Friday 22 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
سلمى تلحوق التنوّع البيولوجي العربي كيف يتأثر بتغيّر المناخ؟  
حزيران (يونيو) 2010 / عدد 147
 يتمتع العالم العربي بتنوّع بيولوجي فريد من حيث الأنواع والأنظمة البيئية في مَواطن قاحلة وشبه قاحلة ومتوسّطية. ووفقاً للتقارير الوطنية، فإن أغنى البلدان العربية من حيث تنوّع النباتات، والتي يحتوي كل منها على أكثر من 3000 نوع، هي مصر ولبنان والمغرب وسورية والجزائر وتونس والصومال. أما أعلى مستويات تنوّع الحيوانات فهي في الجزائر ولبنان وسورية وتونس، إذ تؤوي كل منها أكثر من 5000 نوع. وتُقدَّر الكثافة في كل 10,000 كيلومتر مربع بين 1000 و2000 نوع نبات في الأردن ولبنان والمغرب وسورية، وأقل من 1000 نوع في بقية البلدان العربية. أما كثافة أنواع الثدييّات فهي بين 21 و50 نوعاً في كل 10,000 كيلومتر مربع في مصر والعراق والأردن والمغرب والسودان وسورية وتونس، وترتفع جداً في لبنان بمعدل 51 - 100 وتنخفض في بقية البلدان الى أقل من 20 نوعاً.
يواجه العديد من الأنواع الحية في العالم العربي تهديدات خطيرة ستتفاقم في المستقبل بسبب مضاعفات تغيّر المناخ. بالنسبة للتنوّع البيولوجي الأرضي، يظهر تقرير الاتحاد الدولي لصون الطبيعة لعام 2008 أنّ في اليمن أكبر عدد من الأنواع النباتية المهددة بالانقراض، وهو 159 نوعاً، في حين أن البلدان الأخرى لم تقدم بيانات أو أن العدد فيها يتراوح بين صفر و17 نوعاً مهدداً. وفي ما يتعلق بالحيوانات، فإن أكثر الأنواع المهدَّدة بالانقراض هي في جيبوتي ومصر والأردن والمغرب والسعودية والصومال والسودان واليمن، وفي كل منها أكثر من 80 نوعاً حيوانياً مهدَّداً، وأقصاها 108 أنواع في مصر.
ويتعرّض التنوّع البيولوجي البحري بموازاة سواحل العالم العربي لتهديدات خطيرة في مناطق معيّنة. مثال على ذلك الأطوم، أو بقر البحر، المهدَّد بشكل بالغ في البحرين حيث يتواجد التجمع الثاني الأكبر عدداً في العالم بعد أوستراليا. وفي العام 2000، صُنِّفت الدلافين والحيتان في المياه الدولية ضمن الفئـات المهدَّدة بشدّة أو المعرضة للانقراض، وأنواعها ما بين 11 و16 نوعاً في ساحل المغرب الشمالي وما بين 6 و10 أنواع في حوض المتـوسط وساحل مـوريتانيا وساحـل المغرب الجنوبي.
ونظراً لأن تغيّر المناخ ظاهرة عالمية محتومة، فإن التنوّع البيولوجي في المياه العذبة سيتأثّر سلباً في العالم العربي، وسيضمحلّ الكثير من موارده الثمينة.
ويُعتبر تنوّع الطيور ثروة كبرى، وهو عرضة للمخاطر بسبب التأثيرات السلبية الناجمة عن تغير المناخ. وتقع العديد من البلدان العربية على الممرّات الهامّة لهجرة الطيور. جيبوتي مثلاً مفترق هامّ على خطّ الهجرة من الشمال إلى الجنوب عبر القارات، وهي تستقبل مليون طائر كل عام. أمّا موريتانيا فهي موطن أكبر مجموعة في العالم من الطيور الطويلة الساق، وتأتي إليها ملايين الطيور المهاجرة لتمكث خلال أشهر فصل الشتاء. وتؤوي جزر حوار البحرينية أكبر مستوطنة في العالم لتكاثر غاق سقطرى. وفي الشرق الأوسط عدّة مناطق بحرية مهدَّدة وهي من المناطق الهامّة للطيور، ومنها الجهة الشرقية من البحر الأحمر على طول الساحل السعودي، والساحلان الشرقي والغربي للخليج، والخط الساحلي لخليج عمان وبحر العرب، وسواحل البحر المتوسط في لبنان وفلسطين، وخليج العقبة. وفي عام 2004، تراوح عدد الطيور المصنفة في الفئات المهدَّدة أو المعرضة للانقراض، بين 11 و30 نوعاً في جميع البلدان العربية، باستثناء لبنان وليبيا وقطر والسودان وتونس حيث سجل ما بين 6 و10 أنواع.
 
التنوّع البيولوجي الزراعي
يحوي العالم العربي عدداً من مراكز الأصول (المعروفة أيضاً باسم مراكز فافيلوف للتنوّع) وهي بقع جغرافية كانت المهد الذي طورت فيه جماعة من الكائنات الحية المدجَّنة أو البرية خصائصها المميّزة. وما زالت هذه المراكز تحوي تنوعـاًعالياً من الأنواع البرية النسيبة لنباتات المحاصيل المزروعة.
وقد حدّد فافيلوف عام 1951 ثمانية ''مراكز تنوّع عالمية'' للنباتات المزروعة، أحدها منطقة الشرق الأوسط التي تشمل داخِل آسيا الصغرى وعبر القوقاز وإيران ومرتفَعات تركمانستان. ويبلغ مجموع هذه الأنواع في منطقة البحر المتوسّط 84 نوعـاً، ممّا يجعلها في المرتبة الثالثة بعد الصين (137 نوعاً) والهند (117 نوعاً).
وتمتاز منطقـة المتوسّط بأنها مركز أصل نوعين من الأشجار المثمرة هما الزيتون والخرّوب، وعدد كبير من الخضر المزروعة (30) والتوابل (15) والنباتات الزيتية (6) والنباتات العلفيّة القديمة (11).
 
تحوّلات في نطاق توزّع الأنواع
يضمّ العالم العربي أنواعاً محلية تتحمل الحرارة الشديدة والجفاف، ويرجَّح أن تتفاعل مع تغيّر المناخ إمّا بمواصلة البقاء في مواطنها البيئية وإمّا بنقل توزّعها إلى مناطق أبرد أو أكثر رطوبة نسبياً في المرتفعات أو بالانتقال شمالاً. وقد سُجِّلت تحوّلات في نطاق التوزّع لعدد متنوّع من مجموعات النباتات والحيوانات.
على مستوى عالمي، قد توسِّع الأنواع المتوطنة في العالم العربي نطاق توزّعها شمالاً. فمثلاً، أنواع جنوب البحر المتوسط الموجودة عند الطرف الدافئ من التدرُّج الحراري الأوروبي، يعتقد أنها ستفقد مواطنها غير الملائمة وتكتسب عدداً كبيراً من المواطن الجديدة في مناطق أبرد خارج العالم العربي.
وعلى المستوى الإقليمي في العالم العربي، يُنتظَر أن يوفر تدرّج الارتفاعات وتدرّج الرطوبة ملاجئ فريدة لآخر مجموعات الأنواع المتبقية. وهذه الملاجئ هي مناطق خاصة وسط أراضٍ قاحلة وشبه قاحلة في الغالب، وتؤوي أنواعاً متخصصة أصبحت على حدودها البيئية، فهي بالتالي عرضة للتأثّر الشديد بتغيّر المناخ.
ويُتوقّع أن تكون قابليّة التأثّر بتغيّر المناخ أكبر لدى الأنواع الفريدة في الموائل المحدودة النطاق أو التي وصلت إلى حدود تحمّلها البيئي. ومنها منابت المنغروف في قطر، وغابات الأرز في لبنان وسورية، وموائل والنباتات في جزر جيبوتي، وأهوار العراق، والسلاسل الجبلية في اليمن التي يبلغ ارتفاعها 3700 متر، وفي عمان وارتفاعها 3000 متر، بالاضافة إلى الأنهر الكبيرة كالنيل (مصر والسودان) ودجلة والفرات (العراق وسورية) واليرموك (سورية والأردن).
وقد أدت تغيرات درجات حرارة مياه البحر المسجّلة في مختلف المناطق على طول سواحل العالم العربي إلى تصنيف الخطوط الساحلية في عُـمان والصومال كبُقع خطرة لابيضاض المرجان. وسُجّلت في مناطق معيّنة، مثل القسم الأدنى من البحر الأحمر والقسم الجنوبي من الخليج العربي، زيادة في معدل درجات الحرارة بمقدار درجة إلى 1,5 درجة مئوية. وعرفت مناطق أخرى زيادات أقلّ لكنّها ليست بسيطة إذ تراوحت بين نصف درجة ودرجة واحدة مئوية، كما في القسم الأعلى من البحر الأحمر والبحر المتوسط وخليج عمان وبحر العرب. وستكون لزيادات درجات الحرارة هذه آثار خطيرة أيضاً على التنوّع البيولوجي في الشواطئ الرملية والكثبان الرملية الساحلية. فمثلاً: السلاحف البحرية التي تلجأ إلى شواطئ البحرين ولبنان وعمان لتعشش وتضع بيوضها سوف تتأثّر بشكل ملحوظ، لأن ارتفاع درجة حرارة التربة سيُخِلّ بنسبة الذكور إلى الاناث، وستكون لذلك عواقب وخيمة على بقاء هذه الأنواع في تلك المناطق. وقد تكون الأراضي الرطبة من أشدّ الأنظمة البيئية في العالم العربي تأثّراً نتيجةً للسلبيات التي يأتي بها تغيّر المناخ والتي قد تنجم عن أدنى درجة تبدّل في مقدار وموسميّة معدّل سقوط المطر والتبخُّر.
ولا شك في أنّ الأماكن المرتفعة التي تشكّل الملاذ للعديد من الأنواع المتخصّصة والأنظمة البيئية الفريدة سوف تعاني من تحوّلات في توزّع الأنواع، ومن اختفاء بعض الأنواع في حالات أخرى. ويتواجد نوعان من الأشجار الصنوبريّة عند أقصى حدود توزّعهما جنوباً في لبنان، هما أرز لبنان وتنّوب قيليقية (الشوح)، وسوف ينحسر نطاق توزّعهما، بفعل ارتفاع درجات الحرارة، إلى بقع أخرى في المنطقة أبعد شمالاً وأكثر ارتفاعاً. كذلك الحال بالنسبة لغابات العرعر في السعودية التي تتركز حالياً في حزام ضيّق مساحته 7600 كيلومتر مربع على مرتفعات شاهقة تتراوح بين 2000 و3000 متر. وقد أخذت بوادر هذا التبدّل بالظهور، حيث انّ انخفاض معدّلات الرطوبة وتساقط المطر ألحق الضرر بأشجار العرعر في جبال الشَّراة في جنوب الأردن وجبال الحجاز في السعودية، إذ بدأت رؤوس هذه الأشجار باليباس وتناقص تجدّد البذور.
وقياساً على التوقّعات العالمية، يُعتقَد أنّ الأنواع المتكيِّفة مع الحرارة والجفاف والتي تتمتّع بنطاق توزّع عريض في العالم العربي سوف تحلّ محلّ الأنواع المتخصّصة النامية في مواطن بيئية فريدة. على سبيل المثال، يُستفاد من نماذج التوقّعات أنّ المناطق الجبلية في بلدان جنوب البحر المتوسط ستعاني من خسارة الأنواع وتجددها بمعدل 62 في المئة، ممّا سينعكس في نهاية المطاف تغييراً جذرياً في تشكيلة نباتات الإقليم. علاوةً على ذلك، تتوقَّع دراسات النماذج أنّ الأنواع التي تحتمل القحط سوف تكون الأكثر ثباتاً وتحافظ على موائلها الأوّليّة أو تتمدّد إلى موائل جديدة ملائمة، في حين أنّ الأنواع ذات القدرة المحدودة على احتمال درجات الحرارة المرتفعة سوف تفقد أجزاء شاسعة من موائلها (40 - 60 ٪) أو تهاجر صعوداً نحو موائل محتمَلة إذا أُتيح ذلك جغرافياً.
 
أنماط انتشار الأنواع
سينشأ عن التكيُّف مع تغيّر المناخ تبدُّل أنظمة بيئية بكاملها من حيث السمات الكيميائية والبيولوجية وتعديل تشكيلة الأنواع، فتضطر هذه الأنواع إلى التشتّت أو التأقلم أو مواجهة الانقراض النهائي. وحيثما تسمح الظروف بتحوّلات كبرى في عدد الأنواع التي تتعايش في منطقة معيّنة، أو بغِنى الأنواع، يُتوقّع أن تخضع المجموعات لإعادة انتشار وتنظيم كبرى. وبنتيجة ذلك تصعب حماية الأنظمة الايكولوجية النموذجية أو القائمة.
وينبغي أن نفهم أنماط انتشار الأنواع على ضوء المقاييس الزمنية التي تستند إليها توقعات تغيّر المناخ. فالأنماط تتدرّج من الأنواع التي لا تتمكّن من الانتشار بسهولة إلى الأنواع القادرة على الانتشار والاستقرار بسرعة. مثلاً، الأنواع ذات البذور الكبيرة لن تهاجر بسرعة مثل الأنواع ذات البذور الخفيفة أو البذور التي يمكن أن تنشرها الحيوانات. ويرجَّح عموماً أنّ الأنواع التي تتمتّع حالياً بنطاق توزّع واسع سوف تكون فائقة القدرة على الانتشار، أمّا الأنواع المتواجدة في مواقع محدودة، فالأرجح أن تكون مقدرتها على الانتشار خفيضة جداً، وستكون أكثر عرضة للتأثّر بالكوارث الناجمة عن تغيّر المناخ مثل الحرائق وموجات الجفاف وتفشي الآفات. ومن ناحية أخرى، قد تمرّ الأنواع المهاجرة في عدة حالات انقراض عندما تواجه تبدّلات في الأرض ناشئة عن أنشطة بشرية أو بمجرّد أن تصل إلى قمّة جبل أو أطراف جسم مائيّ.
 
المحميات تخفف أخطار تغيّر المناخ
خطا العالم العربي خطوات هامّة جداً في تكريس المناطق المحميّة في مختلف البلدان. وهي تتضمن مناطق وطنية تشمل أنظمة إيكولوجية مختلفة، ومناطق مصنَّفة دولياً مثل مواقع اتفاقيّة رامسار وبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي ومواقع التراث العالمي.
ان حماية الأنظمة الايكولوجية الفريدة والأنواع المهددة تسلّط الضوء على ضرورة إقامة مناطق محميّة ذات امتدادات مناسبة في التدرُّجات المناخية الجوهرية (الحرارة / كميات المطر) على أن تربط بينها ممرّات من موائل طبيعية وشبه طبيعية.
المتنزهات الوطنية الكائنة في مناطق بيئية صحراوية أو في أراضٍ جافّة ذات شجيرات تكون سريعة التأثّر بالتغيّر المناخي، لأنها ستعاني على الأرجح من نقص في غِنى الأنواع. أمّا المناطق المحميّة الواقعة في موائل نادرة أو فريدة فقد يزداد غناها النباتي، لكنّها يمكن أن تشهد تغييراً في تشكيلة الأنواع. فعلى سبيل المثال، إذا تغيّرت بنية الموئل نظراً لفقدان الأنواع الرئيسية، كأحد أنواع الأشجار الهامّة، بسبب الحرائق الناجمة عن المناخ، فسيكون لذلك تأثير عظيم على أنواع الحيوانات. بالإضافة إلى ذلك، فان قدرة الأنواع على الانتشار والهجرة وتعقب التغيّرات المناخية خارج حدود المنطقة المحميّة، كما هي حال المها والثعلب وثدييّات أخرى، تصبح غير فاعلة من دون تدخّل بشري. بالإضافة إلى ذلك، إذا أصبح أيّ نوع محصوراً في مواقع قليلة فأيّ كارثة محلية قد تؤدي بسهولة إلى انقراضه، كما انّ التغيّر المناخي يمكن أن يجعل الحيوانات أكثر عرضة للتأثّر بالأمراض المنتشرة وخصوصاً الجمرة الخبيثة. وتتأثّر دورة حياة القُراد وطفيليّات أخرى بتبدّل المناخ، فتزدهر أعدادها، ممّا قد يفاقم مخاطر الانقراض بفعل الأمراض التي تنقلها.
 
ما المطلوب في العالم العربي؟
يمكن استقراء مدى إقرار العالم العربي بخطورة تأثيرات التغيّر المناخي على التنوّع البيولوجي وأوضاع المبادرات الاستباقية التي بُدئ بها، بدراسة التقارير الوطنية المقدمة من البلدان المختلفة بموجب اتفاقية الأمم المتحدة للتنوّع البيولوجي. ويظهر تحليل مسألتين هامّتين في التقارير الوطنية أنّ الوضع قاتم بالنسبة للاهتمام بهذه القضية والإجراءات المتّخذة بصددها. ففي المسألة المتعلقة بتنفيذ مشاريع هادفة إلى تخفيف التغيّر المناخي والتكيّف معه عن طريق المحافظة على التنوّع البيولوجي والاستخدام المستدام للموارد، كان عدد الدول التي التزمت بذلك ٤ فقط، في حين أفادت 5 دول أخرى أنّها بصدد إعداد مثل تلك المشاريع. وأفادت 11 دولة أنها لم تَقُمْ بمشاريع من هذا النوع، أو لم تنجز تقاريرها الوطنية، أو لم تبلّغ بشيء حول هذه المسألة.
وتتعلّق المسألة الثانية بتنسيق جهود الدول للتأكّد من أن مشاريع تخفيف التغير المناخي والتكيّف معه تتقيّد بالالتزامات التي تمّ التعهّد بها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المتعلقة بتغيّر المناخ واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. وقد أفادت ٧ دول أنّ الآليّات اللازمة لذلك موجودة لديها، وأفادت دولتان أنّهما بصدد إعداد هذه الآليات. أمّا الدول الإحدى عشرة الباقية فقد أفاد بعضها بعدم إنشاء تلك الآليات، وبعضها لم ينجز التقارير الوطنية، وبعضها لم يذكر شيئاً حول هذه المسألة.
لذلك فإنّ العالم العربي في أمَسّ الحاجة لمزيد من العمل والجهد في سبيل مواجهة تغيّر المناخ وخسارة الأنواع والموائل. فعدد الأنواع قليل قياساً على البيئة الطبيعية، إذ يتراوح عدد أنواع الحيوانات والنباتات المسجّلة بين 9119 نوعاً في لبنان و2243 في موريتانيا. لكن بغَضّ النظر عن غِنى الأنواع، ما يعبّر فعلاً عن مدى تأثّر المنطقة بالتغيّر المناخي هو قياس التغيرات النسبية في تنوّع الأنواع. ومع أنّ الأنواع في الأراضي الجافة قد تتمكّن من توسيع مدى توزّعها، فإن ذلك يتوقّف، إلى حدّ بعيد، على أنماط انتقالها وانتشارها وقدرتها على التغلب على العوائق الطبيعية أو التي يصنعها الإنسان، أو التبدّلات في الأرض التي يتسبّب بها الإنسان.
وللنشاطات الزراعية والبيئات الحضرية تأثيرات بالغة على البيئة الطبيعية، ويترتّب على تحويل مواقع النبات الطبيعي إلى النشاطات البشرية نتائج بيئية خطيرة. وأعلى نسبة مسجلة لتأثير النشاطات البشرية على الأراضي في العالم العربي هي في لبنان حيث تبلغ 18,08 في المئة، ثم الكويت بنسبة 10,47 في المئة. وسُجِّلت أعلى نسب أراض تأثّرت بشكل محدود بالأنشطة البشرية في الجزائر ومصر وليبيا وموريتانيا وعمان، إذ بلغت نسبتها في هذه البلدان أكثر من 70 في المئة، حتى إنّها وصلت إلى 93,84 في المئة في موريتانيا و92,46 في المئة في ليبيا.
وليس هناك إجماع في الرأي حول كيفيّة مسح وتقدير نتائج التغيّر المناخي على البيئة. لكنّ معرفة المواقع الأكثر تأثّراً والمواقع الأقل تأثّراً، في ظلّ أوضاع مختلفة، توفّر إطاراً لتصميم أنظمة للمحافظة تشمل المناطق الأقلّ عرضة للمخاطر (ملاجئ مُحتمَلة) والأكثر عرضة للمخاطر، حيث يمكن أن تفوق سرعةُ حدوث التغيّر المناخي سرعةَ كثير من الأنواع في التأقلم مع هذا التغيير. ولن يطال تأثير التغيّر المناخي الأنواع مباشرة فحسب، بل أيضاً عبر ارتباطها بعناصر أخرى، كأن يرتفع معدّل وفيات نوع من الأنواع بسبب تفشّي الآفات، وهذا بدوره قد يكون ناشئاً عن نوع الآفة، وحجم التبدّلات الوراثية وقابليّة التكيّف مع المتغيّرات المناخية لدى مجموعة الآفات، ومقدار ما تفترسه الطيور من حشرات، واستخدام مبيدات الحشرات أو عدم استخدامها.
وينبغي على البلدان في المنطقة العربية أن تُعِدّ وتنفّذ برامج محدَّدة ومخصَّصة لتخفيف آثار تغيّر المناخ والتكيّف معه. لقد استطاعت الأنواع، في الماضي، أن تنجو من عواقب التغيّرات المناخية السابقة لأنها تمكّنت من تعقّب امتدادات مواطنها البيئية في المساحات الفارغة. أمّا اليوم، بعد أن بدّل الانسان معالم الطبيعة وقطَّع أوصالها، فقد أصبح ذلك أمراً في غاية الصعوبة.
في مجال إدارة المناطق المحميّة، ثمّة استراتيجيتان رئيسيّتان يجب اتباعهما بالتوازي بغية ضمان فعالية جهود المحافظة على البيئة وتغطيتها الشاملة. تقضي الاستراتيجية الأولى باقامة مناطق محميّة جديدة لتحقيق هدف تمثيل الأنواع، وتتعلّق الاستراتيجية الثانية بإدارة الأنواع ضمن كل محميّة بالتناسب والتنسيق مع المحميّات الأخرى (وعدم الاكتفاء بالمحافظة على الوضع الراهن في كل محميّة). ولعلّ ما يناسب العالم العربي حالياً اعتماد ثلاثة محاور عند وضع خطط المناطق المحميّة: توسيع المناطق المحميّة، والإدارة خارج المناطق المحميّة، والتنسيق الإقليمي لجهود إدارة المحميّات.
أخيراً، على العالم العربي، بصفته كياناً جغرافياً مترابطًا، أن ينشئ آليّات إقليمية للتنسيق في هذا المجال ويضعها موضع التنفيذ. فتبدّلات نطاق الأنواع وتأثيرات الأحداث الخطيرة وحالات لاتزامُن الموارد غالباً ما تَحدث على نطاق إقليمي. لذلك فإن أيّ استراتيجية فعّالة لمواجهة التغيّر المناخي يجب أن تتضمّن آليّات لتنسيق أعمال البيئة على المستوى الإقليمي وعبر الحدود السياسية. فلا يمكن التغلّب على ظاهرة عالمية ذات تأثيرات بالغة على جميع الأصعدة من دون تنسيق إقليمي فاعل ومستدام.
 
حقائق وأرقام عن تنوع الحياة وانقراض الأنواع
تؤثر خسارة التنوع البيولوجي بشكل مباشر على نوعية وكمية الخدمات التي تقدمها النظم الايكولوجية، ومن هذه الخدمات: امتصاص ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه، وتخفيف تأثيرات تغير المناخ وتوفير مكونات المنتجات الصيدلانية والبيوكيميائية والصناعية، وتحليل النفايات وإزالة سمية التلوث، وتخصيب التربة والحفاظ عليها ومكافحة الآفات والأمراض الزراعية، وإنتاج الغذاء والخشب والألياف. في ما يأتي بعض أبرز الحقائق والأرقام الواردة في أحدث تقارير الاتفاقية المتعلقة بالتنوع البيولوجي.
- ينقرض نحو 130 نوعاًنباتياً وحيوانياً كل يوم. وتفوق المعدلات الحالية لانقراض الأنواع كثيراً المعدلات الطبيعية. وقد بلغت الخسارة 40 في المئة بين عامي 1970 و2000. ويستمر الاستهلاك غير المستدام، إذ يفوق الطلب العالمي على الموارد القدرة البيولوجية للأرض بنحو 20 في المئة. ويحتمل أن يصبح تغير المناخ السبب الأهم لخسارة التنوع البيولوجي مع نهاية هذا القرن.
- أهم الأخطار التي تهدد النظم الايكولوجية والتنوع البيولوجي هي: تغير المناخ، الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، تحويل الأراضي على نطاق واسع الى الزراعة والتوسع المدُني، التلوث، ادخال أنواع غريبة.
- خلال الـ 8000 سنة الأخيرة، اختفى نحو 45 في المئة من الغابات الدهرية على الأرض، معظمها خلال القرن الماضي. ويختفي نحو 13 مليون هكتار من غابات العالم كل سنة نتيجة قطع الأشجار، وهذه تعادل مساحة اليونان. ويقدَّر أن نحو 100 نوع حيواني ونباتي تختفي يومياً باختفاء الموائل الغابية الاستوائية. كما أن الانبعاثات الناتجة من زوال الغابات تساهم بنحو 20 في المئة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية.
- يعتمد نحو 1,6 بليون شخص على المنتجات الغابية لكسب رزقهم، بما في ذلك الشعوب الأصلية والقبلية. وتقدر الخسارة الناجمة عن قطع الأشجار وحصاد المنتجات الغابية بصورة غير قانونية بنحو 15 بليون دولار في السنة. أما الأنواع الشجرية النادرة، وتلك التي لها قيمة عالية بمنتجاتها الخشبية وغير الخشبية، فهي عرضة لخطر الانقراض محلياً.
- خسارة التنوع البيولوجي نكسة للزراعة التي يعمل فيها نحو ربع سكان العالم (1,3 بليون نسمة). ويؤدي زوال الغابات في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية الى انخفاض هطول الأمطار الاقليمية، كما تُفقد التربة في أنحاء العالم بوتيرة أسرع 13 ـ 18 مرة من تكونها. ويواجه 20 في المئة من سلالات الحيوانات الداجنة، التي يبلغ عددها 6500 سلالة، خطر الانقراض.
- هناك أكثر من 300 ألف نوع نباتي معروف على الأرض، وهي أساس جميع السلاسل الغذائية ونحو 50 المئة من الأدوية الحديثة. غير أن نحو 34 ألف نوع منها هي حالياً عرضة لخطر الانقراض. وهناك نحو 100 ألف نوع معروف من الكائنات الملقِّحة بينها 25 ألف نوع من النحل، وتعادل قيمة دورها الزراعي أكثر من 50 بليون دولار سنوياً. لكن كثيراً منها معرض للانقراض.
- التنوع مهم في ظروف تغير المناخ: فالأقارب البرية لمحاصيل مثل الشعير والذرة والشوفان والبطاطا والرز والقمح تزرع بشكل متزايد، لأنها تقاوم تغيرات بيئية مثل الأمراض والجفاف والحر والملوحة.
- السلاسل الجبلية، التي يشار اليها بعبارة «أبراج مياه العالم»، تغطي نحو 27 في المئة من السطح البري للأرض، وتعيل بشكل مباشر 22 في المئة من سكان العالم، وتزود أكثر من نصف البشرية باحتياجات المياه العذبة. وتدعم الجبال نحو ربع التنوع البيولوجي الأرضي. ومن أصل الأنواع النباتية العشرين التي تزود 80 في المئة من غذاء العالم، هناك ستة أنواع نشأت في الجبال: الذرة والبطاطا والشعير والسرغوم والبندورة والتفاح. كما نشأ في المناطق الجبلية جزء كبير من الثدييات الأليفة، خصوصاً الغنم والماعز والياك واللاما والألبكا.
- تؤوي الأراضي الجافة وشبه الرطبة نحو بليوني شخص (35 في المئة من سكان العالم). وبسبب الأحوال المناخية القاسية فيها، كعدم انتظام هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، طورت أنواع حية كثيرة وسائل تكيف فريدة. ومن الأمثلة على ذلك: تبقى ضفادع الطين الصحراوية في سبات تحت الرمال طوال أشهر حتى يعود المطر. ويبني الطائر الحبّاك في جنوب أفريقيا أعشاشاً مشتركة يصل وزنها الى 1000 كيلوغرام، لزيادة عزلها عن درجات الحرارة القصوى. ويستطيع المها الأفريقي في صحراء كالاهاري العيش لأسابيع من دون ماء. وتشتمل الراضي الجافة وشبه الرطبة على مناطق هامة لاستيطان استثنائي، مثل حوض البحر المتوسط الذي يؤوي أكثر من 11,700 نوع نباتي متوطن.
- تغطي الجزر نحو 3 في المئة من سطح الأرض، لكنها تؤدي نسبة أكبر كثيراً من التنوع البيولوجي ولا سيما الأنواع المتوطنة. ومن أصل 724 حالة انقراض حيواني معروف خلال الـ 400 سنة الأخيرة، كان النصف تقريباً من الأنواع التي تقيم في جزر، كذلك 90 في المئة على الأقل من أنواع الطيور التي انقرضت خلال تلك الفترة. والدول النامية القائمة على جزر صغيرة تعاني أعلى معدلات خسارة التنوع البيولوجي وأخطر تأثيرات تغير المناخ.
- تحمي أشجار المنغروف الخطوط الساحلية من التآكل، وتحمي الشعاب المرجانية من اجتياح الطمي، وتعمل كحاضنات لتنوع من الأسماك والقواقع. والأسباب الرئيسية لتدهور غابات المنغروف تحويلها الى مزارع بحرية، ومشاريع التنمية العمرانية والسكنية والسياحية.
- هناك 29 ألف نوع معروف من الأسماك، يعيش 30 في المئة منها في المياه العذبة. ويتم استغلال نحو 80 في المئة من المخزونات السمكية العالمية المعروفة كلياً او بشكل مفرط، مما يتطلب ادارة فعالة ووقائية. ويعتمدأكثر من ثلاثة بلايين نسمة على التنوع البحري والساحلي لكسب رزقهم، خصوصاً من صيد الأسماك.
- في البلدان النامية، يتم تصريف مليوني طن من الفضلات البشرية (مياه المجارير غير المعالجة) في مجاري المياه كل يوم، ويتم تصريف 70 في المئة من النفايات الصناعية في المياه من دون معالجة. وسوف يستمر تزايد الضغوط على التنوع البيولوجي الساحلي والبحري، إذ سيعيش 50 في المئة من سكان العالم في المناطق الساحلية بحلول سنة 2010.
- يعتمد نحو 80 في المئة من سكان البلدان النامية على الأدوية التقليدية، التي يأتي نصفها من نباتات تعيش أساساً في الغابات الاستوائية ولدى أكثر من 100 بلد أنظمة خاصة بالأدوية العشبية. لكن المنتجات العشبية الرديئة النوعية أو المغشوشة في الأسواق العالمية تشكل تهديدات خطيرة للسلامة.
- يعود تاريخ السجلات الأولى للأدوية التقليدية، مثل زيوت الأرز والسرو والسوس والمرّ والخشخاش، الى العام 2600 قبل الميلاد، وهي ما زالت تستعمل حتى الآن. وتأتي المضادات الحيوية (أنتيبيوتيك) كلها تقريباً من الجراثيم، وكان أولها البنيسيلين الذي يستخرج من الفطر Pencillium. واستعمل الأفسنتين الحلو (Sweet Wormwood) لصنع عقاقير مضادة للملاريا. أما المورفين المسكن للآلام، فيستخرج من نبتة الخشخاش التي استخدمت منذ أكثر من 4000 سنة.
- تحتوي الكائنات الدقيقة على امكانات طبية متعددة، لكن غالبيتها غير معروفة على رغم وفرتها، ففي مليليتر واحد من مياه البحر قد يوجد مليون بكتيريا، وفي التربة الزراعية نحو 100 مليون بكتيريا في الغرام.
- الأنواع الدخيلة الغازية يمكن أن تحول بنية النظم الايكولوجية وتركيبة أنواعها، من خلال كبح الأنواع المتوطنة أو إقصائها. وقد ساهمت هذه الأنواع الدخيلة منذ القرن السابع عشر بنحو 40 في المئة من جميع الانقراضات الحيوانية التي يعرف سببها. وتم احتساب الخسائر البيئية الناجمة عن آفات دخيلة في الولايات المتحدة وبريطانيا وأوستراليا وجنوب أفريقيا والهند والبرازيل بأكثر من 100 بليون دولار سنوياً.
- ينجذب السياح الى الأماكن الطبيعية الجميلة التي تؤوي تنوعاً بيولوجياً غنياً. والسياحة المستدامة تجعل المجتمعات فخورة بالحفاظ على تقاليدها ومعارفها وفنونها، ومشاركتها مع الآخرين، مما يساهم في الاستعمال المستدام للتنوع البيولوجي المحلي. أما السياحة غير المسؤولة فيمكن أن تضر بالطبيعة من خلال تدمير الموائل، والاستغلال المفرط للموارد المحلية، والنفايات والتلوث، والأنواع الحية الدخيلة، وتطوير البنى التحتية، وانبعاثات غازات الدفيئة. وتساهم السياحة بنحو 8 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي العالمي، وبواحدة من كل 12 وظيفة في أنحاء العالم.
- لدى معظم بلدان العالم مناطق محمية، وهناك أكثر من 100 ألف موقع محمي حول العالم تغطي نحو 12 في المئة من السطح البري للأرض. وتعتبر المناطق المحمية خزانات ثروة بيولوجية لأجيال الحاضر والمستقبل.
- يعني «مبدأ الملوث يدفع» أن نفقات إصلاح التدهور البيئي يجب أن يتحملها المسؤولون عن الأضرار، لا المجتمع برمته. والغرامات رادع لمزيد من الأضرار. في الجزائر مثلاً، من يلوث مصادر المياه العذبة أو مياه البحر، بشكل مباشر أو غير مباشر، بأية مادة تضر بصحة البشر أو تسبب ضرراً لأنواع نباتية أو حيوانية، قد يسجن سنتين مع دفع غرامة، وقد يحكم عليه باعادة البيئة الطبيعية الى وضعها الأصلي.
- أظهر إحصاء أن غالبية مواطني الاتحاد الأوروبي سمعوا بمصطلح التنوع البيولوجي، لكن 35 في المئة فقط قالوا إنهم يعلمون ما معناه. وكثير من الناس هم على استعداد لبذل جهود شخصية لحماية التنوع البيولوجي، لكنهم لا يعلمون ما يجب أن يفعلوه.
- فُتح باب التوقيع على اتفاقية التنوع البيولوجي خلال قمة الأرض في ريو دي جانيرو، في 5 حزيران (يونيو) 1992، ودخلت حيز التنفيذ في 29 كانون الأول (ديسمبر) 1993. وهناك حتى الآن 193 طرفاً في الاتفاقية.
 
 

التعليقات
 
واضح نسرين
جزاكم الله الف خير
واضح نسرين
جزاكم الله الف خير
واضح نسرين
جزاكم الله الف خير
واضح نسرين
جزاكم الله الف خير
واضح نسرين
جزاكم الله الف خير
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.