ازداد استهلاك البشر نحو 30% خلال 10 سنين. وينتج أغنى 500 مليون شخص 50% من انبعاثات الكربون، فيما ينتج أفقر 3 بلايين 6% فقط. واذا استهلك كل واحد من سكان العالم 88 كيلوغراماً من المواد يومياً، كما يفعل الأميركي العادي، فلن تعيل الأرض الا 1,4 بليون نسمة أي خُمس سكانها حالياً.
ما لم يحصل تحوّل ثقافي مقصود يغلّب الاستدامة على النزعة الاستهلاكية، فلن تكفي التعهدات الحكومية ولا التقدم التكنولوجي لانقاذ البشرية من المخاطر البيئية والمناخية الداهمة. هذا هو التحذير الذي خلص اليه تقرير ''حالة العالم 2010" الصادر حديثاً عن معهد ''وورلدواتش'' للأبحاث البيئية في واشنطن، وعنوانه الفرعي لهذه السنة ''تحويل الثقافات: من الاستهلاك الى الاستدامة''. وهو يعرّف الاستهلاكية بأنهـا ميل ثقافي يجعل الناس يجدون معنى ورضاً وقبولاً من خـلال ما يستهلكون.
يقول رئيس فريق التقرير إريك أسادوريان: ''شهدنا بعض الجهود المشجعة لمحاربة أزمة المناخ العالمية خلال السنوات القليلة الماضية. لكن ادخال تغييرات سياسية وتكنولوجية مع إبقاء الثقافات مركزة على النزعة الاستهلاكية والنمو لن يوصل الى أبعد من هذا. ولكي تزدهر المجتمعات البشرية طويلاً في المستقبل، عليها تغيير ثقافاتها بحيث تصبح الاستدامة هي القاعدة ويصبح الاستهلاك المفرط حراماً ومحظوراً''.
خلال العام 2006، استهلك البشر سلعاً وخدمات بقيمة 30,5 تريليون دولار (التريليون ألف بليون)، بزيادة 28 في المئة عما استهلكوا قبل 10 سنين فقط. وأدى هذا الى زيادة كبيرة في استخراج الموارد. فالعالم يستخرج كل يوم مواد من الأرض تعادل 112 مبنى بحجم ناطحة السحاب ''إمباير ستايت'' في نيويورك. ويستهلك الفرد الأميركي العادي 88 كيلوغراماً من المواد يومياً، اي أكثر من وزنه. واذا عاش العالم بكامله على هذا المنوال، فان الأرض لن تستطيع أن تعيل إلا 1,4 بليون شخص، أي فقط خُمس عدد السكان الحالي. والأنماط الثقافية الاستهلاكية هي السبب الرئيسي لتلاقي المشاكل الايكولوجية والاجتماعية بشكل غير مسبوق، بما في ذلك تغير المناخ ووباء البدانة وتدهور التنوع البيولوجي وخسارة الأراضي الزراعية وانتاج النفايات الخطرة.
التقرير الذي أعده 60 مؤلفاً يقدم استراتيجيات لاعادة توجيه الثقافات، تتراوح من تصحيح الخيارات الاستهلاكية الى تسخير قدرات الجماعات والشعائر الدينية لادماج قيم الاستدامة في السلوك. ومن الأمثلة على ذلك: يتم تعديل قوائم الطعام المدرسية في ايطاليا وبلدان أخرى لتشمل أطعمة صحية ومحلية وسليمة بيئياً، ما يعدل قواعد السلوك الغذائية للأطفال من خلال الممارسة. وفي ضواح مثل فوبان في ألمانيا، تسهل مسالك الدراجات وتوربينات الرياح وأسواق المزارعين العيش بشكل مستدام، بل تجعل من الصعب عدم العيش على هذا النحو. وفي شركة ''إنترفايس'' لصنع السجاد في الولايات المتحدة، أحدث رئيس مجلس الإدارة راي أندرسون ثورة في ثقافة العمل من خلال تحديد هدف يقضي بعدم أخذ أي شيء من الأرض لا تستطيع الأرض استبداله. وفي الإكوادور، تم ادخال حقوق ''باشاماما'' (أملانا الأرض) في الدستور.
ويتفحص التقرير المؤسسات التي تحدد أنماط النظم الثقافية. فلقد لعب قطاع الأعمال الدور القيادي في تحويل الثقافات لتركز على الاستهلاكية، اذ جعل مجموعة من المنتجات المستنفدة للموارد ـ مثل المياه المعبأة والوجبات السريعة والسيارات والسلع الورقية التي ترمى بعد الاستعمال وحتى الحيوانات المدللة ـ تبدو كأنها ''طبيعية'' بصورة متزايدة يوماً بعد يوم. كذلك روجت الحكومات النزعة الاستهلاكية كمحور للسياسة، وغالباً ما جعلتها مرادفة للرفاه الوطني وخلق فرص العمل. ومع تسارع الركود الاقتصادي العالمي عام 2009، رفدت البلدان الغنية اقتصاداتها الوطنية بنحو 2,8 تريليون دولار من رزم الحوافز الحكومية الجديدة، ركزت نسبة ضئيلة منها على المبادرات الخضراء.
حالياً، هناك ضرورة لتحوّل مقصود بدأ يتجذر فعلاً بفضل رواد ثقافيين حول العالم شرعوا في استعمال ست مؤسسات تحدد شكل الثقافات، وهي: التعليم، وقطاع الأعمال، ووسائل الاعلام، والحكومة، والتقاليد، والحركات الاجتماعية، من أجل اعادة توجيه الثقافات نحو الاستدامة. وفي 26 مقالة و23 اطاراً يفصل التقرير عشرات الجهود المبدعة التي تستفيد من هذه المؤسسات الرئيسية. وهي تتراوح من تغيير ثقافات العمل وإطلاق مشاريع إجتماعية الى تشجيع الجهود التسويقية الاجتماعية وتحويل قواعد التخطيط الأسري واستغلال طاقة المدارس الابتدائية والجامعات وحتى قوائم الطعام المدرسية.
ويقول رئيس معهد "وورلدواتش" كريستوفر فلافين: ''فيما يكافح العالم للنهوض من أخطر الأزمات الاقتصادية العالمية منذ الانهيار الكبير، لدينا فرصة غير مسبوقة للابتعاد عن النزعة الاستهلاكية. وفي النهاية، فان الغريزة البشرية للبقاء يجب أن تتغلب على نزعة الاستهلاك بأي ثمن".
في ما يأتي أبرز الوقائع والأرقام الواردة في تقرير ''حالة العالم 2010" :
نهضة الثقافات الاستهلاكية وسقوطها
- أغنى 500 مليون شخص في العالم (نحو 7 في المئة من سكان العالم) مسؤولون عن 50 في المئة من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون العالمية، فيما أفقر 3 بلايين شخص مسؤولون عن 6 في المئة فقط.
- من المتوقـع أن يؤدي التجاهل، أي بقاء الأمور على منوالها، الى ارتفاع الحرارة 4,5 درجات مئوية مع حلول سنة 2100. وحتى لو التزمت جميع البلدان اقتراحاتها الأكثر طموحاً لتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة، فان الحرارة سوف ترتفع مع ذلك بمقدار 3,5 درجات مئوية.
- لانتاج طاقة كافية خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة للحلول مكان معظم ما يزوده الوقود الأحفوري، يحتاج العالم الى بناء 200 متر مربع من اللاقطات الفوتوفولطية الشمسية و100 متر مربع من الألواح الحرارية الشمسية كل ثانية، و24 توربينة رياح بقوة 3 ميغاواط كل ساعة، من دون توقف خلال هذه المدة.
- وجدت دراسة لأطفال بريطانيين أن بامكانهم التعرف الى عدد من شخصيات ''بوكيمون'' الكرتونية أكثر من أنواع الكائنات البرية الشائعة. ووجد استطلاع لأطفال أميركيين في عمر السنتين أنهم غالباً لا يستطيعون تمييز الحرف M لكن كثيرين منهم يستطيعون تمييز القناطر الذهبية لمطاعم ماكدونالدز التي هي على شكل M.
- في العام 2006، تيسّرت مشاهدة التلفزيون لنحو 83 في المئة من سكان العالم، وتيسّر استخدام الانترنت لنحو 21 في المئة.
- يستهلك كلبان من نوع الراعي الألماني (German shepherd) في سنة واحدة موارد أكثر من المواطن البنغلادشي العادي.
تقاليد قديمة وجديدة
- يقول 72 في المئة من الأميركيين إن المعتقدات الدينية تؤدي على الأقل دوراً ''مهماً بعض الشيء'' في تفكيرهم بالرعاية البيئية وتغير المناخ.
- تنجب النساء الأمّيات حول العالم 4,5 أطفال كمعدل وسطي، أما النساء اللواتي تلقين بعض التعليم الابتدائي فينجبن 3 أطفال في المعدل، واللواتي أكملن سنة واحدة على الأقل من التعليم الثانوي ينجبن 1,9 طفل. وبعد سنة الى سنتين من التعليم الجامعي، يهبط معدل الانجاب الى 1,7 طفل، ما يقل كثيراً عن خصوبة ''سد النقص'' للحفاظ على عدد السكان.
- كثير من سكان العالم الذين يعيشون أطول الأعمار يتناولون فقط 1800 ـ 1900 وحدة حرارية (كالوري) في اليوم، ولا يتعاطون الأطعمة المصنّعة، ويستهلكون حداً أدنى من المنتجات الحيوانية. وبالمقارنة، يستهلك الفرد الأميركي العادي 3830 وحدةحرارية يومياً.
مهمة جديدة للتعليم: الاستدامة
- ينفق المسوِّقون التجاريون الأميركيون حالياً 17 بليون دولار سنوياً لاستهداف الأطفال، بزيادة صاروخية من مجرد 100 مليون دولار عام 1983.
- يمضي الأطفال الأميركيون أمام شاشات التلفزيون وقتاً أطول مما في أي نشاط آخر عدا النوم: نحو 40 ساعة أسبوعياً خارج المدرسة. ولدى 19 في المئة من الذين يقل عمرهم عن سنة جهاز تلفزيون في غرفة نومهم
- نحو 67,5 في المئة من الطعام الذي يقدم في مدارس العاصمة الايطالية روما هو عضوي، ويأتي 44 في المئة من سلاسل متاجر ''ملتزمة بيولوجياً'' تركز حصرياً على المنتجات العضوية، و26 في المئة هي محلية، و14 في المئة تحمل شهادة ''تجارة عادلة''، و2 في المئة تأتي من تعاونيات اجتماعية تشغل سجناء سابقين أو تدير أراضي صودرت من المافيا.
الأعمال والاقتصاد: أولويات ادارية
- في الولايات المتحدة، قارب مؤشر التقدم الحقيقيGenuine Progress Indicator ذروته للفرد عام 1975، حين كان الناتج المحلي الاجمالي للفرد نحو نصف ما هو حالياً.
- وجدت دراسة أجراها مركز الأبحاث الاقتصادية والسياسية أنه اذا أرادت الولايات المتحدة التحول الى أنماط أوروبا الغربية لاستغلال الوقت، فقد ينخفض استهلاكها للطاقة 20 في المئة حتى من دون تغييرات في التكنولوجيا.
- كل دولار أنفق في العام 1900 على مادة غذائية أميركية عادية ذهب منه نحو 40 سنتاً للمزارع، وقسمت البقية بين المدخلات والتوزيع. أما حالياً، فيذهب نحو 7 سنتات فقط من كل دولار ناتج من بيع مواد غذائية بالمفرق (القطاعي) الى المزارع أو مربي الماشية أو المنتج، في حين يذهب 73 سنتاً الى التوزيع.
دور الحكومة في التصميم
- تهدف سياسة ''حظر المصابيح المتوجهة'' في أوستراليا الى تجنب 4 ملايين طن من انبعاثات غازات الدفيئة سنوياً مع حلول سنة 2012، كماتهدف الى تحقيق توفيرات اقتصادية كبيرة.
- أدى فرض ضريبة على أكياس التسوق البلاستيكية في إيرلندا الى تخفيض استعمالها بنسبة 90 في المئة.
- سوف تنفق الولايات المتحدة 65 دولاراً على التكاليف العسكرية في مقابل كل دولار يكرس لبرامج المناخ خلال السنة المالية 2010.
- أدى برنامج ''السفر الذكي'' في مدينة بيرث بأوستراليا الى ازدياد الاستخدام السنوي للقطارات في المدينة من 7 ملايين راكب الى 110 ملايين خلال 17 سنة، ما زاد حصة النقل العام من 6 في المئة الى 10 في المئة من رحلات العمل.
وسائل الاعلام: بث الاستدامة
- صوتت الحكومة الاسبانية على حظر الاعلانات التجارية في محطات التلفزيون الرسمية ابتداء من سنة 2010.
- في العام 2008، تعدى الانفاق على الاعلانات 271 بليون دولار في الولايات المتحدة و643 بليون دولار في أنحاء العالم.
- دولار واحد فقط من كل 1000 دولار للتسويق في الولايات ينفق على بث اعلانات للنفع العام، ولا ينفق إلا جزء ضئيل من هذا المبلغ على رسائل تتعلق بالاستدامة.
طاقة الحركات الاجتماعية
- يعمل الأميركي العادي 200 ـ 300 ساعة في السنة اكثر من الأوروبي العادي.
- يعيش الأوروبيون الغربيون حالياً عمراً أطول من الأميركيين. كما أن احتمال معاناتهم من أمراض مزمنة بعد سن الخمسين، مثل أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسكري من الفئة الثانية، هو نحو النصف.
- وجد باحثون أميركيون أنه في مقابل كل زيادة في البطالة بنسبة 1 في المئة، ينخفض مجموع الوفيات في الولايات المتحدة بنسبة نصف في المئة.
- وجدت دراسة أجريت عام 2003 أن الانبعاثات لكل فرد في قريتين صديقتين للبيئة في ألمانيا كانت 28 في المئة و42 في المئة من المعدل الوطني.