اتفقت بلدان العالم الشهر الماضي على «العمل» لصياغة اتفاقية جديدة تجبر جميع الملوثين الكبار على الحد من انبعاثات غازات الدفيئة، التي تسبب الاحتباس الحراري وتغير المناخ. لكن النقاد اعتبروا الخطة أضعف من أن تبطئ الاحترار العالمي.
اختتمت قمة المناخ السابعة عشرة، التي عقدت في دوربان في جنوب أفريقيا، بالاتفاق على رزمة مواثيق مددت بروتوكول كيوتو الذي أبرم عام 1997 والذي تنتهي مرحلته الأولى في نهاية 2012. وأُمهلت الدول خمس سنوات أخرى لإنجاز معاهدة أوسع عجز المفاوضون حتى الآن عن التوصل إليها.
وما لبثت كندا أن انسحبت من كيوتو، بعد أقل من أسبوع على اختتام قمة دوربان. ويبدو الاتحاد الأوروبي وحيداً في هذه الاتفاقية. فكبار الملوثين خارجها: الولايات المتحدة التي انسحبت منها وهي جنين، والصين والهند والاقتصادات الناشئة، التي لا تنطبق عليها بنود الاتفاقية، لأنها تعتبر دولاً نامية.
واتفق مندوبو البلدان المشاركة في المؤتمر على تصميم لصندوق يساعد البلدان الفقيرة في التصدي لتغير المناخ، ولكن لم يحصل أي اتفاق أو تصور عملي لكيفية تمويله.
واعتبرت البلدان الجُزُرية الصغيرة والبلدان النامية المعرضة للغرق نتيجة ارتفاع مستويات البحار والكوارث المناخية أن الاتفاق خلا من الطموح اللازم لضمان بقائها في الوجود. وكانت دراسة أصدرها برنامج الأمم المتحدة للبيئة قبيل مؤتمر دوربان أكدت أن من المجدي تكنولوجياً واقتصادياً تخفيض الانبعاثات بحلول سنة 2020 إلى مستوى يبقي ارتفاع معدل درجات الحرارة العالمية دون درجتين مئويتين، خصوصاً من خلال استخدامات الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة. كما حذرت تقارير أصدرتها الأمم المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي من أن تأخير التوصل إلى اتفاقية عالمية لخفض انبعاثات غازات الدفيئة سيجعل من الأصعب إبقاء ارتفاع معدل درجات الحرارة العالمية ضمن درجتين مئويتين خلال هذا القرن.
فجوة الطموح
أقر المؤتمر اعتبار استثمارات القطاع الخاص وآليات السوق خيارات مقبولة لتمويل برنامج تخفيض الانبعاثات الناتجة من زوال الغابات وتدهورها (REDD)، ما يمهد الطريق لبلايين الدولارات من الاستثمارات الخاصة.
لكن مؤتمر دوربان أخفق في نفخ حياة جديدة في آلية التنفيذ المشتركة لبروتوكول كيوتو، إذ تفادى المفاوضون مرة أخرى اتخاذ قرار بالسماح لمشاريع تخفيض الانبعاثات أن تنال اعتمادات كربونية وفق خطة ما بعد 2012.
وأنهت محادثات دوربان ست سنوات من النقاش حول تأهيل تكنولوجيا جمع الكربون واحتجازه لنيل اعتمادات كربونية، بموجب آلية التنمية النظيفة. وتكافئ خطة كيوتو الحكومات والشركات التي تستثمر في مشاريع الطاقة النظيفة في البلدان النامية باعتمادات كربونية يمكنها مقايضتها أو بيعها. وتفرض الأنظمة الجديدة على المطورين وضع خمسة في المئة من الاعتمادات الكربونية المكتسبة في حساب احتياطي، على أن تمنح لهم فقط بعد أن يثبت مراقبو الموقع أن ثاني أوكسيد الكربون لم يتسرب من الخزان الجوفي بعد 20 سنة من انتهاء فترة منح الاعتمادات.
اتفق المندوبون على أن عملية تطوير أداة قانونية جديدة «سترفع مستويات الطموح» في تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة. وبناء على طلب الاتحاد الأوروبي وتحالف الدول الجزرية الصغيرة، أقروا إطلاق خطة عمل لتحديد خيارات إقفال «فجوة الطموح» بين تعهدات البلدان الحالية بخفض الانبعاثات بحلول سنة 2020 وهدف إبقاء معدل الاحترار العالمي دون درجتين مئويتين. لكن مفاوضات دوربان لم تستطع توسيع تعهدات خفض الانبعاثات التي تمت في كوبنهاغن عام 2009 وكانكون عام 2010.
وقد وضعت «حزمة دوربان» قيد التشغيل ترتيبات جديدة لزيادة شفافية الإجراءات التي تتخذها البلدان المتقدمة والبلدان النامية لتخفيض انبعاثاتها. وهذا تدبير أساسي لبناء الثقة بين الأطراف.
وتعتبر البلدان الفقيرة بحاجة كبيرة إلى تمويل لمساعدتها في تسديد نفقات التكيف مع الاحترار العالمي وفي اعتماد عمليات طاقوية وصناعية منخفضة الانبعاثات. وفي غمرة تداعيات أزمة الديون السيادية، فإن الدول المتقدمة غير مهيأة أيضاً للالتزام بدفع أموال تتعدى التمويلات القصيرة الأجل التي تنفد في نهاية سنة 2012. وحققت محادثات دوربان تقدماُ بشأن الاتفاق على تصميم صندوق أخضر للمناخ، لجمع نحو 100 بليون دولار سنوياً بحلول سنة 2020 للدول الفقيرة. لكنها لم تحقق شيئاً يذكر بشأن تحديد الأماكن التي ستأتي منها الأموال لتعبئة الصندوق. وقامت معارضة شرسة لاقتراح فرض رسوم على انبعاثات الشحن البحري الدولي، فلم يجد طريقه إلى القبول.
آليات جديدة للسوق
نجحت المحادثات في الاتفاق على تحديد آليات جديدة للسوق بموجب اتفاقية تخلف بروتوكول كيوتو، لكنها أجلت تحديد أنظمة هذه الآليات إلى سنة 2012. وقرر المندوبون أن الآليات سوف تعمل بموجب مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية بشأن تغير المناخ، «وتأخذ في الاعتبار الظروف المختلفة للبلدان المتقدمة والبلدان النامية».
ويرى الاتحاد الأوروبي أن أي آليات سوق جديدة لخفض الانبعاثات خارج بروتوكول كيوتو يجب أن ترتبط بقانون دولي، لتجنب تجزئة سوق الكربون الدولية. وسوف تعمل الأطراف على تطوير إطار لآليات جديدة خلال الاثني عشر شهراً المقبلة، بهدف إعداد توصيات في مؤتمر القمة المقبل الذي سيعقد في قطر في أواخر سنة 2012. ويجب أن تضمن الأنظمة سلامة البيئة في عمليات الأسواق الجديدة، وأن تسعى إلى تجنب الحسابات المزدوجة، وأن تضمن تحقيق انخفاض صاف في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.
هكذا، وافق المندوبون على بدء العمل سنة 2012 لإعداد اتفاقية جديدة ملزمة قانونياً لخفض غازات الدفيئة، سيتم إقرارها بحلول سنة 2015 وتصبح نافذة بحلول سنة 2020. ودعيت العملية التي يؤمل أن تؤدي إلى ذلك «خطة دوربان لتحفيز العمل»، وستعمل على «تطوير بروتوكول جديد، أو أداة قانونية أخرى، أو حصيلة متفق عليها ذات مفعول قانوني». وقد استخدم جميع الأطراف هذه العبارة لادعاء النصر. لكن كريستينا فيغيريس، الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، اعترفت بأن صياغة هذا النص للشكل القانوني لاتفاقية مستقبلية هي صياغة غامضة. واعتبر بيئيون كثيرون أن الحكومات اضاعت وقتاً ثميناً بالتفاوض على حفنة كلمات، وأخفقت في زيادة تخفيضات الانبعاثات للحد من الاحترار العالمي.
cadre
الدوحة تستضيف قمة المناخ سنة 2012
فازت قطر على كوريا الجنوبية في استضافة المؤتمر الثامن عشر للدول الأطراف في اتفاقية تغير المناخ، الذي سيعقد من 26 تشرين الثاني (نوفمبر) إلى 7 كانون الأول (ديسمبر) 2012. وهي المرة الأولى التي يتخذ فيها قرار الاستضافة بالإجماع، بدلاً من التصويت، في أعقاب اتفاق بين مجموعة البلدان الآسيوية.
يذكر أن قطر مصدِّر رئيسي للغاز الطبيعي والنفط، وهي من الدول الأكثر انبعاثات للفرد في العالم. لكن حكومتها التزمت تخفيض الانبعاثات، ومثل دول أخرى في الشرق الأوسط كالإمارات، تستثمر قطر بلايين الدولارات في دعم تطوير تكنولوجيات الكربون المنخفض. ونوهت الأمم المتحدة بأن قطر عبرت عن عزمها دعم جهود البلدان النامية في التكيف مع تأثيرات تغير المناخ التي لا مفر منها، مثل الفيضانات والجفاف.
لكن اختيار قطر لاستضافة قمة المناخ المقبلة يلقى معارضة عنيفة من الكونفدرالية الدولية لاتحادات العمال، التي قال أمينها العام شاران بارو: «لا تقبل حركة اتحادات العمال الدولية انعقاد محادثات تغير المناخ في بلد لا يحترم حقوق العمال، وهو أكبر مطلق للانبعاثات الفردية في العالم». وأضاف أن العمال الوافدين في قطر لا يتمتعون بحقوق عمالية، والأجور استغلالية، وأخطار الصحة والسلامة المهنية في حدودها القصوى، مؤكداً: «لا يمكن تحقيق نجاح في التصدي لتغير المناخ إلا حيث تُحترم حقوق العمال، وحيث يكون الناس مشاركين تماماً في القرارات التي تؤثر في حياتهم».
وسبق أن تم اختيار قطر لاستضافة مباريات كأس العالم في كرة القدم سنة 2022، ما يعني قيام عمال مستقدمين من الخارج ببناء تسعة ملاعب جديدة وتجديد ثلاثة خلال عشر سنين. وقال بارو: «العمل لمكافحة تغير المناخ وصون حقوق العمال أمر مهم جداً بالنسبة إلى الـ178 مليون عامل الذين نمثلهم وعائلاتهم ومجتمعاتهم، ولا يجوز التفريط فيه بنقل محادثات تغير المناخ إلى قطر».