من منا لا يحلم بالعيش في جزيرة عذراء جميلة، لم تطأها قدم إنسان، ولم تصل إليها يد التلوث البيئي أو العمران البشري؟ هذه الأحلام خدعت الحالمين، بدءاً من بروسبيرو في ملحمة الأوذيسة وانتهاءً بعائلة روبنسون السويسرية والضابط جو كيبل، الذين بددوا حياتهم للعثور على الفردوس المفقود في المحيط الشاسع، حيث تقع المالديف، إحدى الدول القليلة في العالم التي تتوفر فيها منتجعات طبيعية تلتزم أدق معايير الحفاظ على البيئة.
غير أن المشكلة بالنسبة الى السياح الهاربين من واقعهم هي أن أجزاء من هذا الفردوس، الممتد بين جزر بالي الإندونيسية وهايتي، تعرضت للدمار نتيجة كارثة تسونامي عام 2004. وسبق ذلك إقامة ممر جوي خاص بالطائرات السياحية، وبناء الشاليهات والفنادق والمقاهي على الشواطئ الذهبية، ما ساهم في تلوث الطبيعة وتشوهها بعدما كانت من أنقى مناطق العالم.
تتكون المالديف من مجموعة جزر حالمة، آسيوية الطابع، أفريقية الملامح، يحتوي معظمها على سواحل طويلة مزروعة بالنخيل، وتطل على مياه زرقاء صافية زاخرة بالكائنات البحرية المتنوعة. تخلو الجزر، التي تتراوح درجة حرارتها صيفاً بين 26 و31 درجة مئوية، من المعالم الثقافية أو الأماكن الأثرية، لكن السياح ينجذبون بشدة إلى طبيعتها البحرية الساحرة، ومياهها الحافلة بأنواع الأسماك والكائنات المائية النادرة، وأيضاً الى منتجعاتها الصحية المعروفة بنقاء هوائها وبعدها عن التلوث، ومن بينها منتجع أنغسانا في جزيرة ايهورا، الذي يعتبر بيئة حساسة جداً ومتفردة بمناظرها الطبيعية الخلابة.
والمالديف جمهورية مستقلة في المحيط الهندي، تضم جزراً مرجانية تحتل مساحة 300 كيلومتر مربع، وفيها 19 بركاناً. استوطنها في بداية القرن الخامس قبل الميلاد مهاجرون من الهند وسريلانكا. وقد تمكن سكان الجزر، من تجار اللؤلؤ والتوابل وجوز الهند والسمك المجفف، من رد الغزاة على أعقابهم، سواءً البرتغاليون في القرن السادس عشر أو أمراء مالابار الهنود في القرن الثامن عشر.
واليوم تدير حكومة المالديف قطاع السياحة بعناية فائقة، للحد من تأثيره على الثقافة المحلية وللحفاظ على الموارد الطبيعية في البلاد. ونتيجة لهذه الاستراتيجية، اقتصر التطوير على بناء بضعة منتجعات فارهة، لكل منها جزيرته غير المأهولة، ولا تزيد مساحة البناء على 20 في المئة من إجمالي مساحة الجزيرة. ولا يسمح للأبنية بأن ترتفع فوق الخط النباتي وتحجبه، وينبغي ألا يزيد امتداد المساحة الطولية من الشاطئ إلى حجرات الضيوف على خمسة أمتار.
عندما أقيم معبر شبه متكامل في جزيرة ايهورا، التي تعد الأجمل في جزر المالديف، أخذ المهندسون المعماريون في منتجع أنغسانا هذه التعليمات بعين الاعتبار، واعتبروها إرشادات وليست تحديات. وتم زرع أشجار النخيل على الشواطئ المرجانية البيضاء، وتآلفت الحياة النباتية والحيوانية الدخيلة مع الحياة المائية وحافظت على الكائنات البحرية. ولم تشيد مبانٍ جديدة في أي أماكن خالية، بل شيدت على أنقاض المباني القديمة. واستخدمت في بنائها المواد الجاهزة المتوافقة مع المعايير البيئية والصحية، ولم تستخدم أخشاب الأشجار المحلية المعرضة لخطر الانقراض ولا الشعاب المرجانية.
كان هدف المهندسين من ذلك إقامة أحدث وأجمل منتجع في المالديف، وفي الوقت نفسه الحفاظ على الطابع المالديفي الفريد في هندسته الداخلية.
يصل السياح إلى المنتجع في زوارق السباق السريعة غالباً، أو في سيارات توصلهم من المطار إلى الشاطئ. وعندما يجتازون الممر الخشبي المؤدي إلى مجمَّع المنتجع الرئيسي، يجدون في انتظارهم سلسلة من الفيلات الجميلة المغطاة بالخشب الصلب اللامع والمزروعة بنباتات الزينة، وقد كسيت غرفها بالأقمشة الزاهية الألوان. ولكل منها منطقة استحمام في الهواء الطلق وشرفة وملحق تقليدي له حصته من الشواطئ الخاصة.
وفي المجمع مقهى ومطعم وحديقة مائية ذات طبقات متعددة وسقوف مرتفعة مفتوحة على نسيم البحر الاستوائي المنعش. ويمكن للسياح التجول فيها حفاة، ومشاهدة الحيوانات المائية والسلاحف البحرية وهي تسبح على طبيعتها. أما الذين يحتاجون الى وسائل إضافية لإزالة الإجهاد، فثمة حمامات معدنية وبخارية حارة وقاعات تدليك تزيل عنهم إرهاقهم.
ويمكن زيارة المنتجع طوال أيام السنة، فالأشجار دائمة الخضرة والطقس لطيف في الفصول كافة.