً للهكتار. وتظهر بيانات منظمة الأغذية والزراعة (فاو) واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) أن دولة الامارات العربية المتحدة ومصر تستعملان أعلى المعدلات (أكثر من 900 كيلوغرام من الأسمدة للهكتار)، تليهما عُمان (644 كيلوغراماً للهكتار) ولبنان (414 كيلوغراماً للهكتار). لكن بلداناً أخرى مثل السودان واليمن وموريتانيا تستعمل معدلات منخفضة جداً من الأسمدة (8 ـ 20 كيلوغراماً للهكتار). وهناك مشكلة أخرى في استعمال الأسمدة في الدول العربية، ألا وهي التوزيع غير المتوازن للمغذيات النباتية.
هنا أمثلة على تأثير الأسمدة في جودة الإنتاج:
- إضافة النيتروجين بكمية ملائمة تزيد جودة البروتين وكميته كما تعزز بعض الفيتامينات.
- إضافة النيتروجين بمعدلات مفرطة تزيد محتوى الأميد، ما يسبب نكهة كريهة بعد الطبخ، أو يؤدي إلى ارتفاع تركيز النيترات الى مستويات غير مقبولة، خصوصاً في الخضار التي تزرع داخل البيوت المحمية.
- نقص النيتروجين يسبب نضجاً مبكراً، فيما ارتفاعه يؤخر النضج.
- ارتفاع كميات النيتروجين والبوتاسيوم يخفض محتوى المادة الجافة والكربوهيدرات ويؤثر على جودة النشاء في البطاطا. أما انخفاض البوتاسيوم فيؤثر سلباً على لون البطاطا المقلية، ويُحدث بقعاً سوداء في البطاطا الطازجة.
- تؤدي إضافة كميات مناسبة من الكالسيوم الى ارتفاع جودة الفواكه والخضر على اختلاف أنواعها. ويسبب نقص الكالسيوم انخفاض جودة ثمار الموز، فتنقشر الثمرة وتنفلق عند النضج.
- يزيد الكبريت محتوى البروتين في الحبوب ومحتوى الزيت في محاصيل البزور الزيتية.
وهناك نقص كبير في المعلومات المتوافرة عن استهلاك المبيدات في المنطقة العربية، سواء مبيدات الأعشاب أو الحشرات أو الفطريات، علماً أن أقل من نصف الدول الأعضاء في "الإسكوا" قدمت بيانات عن كميات المبيدات الزراعية المستخدمة عام 2000، ولم تقدّم إلا دولتان هذه البيانات للعام 2001.
وتظهر البيانات الواردة في الشكل 2 أن معدلات استعمال المبيدات للهكتار في لبنان والكويت وقطر تتراوح من ضعفَين إلى ثلاثة أضعاف المعدلات المستعملة في مصر والأردن وعُمان. ويجب على المزارعين استعمال هذه الكيماويات عند الحاجة فقط وباعتدال، تجنباً لارسال منتجات منخفضة الجودة الى السوق، خصوصاً الفواكه والخضر التي تستهلك طازجة.
سلامة الغذاء من الأسمدة والمبيدات
ان سلامة الغذاء قضية أساسية للصحة العامة في العالم العربي. وقد أجرت غالبية بلدان المنطقة تعديلات موسعة لمواصفاتها وأنظمتها المتعلقة بسلامة الغذاء وحدَّثت تشريعاتها الوطنية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية. لكن هذه التشريعات في كثير من بلدان الشرق الأوسط ليست مرنة ولا قادرة على موكبة التغييرات الدولية والاحتياجات الوطنية.
في هذا السياق، حدّدت ''فاو'' الممارسات الزراعية الجيدة وعرّفتها بأنها ''تطبيق المعلومات المتوافرة للتعامل مع الاستدامة البيئية والاقتصادية والاجتماعية للانتاج الزراعي وعمليات التصنيع، التي تؤدي الى منتجات زراعية غذائية وغير غذائية مأمونة وصحية".
من مرحلة زراعة المحصول حتى مرحلة استهلاكه، هناك فرص كثيرة للتلوث بكائنات دقيقة ضارة ومبيدات ومواد سامة أخرى. في المزرعة، قد تنتشر هذه الملوثات بواسطة التربة والروث والماء والمعدات والعمال. وقد يُحصد المحصول في المزرعة، ويصنَّع في أحد المعامل، ويعاد توضيبه في معمل آخر، ومن ثم يُخزن أو يُعرض أو يُسوّق تجارياً أو يُستخدم في المنزل. وفي كل خطوة من هذه الخطوات يمكن أن يتعرض الغذاء إلى التلوث.
عام 1963، أنشأت منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية لجنة ''كودكس أليمنتاريوس'' لوضع مقاييس وخطوط توجيهية وتوصيات دولية للغذاء، من أجل حماية صحة المستهلكين وضمان الممارسات الصحيحة في تجارة الغذاء. هذه المجموعة من المقاييس الغذائية، التي عنوانهCodex Alimentarius أي المدونة القانونية الغذائية، أصبحت المرجع العالمي للمستهلكين ومنتجي الغذاء ومصنعيه والسلطات الغذائية الوطنية والمشاركين في التجارة الغذائية العالمية.
إن معظم بلدان منطقة الشرق الأوسط هي أعضاء في لجنة كودكس أليمنتاريوس. لكن مساهمتها في عمل اللجنة محـدود وغير فعال كما ينبغي لحماية مصالحها. وقد كلفت لجنة كودكس أليمنتاريوس لنظافـة الغذاء عام 1991 مجموعة عمل قامت بتطوير خطوط توجيهية لتطبيق''نقطة تحليل المخاطر والمراقبة الحرجة'' Harzard Analysis and Critical Control-HACCP وهي نظام لمراقبة التصنيع تم تصميمه لتحديد ومنع المخاطر الجرثومية والمخاطر الأخرى في انتاج الغذاء.
وعلى رغم أن نظام الممارسات الادارية الفضلى ونظم ضمان الجودة مثل HACCP تم ادخالها في جميع أنحاء المنطقة، فهي لم تُدمج بالكامل في نظم التفتيش المحلية التي ما زالت تركز أساساً على مراقبة المنتج النهائي. وفي عدد من البلدان، تقوم صناعات متعددة بالتطبيق الطوعي لتوصيات نقطة تحليل المخاطر والمراقبة الحرجة، من أجل تحسين السلامة الغذائية محلياً وزيادة إمكانية التصدير الى الأسواق الخارجية.
ولعل حماية المحاصيل من الأمراض والإصابات هي العامل الأكثر تحديداً للإنتاج. فتعدد الآفات التي قد تفتك بالمحاصيل خلال مراحل نموها المختلفة من البذرة الى الثمرة توجب استخدام وسائل متنوعة لمكافحة الآفات. وقد اعتمد المزارعون بشكل رئيسي على استعمال المبيدات لمكافحة الآفات الزراعية. وشكَّـل تطوير العديد من المبيدات العضوية الاصطناعية في أواسط الاربعينات نقطة تحول في المكافحة. وقبل هذه المرحلة كانت الكميات المتوفرة من هذه المبيدات محدودة ومرتفعة الكلفة. ولكن بعدها تم انتاج المبيدات الاصطناعية بكميات كبيرة وتوفيرها بسهولة وبكلفة معقولة للمزارعين. وفي البداية، لم تتم دراسة المخاطر الصحية للمبيدات بشكل كافٍ قبل استعمالها المكثف. كما أن آفات المحاصيل، وخصوصاً الحشرات، بدأت تظهر مقاومة لهذه الكيماويات، مما دفع المزارعين الى استعمال كميات أكبر في سعياً الى رفع كفاءة عمليات المكافحة.
وحدثت نقطة تحول ثانية عام 1962 مع صدور كتاب ''الربيع الصامت'' Silent Spring لمؤلّفته راشيل كارسون. وقد نبّه هذا الكتاب المجتمع العلمي والرأي العام إلى المخاطر الصحية للمبيدات عند استعمالها بلا تمييز، وتبنته جماعات بيئية متعددة، بدأت حملة توعية جماهيرية حول مخاطر المبيدات. ونتيجة لذلك، تعيَّن على المجتمع العلمي أن يقيّم الوضع، وقام بدراسات متنوعة حول أضرار المبيدات الشائعة الاستعمال، وأدرك مخاطرها على صحة الانسان والحيوان وعلى البيئة. وأسفر ذلك عن حظر استعمال مبيدات عديدة في كثير من البلدان، بدءاً بالمبيد ''د د ت'' عام 1973. وفي النهاية تم حظر استعمال جميع المبيدات الهيدروكربونية المكلورة المديدة الأثر عام 2004 بموجب اتفاقية استوكهولم بشأن الملوثات العضوية المديدة الأثر.
تم وضع مقاييس لمتبقيات المبيدات، خصوصاً حدها الأقصى الذي يحدد الكميات المسموح بتواجدها في أغذية معينة. ويتقرر الحد الأقصى للمتبقيات بناء على عدد من العوامل، منها: كمية الطعام التي تستهلك في وجبة عادية، ومدى سمية المبيد، ومدى سهولة امتصاص الغذاء للمبيد والاحتفاظ به.
ولا تقتصر مشكلة المبيدات في البلدان العربية على الاستعمال غير المنظم، وانما هي أيضاً مشكلة سوء تداول المبيدات وسوء استخدامها على جميع المستويات.
الزراعة العضوية
بدأ انتاج واستعمال الأسمدة الاصطناعية غير العضوية منذ أكثر من 160 سنة، ابتداء باستعمال فوسفات الكالسيوم عام 1843. وبحلول 1901، بدأت بريطانيا استعمال كميات صغيرة من سماد النيتروجين المصنَّع. وخلال السنوات المئة الأخيرة، حقق استعمال الأسمدة الكيميائية دوراً كبيراً في قدرة العالم على زيادة الإنتاج الزراعي بشكل يتناسب مع زيادة عدد السكان. والبلدان العربية هي من الدول الرئيسية المنتجة والمصدرة للأسمدة الكيميائية في العالم.
وأدى انتشار مفهوم ما يدعى زراعة ''طبيعية'' أو ''عضوية'' وازدياد الوعي البيئي في العالم العربي الى شيوع أفكار غير صحيحة حول تأثير الأسمدة الكيميائية على نوعية وسلامة المنتجات الزراعية والبيئة. وفي حالات كثيرة، أدت هذه المعلومات الخاطئة الى سوء فهم عامة الناس لفوائد استعمال هذه الأسمدة ودورها في تحسين الإنتاج كمّاً ونوعاً. ومن أهم هذه المفاهيم الخاطئة:
- أن الأسمدة غير العضوية تلوث الانتاج الزراعي وتؤثر سلباً على صحة الانسان والحيوان. ومثال على ذلك ارتفاع تركيز النتيرات في الخضر.
- أن استعمال الأسمدة غير العضوية يخفض جودة المنتج الزراعي.
- أن استعمال الأسمدة غير العضوية المصنعة يؤدي الى تقسية التربة وتراجع خصوبتها.
- أن استعمال الأسمدة غير العضوية المصنعة يمكن أن يؤثر سلباً على البيئة، اذ يتسبب في انبعاث غازات الدفيئة وتلوث المياه وارتفاع نسبة المغذيات في البحيرات والأنهار والبحار.
هذه الأضرار قد تحصل عند إضافة كميات زائدة من الأسمدة الكيميائية. ولتجنب التأثيرات السلبية المزعومة، أوصى البعض باتباع ''زراعة عضوية فقط'' أو استراتيجية ''غذاء أخضر''، يُفترض ان تعطي منتجات زراعية تحوي قليلاً من التلوث وتؤمن سلامة أكبر. والحقيقة أن هذه المنطقة ينبغي أن تستعمل كل ما يتوفر من مواد عضوية، كالروث ومخلفات المحاصيل، ولكن يجب أيضاً أن تكملها بكميات متوازنة من الأسمدة غير العضوية للحصول على إنتاج مرتفع وعالي الجودة، وفي الوقت نفسه تأمين الحماية للبيئة.
وقد أثبتت نتائج أبحاث علمية كثيرة أن الأسمدة المصنعة لا تضر بصحة الانسان والحيوان إذا أضيفت بكميات معتدلة ومتوازنة. وفي حالات كثيرة، قد تكون أكثر فائدة من المصادر العضوية. والتأثيرات السلبية التي يمكن أن تنتج عن استخدام الأسمدة غير العضوية هي في معظم الحالات ناتجة عن الاستخدام غير الصحيح. وهذه النتيجة عينها تتكرر في حال إساءة استعمال الروث العضوي. لذلك، ولضمان تنمية مستدامة للانتاج الزراعي واستيفاء شروط المنتجات الزراعية المأمونة في الشرق الأوسط، هناك حاجة ماسة الى مزيد من المناقشة لفهم هذه المسألة.
تحديات تواجه البلدان العربية
على رغم الجهود المبذولة لتحديث قوانين سلامة الغذاء، هناك محدودية في المعلومات المتوفرة لتقييم سلامة الغذاء تقييماً سليماً في العالم العربي. وقد حصل مؤخراً تحسين لأنظمة استخدام المبيدات في البلدان العربية، لكنها ما زالت دون الحد المرضي. ووضعت أنظمة لتسجيل المبيدات واستيرادها، وتم حظر استعمال عدد كبير منها. لكن بيع المبيدات وتداولها غير منظَّمين، ولا توجد رقابة على طريقة استخدامها ومعدلات إضافتها. وفي العديد من البلدان العربية، لا تتوافر مختبرات موثوقة لتحليل متبقيات المبيدات. وكثيراً ما يُمنع دخول شحنات من الخضر والفواكه الطازجة الى بلدان مستوردة لأن متبقيات المبيدات والكيماويات الأخرى تفوق الحدود القصوى. ولا بدّ من أن تنشئ جميع البلدان العربية مختبرات خاصة من هذا النوع.
إن العوائق الرئيسية التي تواجهها الدول العربية في ما يتعلق بالتجارة داخل الاقليم تشتمل على ضعف مرافق النقل والاتصالات الدولية، ونقص المعلومات المتعلقة بالأسواق والفرص الاستثمارية. الى ذلك، فإن وجود عقبات ادارية وإجرائية تعوق التجارة، وغياب أو قصور النظم الموحدة لمعايير التوضيب والتصنيف ومراقبة الجودة على المستوى الاقليمي، تستمر في احباط الجهود المبذولة لتوسيع التجارة ووضع نظم معلوماتية شفافة. وإن تحسين وتنسيق نظم التفتيش واصدار الشهادات هما من المتطلبات المفقودة لترويج التجارة داخل الاقليم وخارجه. كما يشكل قصور تمويل الصادرات والمستوردات الاقليمية وضمانها عاملاً محدداً في بعض بلدان الشرق الأوسط.
وفي معظم الدول العربية، تتقاسم وكالات عدَّة مسؤولية رقابة سلامة الغذاء وتطبيق أنظـمتها. ففي لبنان، على سبيل المثال، تتشارك ست وكالات حكومية مسؤولية سلامة الغذاء. ولكن ليس هناك قانون شامل لسلامة الغذاء في لبنان، كما أن القوانين الحالية لا تنفذ بشكل تام. وقد دفع الاستعمال المكثف للمبيدات الاتحاد الأوروبي الى حظر بعض الصادرات من بعض البلدان العربية.
من هذا المنطلق، يجب على البلدان العربية إصدار قوانين وأنظمة حديثة والالتزام بالحوكمة البيئية. إن ايجاد أجهزة تنظيمية لمواجهة التحديات الجديدة، مع الاطلاع على المستجدات بشكل دائم، هو المهمة الرئيسية التي يتعين على البلدان العربية أن تبدأها من دون أي تأخير. ولئن يكن أداء بعض البلدان أفضل من اداء بلدان أخرى، فهي كلها تواجه قضايا يجب التصدي لها على المستوى الاقليمي وليس فقط الوطني. ولدى بلدان كثيرة المقدرة على الاداء بشكل أفضل إذا ما عملت على تحسين الالتزام بالاستدامة البيئية وسلامة الغذاء.
وعلى الحكومات العربية أن تطور برامج إرشادية وتدريبية لتعليم المزارعين الطرق الصحيحة لاستعمال الكيماويات الزراعية وتداولها، وإقرار قوانين حديثة تتعلق باستخدام الأسمدة والمبيدات.
واضافة الى ذلك، يجب على الحكومات العربية أن تنظر في ادخال اصلاحات مؤسساتية وإدارية وأن تدعم انشاء مختبرات متطورة لضمان سلامة الغذاء الذي يتم انتاجه واستهلاكه وتصديره من المنطقة.
المضادات الحيوية علف للمواشي والدواجن
والبكتيريا المقاومة للادوية تنتقل الى البشر
مزارع الأنتيبيوتيك
يقوم باحثون في جامعة جونز هوبكينز وحول العالم بجمع الأدلة على أن مزارع الدجاج والأبقار والخنازير تربي أكثر من دواجن ومواش ـ انها تربي بكتيريا مقاومة للأدوية. فالعقاقير المقاومة للميكروبات، بما في ذلك المضادات الحيوية (أنتيبيوتيك) مثل البنيسيلين والسيبروفلوكساسين والمثيسيلين، تقتل البكتيريا المسببة للأمراض. لكنها في الوقت ذاته تحفز المقاومة لدى البكتيريا، خصوصاً عندما تُعطى بجرعات منخفضة دون المستويات العلاجية. ويقدر العلماء أن 50 الى 80 في المئة من جميع مضادات الميكروبات في الولايات المتحدة لا يستعملها الأطباء لمعالجة أشخاص أو حيوانات مرضى، بل تضاف الى علف حيوانات المزارع.
باحثو الصحة العامة على قناعة بأن هذا الاستعمال غير العلاجي للمضادات الحيوية يبني خزانات جينية خطرة للمقاومة. وإذا كانوا على صواب، فان الزراعة الصناعية تعزز وتنشر البكتيريا المقاومة للعقاقير والتي تضعف قدرة الأدوية على وقاية الجمهور من الأمراض.
وتقدر وزارة الزراعة الأميركية أن المواشي والدواجن تنتج 335 مليون طن من الروث سنوياً، وهذه إحدى وسائل خروج الميكروبات المقاومة من الحيوانات ودخولها الى البيئة. وتزيد هذه الكمية 40 مرة على كمية الفضلات البرازية التي ينتجها البشر سنوياً. وتستعمل المزارع هذا الروث لتسميد المزروعات، وتجمعه تحت سقائف أو في برك. لكن هذه الاجراءات الاحتوائية لا تمنع الميكروبات المُعدية من الوصول الى الهواء والتربة والمياه. فهي قد تنتقل الى خارج المزارع عن طريق الحيوانات ذاتها، أو بواسطة الذباب والشاحنات والعمال الزراعيين، أو من خلال فرش الروث على حقول أخرى. وفي البيئة الخارجية، تشكل نوعاً من بنك جينات يتيح نشر المقاومة للعقاقير.
قال كيلوغ شواب، مدير مركز جونز هوبكينز للمياه والصحة، عن بركة روث في مزرعة خنازير أخذ عينات منها: ''وجدنا 10 ملايين بكتيريا قولونية (إي. كولي) في كل ليتر. عشرة ملايين! وهناك مئة مليون ليتر في بعض هذه البرك. لذلك يمكن أن تكون هناك تريليونات من البكتيريا، منها 89 في المئة مقاومة للأدوية. هذه كمية ضخمة يمكن أن تلوث البيئة في حال سقوط المطر''. واعتبر أن المزارع الصناعية هي حاضنات للكائنات الممرضة، لافتاً الى انك ''لن تدرك الخطر حتى تصاب بمرض معد تعجز عن مقاومته، لأن آخر آلية لمكافحته دمرها مزارع أدخلها في بقرة أو دجاجة".
في دراسة من 2002 الى 2004، أخذ شواب عينات من المياه السطحية والجوفية قبل مزرعة للخنازير وبعدها. ووجد أن المياه الجارية بعد حظائر الخنازير احتوت على مكورات معدية بزيادة 17 ضعفاً، وإي. كولي بزيادة 11 ضعفاً، وبكتيريا قولونية برازية بزيادة 33 ضعفاً، عما في المياه الجارية قبل المزرعة. وكانت الميكروبات في المياه المنحدرة من المزرعة أكثر مقاومة للمضادات الحيوية.
مستعمرات بكتيرية
خلال عقود، استخدمت آلاف الأطنان من عقاقير التيتراسيكلين والبنيسيلين ومضادات حيوية أخرى علفاً للحيوانات في مزارع أميركية وأوروبية. وفي بعض الحالات، تم استعمال هذه الأدوية لمعالجة الحيوانات المريضة بكميات قتلت البكتيريا. لكن معظمها أعطي مع علف الأبقار والخنازير والدجاج والديوك الرومية، بجرعات دون علاجية تجعل البكتيريا أقوى.
عندما كانت إيلين سيلبرغلد لا تزال طالبة في كلية الصحة البيئية بجامعة ماريلاند في السبعينات، قررت أن يكون مشروعها الأول دراسة ما اذا كان عمال مزارع الدواجن وسكان الجوار معرضين لنقل سلالات البكتيريا المقاومة للأدوية الموجودة في الدجاج. وهي أكملت أبحاثها بعد أن أصبحت أستاذة وباحثة في جامعة جونز هوبكينز عام 2001. وأدرجت في دراستها ثلاث فئات: العمال الذين يمسكون بالدجاج في الحظائر لتحميله في الشاحنات التي تنقله الى مرافق الذبح، والعمال الذين يتولون تعليق الطيور الحية على السلك المتحرك في المرفق، وسكان الجوار. فوجدت أن 41 في المئة من عمال إمساك الدجاج كانوا يحوون في أجسامهم مستعمرات بكتيريا Campylobacter jejuni التي تعيش في الدواجن من دون أن تؤذيها، لكنها ممرضة للناس حيث تعتبر ثاني سبب رئيسي لأمراض المعدة والأمعاء في الولايات المتحدة. أما العمال في مرافق تصنيع الدواجن فوجدت هذه المستعمرات لدى 63 في المئة منهم. وشملت الدراسة تسعة أشخاص يعيشون قرب هذه الصناعة لكنهم لا يعملون فيها، فوجدت مستعمرات البكتيريا لديهم جميعاً.
الأنظمة الأميركية لا تطلب من المصنعين إفشاء المحتويات الصحيحة للعلف الذي يقدمونه الى أصحاب المزارع. ويقول فرانك موريسون وزوجته كارول، اللذان كانا يملكان مزرعة دجاج قرب مدينة بوكوموك في ولاية ماريلاند منذ العام 1987، إنهما لم يعرفا مطلقاً مقدار محتوى المعادن الثقيلة مثل السلينيوم والنحاس والزرنيخ، أو محتوى الأدوية مثل التيتراسيكلين والبنيسيلين، التي كانت تدخل الى أجسام الطيور أو تخرج منها في مزرعتهما. لكنهما باتا يلاحظان أن جيران المزرعة كثيراً ما يشكون من أن صحتهم ليست على ما يرام.
تقول كارول: ''يروي المزارعون كثيراً من النكات الساخرة. يقول لك أحدهم: لا أشعر اني بخير هذا الأسبوع، لقد لقحوني مع الدجاجات''. والأعراض تشبه أعراض الزكام: وجع في الجسم، واضطراب في المعدة، ومشاكل في الشعب الهوائية. وقد أصيب الزوجان بالأعراض ذاتها. وتتذكر كارول أنها عام 1995 أصبحت لا تحتمل المضادات الحيوية، التي بدأت تسبب لها طفحاً جلدياً واضطرابات في المعدة وتُفاقم نوبات الربو التي تعاني منها. وتقول: ''ما زلت أعاني من مشاكل حتى اليوم''. وقد تخلى الزوجان عن مصلحة الدواجن عام 2008.
وتجري إيلين سيلبرغلد حالياً أبحاثاً على الجرثـوم Staphylococcus aureus MRSA المقاوم للعقار مثيسيلين، والذي يقتل حالياً أكثر من 20,000 شخص كل سنة، أي أكثر من الذين يموتون بمرض الايدز. وقد وجدت دراسة أخرى في هولندا عام 2006 أن نسبة هذه الجراثيم التي تكوّن مستعمرات في أجسام مزارعي الخنازير تزيد 760 ضعفاً عما هي لدى عامة الناس.
كاسيتات المقاومة
الباحثون في البيولوجيا الجزيئية يفهمون حالياً أنه ضمن مجتمع جرثومي يمكن لجرثوم واحد أن يكتسب مادة جينية من جرثوم آخر، حتى لو كان من نوع مختلف كثيراً، ومن ثم يدمجه في الجينوم الخاص به، وبذلك يكتسب مقاومة لمضاد حيوي لم يواجهه من قبل. وهذا كما لو أن البكتيريا قادرة علىتنزيل قدرة المقاومة من قاعدة معلومات جينية.
بالاضافة الى ذلك، تحمل الجراثيم جينات في ما يسميه العلماء ''كاسيتات المقاومة''، التي تشبه ''عدّة'' تحوي تنوعاً من الجينات لمكافحة عقاقير مختلفة. لذلك، فان جرثوماً مقاوماً للعقار تيتراسيكلين قد تكون لديه كاسيت مقاومة لا تحوي فقط جينة مكافحة ذلك العقار، وإنما جينات مقاومة لعقاقير أخرى أيضاً.
فما هي النتيجة؟ إن شخصاً قد يتعرض لمستعمرات من جرثوم مقاوم للتيتراسيكلين لا يسبب له أي أذى، لكنه يكمن في جسمه محتوياً في كاسيته على مقاومة للمثيسيلين. واذا التقط هذا الشخص القليل الحظ لاحقاً عدوى مكورات عنقودية بسيطة، وواجهت تلك المكورات الجرثوم الأول وضخّت في كاسيت مقاومته، فان عدوى المكورات العنقودية الروتينية التي تعرض لها تصبح الآن مرض MRSA فيواجه مشكلة حقيقية. وما يقلق سيلبرغلد أن المزارع الصناعية تبني ''خزانات'' لهذه الكاسيتات المقاومة، في الحيوانات وفي الطبيعة وفي البشر.
المدافعون عن الزراعة الصناعية يستشهدون بدراسات لم تجد دليلاً يربط MRSA لدى الخنازير بالمرض لدى البشر، ويقولون ان الخنازير التي تربى من دون مضادات حيوية تتعرض أكثر للاصابة بالسالمونيلا وأمراض طفيلية خطرة أخرى، وان 96 في المئة من مقاومة المضادات الحيوية يجب أن تنسب الى الاستخدام البشري للعقاقير، لا الى الاستخدام الزراعي. وأعلن مجلس مزارعي الخنازير في الولايات المتحدة: ''ان جمعية الطب البيطري أفادت أن الناس وحيواناتهم المدللة يستهلكون مضادات حيوية تزيد 10 أضعاف عما يستهلكه إنتاج المواشي، على أساس الوزن. ففي كل مرحاض ومطبخ في أميركا صابونة مضادة للبكتيريا".
هذه التبريرات تغضب سيلبرغلد التي تقول: ''هناك مواد تضاف الى العلف. وهذا يشبه استعمال المضادات الحيوية كصبغة شعر. من المسموح إضافة أي مضاد حيوي تقريباً الى علف الحيوانات، لأغراض لا علاقة لها بالعلاج، وفي ظروف تجيز بشكل مطلق ارتفاع المقاومة. ليست لدينا ضوابط ولا ادارة للمخلفات. ونظام سلامة الغذاء لدينا مهترئ. هذا الوضع معروف لدى منظمة الصحة العالمية والجمعية الطبية الاميركية وغيرهما، ولا أحد يفعل شيئاً. انه أمر مذهل!''
وتؤيد سيلبرغلد وشواب استعمال العقاقير لمعالجة الحيوانات المريضـة، لكنهما يناديان بمنع استخدام المضادات الحيوية في أعلاف الحيوانات. تقول سيلبرغلد: ''أحياناً أظن أننا نوع مغفّل، لا يستحق أن يعيش على هذا الكوكب".
كادر
تقنية حديثة لقتل البكتيريا المقاومة
تنتقل مقاومة المضادات الحيوية في البكتيريا عبر نقل جدائل الحمض النووي DNA المحتوية على الجينات المقاومة الى الخلايا البكتيرية المجاورة. وثمة انزيم يدعى ريلاكسيز (relaxase) ضروري لهذه العملية. وقد أظهرت أبحاث يجريها فريق علمي في جامعة نورث كارولينا أن مركبات بيسفوسفونات، التي تعالج خسارة العظام، يمكن أن تحبط عمل الريلاكسيز، وتمنع نقل الجينات المقاومة للمضادات الحيوية، وتقتل انتقائياً الخلايا البكتيرية المقاومة.