ما الذي يحدث في العالم؟ سؤال نسمعه أينما كنا. سمعته هذا الصيف في ايطاليا حيث أمضيت في أنحائها أسبوعين بين حزيران (يونيو) وتموز (يوليو)، من تورينو والبندقية شمالاً الى فلورنسا وروما في الوسط حتى نابولي جنوباً. لم أصدق أنني في أوروبا، اذ كانت درجات الحرارة في أواخر الثلاثينات المئوية خلال معظم اقامتي. وتبعت ذلك موجة برد أدخلت كثيرين الى المستشفيات وقضى بعضهم بنزلات صدرية. وتشهد أوروبا منذ سنوات موجات حـرّ شديد يعزوها علماء كثيرون الى تغيّـر المناخ.
وسمعت السؤال نفسه في القاهرة أواخر تموز (يوليو)، حيث كانت الحرارة لا تطاق. ولئن يكن الحر مألوفاً في مصر المتاخمة للصحراء الكبرى، مع أنه استثنائي هذه السنة، فلم يعهد أن كان بهذه القسوة في العاصمة الأردنية عمّان التي زرتها في منتصف آب (أغسطس)، وهي تقع في منطقة جبلية تعلو 730 متراً عن سطح البحر.
وأعجب من ذلك ما شهده لبنان. فهذا البلد الصغير المعتدل المناخ، الممتد على شاطئ البحر المتوسط والمتعالي جبالاً حتى 3330 متراً، قاسى هذا الصيف موجات حر متتالية تجاوزت 40 درجة مئوية. ويتفق خبراء المناخ والقرويون العجزة على أن الدرجات الأربعينية غير مألوفة في لبنان وأن حرارة هذا الصيف غير عادية.
ما الذي يحدث في العالم؟
اجتاحت أوروبا موجة حر لم تشهدها بعض بلدانها منذ أكثر من قرن. وكانت روسيا الأكثر تأثراً، اذ اندلعت فيها حرائق هائلة دمرت نحو مليون هكتار من الغابات، وامتدت الى مناطق ملوثة باشعاعات تشيرنوبيل، ما أثار قلقاً عالمياً. ولفَّت العاصمة موسكو سحابة دخان، فبلغت مؤشرات التلوث فيها ثلاثة أضعاف عتبة الانذار، ومات المئات حراً واختناقاً في المدينة التي يعيش فيها أكثر من 10 ملايين نسمة. ودمرت موجة الحر المزروعات في روسيا، التي تحتل المرتبة الثالثة بين الدول المصدرة للقمح، فحظرت تصديره وارتفعت أسعاره العالمية نحو 40 في المئة في تموز (يوليو). وقدرت كلفة الأضرار الناجمة عن الحرائق بـ15 بليون دولار على الأقل. وتوقع علماء أن يحطم صيف 2010 كل الأرقام القياسية لدرجات الحرارة في موسكو منذ فتح سجلاتها قبل 130 سنة.
نوع آخر من كوارث المناخ ضرب أجزاء من آسيا: فيضانات مدمرة ناجمة عن أمطار موسمية استثنائية الغزارة اجتاحت الهند وأفغانستان والبلدان المجاورة، وأغرقت خُمس الأراضي الباكستانية، وهي أسوأ فيضانات شهدتها البلاد منذ عقود، وأسفرت عن مقتل أكثر من 1600 باكستاني، وألحقـت أضراراً بنحو 20 مليوناً آخرين، وشردت نحو 5 ملايين. وحذرت وكالات الغوث من تفشي أوبئة تنقلها المياه الملوثة والحشرات، مثل الكوليرا والتيفوئيد والتهاب الكبد. أما كلفة إعادة البناء فقد تتجاوز 15 بليون دولار. واعتبرت فيضانات باكستان أسوأ من كارثة تسونامي 2004.
وضربت الصين وكوريا الشمالية سلسلة كوارث مشابهة، فقضى أكثر من ألفي شخص غرقاً أو طمراً في انزلاقات طينية، وتم إجلاء أكثر من 250 ألفاً.
وأعلنت الادارة الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي (نوا) أن شهر حزيران (يونيو) كان الأسخن هذه السنة منذ بدء التسجيلات عام 1880. وفي تموز (يوليو) أصدرت مصلحة الأرصاد تحذيراً من موجة حرّ قاسية في أنحاء الولايات المتحدة قد تتسبب بـ «أوضاع خطيرة». وهي ضربت جنوب البلاد وشمالها وشرقها حيث دامت لأسابيع.
ما الذي حدث؟ عزا علماء ألمان وسويسريون موجة الحر الشديدة الى أن «الشمس تحترق أكثر من العادة، وهي الآن أكثر إشعاعاً مما كانت قبل مئات السنين".
ربما تكون العواصف الشمسية سبباً للحرارة الاستثنائية، ولتسجيل أرقام تاريخية في بلدان كثيرة، من السعودية والعراق وباكستان الى روسيا وفنلندا وبعض الولايات المتحدة. لكن اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ حذرت من أن نماذج الطقس الشديدة التطرف التي نشهدها حالياً قد تتكرر وتزداد كثافة، في مناخ يتعرض لتزايد انبعاثات غازات الدفيئة التي تحتبس حرارة الشمس في جو الأرض. وأهمها ثاني أوكسيد الكربون الذي ينبعث بشكل رئيسي من المصانع والسيارات ومحطات الطاقة. ان للانسان يداً في تغير المناخ.
أوستراليا هي القارة المأهولة الوحيدة التي عافتها موجة الحر هذا الصيف. لكن هذا طبيعي، فصيفنا شتاء في جنوب الكرة الأرضية، وأوستراليا العطشى تقاسي ويلات الجفاف منذ سنين.
|