اذا ذهبت الى الدنمارك، فافعل كما يفعل الدنماركيون: اركب الدراجة. واذا زرت العاصمة كوبنهاغن فلن تكتمل تجربتك وتحلو ما لم تتجول في أنحائها على عجلتين.
تسعة من كل عشرة دنماركيين يملكون دراجة، يذهبون بها حيثما يشاؤون: الى المدرسة، والعمل، والسوق، والنزهة، وحتى في القطار للمسافات الطويلة. والتسهيلات موفورة للدراجين، من مسالك خاصة ومواقف مؤمنة الى أفضلية عبور طرق ممنوعة على السيارات.
في مسالك الدراجات، المحاذية لكل طريق، تلتقي أناساً من جميع مشارب الحياة: الطلاب والأساتذة والحرفيين والموظفين ومديري الشركات وحتى السياسيين. ولا فرق بين غني وفقير، الدراجة تجمع.
سبعون عاماً على دراجة
يتنقل يورغن نيلسن (76 سنة) على دراجته يومياً منذ كان صبياً في السادسة من عمره. ولقد ركب والده الدراجة حتى بلغ الرابعة والثمانين، وهو يود أن يفعل مثله. يقول: ''أفضّل الدراجة، لأنك لا تضطر الى الانتظار. أنت تقرر الوقت الذي تغادر فيه والطريق التي تريد أن تسلكها. وتصل الى وجهتك براحة بينما تمارس رياضتك اليومية".
التجول على دراجة طوال هذا العمر أتاح له اختبار المدينة في ظروف مختلفة جداً. وهو يتذكر: ''بدأت ركوب الدراجة في كوبنهاغن عندما كنت طفلاً، خلال الحرب العالمية الثانية. وكانت تلك فترة مناسبة لذلك، اذ كانت السيارات قليلة وسرعان ما ينفد منها الوقود، كما كانت هناك عربات تجرها الخيول لكنها كانت بطيئة".
لاحقاً، في الخمسينات، لاحظ نيلسـن أن عدد السيارات في الشوارع يزداد سريعاً، ما صعَّب الحياة على الدراجين. وتم توجيه التخطيط المدني نحو دعم حركة السيارات.
يقول نيلسـن: ''لحسن الحظ، تحسنت ظروف راكبي الدراجات. فخلال السنين العشر الأخيرة خصوصاً، تم بناء المزيد من المسالك، وسهلت مبادرات أخرى على المرء أن يكون درّاجاً. يبدو أن السلطات المحلية اكتشفت أن مواطنين كثيرين يركبون الدراجات فعلاً''. وهو لاحظ أيضاً أن ركوب الدراجة بات عادة رائجة ومستحبّة، وأن ازدياد الوعي بالقضايا الصحية والبيئية يجعل مزيداً من الناس يعتبرونها وسيلة نقل ذكية.
سياسية تعيش نبض الشارع
تقول مارغريت فستاغر (41 عاماً) رئيسة الحزب الاشتراكي الحر في الدنمارك: ''أركب الدراجة مسافة عشرة كيلومترات في يوم عادي، الى أي مكان، ما لم يكن بعيداً جداً أو إذا كانت الملابس التي أرتديها غير عملية. فللذهاب الى الحفلات التي تقام بحضور الملكة مثلاً، لا يمكنني ركوب الدراجة وأنا أرتدي ثوباً طويلاً".
السبب الرئيسي الذي يجعلها تركب الدراجة هو أنها سريعة وعملية. لكن بما أنها تعمل في الحقل السياسي، فهي ترى جوانب إيجابية أخرى: ''يشعرني ركوب الدراجة بتواصل أكبر مع الناس حولي، مقارنة بالجلوس خلف زجاج السيارة. أفضل أن أكون جزءاً من حياة الشارع.
الأمر شائع جداً في الدنمارك، الى حدّ أن أحداً لا يعترض على اختيار مارغريت للدراجة كوسيلة نقل. لكنها طالما أثارت دهشة ضيوفها من الخارج. تقول: ''عندما اجتمعت اللجنة الأولمبية الدولية في كوبنهاغن في تشرين الأول (أكتوبر) 2009، ذهبنا لمشاهدة عرض في الأوبرا. وكنت الوحيدة التي وصلت على دراجة في بحر من سيارات الليموزين والأجرة. تعجب الناس، لكن ردات فعلهم جميعاً كانت ايجابية".
وتعتزم فستاغر الاستمرار في ركوب الدراجة لسنوات كثيرة: ''انها طريقة ممتازة لتتمتع بالصحة وتبلغ عمراً متقدماً''.
كادر
إحصاءات حول الدراجات في الدنمارك
- يقتني تسعة من كل عشرة دنماركيين دراجة.
- 16 في المئة من جميع التنقلات تتم على دراجة.
- 36 في المئة من جميع البالغين يركبون الدراجة للذهاب الى العمل.
- 45 في المئة من الأطفال يركبون الدراجة للذهاب الى المدرسة.
- يباع نحو نصف مليون دراجة في الدنمارك كل سنة.
- هناك 2,1 مليون سيارة في الدنمارك، و44 في المئة من العائلات لا تقتني سيارة.
-يباع نحو نصف مليون دراجة في الدنمارك كل سنة.
- مسالك الدراجات في الدنمارك مميزة، فهناك حافة حجرية تحمي الدراجين من السيارات.
- يتراوح عرض المسالك بين 2,5 و2,8 متر، مما يوفر حيزاً لثلاث دراجات تسير جنباً الى جنب.
- هناك 11 مسلكاً وطنياً للدراجات في الدنمارك، يبلغ مجموع طولها 4233 كيلومتراً. وتبلغ المسالك الاقليمية 5874 كيلومتراً، والمسالك المحلية 2298 كيلومتراً.
- في العام 2008، قتل 54 دراجاً في حوادث سير. وينقل نحو 17,500 درّاج سنوياً الى المستشفيات للمعالجة من اصابات، معظمها ناجم عن تعاطي الكحول أو الوقوع في حفر.
-يعتمر 15 في المئة فقط من راكبي الدراجات البالغين خوذاً.
-يؤكد أطباء دنماركيون أن الذين لا يمارسون نشاطاً رياضياً يموتون قبل النشطين رياضياً بخمس الى ست سنوات. ويعتبر تقليل خسارة الانتاجية فائدة رئيسية، فالدراجون يتمتعون بصحة أوفر ولذلك يتغيبون عن العمل أقل من سواهم.
شاحنة الأسرة
لا تقود مارين اوتوغ دراجتها ''الشاحنة'' مسافة طويلة، لكنها تستعملها كل يوم. فهي تربط خيوط حياتها اليومية، إذ تقلّ أطفالها الثلاثة الى دار الحضانة وروضة الأطفال والمدرسة الابتدائية، كما تقلّها الى العمل. ولدى الأسرة سيارة قديمة، لكنها لا تستعملها إلا مرات قليلة كل شهر للتسوق أو للزيارات العائلية.
تقول أوتوغ: ''لا أستطيع العيش يوماً واحداً من دون دراجتي. حتى في كل مرة كنت حاملاً، كنت أواظب على ركوبها الى اليوم الذي سبق الولادة. وأعتقد أنني سوف استعملها حتى أبلغ التسعين، ما دمت أستطيع الحركة".
وهي بالطبع نقلت هذه العادة الى الجيل التالي. فمع أن أولادها ما زالوا صغاراً، فهم جميعاً يركبون دراجاتهم، ولكن على الرصيف. وكهدية ميلاد في كانون الأول (ديسمبر) 2009، حصلت ابنتها الكبرى على دراجة جديدة، بدأت تركبها الى المدرسة بجانب أمها.
المحامي الرياضي
يعمل لارس كيير (33 سنة) في مكتب محاماة. لذلك، عندما يمتطي دراجته كل صباح يكون مرتدياً بذلة. يقول: ''هذه ليست مشكلة، واذا أمطرت أرتدي ملابس واقية فوق بذلتي، وانتعل جزمة مطاط وأضع حذائي في حقيبتي. وعندما أصل الى المكتب أنزع ملابسي الواقية من المطر وأرتب هندامي لأبدو بمظهر لائق".
ويضيف: ''ركوب الدراجة هو جزء من العيش في المدينة. فلماذا أفعل شيئاً آخر؟ المسافة الى المكتب ثلاثة كيلومترات، أقطعها في عشر دقائق على دراجتي. أما اذا قدت سيارة فعلي أن أسلك طريقاً أطول يستغرق مزيداً من الوقت، وقد أعلق في ازدحام. ثم إنك لا تمارس الرياضة خلف مقود سيارة".
دراجة للنجّار
يقود الحرفيون السيارات عادة، لكي يحمِّلوها معداتهم. لكن النجار فين كريستيانسن يهوى ركوب الدراجة. ومنذ سنتين عثر على دراجة نقل صنعت خصيصاً لتلبية حاجاته، وكانت بمثابة حلم تحقق.