أصبحت السياحة في العالم العربي ذات أهمية متزايدة نظراً للمقوّمات الطبيعيّة والثقـافيّة والتاريخيّة لدول المنطقة. ويُمكن اعتبار السياحة بمثابة قوة دافعة للاقتصادات المحليّة ومصدر للعملة الأجنبية، خصوصاً بالنسبة إلى الدول ذات موارد الطاقة المحـدودة، مثل المغرب وتونس ولبنان. كما يُمكن للسياحة أن تكون بديلاً دائماً للدول ذات الاقتصاد القائم على مصادر الطاقة غير المتجدّدة كالنفط والغـاز. ولكن، على غرار مُعظم قطاعات النشاط الاقتصادي الأخرى، يُعتبَر قطاع السياحة عرضةً لتأثيرات التغيّر المناخي، وقد يُساهم أيضاً في توليده أو تفاقمه.
والواقع أن السياحة من القطاعات الاقتصادية الأكثر حساسيّةً للتأثيرات المُحتملة لتغيّر المناخ، كما هي قطاعات الزراعة والبيئة والمياه.
يسلّط هذا الموضـوع الضوء على بعض القضايا المتعلّقة بالسياحة وتغير المنــاخ في العالم العربي ووقعها المُحتمل على اقتصـادات بلدانـه. كما يُشير إلى بعض الإجـراءات التكيّفيّة والتخفيفيّة التي يتعيّن اتخاذها على الأمد القصير والمتوسط والطويل للتقليل من تأثّر هذا القطاع
وفقاً لإحصاءات منظّمة السياحة العالميّـة عام 2008، تُعتبَر خمس دول عربيّة من بين الدول الخمسين الأولى الأكثر اجتذاباً للسائحين في العالم: المملكة العربية السعودية هي في المرتبة الحادية والعشرين، تليها مصر (23) والمغرب (33) وتونس (34) والبحرين (45). وتحتلّ السعودية المرتبة الأولى في المنطقة العربيّة، لكن تجدر الإشارة إلى أنّ معظم سائحيها من الحجّاج. ويظهر تحديد وصول السياح الدوليّين إلى البلدان العربيّة خلال الأعوام 1995 و2000 و2005 في الشكلين رقم 1 و2.
وتُعتبَر خمسة بلدان عربيّة أيضاً بين الدول الخمسين الأولى من حيث عائدات السياحة في العالم: الأولى هي مصر إذ تحتلّ المرتبة السابعة والعشرين، تليها المغرب (31) والسعوديّة (38) ولبنان (41) والإمارات (42).
تمّت دراسة العلاقة بين السياحة والمناخ لفترة طويلة، لكنها معقدة جداً ويبقى من الصعب تحديدها. ودراسة العلاقة بين السياحة وتغيّر المناخ جديدة في مجال المنشورات والمؤلّفات، لكنّها حظيت باهتمام خاص في العقدَيْن الأخيرَيْن، بما أنّ هذا القطاع هو عرضة لتغيّر المناخ كما أنه من أبرز مصادر انبعاثات غازات الدفيئة. وتُشير هذه الازدواجية الى تحدي التخفيف من أثر تغير المناخ، من جهة، وإلى مشاكل التأثّر والتكيّف، من جهة أخرى.
يشكّل المناخ ميزةً أساسيّةً لوجهة سياحية ما، بل إنّه عامل تحفيز ورضا قوي. لكنّ العلاقة بين المناخ والسياحة معقدة جدّاً: يُعتبَر مفهوم ''الطقس الجيد'' رهناً بالوجهة ونوع النشاط المُتَوخّى والسائح (العمر، والصحة، الخ)، بالإضافة إلى عوامل أخرى.
تمّ تطوير عدة مبادرات ناجحة نسبيّاً تهدف إلى تجسيد هذه العلاقة، منها ''مؤشّر الراحة السياحيّة''، الذي يجمع بيانات حول معدّل درجة الحرارة ودرجة الحرارة القصوى ونسبة تساقط الأمطار وأشعة الشمس والرياح والرطوبة، من أجل تعيين مؤشّر للموقع يعكس درجة الراحة المناخيّة التي يشعر بها السائح في موقع مُعيَّن.
في ما يتعلّق بتطوّر المناخ في المنطقة العربية، تُـبـرز تقاريرُ عدّة توجهاً نحو ارتفاع في درجة الحرارة يرافقه انخفاض في تساقط الأمطار في معظم البلدان العربية. يلازم هذا التوجّه اشتداد الأحوال الجويّة القاسية، مثل الجفاف والعواصف وموجات الحرّ. ويُتَوقّع في المغرب، على سبيل المثال، أن يتوسع الجزء القاحل في البلد نحو الشمال والشمال الشرقي، كما يُظهر مؤشّر الجفاف ''دي مارتون''، المُحتسَب في مجموعة من المحطّات في أنحاء البلاد لفترتَيْن زمنيّتَيْن مختلفتَيْن (1961ـ1985 و1986ـ2005) ونموذج إحصائي لاثنين من سيناريوهات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (أ2 وب2). وقد أظهرت البيانات زيادات في متوسط درجة الحرارة ومدّة الجفاف وعدد الأيام الحارة، بالإضافة إلى انخفاض معدّل هطول الأمطار.
وفضلاً عن ذلك، سوف يتسارع ''على الأرجح'' معدل تغيّر المناخ، وفقاً لتوقّعات الهيئة الحكومية الدولية المعنيّة بتغير المناخ عام 2007، مع استمرار انبعاثات غازات الاحتباس الحراري حسب المعدلات الحاليّة أو معدّلات أعلى. وسوف ينخفض مقدار هطول الأمطار السنوي بنسبة 30 في المئة مع حلول سنة 2050 حتى مع اعتبار أكثر التقديرات تفاؤلاً. وسيزداد متوسّط درجة حرارة سطح المُحيطات بمقدار 1,8 إلى 4,0 درجات مئويّة مع حلول نهاية القرن الحادي والعشرين، وسيرتفع متوسّط سطح البحار نحو 3,1 ملّيمترات سنويّاً.
يمكن للتفاعلات البيولوجيّة والفيزيائيّة لهذا الارتفاع المتواصل في درجات حرارة المحيطات ولنقص المياه وارتفاع مستوى سطح البحر أن تنعكس على مؤشر الراحةالمناخيّة.
قد تشهد بلدان عربيّة عديدة، بما فيها تلك التي تنتمي إلى الدول الخمسين الأكثر اجتذاباً للسياح في العالم، انخفاض أعداد السياح، وبالتالي عائدات السياحة. وتشكّل المملكة العربية السعودية استثناءً، إذْ إنّ معظم السّائحين فيها هم من الحجّاج ودافعهم الواجب الدينيّ، لا المواقع السياحيّة.
وقد أظهر فيريتزي عام 2007 الآثار المحتملة لتغيّر المناخ على دول منطقة البحر المتوسط التي تشمل جزءاً كبيراً من العالم العربي. يُشير الجدول 2 إلى بعض الآثار التي تمّ تحديدها وإلى ردود فعل السوق للتكيّف. كما تتأثّر النظم الايكولوجية للشعاب المرجانية بشكل ملحوظ بالتغيّر المناخي. وفي بعض مناطق مصر والأردن على سبيل المثال، قد يكون لذلك آثار سلبيّة خطيرة على هذه الوجهات السياحيّة المقصودة.
ويبيّن الشكل 3 أن من المحتمل أن ينخفض مؤشر الراحة السياحية في العالم العربي خلال العقود المقبلة. والمناطق المصنفة حاليّاً ''جيدة'' و''جيدة جداً'' و''ممتازة''، سوف تكون إما ''هامشية'' وإما ''غير مؤاتية'' مع حلول سنة 2080.
تأثّر قطاع السياحة العربي بتغيّر المناخ
ستَبرُز النتائج المُباشرة المحتملة لتغيّر المناخ من خلال ازدياد متوسّط درجات حرارة البحر والهواء، وارتفاع مستوى سطح البحر، وازدياد وتيرة موجات الحرارة والجفاف ودرجات الحرارة القصوى وشدّتها، وانخفاض نسبة هطول الأمطار. وستكون الآثار غير المباشرة: تآكل السواحل، وغمر المناطق الساحلية، وتزايد الضغط على النظم الإيكولوجيّة، وتملح المياه الجوفية، والجفاف، وتآكل التربة، والانهيارات الارضية.
يختلف تأثّر قطاع السياحة بمفاعيل التغيّر المناخي المباشرة وغير المباشرة من منطقة إلى أخرى، كما يختلف حسب الممارسات السياحيّة. ويحدّد المناخ طول موسم السياحة ونوعيّته، ويلعب دوراً مهماً في اختيار وجهة السياح وإنفاقهم.
في العالم العربي، ستكون الآثار المباشرة لتغير المناخ على قطاع السياحة مهمّة. وذلك يعود في الأساس الى أنّ هذه المنطقة ستكون عرضةً لزيادة في تواتر الأحداث المناخيّة القاسية، مثل حالات الجفاف وموجات الحرّ، وقطاع السياحة حساس جدّاً لتقلّب المناخ وتغيّره.
للمناخ آثار على مواردَ بيئيّة عديدة تشكّل أسُساً مهمّة لتنمية السياحة، على غرار التنوّع البيولوجي والمناظر الطبيعية ومستوى نوعيّة المياه وكميّتها وظروف الثلوج. وترتبط السياحة في بلدان عربيّة عديدة ارتباطاً وثيقاً بهذه الأسُس الطبيعيّة، ويتأثّر البعض منها تأثّراً شديداً وبطرق مختلفة بتقلّب المناخ وتغيّره. وفي المناطق الساحليّة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ستكون هناك أيضاً تفاعلات بحريّة وبرية ستزيد من الظروف الحرارية الخطرة. ويُتوقَّع في الصيف أن تزداد درجة حرارة سطح البحر المتوسط مما يجعل المنطقة أكثر ملاءمةً لحدوث اعصار استوائي.
الموارد المائية: هناك شبه إجماع على أنّ شمال افريقيا والشرق الأوسط هي المنطقة الأكثر جفافـاً، حيث الموارد المائيّة هي الأدنى بين مناطق العالم كافةً. ويؤثّر هذا الوضع على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في غالبية بلدان المنطقة. وفي حين يبلغ معدّل نصيب الفرد من المياه نحو 7000 متر مكعّب سنوياً على المستوى العالمي، يقل عن ألف متر مكعّب للفرد في المنطقة.
وسيكون للتطوّر المناخي المتوقع أثر كبير في العرض والطلب على المياه.
ليس معروفاً بالتحديد إجمالي استهلاك القطاع السياحي للمياه، ولكن من المعروف أن الاستهلاك الفردي للسّائح العادي أعلى من الاستهلاك الفردي للمقيمين الدائمين. ويُعتبَر قطاع السياحة من القطاعات الأكثر استهلاكاً للماء، سواء لأغراض الشرب والصرف الصحي أو لدعم خدمات أخرى مثل أحواض السباحة وملاعب الغولف والمساحات الخضراء. ويتفاوت هذا الاستهلاك وفقاً لنوع الأنشطة السياحيّة ومستوى الراحة المطلوب.
ويمكن لمس طريقة تأثّر هذا القطاع بتراجع الموارد المائية وندرة المياه على مستويات مختلفة. ويتوقع أن يؤدّي ضغط التنمية السياحية على الموارد المائيّة إلى نزاعات حول الاستخدام، لا سيّما عند تحويل المياه من الزراعة التي تضمن الأمن الغذائي للسكان المحليين إلى نشاطات صناعية سياحية، تذهب معظم أرباحها الى منظمي الرحلات والشركات الكبرى.
سوف يؤدّي انخفاض تدفقات المياه ومخزونها في البحيرات إلى تدهور نوعيّة المياه، عن طريق التلويث وإغناء المياه بالمواد العضوية المصرَّفة. وسيؤدي هذا الوضع إلى تناقص قيمة الاستجمام وزيادة مخاطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه. وسيكون للفيروسات أو الميكروبات الجديدة إمكاناتالنموّ في بيئة جديدة، مع تغيّر درجات الحرارة، ممّا قد يؤثّر على دفق السياحة وأهميتها الاقتصادية.
تُشير الاسقاطات والتوقعات المستندة إلى ملاحظات في شمال شرق المغرب منذ بداية القرن العشرين الى ازدياد ندرة المياه نتيجة الضغط المناخي والبشري. ويبدو أنّ التنمية المستدامة الطويلة الأمد تشكّل تحدياً، لا سيما في ما يتعلّق بوفرة المياه والسياحة الساحليّة.
المناطق الساحلية وارتفاع مستوى سطح البحر
لا توجد تقديرات محددة وثابتة لارتفاع مستوى سطح البحر، لا في العالم ولا في المنطقة العربيّة. وتُشير الملاحظات والاسقاطات المستقبليّة، التي ترتكز إلى النماذج المناخيّة لباحثين كثر، بما في ذلك الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ عام 2007، إلى احتمال ارتفاع مستوى سطح البحر في منطقة البحر المتوسط نحو 88 سنتيمتراً بين العامَيْن 1990 و2100.
لذلك، تُعتبَر بلدان العالم العربي التي تقع على ساحل المتوسط مهدّدةً بقوّة بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر، الذي يُمكن أن يتسارع جرّاء المد العالي والعواصف العنيفة. قد تختفي مساحات كبيرة من الأراضي الساحليّة بسبب غمر مياه البحر وتآكل المناطق الساحليّة، ومنها على سبيل المثال دلتا النيل وجميع المناطق ذات التضاريس المنخفضة، وبسبب ازدياد ملوحة المياه الجوفية الساحليّة والأنهار.
أظهر ليتيسيا وآخرون، من خلال تحليل الأرصاد الجويّة البحريّة لساحل البحر المتوسط في المغرب، أنّ الأمواج السائدة القادمة إمّا من 270 درجة شمالاً أو من 60 درجة شمالاً يمكنها أن تضرب السواحل بارتفاع يصل إلى خمسة أمتار. وتشمل الأماكن الأكثر عرضةً في المنطقة أراضيَ رطبة ساحليّة وشواطئ رمليّة ومصب أحد الأنهار وبنى تحتية أساسية ومرافئ ومساكنَ ومنتجعاً سياحياً مهمّاً على الشاطئ يستوعب أكثر من 27,000 سرير.
من الواضح أنّ تأثّر قطاع السياحة في العالم العربي مرتبطٌ بالشواطئ والبنية التحتية التي تشكّل أساساً لمعظم السياحة المروّج لها حالياً في المنطقة، لا سيما بالنسبة إلى بلدان شمال افريقيا.
أظهر تحليل تطوّر الخط الساحلي للبحر المتوسط على ساحل المغرب، باستخدام الصّور الجوية، أنّه في موقعَيْن من مواقع الدراسة كانت الشواطئ خلال العقدَيْن الأخيرَيْن عرضة لتآكل مستمر بمعدل متوسط قدره 0,5 متر في السنة. ويحتوي كل من الموقعَيْن على منطقة رطبة ذات أهمية دوليّة. وتُعتبَر هذه النظم الإيكولوجيّة معرّضةً إما لتآكل الشواطئ وإما لارتفاع مستوى سطح البحر. وقيّم بوبقراوي والزاهر عام 2008 كلفة الخسائر المحتملة الناجمة عن الغمر بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر، بواسطة سيناريو الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أ2، فتبين أنّ غالبيّة البنى التحتيّة والمستوطنات البشريّة القائمة، بما في ذلك أكبر منتجع سياحي بُنيَ حديثاً في المغرب، هي في خطر.
التنوع البيولوجي والتصحّر والسياحة البيئية
تُعتبَر المناظر الطبيعية والأصول والمرافق البيئيّة ضروريّةً لتحقيق التنمية المستدامة في قطاع السياحة. لكن قد يكون للتغيّر المناخي وقع هائل على النظم الإيكولوجية الطبيعية للمنطقة، وقد يزيد وضعها سوءاً نتيجةً للتغيّرات في درجات الحرارة ونسبة هطول الامطار التي يُتوقَّع أن تؤثِّر بشكل ملحوظ على نمو النظم الإيكولوجية وقوتها وتأديتها لوظائفها وبقائها.
علاوة على ذلك، يُتَوقّع أن يكون تأثر البيئة شبه القاحلة والقاحلة في العالم العربي بالتغيّر، الناجم عن المناخ أو عن وجهة استعمالات الأراضي، تأثراً حاسماً. وسوف تكون التغيرات مصحوبة بزيادة الضغط المائي وتدهور النظم البيئية ممّا يؤدّي إلى التصحّر. وقد أشار التقرير السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية عن البيئة العربية للعام 2008 إلى تحديات مستقبليّة، وقدّر كلفة التدهور البيئي في العالم العربي، بما في ذلك أثر التغيّر المناخي، بنحو 5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
قدّر برنامج المساعدة التقنية البيئية في منطقة البحر المتوسطMETAP) التابع للبنك الدولي كلفة التدهور البيئي في بعض المناطق الساحليّة لأربع دول عربية هي الجزائر ومصر والمغرب وتونس. وعند إجراء الحسابات، تم النظر في الناتج الاجمالي المحلي للفرد على المستوى المحلي، واعتُبِرَ معادلاً للمعدل القومي. وخلصت هذه الدراسة إلى أنّ الكلفة الإجمالية السنوية للأضرار البيئيّة في منطقة خليج الاسكندرية في مصر تقدر بنحو 232 ـ 355 مليون دولار، وهذا يشكّل 5 إلى 7,5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي للمنطقة قيد الدراسة. وفي المغرب، أشارت التقديرات إلى خسارة 14 ـ 18 مليون دولار في المنطقة قيد الدراسة، وهي بحيرة الناظور، وهذا يمثل 3,7 ـ 4,7 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي لتلك المنطقة. وفي خليج الجزائر، كانت الخسارة المقدرة 22 ـ 53 مليون دولار، أي 3 إلى 7 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي للمنطقة. وفي منطقة سوسة في تونس، وصلت الخسارة المتوقعة إلى 38 ـ 72 مليون دولار، أو 1,3 ـ 2,3 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي للمنطقة. وقد تم إرجاع السبب في بعض هذه التكاليف إلى خسارة في النشاط السياحي ناجمة عن التدهور البيئي.
قد لا تكون بعض أنواع النباتات والحيوانات البرية في العالم العربي قادرة على التكيّف مع تسارع معدل التغيّر المناخي، الذي يتفاقم من جرّاء التغيرات في النظم البيئية الناجمة عن الإفراط في استغلال الموارد الطبيعية أو عن طريق أنواع مختلفة من التلوث. وقد يستجيب بعض الأنواع بالهجرة، ولكن بعضها قد يكون محكوماً عليه بالزوال.
من المعروف أنّ أي تغير في متوسط درجات الحرارة، حتى بدرجة واحدة فقط، قد يؤدّي الى اضطراب جذري في النظم الإيكولوجية الطبيعية. هذا لا يرجع فقط الى التأثير المباشر لارتفاع درجة الحرارة، وإنما أيضاً للإجهاد المائي وغيره من الظواهر التي قد تنجم عنه، مثل حرائق الغابات والتبخّر الكثيف. وسوف تتأثّر سلامة أشكال التنوع البيولوجي كافةً (الجينات والأنواع والنظم الإيكولوجية والمناظر الطبيعية) بشكل كبير قد يصل إلى حالات كارثية. كما ستتأثّر السياحة البيئيّة وأيّ سياحة تعتمد على البيئة الطبيعية في العالم العربي بالتغيّرات المناخيّة.
السياحة والمنتجات المحليّة
يعتمد عدد من الأنشطة السياحيّة في الدول العربية على منتجات محليّة مستمدة من استغلال الموارد الطبيعية. ويمكن للتغيّر المناخي، عند تجاوز عتبة معينة، أن يؤدّي إلى استنفاد هذه الموارد، ممّا قد يولّد تغييرات في الممارسات المحليّة والتقليدية لإنتاج السلع المحلية.
التكيف مع تغيّر المناخ
حتى اليوم، قليلة هي الدراسات الاستطلاعيّة حول العلاقة بين السياحة في العالم العربي والآثار المحتملة لتغيّر المناخ. ولا تزال مبادرات الأبحاث محدودةً، ومن الضروري تحضير هذا القطاع الاقتصادي لمواجهة التحديات الناجمة عن تغيّر المناخ. وتبرز الحاجة إلى معالجة نقاط أساسية عديدة، تشمل معرفة عميقة لمتطلبات السياحة وحاجاتها للتكيّف مع المناخ والبيئة وأحوال الطقس، ومدى حساسيّة مختلف المنتجات والخدمات السياحية وتأثّرها بتغيّر المناخ. وهناك حاجة ملحة الى وضع سيناريوهات للمخاطر والتهديدات المحتملة في ما يتعلّق بتغيّر المناخ في مناطقَ مختلفة من العالم العربي، وتتضمّن هذه النقطة تطبيق سيناريوهات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على المنطقة العربية وتقييم مدى التأثر وخيارات التكيّف.
خلاصة القول أن قطاع السياحة في العالم العربي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمناظر الطبيعية والميزات البيئيّة والخصائص الثقافية للمنطقة، وهو بطبيعته شديد الحساسية للتقلّب والتغيّر المناخي، بشكل مباشر أو غير مباشر. قد تتأثر الوجهات والمواقع المفضَّلة بتعديلات محتملة في الظروف العاديّة، مثل: صيف وشتاء أدفأ، جفاف، ظواهر مناخية شديدة، ندرة المياه، تدهور النظم الإيكولوجية. وتؤدي الاضطرابات المحتملة في التدفقات السياحيّة وتغيير الوجهات إلى خسائر اقتصادية كبيرة، خصوصاً بالنسبة إلى البلدان ذات الاقتصادات القائمة على السياحة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ المسار الدقيق للتغيّرات والتأثيرات يرتبط بعدم موثوقية سلوك السائحين. لذلك ينبغي بذل جهود جادّة من أجل تحديد وسائل مستدامة أخرى للسياحة قد تكون أقل حساسيّة لتغيّر المناخ وآثاره، مثل السياحة الثقافية. وسوف تكون قدرات تكيّف الوجهات السياحية والجهات الفاعلة متفاوتة جدّاً من منطقة الى أخرى، ولا بدّ من تخطيط متكامل وشامل من أجل تعزيز فرص نجاح أيّ مسار مستقبلي للتنمية السياحية.
الدكتور عبداللطيف الخطّابي أستاذ في المعهد الوطني للهندسة الزراعية في المغرب، حيث يدرّس مواضيع تقييم الأثر البيئي واقتصاديات البيئة والادارة المتكاملة للموارد.