في ضوء احتفال العالم بالسنة الدولية للتنوع الحيوي 2010، يتبادر الى الذهن التساؤل الآتي: لماذا ما زلنا نسمع عن تداعيات الأزمة المالية العالمية وحشد طاقات العالم الصناعي والنامي لتعديل السياسات الماليـة والنقدية وتقديم الحوافز لقطاع البنوك، بينما لم نسمع بهذا القدر من الأهمية والقلق عن حالة التدهور البيئي التي أحدثتها عملية التنمية الاقتصادية خلال السنوات الخمسين الماضية، في ظل نمط يعتمد فكرة النمو اللامتناهي على كوكب محدود الموارد.
آخر ما صدر عن القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض، التي تصدر عن الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، أن 22% من أنواع الثديات و30% من أنواع البرمائيات و12% من أنواع الطيور و28% من الزواحف و37% من أسماك المياه العذبة و70% من النباتات و35% من اللافقاريات التي تم تحديدها حتى الآن مهددة بالانقراض.
واللافت أن معدل انقراض الأنواع عالمياً والذي تسببه الممارسات الإنسانية هو أكثر بنحو ألف مرة من معدل الفقدان الطبيعي، ما يضعنا في مواجهة أزمة تهدد نوعية الحياة على الأرض ومستقبلها. وهذا يطرح التساؤل عن جدوى الاحتفال العالمي بالتنوع الحيوي مع هذه الحالة المقلقة من انقراض الأنواع. إن هذه الحالة من التردي والفساد في الأرض بما كسبت أيدي الناس تدعونا الى مراجعة نسق التنمية وأنماط الاستهلاك وكيفية علاقاتنا مع الكائنات الحية والموائل التي حولنا.
من الأسئلة التي يطرحها علماء الاقتصاد البيئي: ما هو المبلغ الذي يدفعه الإنسان أو المجتمع لحماية نهر أو غابة أو كائن حي مهدد بالانقراض؟ هذا السؤال مهم في ظل سيادة منطق وآليات السوق في وضع سعر للأشياء من حولنا، للمفاضلة بين التنمية الاقتصادية وحماية الطبيعة، ولتحليل الربح والخسارة ضمن دراسات الجدوى الاقتصادية وتقييم الأثر البيئي. وتخضع هذه المفاضلة لمنظومة القيم التي لا يمكن حسابها ضمن آليات السوق، لأن النظام الاقتصادي يعاني من ''منطقة عمياء'' حيال الكائنات الحية والتنوع الحيوي، ولا يخبرنا الحقيقة البيئية ومدى التدهور البيئي الناجم عن النشاط البشري. كذلك، هناك فقدان ذاكرة تجاه الكائنات الحية والموائل والأنظمة البيئية حولنا. فعلى سبيل المثال، تم تقدير قيمة التلقيح الطبيعي للنباتات (pollination) في الولايات المتحدة بنحو 40 بليون دولار في السنة، وقيمة الدواء المستخلص من النباتات الطبيعية بنحو 480 بليون في السنة. قد يبدو للبعض أن أشياء مثل الهاتف الخليوي أهم من حماية واحة صحراوية أو غابة. وفي الواقع، يمكننا أن نتخيل العالم من دون خليوي و''غوغل''، لكن لا يمكننا العيش بلا أنهار وبحار وغابات وهواء نظيف، لأنها مصدر معيشتنا وعليها تعتمد التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
خلاصة الأمر أن هناك قيمة ذاتية ضمنية للطبيعة لا يمكن تقييمها في حسابات السوق، ولكنها مجدية لغايات المقارنة والمفاضلة النظرية. ونحن نعرف الآن أن كلفة التدهور البيئي في بعض البلدان العربية تتراوح بين 2 و5 في المئة من الدخل القومي.
هل السوق أو التشريعات الحكومية هي الكفيلة بحماية الطبيعة والتنوع الحيوي؟ لعل هذا السؤال هو من أهم الأسئلة التي تطرح على صعيد السياسات الحكومية في تحقيق استدامة الموارد. ولكن هناك تجارب في العالم لنوع ثالث، وهو ملكية المجتمع للمصادر الطبيعية ( مثل الحمى في الحضارة العربية) بحيث يتفق المجتمع المحلي على منظومة تشاركية لحماية الموارد الطبيعية واستثمارها بشكل مستدام مع مراعاة تغير الظروف الموضوعية للزمان والمكان. وبذلك يتعزز مبدأ المواطنة والارتباط بالأرض وتوفير فرص للعمل من الطبيعة.
خلاصة القول، ينبغي علينا في المنطقة العربية مراعاة حماية الرأسمال الطبيعي والاستثمار في الطبيعة، كتفكير استراتيجي لحماية حق الجيل القادم في حصة عادلة ومعقولة من الخدمات البيئية التي نستمدها من الطبيعة. إن الاحتفال بالتنوع الحيوي هو محطة لمراجعة منظومة التنمية وكيفية حساب تقدم المجتمع بمعايير خارج نطاق الدخل القومي، لكي نتلافى حالة إهلاك الحرث والنسل.
الدكتور عودة الجيوسي هو المدير الإقليمي للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة في غرب ووسط آسيا وشمال أفريقيا.
|