مدينة ليما، التي تعتبر مع القاهرة العاصمتين الأكثر جفافاً في العالم، لا تحصل إلا على قطرات من المطر كل سنة. لكن الضباب الكثيف الذي يأتي من المحيط الهادئ يغلف الهضاب الساحلية المحيطة بها طوال ثمانية أشهر سنوياً، نتيجة اقتران أشعة الشمس الاستوائية الحارة بالمياه الباردة التي يحملها التيار همبولت.
في حزام الأكواخ البائسة حول عاصمة البيرو، يستعمل السكان شباكاً مماثلة لشباك الكرة الطائرة، فيكثفون الضباب قطرة قطرة تصب في أنابيب تصريف تمتد نزولاً من الهضبة الى أحواض تخزن مئات الليترات من الماء الذي يستخدم للري والاستحمام والطبخ.
''ماء نقي من الضباب، هل تصدق ذلك؟'' قال نوي نيرا زعيم حي بيلافيستا وهو يغطِّس يده في حوض من الطوب ممتلئ حتى الحافة، مضيفاً: ''هناك كميات كبيرة من الماء في الهواء، ولم نكن نعرف كيف نستفيد منها".
لقد فاز الرئيس البيروفي ألان غارسيا في انتخابات 2006 جزئياً بناء على وعد بتوفير الماء لملايين المواطنين الفقراء. لكن مع اقتراب نهاية فترة حكمه، ما زالت مشكلة المياه المزمنة في ليما عصيَّة أكثر من أي وقت مضى. وتعتمد المدينة كلياً على الماء الناتج من ذوبان الأنهار الجليدية. وترى الأمم المتحدة أن ذوبان الجليد نتيجة ارتفاع الحرارة في جبال الأنديز قلص التدفقات الى الساحل الجاف في البلاد، حيث يعيش ثلثا السكان، بنسبة 12 في المئة. وهذا جعل الحكومة تمد المزيد من خطوط المياه الرئيسية، فضلاً عن النظر في اقامة محطات تحلية على شاطئ المحيط أو ضخ المياه من حوض الأمازون لتأمين الامدادات في المستقبل.
حتى بعد عقد من النمو الاقتصادي السريع، ما زال ربع سكان المدن ونصف سكان الأرياف في البيرو يفتقرون الى مراحيض صحية ومياه شرب نظيفة. وهذه هي حال سكان حي بيلافيستا الذين، مثل غالبية فقراء البيرو، يحصلون على مياههم من سيارات صهريج تبيع الماء بسعر 0,7 دولار للبرميل، أي أكثر 10 مرات مما يدفعه سكان أغنى أحياء ليما ثمناً لمياه الشبكة العامة. قالت جوزفينا أورتيز، وهي أم لثلاثة أطفال كانت تنتظر خارج كوخها المصنوع من ألواح خشبية: ''نحن ندفع ثمن الماء وكأننا من أصحاب الملايين. لن نستطيع التقدم أبداً بسبب الافتقار الى الماء".
الشباك في بيلافيستا، التي نصبها بيولوجيون في منظمة ''أليمون'' الألمانية، تحول الضباب الى ماء بديل قابل للاستمرار، لانهاء الاعتماد على مياه الصهاريج الغالية والتي غالباً ما تكون ملوثة. قالت ساندرا أتوسباريا التي تقطن هناك: ''أحياناً لا تأتي الصهاريج الى هنا طوال أيام، لذلك نخزن مياه الضباب كاحتياط. من المؤسف أننا لا نمتلك المزيد من أحواض التخزين".
وعلى رغم أن نظام الشباك في بيلافيستا صدئ بعد ثلاث سنوات فقط من الاستعمال، وهو يجف أثناء فصول الصيف القصيرة الخالية من الضباب، يحلم السكان الفقراء بأن يبادر العمدة الى نصب الشباك على الهضاب المحيطة بالمدينة. وقال آبل كروز رئيس منظمة ''بيروفيّين من دون ماء'' مشيراً الى آلاف أكواخ الخشب والصفيح التي أقيمت عشوائياً حول ليما: ''هذه المنطقة بأسرها تفتقر الى الماء، لكن بخمسين شبكة يمكننا إمدادها جميعاً.
|