تسببت الزيادة السكانية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك التغيرات المناخية، في زيادة الحاجة إلى المياه العذبة التي تمثل المشكلة الرئيسية أمام العالم في الوقت الحالي. وتحاول بعض الدول التغلب على مشكلة الشح في بعض المناطق عن طريق نقل المياه في صهاريج، أو في سفن كما يحدث في جزر اليونان.
معظم دول العالم التي تعاني من الشح تلجأ إلى إنشاء محطات لتحلية مياه البحر، خصوصاً في المنطقة العربية التي تعاني بشدة من نقص المياه. وهناك نحو 15 ألف محطة حول العالم تنتج نحو 60 مليون متر مكعب من الماء يومياً، بحسب إحصاءات الجمعية الدولية للتحلية التي أعلنت في مؤتمرها العـالمي الذي استضـافته دبـي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، أي بزيادة 6,6 ملايين عن سنة 2008. وثلثـا هذا الانتاج في المنطقة العربيـة وخصوصاً سواحل الخليج والبحـر المتوسط والبحر الأحمـر. وأكبر الدول المنتجة للمياه المحلاة هي المملكة العربية السعودية (18% من الانتاج العالمي)، تليها الامارات والولايات المتحدة (13% لكل منهما).
المشاكل البيئية لمحطات التحلية
أثناء مرحلة الانشاء وإقامة المواسير، يحدث اضطراب لقاع البحر يؤدي إلى عكارة شديدة وتلوث الماء وتدمير كامل للكائنات القاعية. وبعد الإنشاء، يؤدي وجود مواسير السحب والصرف إلى تغيير طبيعة القاع، حيث تعمل كشعاب اصطناعية تستخدمها الكائنات البحرية، كما أن وجودها يعيق حركة الملاحة في المكان. ويؤدي سحب الماء من البحر إلى سحب كائنات بحرية داخل المواسير.
لكن المشكلة الرئيسية الناجمة عن محطات تحلية المياه هي إعادة المياه الناتجة من عمليات التحلية، والتي تتميز بملوحة وحرارة عاليتين. فهي تؤثر على المجتمعات البحرية الحساسة، مثل الشعاب المرجانية والحشائش البحرية. وفي محطات التحلية التي تعتمد على الضغط الاسموزي (الارتشاحي)، يكون معدل الارتجاع بين 30 و50 في المئة من كمية المياه المغذية للمحطة، وهذا يعني أن معدل تركيز الأملاح في المياه الخارجة من المحطة يكون أكثر 30 ـ 50 في المئة من تركيز الأملاح في المياه الداخلة الى المحطة. وتتمثل الخطورة في ضخ مياه ذات ملوحة وحرارة مرتفعتين إلى البيئة البحرية، وتعتمد درجة الخطورة على الخصائص البيئية والجيولوجية للمنطقة مثل حركة التيارات البحرية والأمواج وعمق الماء والخصائص الفيزيائية والكيميائية للماء. تحدد هذه العوامل شدة الخلط التي تحدث مع مياه البحر، وبالتالي تحدد المدى الجغرافي للتأثير والذي يتغير من مكان الى آخر تبعاً لطبيعتة (شعاب مرجانية، صخور، رمال).
والى التأثيرات الناتجة عن ارتفاع الملوحة في مياه صرف المحطة، تحتوي هذه المياه أيضـاً على مـواد كيميائيـة مختلفة ناتجة من عمليات المعالجة. وأهم هذه المواد: صوديوم هيبوكلوريت NaOCl أو الكلور الحر الذي يستخدم في عمليات الكلورة لمنع نمو الحشف (biofouling)، وهو تراكم بعض الكائنات الحية مثل الطحالب والرخويات الصغيرة والـديدان التي تكوّن هيكلاً كربونيـاً داخـل مواسير التغذية والصرف. ومن هذه المـواد الكيميائية أيضاً كلوريد الحديد FeCl3 الذي يستخدم لازالة المواد العالقة في الماء، وحمض الكبريتيـك أو حمض الهيدروكلوريك الذي يستخدم لتعديل الأس الهـيدروجيني pH) درجة الحموضة والقلوية)، وصوديوم هكساميتافوسفات الذي يمنع تكون قشور على المواسير والأغشية، وصوديوم بيسلفات NaHSO3 الذي يستخدم لمعادلة أي بقايا منالكلور في الماء المغذي للمحطة. كما يمكن وجود مواد عضوية.
من المشاكل أيضاً الضوضاء الناشئة حول محطات تحلية المياه نتيجة استخدام مضخات الضغط العالي ومولدات الطاقة، مثل التوربينات التي تصدر ضوضاء عالية جداً تتعدى 90 دسيبل، وهذا يزيد عن الحد المسموح دولياً. كما يعتبر وجود محطات التحلية على ساحل البحر مباشرة، خصوصاً في منطقة مثل البحر الأحمر، إهداراً لمناطق ذات أهمية سياحية.
وقد تتسرب المياه من مواسير الصرف وتلوث المياه الجوفية في المناطق المحيطة. كما أن اقامة المحطات وما يصاحبها من بنية تحتية لتشغيلها مثل محطات توليد الكهرباء، تؤثر سلباً على البيئة المحلية.
حلول ومقترحات
تعتمد دول كثيرة على التحلية كمصدر رئيسي للمياه العذبة، لذا تلجأ إلى إجراء دراسات تقييم الأثر البيئي لهذه المحطات. وتهتم الدراسة بتقييم حالة مياه البحر التي تغذي المحطة، خصوصاً تركيز العناصر الثقيلة، وحالة مياه الصرف وتأثيرها على البيئة البحرية، وما هي الاشتراطات البيئية اللازمة ليكون الصرف آمناً.
ويمكن التصريف مباشرة الى وحدات لانتاج الملح بالتجفيف عبر التبخر تحت أشعة الشمس، فلا تعود هناك ضرورة للصرف في البحر، كما يمكن الاستفادة من بيع الأملاح الناتجة للاستخـدام الصناعي، وهذا معمول به حالياً في بعض الدول الأوروبية مثل اليونان. ولمنع تسرب المياه من مواسير الصرف ومنع اختلاطها بالمياه الجوفية، يجب اختيار مواسير ذات جودة عالية واستخدام تقنيات متطورة لمنع التسرب.
ومن التدابير البديلة التي يُعمل على جعلها مجدية اقتصادياً استخدام مصادر طاقة بديلة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة جوف الأرض لتشغيل محطات الكهرباء الملحقة بمحطات التحلية. كما يمكن إقامة محطات تحلية عائمة على مسافات بعيدة داخل البحر تقلل الضوضاء وتوفر الأراضي ذات الأهمية الإقتصادية.
كادر
مبادرة سعودية لتحلية المياه بالطاقة الشمسية
أطلقت السعودية في كانون الثاني (يناير) 2010 مبادرة وطنية لتحلية المياه بالطاقة الشمسية بكلفة إجمالية تقدر بنحو 129 مليون ريال (35 مليون دولار).
وقال رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية محمد السويل ان هذه المبادرة هي الخيار الاستراتيجي الأمثل لتأمين مياه الشرب، حيث تنتج السعودية أكثر من 18 في المئة من الانتاج العالمي للمياه المحلاة. وقد تم تطوير تقنيات متقدمة من خلال المركز المشترك لأبحاث تقنية النانو بين المدينة وشركة ''آي بي إم''العالمية، بهدف التطبيق العملي لتقنيات النانو المتطورة في مجال إنتاج أنظمة الطاقة الشمسية والأغشية لتحلية المياه.
وسيتم تنفيذ المبادرة الوطنية على ثلاث مراحل خلال تسع سنوات. تتضمن المرحلة الأولى بناء محطة لتحلية المياه المالحة بطاقة إنتاج تبلغ 30 ألف متر مكعب يومياً لسد احتياجات مدينة الخفجي من مياه الشرب، وذلك من خلال انشاء محطة لإنتاج الطاقة الشمسية بطاقة 10 ميغاواط وأغشية التناضح العكسي، في مدة ثلاث سنوات. وتستهدف المرحلة الثانية بناء محطة لتحلية المياه بالطاقة الشمسية بقدرة إنتاج 300 ألف متر مكعب يومياً، يستغرق تنفيذها ثلاث سنوات. وسيتم خلال المرحلة الثالثة بناء عدة محطات لتحلية المياه المالحة بالطاقة الشمسية لجميع مناطق المملكة.
وتعتمد السعودية بصورة كبيرة على تحلية مياه البحر لتوفير المياه لسكانها البالغ عددهم نحو 25 مليون نسمة، ويتوقع أن يصل الى 37 مليون نسمة سنة 2020، ما يتطلب 70 بليون ريال (19 بليون دولار) لإنشاء محطات تحلية لتغطية الاحتياج مع خطوط النقل اللازمة.
وتقول وزارة المياه والكهرباء إن السعودية تواجه صعوبات كبيرة في إنتاج المياه بسبب محدودية المياه وارتفاع كلفتها مقارنة ببقية دول الخليج، بسبب نقل المياه مئات الكيلومترات ورفعها مئات الأمتار فوق مستوى سطح البحر. وأبدت الوزارة قلقها حيال مستقبل المياه في ظل التنامي السكاني والاقتصادي، اذ يزداد الطلب بنسبة 7 في المئة سنوياً.
وكانت الحكومة السعودية بدأت العام الماضي خطة لتقليل زراعة القمح في البلاد بشكل تدريجي، بسبب استنزاف برنامج زراعة القمح الذي بدأ قبل 30 عاماً كميات كبيرة من المياه.
الدكتور محمد أبو الرجال أستاذ وباحث في المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد، فرع البحر الأحمر ـ الغردقة، مصر.