يُعتبَر تغير المناخ خطراً ناشئاً يهدّد صحّة البشر. ووفق الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC، وهي الهيئة العلميّة لاتفاقيّة الأمم المتحدة الإطارية المتعلقة بتغير المناخ، يُمكن أن تكون التأثيرات على الصحّة مباشرةً، في حال ظواهر مناخيّة شديدة على غرار العواصف والفيضانات وموجات الحر، أو غير مباشرة، على غرار التغيّرات في نطاق التكاثر والتحرك لناقلات الأمراض (البعوض مثلاً)، والأمراض المنقولة عبر الماء، ونوعيّة الماء، ونوعيّة الهواء، وتوفّر الأغذية ونوعيّتها.
لكن التأثيرات الواقعية على الصحة لا تكون متطابقة بين الدول والمناطق. فهي تختلف في نطاقها وطبيعتها وفق الظروف البيئيّة المحليّة والظروف الاجتماعيّة ـ الاقتصاديّة، إضافة الى مجموعة من الإجراءات الاجتماعيّة، والمؤسّسيّة، والتقنيّـة، والسلوكيّـة المُعتمَـدة. وانعكس ذلك في تقدير منظّمة الصحة العالميّة لتأثيرات تغير المناخ على الصحة وفق مؤشر قياس يعرف بـ DALYs وهو العبء العالمي للمرض المُقاس وفق سنوات العمر المعدّلة بسبب الإعاقة.
في المنطقة العربيّـة 22 دولة، تصنف غالبيّتها في مجموعتَيْن إقليميّتَيْن فرعيتين لمنظّمة الصحّة العالميّة. منطقة شرق المتوسط الفرعية د EMR-D التي تشمل أفغانستان وجيبوتي ومصر والعراق والمغرب وباكستان والصومال والسودان واليمن، من المقدّر أن تخسر 213 سنة عمر معدَّلة بسبب الإعاق DALY لكل 100 ألف نسمة، بالمقارنة مع 14 سنة DALY لكل 100 ألف نسمة في منطقة شرق المتوسط الفرعية ب EMR-B التي تضمّ البحرين وقبرص وإيران والأردن والكويت ولبنان وليبيا وعمان وقطر والسعوديّة وسورية وتونس والإمارات. وهناك ثلاث دول عربيّة، هي الجزائر وجزر القمر وموريتانيا، مصنَّفة في المنطقة الأفريقيّة الفرعية AFRCD، يُقدَّر أن تفقد 207 سنوات DALY لكل 100 ألف نسمة نتيجة تغير المناخ.
هل هو تغير المناخ؟ هل هو الفقر؟ أم أنه تأثـر البلدان الفقيرة بـتغـير المناخ؟ إنّه على الأرجح مزيج من هذه العوامل، ممّا يفسّر النطاق الواسع للقيمة الاقتصادّيّة العالميّة لخسارة الحياة نتيجةً لتغير المناخ، والمقدّرة بين 6 و88 بليون دولار أميركي، بأسعار العام 1990، كما جاء في تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. ويقدر أن تكون التأثيرات الأقوى في البلدان ذات الدخل المنخفض. وتُعتبَر منطقة الحوض الشرقي للمتوسط، وفق مكتب منظمة الصحة العالميّة الاقليمي لشرق المتوسط، ''من أكثر المناطق عرضةً لتغير المناخ بسبب طبيعتها القاحلة واعتمادها على الزراعة البعليّة في انتاجها الغذائي''، وبسبب الطابع الراسخ للعديد من الأمراض والمشاكل الصحيّة المرتبطة بالفقر وتغير المنـاخ، فيكـون التأثير عليها أكبر ممّا هو على العالم ككـلّ.
آثار صحية لتغير المناخ
إن دراسة وقع تغير المناخ على الصحّة تشكل تحدياً. في حالات قليلة، يُمكن أن تكون المشاكل الصحية، سواءً أكانت وفاة أو إصابة، مرتبطة ارتباطاً مباشراً بتغيّر المناخ أو الطقس، مثل الغرق بسبب الفيضانات أو الاصابة بضربة شمس بسبب موجات الحرّ. وحتى هذا يمكن اعتباره اختلافاً دورياً في الطقس أو المناخ، لا سيما نظراً إلى ظهور كوارث طبيعيّة في الماضي. ويكون التحدي أكبر عند دراسة الآثار الصحيّة غير المباشرة. على سبيل المثال، قد تكون البلدان التي ضربتها الملاريا عرضةً لخطرٍ أكبر، إذا اتّسع نطاق مناطق البعوض أو طال موسم لسعها بسبب طول مواسم الدفء أو قصر مواسم البرد. وتنطبق الحالة نفسها على معدلات الوفيّات والأمراض بسبب تلوّث الهواء، حيث أن تغير المناخ يزيد الوضع سوءاً بالنسبة إلى المدن المكتظة التي تعتمد على الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة أو للنقل. وبالتالي، تُعتبَر دراسة آثار تغير المناخ على الصحة صعبةً على مستوى الدولة أو على المستوى شبه الاقليمي. والواقع أن الدراسات حول تغير المناخ والصحة البشريّة في الدول العربية نادرة، لا بل شبه معدومة.
موجات الحرّ: يرتبط ارتفاع درجات الحرارة خلال أشهر الصّيف بزيادة الأمراض ونسبة الوفيّات. كما يرتبط التعرّض مدّة طويلة للحرّ الشديد بالتشنّجات وحالات الإغماء والإنهاك وضربة الشمس.
ستكـون موجات الحرّ فـي بعض المناطق عبـر العالم أطول، وأكثـر تكـراراً. وترى الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في تقرير التقييم الرابع أنّ متوسط درجة الحرارة في منطقة الشرق الأوسط سيزداد بمعدل درجة إلى درجتَيْن مئويّتَيْن بين 2030 و2050. كما سترتفع وتيرة الأيّام الحارّة وموجات الحرّ في المنطقة، ممّا يهدّد الصحّة بشكل خطير. ويُتَوقّع ازدياد حالات الوفاة والأمراض نتيجة وطأة الحرّ، لا سيّما بين الأطفال والمسنين.
أشـارت دراسة تحليلية لنسبة الوفيّات ودرجة حرارة الجوّ في بيروت الكبرى خلال الفترة بين 1997 و1999 إلى علاقة تلازمية مهمة. واستنتجت أنّ حالات الوفاة المرتبطة بالحرّ قد تشكّل مصدر قلق كبيراً على الصحة العامّة، حتّى في المناخات المعتدلة الى الدافئة. وأظهرت دراسة تحليليّة من الكويت، شملت الفترة ما بين 1998 و2001، ازدياد حالات انحباس البول (وقف عمل الكلى) في أثناء الطقس الحارّ. واستنتجت دراسة أخرى في الكويت عام 1999 أن حالات ارتفاع ضغط الدم الناجمة عن الحمل كانت الأعلى في حزيران (يونيو) والأدنى في آذار (مارس)، ونُـسب ذلك الى درجة الحرارة المرتفعة وانخفاض الرطوبة، مع أنّ النتائج لم تكن نهائيّة. وفي أبوظبي، أظهرت دراسة أنّ درجة الحرارة ومستوى الرطوبة مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بعدد حالات ضربات الشمس المعالجة في وحدات طوارئ المستشفيات.
الأعاصير والفيضـانات: يُتَوقَّع أن تصبح الأعاصير والفيضانات المرتبطة بها أكثر تكراراً وشدة عالمياً مع تغير المناخ. لقد ازدادت الكوارث الطبيعيّة ثلاثة أضعاف خلال الأعوام العشرة الأخيرة وفق شركات التأمين الكبرى. وهي تقضي على حياة كثيرين وتُلحق الضرر بأعدادٍ أكبر. وتُشرِّد الفيضانات النّاس وتدمّر محاصيلهم وتقضي على مصدر رزقهم موقتاً، فيصبحون عرضةً لسوء التغذية والإسهال وأمراض أخرى منقولة عبر الماء وأمراض ناجمة عن الاكتظاظ السكّاني وعن غياب النظافة الشخصية. وأمست الفيضانات والعواصف في بعض أنحاء العالم سبباً رئيسياً للوفاة. على سبيل المثال، توفّي 30 ألف نسمة في فنزويلا عام 1999 جرّاء عواصف تَلَتها فيضانات وانزلاقات أرضيّة. وفي العام 2005 أغرق الاعصار كاترينا 80 في المئة من مدينة نيو أورلينز في ولاية لويزيانا الأميركية وتسبب في مقتل نحو ألفي شخص.
من المرجَّح أن يزيد التقلب المتوقَّع لنمط هطول الأمطار من مخاطر كوارثَ طبيعيّة متّصلة بالمناخ، مثل الفيضانات. كما أن ارتفاع مستوى سطح البحر سيُساهم في جعل سكان المناطق المنخفضة أكثر عُرضةً للفيضانات الساحلية.
نسمع في المنطقة العربية، من حينٍ إلى آخر، عن الفيضانات المحليّة أو الإنهيالات الأرضيّة بسبب الأمطار الغزيرة. هذه الأحداث لا تُنسَب مباشرةً إلى تغير المناخ، لكنّها تحذّرنا بوضوح من الآثار المدمّرة للفيضانات إن حدثت على نطاقٍ أوسع. على سبيل المثال، في 16 أيّار (مايو) 2007، دمّر فيضانٌ عدة قرى في البقاع في لبنان، فقضى على المحاصيل واضطرَّ الناس إلى مغادرة منازلهم بسبب ارتفاع مستوى المياه. لم تُعَدّ تقارير لمتابعة صحة النازحين وظروف عيشهم، وهذا ليس بغير الاعتيادي في بلدان نامية عديدة. وإضافة إلى ذلك، ما من بحث أو توثيق مناسب في معظم البلدان العربية حول وتيرة هذه الأحداث أو شدّتها. قد يكون تحديد آثار وقوع حدث معيّن مفيداً أيضاً في تحديد السكان المُعرَّضين للخطر الآن وفي المستقبل. في نهاية المطاف، يمكن إعداد خرائطَ للمناطق المعرّضة لمخاطر الفيضانات وتحذير السكّان المعرضين في الوقت المناسب.
أثار كلّ من الإعصار ''غونو''، الذي ضرب سلطنة عمان يوم 6 حزيران (يونيو) 2007، والفيضانات التي ألحقت الضرر باليمن (حضرموت) في العام 2008، مزيداً من القلق والاهتمام في الآونة الأخيرة. وقد اعتبر من أقوى الأعاصير التي شهدها بحر العرب، إذ أودى بحياة 49 شخصاً وتضرّر نحو 20 ألف شخص. ووفقاً لمنظمة الصحة العامة (2008)، قتلت فيضانات اليمن 180 نسمة وشرّدت 10 آلاف، كما دمّرت 2000 منزل وألحقت الضرر بشبكات المياه وقطعت سبل النفاذ إلى خدمات الهاتف والكهرباء.
تدهور نوعية الهواء
لا يُعرف الكثير عن عوامل الخطر والأسباب ''التقليدية'' للعديد من مشاكل الصحّة العامّة في العالم العربي، ناهيك عن تأثير تغير المناخ الإضافي. ولا يزال العالم العربي للأسف من المناطق الأقل نشراً لهذه المعلومات. وإذا نُشِرت، تكون في مجلاّت وتقارير لا يُمكن الوصول إليها بسهولة عن طريق الانترنت أو قواعد البيانات المعروفة. على سبيل المثال، لا يزال لبنان يفتقر الى برامـج لمراقبة نوعية الهواء، ما يعيق أي محاولة للتعرف إلى توجّهات تلوث الهواء أو إجراء دراسة ناقدة لأسبابه.
تُحدِّد مساهمة مصادر الملوثات المتحرّكة (وسائل النقل) والثابتة (المولدات الكهربائية والمصانع) نوعيّة الهواء التي تُقاس بواسطة مؤشّرات متعدّدة. كما تتأثّر نوعيّة الهواء بعناصر الطقس، بما في ذلك درجة الحرارة والرطوبة والرياح. لذلك، من الواضح أنّ تغير المناخ سوف يكون له تأثير مباشر على نوعية الهواء، وبالتالي على صحة السكان المعرّضين.
مسببات الحساسية المنقولة بالهواء: يحدّد الطقس شدّة الرياح واتجاهها، وبالتالي وجود الغبار المنقول جواً، ونقله، وتبدّده. وقد تم توثيق ذلك حول العالم في العديد من الدراسات التي تربط تغير المناخ بانتشار أوسع لأعراض الحساسيّة وزيادة عدد حالات الربو المبلّغ عنها في المناطق المتأثّرة. وتمّ ربط زيادة كثافة ثاني أوكسيد الكربون ودرجات الحرارة بزيادة إنتاج لقاح عشب الرّجيد (ragweed) وإطالة موسمه. وقد انتقلت سحب الغبار من أفريقيا عبر المحيط الأطلسي وصولاً إلى منطقة البحر الكاريبي، حيث تم الإبلاغ عن زيادة ملحوظة في حالات الربو. وأُفيدَ بأن العديد من أنواع البكتيريا والفطريات المعروفة بتسبيبها أمراض الحساسيّة والالتهابات الرئويّة والجلديّة قد صمدت خلال الانتقال عبر المحيط الأطلسي.
للبينات المذكورة أعلاه آثار خطيرة بالنسبة إلى البلدان العربية القريبة جغرافيّاً من الصحارى أو المعروفة بصحاريها الواسعة، كما في شمال أفريقيا ومنطقة الخليج. ويمكن لتغيّر أنماط الرياح في ظل ظروف جويّة معيّنة أن يساهم في النقل البعيد المدى لغبار الصحراء والجراثيم والعفن. قد يحدث ذلك على مدى فترات زمنيّة تتراوح عادةً بين 4 و6 أيام، ممّا قد يؤدّي إلى تأثيرات مضرّة على الصحّة. ومن المثير للاهتمام أنّه، رغم ندرة الدراسات في هذا المجال، أُجرِيَتْ أربع دراسات، من أصل خمس تم الاطلاع عليها، في بلدان عربية صحراوية تضربها العواصف الرملية المتكرّرة.
تم تحليل عيّنات غبار من منازل في الرياض عام 1988، فتبين وجود أنواع مختلفة من أبواغ (بذور) الفطر والعفن. منها أنواع معروفة بالتسبّب في الحساسيّة. كما تبين وجود 32 فئة عامة منها في جوّ الرياض، والأكثر كثافة كان ''كلادوسبوريوم''. وتختلف كثافة هذه الأنواع بحسب الموسم، فهي تزداد في الأشهر الأكثر دفـئـاً وتنخفض في الشتاء. كما تمّ ربط الربو ببعض ملوثات الهواء في الأماكن المُغلقة التي تمّ تحديدها في هذه الدراسة. وفي العام 1998، استنتجت دراسة أن غبار العواصف الرمليّة يشكّل ''مصدراً رئيسياً لأمراض الجهاز التنفسي'' في الرياض. وأعلن عام 2007 عن زيادة 100 في المئة في عدد المستعمرات الفطرية أثناء العواصف الغباريّة في السعودية.
وفي دراسة عامة لعدة قطاعات شملت 850 تلميذاً من مدارس الإمارات، كانت العواصف الغباريّة والرطوبة من بين العوامل العديدة المرتبطة بانتشار الربو.
وتفيد منظمة الصحّة العالميّة أن ما يزيد على 1,1 بليون شخص يعيشون في المدن حيث الهواء الخارجي غير صحي للتنفس. وتزداد هذه الظروف سوءاً في ظل أنماط معينة للطقس ترفع درجة الحرارة في المدن، ما يؤدّي إلى مستويات مرتفعة من ملوّثات معيّنة.
طبقة الأوزون الأرضيّة: الضباب الدخاني الكيميائي الضوئي هو خليط من الملوثات التي تتشكل تحت تأثير أشعّة الشمس ما فوق البنفسجيّة. وبالتالي، تؤدّي الأيّام الشديدة الحرّ إلى مستويات أعلى من أوزون التروبوسفير، إضافة إلى ثاني أوكسيد النيتروجين ونترات البيروكسي اسيل (PANs) وغيرها من ملوثات الجو. ويشكّل ازدحام السير في المناطق الحضريّة المصدر الأساسي لزيادة مستـوى أكـاسيد النيتروجين والمركبات العضويّة المتطايرة (VOCs).وتؤثّر كلّ من درجة الحرارة والرياح والإشعـاع الشمسي ونسبة الرطوبة والتنفيس والمزج على انبعاثات سلائف الأوزون (Ozone precursors) فضلاً عن إنتاج الأوزون. وبما أنّ تشكيله يعتمد على ضوء الشمس، تكون كثافة الأوزون عادةً أعلى خلال أشهر الصيف الحارّة. ويتوقع أن تزيد تركيزات الأوزون الأرضي في أنحاء العالم كافة.
ويرتبط التعرّض لتركيزات عالية من الأوزون بزيادة حالات دخول المستشفيات لعلاج الالتهاب الرئوي والربو وحساسيّة الأنف، وغيرها من أمراض الجهاز التنفسي والوفيّات المُبكرة.
ليست المنطقة العربية مستثناة من هذه الزيادة، لا سيما مع زيادة استخدام الوقود الأحفوري والنمو السكاني في دول الخليج. ويُرجَّح أن تتأثّر المدن العربية، لا سيما المدن ذات المناخ الحار والجزر الحرارية، وأن يشهد سكانها زيادة في أمراض الجهاز التنفسي، وفي معدلات الوفاة والأمراض، نتيجة التعرّض فترات طويلة لأوزون التروبوسفير، الذي ما زال البحث عن تأثيره على صحة الإنسان في المنطقة العربية شبه غائب. وبالتالي، على هذه المنطقة الاعتماد على النماذج الدولية المتاحة حالياً وتطوير قدراتها الخاصة للتعامل مع المسائل العديدة العالقة، ومنها: مستوى انبعاثات سلائف الأوزون في المستقبل، وإلى أي مدى يمكن للأحوال الجوية أن تزيد من كثافة الأوزون لاحقاً، وتوقّعات النمو السكاني، واستخدام الطاقة، والتنمية الاقتصادية، والضوابط وتنفيذها.
الجزيئات المعلَّقة(SPM): تضم الجزيئات المعلقة تشكيلة من الجزيئات الصلبة والقطرات السائلة، وهي صغيرة وخفيفة بما يكفي لتبقى معلقة في الهواء فترات طويلة. وهي معروفة بتأثيرها على نسبة الأمراض، كما هو موثّق في أكثر من ألفي دراسة نُشرت في السنوات الخمس عشرة الماضية. الأشكال الأكثر ضرراً هي الجزيئات الدقيقة (معدّل قطرها أقل من 10 ميكرومتر) والجزيئات الدقيقة جداً (معدّل قطرها أقل من 2,5 ميكرومتر) التي، في حال استنشاقها، يُمكن أن تصل إلى أجزاء الجهاز التنفسي العميقة (القصيبات والحويصلات الهوائية). وتشمل الآثار السلبيّة إلحاق الضرر بالرئتَيْن، وتهيّج الأنف والحنجرة، وتفاقم حالات الربو والالتهاب الشعيبي. ويمكن للجزيئات السامة، مثل الرصاص ومركبات ثنائيات الفينيل المتعدّدة الكلور (PCBs) والكادميوم، أن تؤدّي إلى تحوّل جيني، ومشاكل في الإنجاب، وداء السرطان. في الولايات المتحدة، تُعتبَر الجزيئات المعلقة مسؤولةً عن 60,000 إلى 70,000 حالة وفاة مبكرة في السنة.
وعلى رغم الآثار المعروفة للأوزون والجزيئات المعلقة وملوّثات الهواء الأخرى المرتبطة بدرجة الحرارة على صحة الإنسان، لا تزال البحوث حول هذا الموضوع نادرةً في المنطقة العربية. وقد أفادت الوكالة المصريّة للشؤون البيئيّة أنّ تلوث الهواء مسؤول عن 3,400 حالة وفاة سنويّاً في القاهرة، إضافة إلى نحو 15,000 حالة من التهاب القصبات و329,000 حالة من التهاب الجهاز التنفسي، وعدد كبير من حالات الربو. كما لوحظت زيادة تلوث الهواء في المدن الرئيسية في كل من الجزائر والأردن ولبنان والمغرب وفلسطين وتونس.
قيّم فريق علمي عام 2006 تغيّر مؤشرات نوعية الهواء، مثل أول أوكسيد الكربون وثاني أوكسيد الكبريت وأوزون التروبوسفير والجزيئات الدقيقة PM10 فوق مدينة بيروت. فتبين أن تركيزات الأوزون (في الشتاء 23 ميكروغرام في المتر المكعب وفي الصيف 34 ميكروغرام في المتر المكعب) وأول أوكسيد الكربون وثاني أوكسيد الكبريت هي أدنى من معايير وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة لنوعية الهواء، في حين أنّ مستويات الجزيئات الدقيقة PM10 وُجِدت أعلى. وتشكّل انبعاثات المركبات ووسائل التدفئة المصادر الرئيسية لارتفاع مستويات أول أوكسيد الكربون وثاني أوكسيد الكبريت على التوالي، في حين أنّ ارتفاع مستويات الجزيئات الدقيقة PM10 والأوزون كانت نتيجة عدة ظواهر للنقل المحلي والطويل المسافة.
يُتوقّع أن يؤدّي تغير المناخ إلى تفاقم تلوث الهواء في المنطقة. وبالتالي، يحتاج العالم العربي الى أبحاثٍ عن الآثار المُحتملة لتغير المناخ على نوعيّة الهواء، كما على صحة الإنسان.
انتشار الأمراض المُعدية
تُعتبَر الأمراض المُعدية أسباباً رئيسية للوفاة والعجز والخلل الاجتماعي والاقتصادي لملايين الناس في أنحاء العالم. ويموت ما بين 14 و17 مليون نسمة سنويّاً بسبب الأمراض المُعدية، وجميعهم تقريباً يعيشون في البلدان النامية. وتُشير الأدلة بشكل قاطع إلى وجود روابط بين الظروف المناخيّة والأمراض المُعدية. وتفتقر العوامل المعدية إلى آليّة تثبيت حرارية (Thermostatic)، لذا يعتمد تكاثرها وبقاؤها على قيد الحياة اعتماداً كبيراً على تقلّبات المناخ.
وثمة أمراض تحملها ناقلات مثل البعوض والقراد وذباب الرمل والذبابة السوداء والقوارض، تتأثّر بالمناخ وتُعتبَر أكثر المواضيع دراسةً من حيث العلاقة مع تغير المناخ. وثمّة أمراض معدية أخرى مثل الكوليرا وغيرها من الأمراض المنقولة بالمياه هي أيضاً حسّاسة إزاء تغير المناخ، وذلك الى حد بعيد بسبب نقص فرص الوصول إلى المياه وتدهور نوعيّة المياه الصالحة للشرب.
- الملاريا: هذا مرض مترسّخ في تسع دول من منطقة شرق المتوسّط. في العام 2007، بلغ عدد حالات الملاريا في البلدان العربية ضمن منطقة شرق المتوسط نحو 3 ملايين إصابة، غالبيتها في الصومال والسودان واليمن وجيبوتي. ويتحمل السودان العبء الأكبر، حيث سجلت 2,5 مليون حالة و37,707 وفيات في العام 2006 وحده. الأطفال والنساء الحوامل هم الأكثر عرضةً للإصابة بالملاريا، إضافة إلى آثار سلبيّة أخرى، منها انخفاض الوزن عند الولادة وفقر الدم والإجهاض. ويحتل اليمن المرتبة الثانية بين الدول العربية، حيث الملاريا الحادّة لدى الأطفال مرض متوطن في السهل الساحلي والجبال الداخليّة، وتشكّل عبئاً كبيراً على الخدمات الصحيّة في اليمن.
تمّت دراسة الملاريا منذ فترة طويلة. ومن المعروف أنّ التنوع الجغرافي يحدّد تقلّب الملاريا من حيث توطنها وكثافة انتقالها ونوعها. ومن المتوقَّع أن يؤثّر تغير المناخ على التوزيع الجغرافي وكثافة انتقال الملاريا، وذلك بسبب تغيّر نمط سقوط الأمطار والرطوبة، لا سيّما الفارق الموسمي في درجة الحرار. على سبيل المثال، تمتدّ فترة حضانة بروتوزوا الملاريا الخبيثة 26 يوماً عند حرارة 25 درجة مئوية، لكنها تنخفض الى 13 يوماً عند حرارة 26 درجة مئوية. وأظهرت دراسة أُجريت عام 2006 في شرق أفريقيا أنّ زيادة 3 في المئة في درجة الحرارة قد تؤدّي إلى زيادة 30 ـ 40 في المئة في وفرة البعوض.
وفي الجزء الجنوبي الغربي من السعودية يتمّ انتقال الملاريا على مدار العام، مع ذروة في موسم الأمطار والصيف الحارّ. ولاحظت دراسة في اليمن ترابطاً كبيراً بين العوامل المناخيّة، مثل درجة الحرارة والرطوبة النسبية وحجم هطول الأمطار وسرعة الرياح، وانتشار الملاريا. وأدت الـظروف الجوية المؤاتية (مثل درجة الحرارة المثلى والرطوبة النسبية) إلى إطالة موسم انتقال الملاريا إلى 8 أشهر في السنة في محافظة الفيوم في مصر، كما انتشرت ناقلات بعوضة الملاريا في مناطق حيث كانت في السابق غائبة. وكشفت دراسات استقصائية لمواقع تكاثر ناقلات الملاريا في شمال السودان عن نمط موسمي لليرقات يبدو أنه مرتبط بارتفاع منسوب نهر النيل وهبوطه، وأن الانتقال الموسمي للملاريا في شرق السودان يزداد مع بداية موسم الأمطار والرطوبة العالية.
- حمى الضنك Dengue: هي مرض الحمى الحادة الناجمة عن ''فلافيفيروس'' الذي ينتقل عن طريق لسع بعوضة ستيغوميا المصريّة Stegomyia aegypti. وهي مرض مستوطن في المناطق الاستوائيّة وشبه الاستوائيّة كافةً، يهدّد ثلث سكان العالم تقريباً. يزيد من انتقال العدوى هطول الأمطار الغزيرة ودرجات الحرارة المرتفعة، وحتى الجفاف كما يُظهر بعض الدراسات.
- الليشمانيا الجلدية أو حبة حلب Cutaneous leishmaniasis: لقد تغيّر توزيع ناقلات ذبابة الرمل فليبوتومين الناقلة لفيروس الليشمانيا الجلدي في السنوات الماضية. وعادت أنواع أخرى من ذباب الرمل إلى الظهور في أجزاء معيّنة من العالم.
- البلهارسيا Schistosomiasis: هو داء حشوي تسببه طفيليات من الديدان المسطحة. والنوع الذي يؤثر في البشر هو الديدان المثقوبة، التي تعتمد على حلزون المياه العذبة باعتباره المضيـف الوسيـط. كمـا قد تتـأثّر البلهارسيـا بالعوامل المناخية. ويُشير بعض الأدلة إلى أن ''خـط التجمد'' تحركّ نحو الشمـال بسبب ارتفاع درجات الحـرارة. وبينت صُـوَر الأقمـار الإصطناعية أنّ البلهارسيا المنسونيـة S. mansoni في مصر تتوسّع في جنوب دلتا النيل بسبب قنوات الري الجديدة وإمدادات المياه الأكثر فعاليّةً والاستقرار الفيزيائي ـ الكيميائي منذ إنجاز سد أسوان. فقد وفّرت هذه التغييرات تناسقاً أفضل للهيدرولوجية الطفيلية. علاوةً على ذلك، أصبح حلـزون ''بولينوس ترونكاتس'' Bulinus truncates وهو المضيف الوسيـط للبلهارسيـا الدمويـة S. haematobium، قـادراً على تحمل عدة شهور من الجفاف ودرجات حرارة مرتفعة. وبينت دراسة في المغرب علاقة بين كثافة هذا الحلزون والتغيّرات المناخية. فالحلازين تتبع نمطاً دورياً حيث كانت الكثافة العالية في الصيف. واعتبرت درجة الحرارة من أهم العوامل التي أثّرت على التقلّبات في مجموعة الحلزون. لكنها خلال سنة الدراسة (1987) كانت ناشطةً على مدار السنة،لأنّ درجة الحرارة اليوميّة كانت أعلى من 10 درجات مئويّة. وتبين أن معدل الإصابة القصوى حدث في الصيف حيث كان متوسط درجة الحرارة اليومية عالياً واستعمال المياه أكثر تكراراً.
- أمراض تنتقل عن طريق القوارض: تميل هذه أيضاً إلى الزيادة في أثناء هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات، إذ يزداد عدد القوارض. وخير مثال على ذلك مرض هانتا فيروس الرئوي.
ممارسات التكيّف
قد تكون مساهمة الدول العربية المباشرة في إحداث تغير المناخ ضعيفة، لكنها تواجه مخاطر كبيرة من عواقبه، لا سيما في ما يتعلّق بالمخاطر الصحية. وبالتالي، على البلدان العربية اتخاذ تدابير تكيّف لتخفيض عبء الأمراض وغيرها من العواقب الصحية المرتبطة بتغير المناخ. وسيكون السكان الذين لا يتكيّفون الأكثر عرضةً لتأثيرات تغير المناخ.
تُنفَّذ تـدابير التخفيف على مستويات متعـددة لمنـع وقـوع كوارث أو للحد من وطأتها. في حالة موجات الحر مثلاً، تتضمَّن التدابير التخفيفيّة اعتماد تصاميم بناء تأخذ في الاعتبار موجات الحر المستقبليّة بسبب تغير المناخ، لا سيّما في المدن العربية، كما هي الحال في الامارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، وهما دولتان تتوسّعان بوتيرة سريعة جداً. ومع نموّ المدن واندماجها، تزداد ''الجزر الحرارية(heat islands) وتندمج أيضاً. ويمكن تقليص الجزر الحرارية في المدن العربية الكبيرة من خلال التخطيط المدني والحفاظ على البيئة، مثل الحد من استخدام السيارات وتعزيز وسائل النقـل العام وزرع الأشجار وحماية التنوع البيولوجي. ويُنصَـح باعتمـاد أنظمـة إنذار من موجات الحر لتحذير السكان، لكن فعاليـة هذه الأنظمة تعتمد على وعي الأفراد والاستعداد لاتخاذ الإجراءات المناسبة. ويمكن للأفراد أن يقلّلوا من تعرّضهم عن طريق ضبط الأنشطة في الخارج وتعديل درجة حرارة الهواء في الأماكن المغلقة وارتداء الملابس الملائمة.
وفي حال غير ذلك من المخاطر، مثل الفيضانات، يكون وعي المجتمع المحلي واستعداده مهمَّيْن جداً إذا كان من الصعب تقنياً أو مالياً بناء سدود للفيضانات أو إنشاء قنوات للحد من أضرارها.
لقد حان الوقت لأن تتّخذ الدول العربية تدابيرَ على المستويَيْن الوطني والإقليمي من أجل الجهوزية على صعيد الصحة العامة لمواجهة مثل هذه الكوارث. ويجب أن تتصدّى خطة الاستعداد للمراحل الثلاث من الكارثة: مرحلة ما قبل الكارثة (التخفيف من حدّتها، الوعي، أنظمة الإنذار)، ومرحلة وقوع الكارثة (الاستجابة، تسهيلات الرعاية الصحية)، ومرحلة ما بعد الكارثة (إعادة التأهيل، الأثر الطويل الأمد، التقييم). وكحد أدنى، يجب أن تشمل أنظمة استعداد هيئات الصحة العامة ما يأتي:
رسم خرائط المخاطر: هو العنصر الحاسم في أي خطة استعداد، حيث تُرسم بوضوح المناطق المعرضة للخطر والفئات السكانية المعرضة والمحتمل تأثرها. تشمل المناطق المعرضة للخطر الأراضي القاحلة، والمدن الساحلية المعرضة لارتفاع مستوى سطح البحر، ومحيط السدود، ومشاريع الري، والمدن المكتظة.
سوف تساعد هذه المعلومات صانعي السياسات في تحديد أولوياتهم واتخاذ القرارات بشأن تأمين الموارد الملائمة وتوزيعها، بما في ذلك مـوارد الرعايـة الصحيـة وتسهيلاتها. ويشكّل نظام المعلومات الجغرافيّـة (GIS) أداة مهمة في هذا الاتجاه، إذ يربط بين المعلومات الجغرافية (مثل الإحداثيات الجغرافية لنقطة معينة أو الخطوط العريضة لمنطقة إداريّة) وبعض المعلومـات ذات الصلـة حول هذا الموقع (عدد السكان والموارد المتاحة والأخطار المحتملة وعدد الاشخاص الذين ماتوا بسبب المـلاريا مثلاً في سنة معينة). قد تسمح مثل هذه الأنشطة للبلدان العربية بأن تكون لها قاعدة معلومات قويّة في غضون بضع سنوات.
الأبحاث: ثمة حاجة إلى الأبحاث من أجل تقييم التغيّرات المناخية وآثارها على الصحّة في العالم العربي، ممّا سيسمح للبلدان بتحديد نقاط ضعفها بشكل أفضل وتقييم قدرة كل بلد على التكيّف. كما لا بدّ من تقدير تكاليف تغير المناخ وأعبائه. فقد تكون هذه المعلومات ضروريّةً لإقناع الحكومات بتخصيص ميزانيات لتدابير التخفيف والتكيّف وإجراء المزيد من الأبحاث الوطنية في هذا المجال. قد تشمل مواضيع البحث ذات الأولوية: الحرارة والصحة لا سيّما في البلدان ذات الصيف الحار، ومسببات الحساسية المنتقلة عبر الهواء خصوصاً لأن نسبة التصحر ترتفع، وانتقال الملاريا، ونوعية المياه في المدن الساحلية اذ ان ارتفاع مستوى مياه البحر وزيادة تسربها إلى خزّانات المياه الجوفية الساحليّة يهددان نوعية مياه الشرب.
تكييف الأنظمة الصحية: تحتاج الأنظمة الصحيّة في العالم العربي إلى التكيّف والاستعداد للاستجابة لعواقب تغير المناخ. ويتطلب بناء قدرة القطاع الصحي، وهو التزام طويل الأجل، برامج تقنيّة وإداريّة سليمة. ولا تكمن القضية الرئيسية في وضع نظام منفصل لكل نوع من أنواع المخاطر، بل في بناء القدرات داخل القطاع الصحي لمواجهة أنواع المخاطر كافةً الناجمة عن تغير المناخ. ويتطلّب هذا مشاركة واستعداداً من الجهات المعنيّة كـافةً في مجال الصحة (وزارة الصحة العامة والمنظمات الحكوميـة وغير الحكومية المعنية بالصحة والمرافق الصحيّة الخاصة ووكالات الصحة الدولية والجمعيات والنقابات المهنية). علاوةً على ذلك، يتطلب استعداد النظام الصحي مقاربة متعددة القطاعات، والتنسيق بين القطاعات المعنية كافةً، مثل الأشغال العامة والنقل والخدمات الاجتماعية والإسكان والتخطيط الحضري والمياه والكهرباء.
بناء القدرات: تحتاج العناصر المذكورة سابقاً، وهي ضرورية لتأهيل نظام الصحة العامة، إلى أسس قويّة من التدريب وبناء القدرات لصانعي السياسات والعلماء والمهنيين الصحيين، في مجال إدارة الكوارث والأبحاث وجمع البيانات ورصدها والاستجابة لحالات الطوارئ الصحية. ويقتضي ذلك أيضاً زيادة الوعي بين السكان بشكل عام، وفي صفوف الفئات المعرضة للتأثر بشكل خاص.
تتحمل الدول العربيّة الأفقر في الوقت الراهن العبء الأكبر من آثار تغير المناخ على الصحة. ربما يشكّك البعض في مساهمة تغير المناخ في هذا العبء بالمقارنة مع الفقر والظروف المعيشيّة الصعبة. وإذا كانت الدول العربية تريد تحقيق أهداف الألفية للتنمية ومواجهة الآثار السلبية المتوقعة لتغير المناخ، فلا بدّ من تطبيق استراتيجيّات وسياسات وتدابير للتكيف. كما أن الحدّ من انبعاث غازات الاحتباس الحراري من خلال التحوّل إلى مصادر الطاقة المتجدّدة وزيادة فعالية استخدام الطاقة سيحقق فوائد كبيرة لصحة الإنسان على المدى الطويل.
لا نقص في الموارد البشرية أو الموارد المالية العالمية والإقليمية في المنطقة العربية. ما نحتاج إليه الآن هو الإرادة للعمل.
كادر
تغيّر المناخ والصحة في الدول العربية كما ورد في التقارير الوطنيّة
المرفوعة إلى الهيئة العلميّة لاتفاقيّة الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ
نشرت معظم الدول العربية تقاريرَ وطنية عن الآثار الضارة لتغيّر المناخ، وذلك استجابةً لطلب من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. ويُتوقّع ازدياد المشاكل الصحيّة المرتبطة بتغير المناخ في المنطقة العربية.
ويُتوقّع أن يتسبب التغيّر المناخي في ارتفاع مستوى سطح البحر والفيضانات الساحلية، التي سوف تؤثر على المستوطنات البشرية والبنية التحتية في المناطق الساحلية في البحرين وجيبوتي والكويت وليبيا والامارات العربية المتحدة ومصر وجزر القمر ولبنان وتونس والمغرب والمملكة العربية السعودية. وأشار التقرير الوطني الأوّلي لجزر القمر إلى التسمم الغذائي الجماعي المتوقَّع الذي يُنسَب إلى زيادة استهلاك الكائنات البحرية السامة. ويُتوقّع أيضاً أن ينخفض توافر المياه في المنطقة، لا سيّما بالنسبة إلى عدد من البلدان، بما في ذلك البحرين والسودان وجيبوتي وتونس والجزائر والمغرب والأردن وسورية ودولة الامارات العربية المتحدة. كما يُتوقّع أن تولّد ندرة المياه وتضرر البنى التحتية مشاكلَ صحيّة خطيرة، على غرار زيادة خطر الاصابة بالكوليرا، وذلك متوقَّع لدولة الإمارات العربية المتحدة، والإسهال. وسوف يؤدي نقص توافر المياه إلى انخفاض الإنتاج الغذائي. كما من شأن انخفاض إنتاج المحاصيل في البحرين وجزر القمر والمغرب والمملكة العربية السعودية أن يزيد من مخاطر سوء التغذية والجوع المحتملة بالنسبة إلى الملايين.
وبحسب التقرير الأول لجمهورية مصر العربية إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن بتغير المناخ، ستكون للتغيّر المناخي آثار ضارّة مباشرة وغير مباشرة على صحّة الإنسان في البلاد. وتتضمّن الآثار المباشرة الاضطرابات الفيزيولوجية وسرطان الجلد وإعتام عدسة العين والإصابات وضربات الشمس والوفيّات، والأضرار التي ستلحق بالبنى التحتيّة الصحيّة. أما الآثار غير المباشرة فتشمل عواملَ مثل التشرّد الديموغرافي وعواملَ أخرى اجتماعية واقتصادية وبيئية، إضافة إلى تلوّث الهواء.
يتوقَّع أن يزيد ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة من الأمراض المنقولة مثل الملاريا. ويعلن كلّ من السودان واليمن وجزر القمر عن كثافة الإصابات بالملاريا، في حين أنّ لبنان يعلن عن زيادة حالات الإصابة بالمرض. إضافة إلى ذلك، أُبلغ عن زيادة متوقعة في لبنان للأمراض المنتقلة عبر الماء مثل الاسهال والتيفوئيد والتهاب الكبد أ. وسوف يؤدّي انخفاض هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة تلوث الهواء، وبالتالي إلى زيادة في أمراض الجهاز التنفسي بين سكان المناطق الحضرية، لا سيما في مصر ولبنان ودولة الامارات العربية المتحدة. ويمكن أن تزيد درجات الحرارة المرتفعة من الاجهاد الحراري والكوارث المناخيّة، ممّا يؤدي إلى زيادة الوفيّات ومعدلات الإصابة.
ويُتوقّع أن يضرب التصحّر الأجزاء الشماليّة من السودان والمغرب والمملكة العربية السعودية. وستكون لازدياد العواصف الرّملية آثارٌ سلبيّة على الصحة. ومن شأن زيادة معدّل الأعاصير والعواصف والفيضانات في جزر القمر التسبب بتدمير 17 مركزاً صحيّاً و35 محطة تمريض. وليس لدى الكويت وليبيا وسورية وعُمان وقطر تقارير وطنيّة عن النتائج الضارة الناجمة عن التغير المناخي.
الدكتور إيمان نويهض عميد كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت وأستاذ صحة العمل وصحة البيئة فيها. والدكتورة ريما حبيب أستاذة باحثة في الكلية نفسها. والدكتورة ريـن يوسف باحثة بيئية مستقلة. يمكن الرجوع الى المصادر في الفصل السابع من تقرير ''البيئة والعربية: تغير المناخ'' الصادر عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية عام 2009 حيث نشر النص الكامل لهذا البحث:www.afedonline.org