في العام 1979، غزت فيتنام جارتها كمبوديا وأطاحت نظام الخمير الحمر بقيادة بول بوت، الذي شهد حكمه لأربع سنوات موت خمس سكان البلاد نتيجة الجوع أو العمل الشاق أو التصفية الجسدية. لكن الخمير الحمر أعادوا تنظيم صفوفهم على الحدود التايلاندية، وأطلقوا حركة تمردية دامت نحو عقدين.
الحرب الأهلية بين الخمير الحمر والحكومة التي عينها الفيتناميون في بنوم بنه كانت في البداية حول الايديولوجيا والسلطة، وتجسيداً للنزاعات التي سادت عصر الحرب الباردة. وكانت الحكومة الجديدة مدعومة مالياً من الاتحاد السوفياتي وبلدان الكتلة الشرقية، فيما وقفت الصين والولايات المتحدة وتايلاند ضد الغزو الفيتنامي، واعتبرته الصين امتداداً للنفوذ السوفياتي متهمة هانوي بمحاولة ضم كمبوديا واقامة اتحاد للهند الصينية تحت سيطرتها.
أودى انتهاء الحرب الباردة بكثير من الدعم الخارجي للخمير الحمر، فحولوا جهودهم الى مصدر تمويل آخر: استغلال الموارد الطبيعية التي كانوا يسيطرون عليها، خصوصاً الخشب والياقوت. وسرعان ما عمدت القوات التابعة لحكومة بنوم بنه الى محاكاة هذه الطريقة، اذ رأى القادة السياسيون والعسكريون في كلا الجانبين فرصة لمواصلة الحرب وفي الوقت ذاته جمع ثروات شخصية. هكذا مولت تجارة الأخشاب الحملات العسكرية. وسرعان ما أصبحت الحملات العسكرية ذرائع لمزيد من قطع الأخشاب، مع ما لذلك من تأثيرات بشرية وبيئية مدمرة. وتقدر الدراسات أن الغطاء الغابي في كمبوديا انخفض من 73 في المئة عام 1969 الى نحو 30 في المئة عام 1995، نتيجة تجارة الأخشاب والزراعة القائمة على القطع والحرق.
وكانت السياسة الرسمية لتايلاند، جارة كمبوديا، عدم التعاون مع الخمير الحمر. لذلك أصرت الحكومة التايلاندية على أن يحمل الخشب المستورد من كمبوديا شهادة منشأ يتم الحصول عليها من سلطات بنوم بنه. لكن الأمر المفاجئ أن هذه الشهادات كانت متيسرة حتى للخشب المقطوع من أراضي الخمير الحمر. وقد فرضت الحكومة الكمبودية على قاطعي الأخشاب في مناطق الخمير الحمر رسمـاً ثابتاً مقداره 35 دولاراً لكل متر مكعب لاعطائهم هذه الشهادات، ما مكن عدوَّها من جني الأموال لمواصلة نشاطه الحربي. وفي موسم الجفاف عام 1995، كانت صادرات الخشب براً من الأراضي التي يسيطر عليها الخمير الحمر الى تايلاند تدر على قيادتهم ما بين 10 و20 مليون دولار في الشهر.
استخدمت منظمة Global Witness (الشاهد العالمي) هذه المعلومات لتضغط بنجاح من أجل ادخال تغيير في «قانون العمليات الخارجية» للولايات المتحدة، الذي نص في ما بعد على أن أي مساعدة أميركية لن تقدم الى أي بلد يتعاون عسكرياً مع الخمير الحمر. وفي اليوم التالي أقفلت تايلاند حدودها مع كمبوديا مانعة المزيد من واردات الأخشاب.
انشقت القيادة الاقليمية للخمير الحمر، التي سيطرت على الغابات والاحتياطات المعدنية الرئيسية في غرب كمبوديا، والتحقت بحكومة بنوم بنه في آب (أغسطس) 1996. وفيما واصل بول بوت وضباطه الكبار سيطرتهم على أراض في الشمال، ضعفوا سياسياً وشعبياً الى حد بعيد، كما خسروا قدرتهم على جني الايرادات من الموارد الطبيعية. وعانت حركة الخمير الحمر من انشقاقات أخرى، وتفككت كلياً مع نهاية العام 1998.
|