يدير تاجر المياه اليمني محمد الطوقي مضخاته التي تشتغل على البنزين نهاراً وليلاً، لكن المياه التي يستخرجها من بئره في صنعاء تزداد تضاؤلاً، بحيث يرى خبراء أن العاصمة اليمنية قد تصبح أول عاصمة تجف مياهها في العالم. وقال الطوقي: ''عمق بئري الآن 400 متر، ولا أعتقد أنني أستطيع الحفر إلى عمق أكبر هنا''، مشيراً إلى تدفق المياه الهزيل الى الصهاريج التي تمد شاحنات المياه والشركات.
ومع بزوغ الفجر، يتدفق أناس يحملون أوعية صفراء لتعبئة المياه من خزان خصصه الطوقي للفقراء. وقال طلال البحر، الذي يأتي يومياً للحصول على المياه لأسرته المكونة من ستة أفراد: ''أحيانا لا تكون لدينا قطرة لمدة أسبوع، وفي بعض الأحيان تكون لدينا كمية تكفي ليومين ثم تنتهي مجدداً".
ويخشى الغرب أن يستغل تنظيم ''القاعدة انعدام الاستقرار في اليمن، للإعداد لهجمات إرهابية جديدة، لكن هذه الدولة الفقيرة تواجه كارثة تمثل تهديداً أكثر خطورة على المدى الطويل.
ولا تستطيع الطبيعة إعادة شحن المياه الجوفية لتجاري طلب السكان البالغ عددهم 23 مليون نسمة والمتوقع أن يتضاعفوا خلال 20 عاماً. وتفوق المياه المستهلكة تلك التي تنتجها معظم أحواض المياه الجوفية في اليمن ويبلغ عددها 21 حوضاً، خصوصاً في الجبال حيث المدن الكبرى، مثل العاصمة صنعاء، التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة ويتزايدون بسرعة، ومدينة تعز.
وقال أنور السحولي، خبير المياه في الوكالة الألمانية للتنمية (GTZ)، التي تدير مشاريع عدة للمياه في اليمن: ''اذا بقينا هكذا فإن صنعاء ستصبح مدينة أشباح خلال 20 عاماً''. وأضاف أن بعض الآبار في صنعاء يتراوح عمقها الآن بين 800 و1000 متر، مما يستلزم استخدام أجهزة تنقيب عن النفط، بينما أصبح الكثير منها غير قابل للاستخدام بسبب انخفاض مستوى المياه الجوفية.
وقد يضطر ملايين اليمنيين العطاش في نهاية المطاف الى ترك صنعاء ومدن جبلية أخرى ليتجهوا الى السهل الساحلي. وقد يحاول ''لاجئو المياه'' الهجرة الى دول الخليج القريبة أو أوروبا.
وحصلت مشاجرات في بعض المناطق القبلية بشأن استخدام المياه. وجفّ عدد من بساتين البرتقال في صعدة، وهي محافظة شمالية تعاني من صراع عسكري بين الحكومة ومتمردين محليين. وقال أحد الديبلوماسيين: ''من منظور يمني، يعتبر تنظيم القاعدة مشكلة أصغر من مشكلة المياه. ما العمل إذا لم تكن هناك مياه في المدن الكبيرة؟ من سيريد الاستثمار هنا؟"
تخزين القات يقود البلاد إلى كارثة
تفاقمت أزمة المياه نتيجة الإسراف في الريّ من قبل المزارعين الذين يزرعون القات، وهو نبات مخدر يشيع استخدامه في اليمن، حيث يقضي معظم الرجال نصف يومهم يمضغونه حتى أثناء العمل. وتقدر وكالة ''GTZ'' أن الزراعة تمثل أكثر من 90 في المئة من استخدام المياه، يذهب 37 في المئة منها لريّ القات. ويعتبر خبراء إن القات يستهلك أيضاً جانباً كبيراً من موازنات الأسر، ما يفاقم الفقر ويؤدي الى سوء تغذية الأطفال وغيرهم. وقال السحولي الذي يعمل مستشاراً في مكتب هيئة المياه في صنعاء: ''القات هو المذنب. إنه محصول خطير سيقود البلاد إلى كارثة".
ويُنحى باللائمة أيضاً على سياسات الحكومة. فدعم أسعار البنزين سيكلف اليمن بليوني دولار هذه السنة. ويشجع هذا الدعم مزارعي القات وأصحاب الآبار، مثل الطوقي، على ضخ مزيد من المياه.
وقد أصلحت السلطات اليمنية القواعد المنظمة لاستخدام المياه، لكن السحولي قال إن هذا لن ينفع ما لم يفرض الرئيس علي عبدالله صالح قيوداً على الاستخراج العشوائي للمياه وزراعة القات. وقارن معاناة اليمن مع سلطنة عُمان المجاورة التي وضعت حكومتها الحفاظ على المياه على رأس أولوياتها، إذ لا يمكن حفر بئر جديدة فيها دون موافقة السلطان قابوس نفسه.
وقال كريستوفر بوسيك من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إن غياب المرافق المحلية لإدارة موارد المياه زاد من حدة الشكاوى في المناطق اليمنية النائية. وأضاف، في شهادة مكتوبة إلى الكونغرس الأميركي في شباط (فبراير): ''الإخفاق في إنشاء شركات محلية للمياه في محافظات عدة لم تتلق الكثير من الدعم أو الخدمات الاجتماعية من الحكومة المركزية، أثار مخاوف من أن تنظيم القاعدة قد يتخذ منها ملاذاً".
وأوصت مؤسسة كارنيغي ووكالة ''GTZ'' الحكومة اليمنية باستيراد القات من شرق أفريقيا وتشجيع المزارعين على إنتاج الحبوب، لخفض استهلاك المياه وتقليل الاعتماد على واردات المواد الغذائية.
ولكن في سوق القات المزدحمة في صنعاء لا يلقي التجار بالاً للحديث عن أزمة المياه. وقال حمير القدسي، وهو يعرض أكياس القات على الزبائن في ذروة البيع في فترة الغداء: ''صحيح أن القات يستهلك الكثير من مياهنا، لكن اليمن لا يستطيع العيش بلا قات. إنه أكبر مستخدم للمزارعين والتجار. فمن أين ستأتي الوظائف إذا توقف إنتاج القات".
ووافقه الرأي المزارع فتحي علي ظاعن، الذي وصل بأحدث ما حصد ليعطيه لتجار صنعاء، وقال ''نعتمد على القات. من دونه يصبح اليمن مستحيلاً. الله سيساعدنا في العثور على مياه جديدة''.