على رغم أن معظم الحكومات صادقت على اتفاقية بازل الخاصة بضبط انتقال النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلص منها، فان غالبية الدول النامية ما زالت تكافح لوضع آليات عملية من أجل التصدي للمشاكل الملحة المتعلقة بتوليد هذه النفايات وادارتها. وفي حالات كثيرة، لا تتوفر بيانات مكتملة وموثوقة حول الكميات المولدة، بل تقديرات أولية متناثرة هنا وهناك. والتشريعات الوطنية في هذه البلدان، وإن بُنيت على أساس نصوص اتفاقية بازل وأحكامها، فما زالت تعوقها نواقص حادة في البنى التحتية المناسبة لادارة النفايات الخطرة، وقصور واضح في الموارد البشرية المدربة والقادرة على التعامل مع جوانب هذه المشكلة التي عادة ما تكون معقدة تقنياً.
كثيراً ما لوحظت زيادات في مخاطر حدوث تأثيرات صحية سلبية لدى تجمعات سكانية قرب مواقع النفايات الخطرة، مثل انتشار أنواع من السرطان والعيوب الخلقية وانخفاض الوزن عند الولادة وأعراض مرضية مثل الصداع والتعب والأرق وسواها. وقد وثَّقت دراسة لوكالة حماية البيئة الأميركية، مسحت نحو 600 موقع نفايات خطرة، ارتباطات جوهرية بين هذه المواقع وازدياد الوفيات نتيجة أمراض سرطان الرئة والمثانة والمريء والمعدة والأمعاء الغليظة والمستقيم، اضافة الى سرطان الثدي لدى الاناث.
ويقدر أنه بحلول سنة 2020، سيتم انتاج نحو ثلث انتاج العالم من المواد الكيميائية في بلدان نامية، وسيكون الانتاج العالمي أعلى 85 في المئة عما كان عام 1995. إن هذا التوجه في تحول انتاج المواد الكيميائية الى البلدان الفقيرة سوف يزيد المخاطر الصحية والبيئية المفروضة على سكانها.
وتزيد التعرضات الطويلة الأجل لنفايات خطرة ومخلفات سامة احتمال حدوث اختلالات ولادية وقصور في النمو واضطرابات في جهاز المناعة وعطل في الغدد الصماء وضعف في وظائف الجهاز العصبي وظهور أمراض سرطانية متعددة. ويكون الأطفال والفئات الحساسة الأخرى، مثل النساء الحوامل والمدخنين، الأكثر عرضةً للمخاطر وتأثراً بنتائجها. وتحدث أحياناً تعرضات ثانوية ناجمة عن انتقال وتحول العناصر السامة الناتجة من التعامل الطائش مع نفايات خطرة والتخلص منها بشكل غير مأمون، حينما ترتشح مثلاً الى مصـادر الميـاه أو أوساط بيئية أخرى مثل الهواء والماء والتربة وسواها، ملوثة مصادر مياه الشرب ومتراكمة ربما داخل السلسلة الغذائية، مثل الأسماك التي هي غذاء بشري رئيسي.
ارتفاع الاصابات السرطانية
يُقدر أن يبلغ عدد الاصابات السرطانية الجديدة في أنحاء العالم سنة 2050 نحو 27 مليوناً في السنة، اذ يتوقع ارتفاع عددها من 11 مليوناً عام 2002 الى 16 مليوناً بحلول 2020، مع زيادات تبلغ نحو 1 في المئة كل سنة. هذه الزيادة في الاصابة تأخذ في الحسبان زيادة سكانية متوقعة تبلغ 38 في المئة في البلدان النامية بين 2008 و2030. اضافة الى ذلك، سوف يبلغ المعدل السنوي للوفيات نتيجة أمراض سرطانية متنوعة سنة 2050 نحو 17 مليوناً، منها 50 الى 75 في المئة في البلدان النامية، حيث 80 في المئة من المصابين يعانون من أورام غير قابلة للشفاء اكتشفت في مراحلها المتأخرة.
وفي المنطقة العربية، يصنف السرطان بأنه السبب الرئيسي الرابع للوفاة. وعلى رغم أن نسبة الاصابات السرطانية ما زالت أدنى مما هي في البلدان المتقدمة، فمن المتوقع أن تشهد المنطقة أعلى زيادة بين جميع المناطق الجغرافية الأخرى في العقدين المقبلين. هذا الاتجاه التصاعدي يمكن أن يُعزى الى عوامل كثيرة، منها اتساع الشيخوخة السكانية والتعرض المتزايد لعوامل الخطر، مثل التدخين والغذاء غير الصحي والخمول الجسدي والتلوث البيئي.
وكما هو معروف، يمكن منع نحو 40 في المئة من الأمراض السرطانية، من خلال تجنب أو خفض التعرض لعوامل الخطر، أو من خلال تحوير عوامل الخطر ذاتها أو التحكم بها، و40 في المئة يمكن شفاؤها إذا اكتشفت مبكراً. وإدراكاً بأن معظم النفايات الخطرة تتكون من مواد مسرطنة أو تحتوي عليها، فان إدارتها السليمة والمتكاملة هي استراتيجية وقائية صحية بيئية ضرورية.
"مساعدات" سامة الى دول عربية
لم تولِ البلدان العربية حتى وقت قريب اهتماماً كافياً بالمشاكل والتأثيرات التي يسببها توليد النفايات الخطرة والتعامل غير المنضبط معها. ومع التطور الصناعي والتوسع الحضري في المنطقة، تستمر معدلات توليدها في الارتفاع. وتعتبر الصناعات الكيميائية والبتروكيميائية المصدر الرئيسي، لكن صناعات ومنشآت أخرى تساهم أيضاً بنسبة معتبرة، مثل تصنيع المعادن والفلزات ومرافق العناية الصحية والمختبرات. كذلك تساهم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مثل ورش التصفيح الكهربائي ودباغات الجلود وكاراجات اصلاح السيارات، بحصة كبيرة واسعة الإنتشار وقاصرة الانضباط. وتحتوي النفايات البلدية أيضاً على كميات من النفايات الخطرة، مثل المذيبات الكيميائية والطلاءات ومنتجات التنظيف والمواد الصيدلانية المنتهية الصلاحية والبطاريات. وللأسف، لا توجد قواعد بيانات شاملة أو موثقة تعكس بدقة كميات وأنواع النفايات الخطرة وغيرها من النفايات المولدة في المنطقة.
وتمثل الملوثات العضوية الثابتة (POPs)، بما في ذلك المبيدات المنتهية الصلاحية، تحدياً خاصاً للبلدان العربية، اذ تنقصها عادة القدرة على تحديد مصادر تسرب هذه الملوثات الى الهواء والاستجابة لها (مثل الديوكسين والفوران)، والى المياه والتربة (مثل ثنائيات الفينيل المتعددة الكلورة PCBs). وكانت بعض الدول العربية، بموجب بعض برامج المساعـدات وبالتغـاضي عن التهريب، ضحايا شحنات مواد كيميائية سامة من بلدان صناعية، مثل مبيدات الأعشاب والآفات. وغالباً ما تتحول هذه «المساعدات» سريعاً الى مصادر للنفايات الخطرة، مما يتطلب عناية ادارية وفنية معقدة تفتقر اليها المنطقة وخصوصاً البلدان الأقل نمـواً. وقدرت دراسة أجرتها منظمة الأغذية والزراعة (فاو) في أواسط التسعينات وجود نحو 7000 طن من مبيدات الآفات المهملة في 15 بلداً عربياً، تم التخلص من معظمها كنفايات خطرة، لكن ربما تراكم المزيد منها عبر السنين الماضية.
ولاظهار التباين بين الدول العربية، يذكر مثلاً أن الأردن، وهو بلد غير منتج للنفط عدد سكانه نحو ستة ملايين نسمة، أبلغ اتفاقية بازل عام 2005 أنه ولد 17 ألف طن من النفايات الخطرة. وأبلغت تونس، وهي بلد غير منتج للنفط عدد سكانه نحو 10 ملايين نسمة، عن توليد 71 ألف طن. أما عُمان، وهي بلـد منتـج للنفط والغاز عدد سكانه نحو ثلاثة ملايين نسمة، فأبلغت في السنة ذاتها عن توليد 242 ألف طن. وفي كل الأحوال، من المتوقع أن تكون كميات النفايات الخطرة المنتجة في المنطقة للفرد الواحد مماثلة لتلك التي تنتجها البلدان الصناعية، علماً أن بعض البلدان العربية ما زالت تقوم برمي النفايات في مكبات عشوائية أو حرقها في الهواء الطلـق كوسيلة وحيدة للتخلص منها نهائياً. وتعتبر مرافق معالجة النفايات الخطرة وتخزينها والتخلص منها بشكل آمن نادرة في المنطقة، وعند وجودها تكون غير كافية لتلقي كميات كبيرة من النفايات المنتجة في المنطقة العربية ككل، وجميعها لا يقبل نفايات خطرة من خارج البلد، وإن كان ذلك مسموحاً ضمن أحكام وضوابط اتفاقية بازل.
النفايات الطبية: الى أين؟
من أكثر ما يسبب قلقاً صحياً بيئياً خاصاً لمنظمة الصحة العالمية مسألة ادارة نفايات العناية الصحية والتخلص منها بشكل سليم. وغالباً ما يشار الى هذه المجموعة من النفايات بعبارة «النفايات الطبية»، التي تصنف خصائصياًً بأنها خطرة أو غير خطرة. فنحو 80 في المئة منها هي نفايات عامة مماثلة في ماهيتها للنفايات المنزلية، أما البقية فتعتبر خطرة حكماً، إذ قد تكون معدية أو سامة أو مشعة. والنفايات المعدية، أو الخطرة بيولوجياً، يمكن أن تؤدي الى تفشي أمراض معدية وأوبئة وخيمة. ومن الأمثلة عليها الدم وأعضاء الجسم والأدوات الحادة التي قد تكون ملوثة، مثل الإبر والمباضع الأدوات الأخرى المستعملة القادرة على وخز الجلد واختراقه. وتنتج المرافق الطبية تشكيلة واسعة من المواد الكيميائية الخطرة والصيدلانية المهملة، بما في ذلك المواد المشعة.
وتجدر الاشارة الى المخاطر الهائلة المرتبطة بالتخلص من نفايات العناية الصحية عشوائياً في أماكن مكشوفة، وهذه ممارسة شائعة في المنطقة العربية ولها تأثيرات سلبية فادحة على السكان وعمال النظافة. ويشكل ما يدعى ممارسات «اعادة التدوير»، خصوصاً اعادة استعمال الحقن، المشكلة الصحية الأكثر خطورة في عدد من البلدان النامية حيث تنتشر أمراض فتاكة مثل التهابات الكبد الوبائية وفيروس الإيدز في بيئات فقيرة وأوساط سكانية وعمالية هي الأكثر هشاشة.
على رغم عدة قصص نجاح في الدول العربية المتقدمة نسبياً، ما زال الوضع العام لنفايات العناية الصحية في المنطقة أبعد من أن يوصف بأنه ادارة سليمة ومأمونة ومتكاملة. وقد سُنّت قوانين جديدة وتشريعات وطنية بهذا الخصوص، لكن بآليات تنفيذ رخوة ونتائج نهائية متباينة. ويقدر عدد مرافق العناية الصحية في المنطقة العربية بنحو 3685 مستشفى و25,000 مركز طبي ونحو 50,000 صيدلية. وتقدر كمية النفايات الصحية الخطرة بنحو 330 ألف طن سنـويـاً، بمعدل يتراوح من 0,2 الى 1,9 كيلوغرام للسرير في اليوم أو من 0,08 الى 0,75 كيلوغرام للمريض في اليوم. هذه الكميات يتم التعامل معها إما محلياً وإما في نحو 445 مرفقاً مركزياً لمعالجة النفايات الطبية والتخلص منها. وتتراوح عمليات المعالجة النهائية من ممارسات حرق قديمة الى تكنولوجيات حرق وتعقيم أكثر تقدمـاً، كالمحارق الحديثة أو أجهزة التعقيم بالضغط والبخار (أوتوكلاف). وفي قليل من الدول العربية والمناطق النائية الأقل تطوراً، ما زالت معظم النفايات الطبية بما فيها الخطرة تمتزج بمصادر ومسارب النفايات البلدية العامة، ليتم التخلص منها بعدئذ في مكبات عشوائية مكشوفة وحرقها في الهواء الطلق.
عشوائية الإلكترونيات
تشيـر التقديرات الـى أنـه فـي كل سنة يتولد نحـو 50 مليون طـن مـن نفايات الأجهـزة الكهربائية والالكترونية ( E – waste) في أنحاء العالم. ويشكل الحديد والفولاذ نحو 50 في المئة من هذه النفايات الالكترونية، يليهما البلاستيك (21%) والمعادن غير الحديدية مثل النحاس والألومنيوم (13%)، إضافة إلى المعادن الثمينة مثل الفضة والذهب والبلاتين والبلاديوم وسواها. ووجود عناصر مثل الرصاص والزئبق والزرنيخ والكادميوم والسيلينيوم والكروم السداسي التكافؤ ومعوقات اللهب بكميات تفوق الحد الأدنى المقبول في النفايات الالكترونية يصنفها بأنها نفايات خطرة.
تنتهي غالبية هذه النفايات الالكترونية في مجتمعات فقيرة وبلدان متخلفة ـ بما في ذلك بعض بلداننا العربية ـ تفتقر الى الإمكانات والمعارف اللازمة للتعامل معها بأمان. وللأسف، يتم استغلال مناطق فقيرة كمواقع للتخلص من النفايات الالكترونية تحت حجج متنوعة، حيث يعطى كثير منها تحت مسمى «تبرعات خيرية» أو من أجل خلق فرص عمل تتعلق باعادة التدوير. وما يزيد البلية أن فئات سريعة التأثر، مثل الأطفال، هي الأكثر تعرضاً للمخاطر المرتبطة بهذه النفايات.
لا تتوافر احصاءات موثوقة ودقيقة تتعلق بمشكلة النفايات الالكترونية الداهمة في المنطقة العربية. وإن يكن انتشار تكنولوجيات المعلوماتية والاتصالات متسارعاً فيها، فانه ما زال أدنى من المعدلات العالمية. فمن العام 2002 الى العام 2007 ارتفع عدد المشتركين في شبكة الانترنت أربعة أضعاف في المنطقة، وارتفعت نسبة المشتركين في الهاتف المحمول أكثر من 56 في المئة في السنوات الخمس الأخيرة. ونتيجة ذلك، هناك نمو هائل في مصادر وكميات وأنواع النفايات الالكترونية، مما يخلق تحديات وفرصاً في الوقت ذاته. وحتى الآن، ما زال تدوير النفايات الالكترونية في المنطقة العربية حديث العهد، يتولاه قطاع عشوائي غير رسمي، تطبق فيه اجراءات احترازية ووقائية قليلة جداً لحماية صحة العمال وسلامة المجتمع والبيئة.
أخطار مخلفات الحروب تبقى أجيالاً
كانت المنطقة العربية وما زالت مسرحاً لعمليات حربية ونزاعات عسكرية كبيرة ومتعددة، ربما تأتي في المرتبة الأولى عالمياً. لذا لا يمكن إغفال معضلة النفايات الخطرة ذات المنشأ العسكري، خصوصاً في الأراضي الفلسطينية المحتلة والعراق.
خلال الحروب والنزاعات المسلحة تتولد النفايات الخطرة إما من الأسلحة المستخدمة نفسها، كاليورانيوم المستنفد، وإما من مواد البناء والمخزونات الموجودة في المنشآت التي تعرضت للقصف، مثل ألياف الأسبستوس أو المواد الكيميائية المخزنة. ففي قطاع غزة، مثلاً، ما زال عدد كبير من المواقع المدمرة والملوثة نتيجة العدوان الأخير يعاني من مشاكل بيئية صحية، نظراً لتسرب عناصر ونفايات خطرة إلى الأوساط الطبيعية أدت إلى تلوث التربة والمياه وسواها. وفي مثل هذه الحالات تتعقد الأمور، بحيث يجب تقييم كل موقع على حدة بطريقة علمية منهجية بغية تحديد حيثيات التلوث وتفاصيلها وسيناريوهات التعرض والاجراءات التصحيحية اللازمة.
وفي العراق ولبنان، أحدث القصف العسكري لمواقع صناعية، (مثل موقع القادسية في العراق ومحطة الجية لتوليد الكهرباء في لبنان)، تلوثاً كيميائياً حاداً في البر والبحر على المديين المتوسط والبعيد، كما سببت الانفجارات والتسربات الكيميائية والحرائق الثانوية المرافقة الناتجة من القصف ارتفاعاً ملحوظاً في مستويات تلوث الهواء على المدى القريب. واذا لم يتم تنظيف هذه المواقع وإصحاحها حسب الأصول، فإنها ستبقى تشكل خطراً كبيراً على البيئة وصحة البشر، خصوصاً على العاملين في تلك المواقع والداخلين إليها والتجمعات السكانية المجاورة.
أما تراجع العمليات العسكرية والأعمال العدائية المباشرة فلا يعني بالضرورة انفراج أوضاع التلوث بالنفايات الخطرة أو تحسنها، اذ انها أحياناً تزداد سوءاً. ففي العراق، تبين مؤخراً أن متعهدين من القطاع الخاص يشغلهم الجيش الأميركي تخلصوا بطريقة غير مشروعة ضمن البيئة العراقية من نفايات عسكرية ولدتها نحو 500 قاعدة عسكرية. وقدرت وثيقة صدرت عن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عام 2009 أن الجنود الأميركيين في العراق أنتجوا حتى ذلك الوقت ما مقداره 5000 طن من النفايات الخطرة. هذه الكمية الضخمة، التي كان يجب ترحيلها الى الولايات المتحدة لمعالجتها والتخلص منها بالشكل المناسب وفق القانون الدولي، قد تنتهي ليس في النظام الايكولوجي العراقي أو في الأراضي الزراعية المروية فحسب، وإنما في متناول أطفال العـراق. وحتى مع جهود الاستصلاح والتنظيف الجماعيـة المتوقعة في المستقبل، فان الأضرار الصحية البيئية قد تكون أصبحت غير عكوسة أو ماثلة لعدة أجيال مقبلـة. وبنـاء على بعض التقارير المتفرقة، تعاني مناطق في العراق من ارتفاع معدلات الاصابات السرطانية والعيوب الخلقية والأمراض الأخرى المرتبطة بالأعمال العسكرية وبالتعرض لمواد كيميائية وإشعاعية.
توصيات للمنطقة العربية
تحتاج مشكلة ادارة النفايات الخطرة في معظم بلدان المنطقة العربية بإلحاح إلى حلول ناجعة وفورية، تقنياً ومالياً وسياسياً. وفي غياب مرافق فنية مؤهلة للتعامل معها، هناك خشية حقيقية من أن يتم التخلص منها بشكل غير منضبط مع نفايات غير خطرة، مما يلوث مواقع الطمر وأوساط التربة والمياه والهواء وموائل الكائنات الحية، ويعرض الصحة العامة لمخاطر كبيرة. وفي سبيل مواجهة هذه التحديات الصحية البيئية، نقدم التوصيات الآتية:
1. دعم استراتيجية متكاملة لادارة النفايات الخطرة في المنطقة العربية، من خلال التنسيق والتعاون بين الدول وتشجيع الاتفاقيات الثنائية المتعلقة باستيراد وتصدير النفايات الخطرة ضمن سياق وأحكام اتفاقية بازل والصيغ القانونية الأخرى ذات الصلة.
2. تشجيع الدول العربية على اقامة نظم متكاملة ومرافق فنية لادارة المواد والنفايات الخطرة، وفق المعايير العالمية، وادخال مفاهيم معاصرة تعتمد تحليل المخاطر وإدارتها، فضلاً عن تقييم دورة حياة في تتبع المواد الكيميائية والنفايات.
3. تطوير الاستراتيجيات الوطنية والاقليمية وتحفيز سياسات التنفيذ لإقامة نظم لتتبع ورصد وادارة نوعيات محددة من مكونات النفايات الخطرة بشكل سليم وآمن منعاً لتسربها مع النفايات البلدية، بما في ذلك نفايات العناية الصحية والنفايات الالكترونية والمبيدات المهملة وسواها، وإرساء ثقافة وأنظمة خاصة تمنع التعرض للمخاطر وتعنى بالصحة والسلامة المهنية.
4. الحث على اقامة نظم وآليات تمويل صارمة موثوقة ومدعومة دولياً، تعتمد مبدأ «الملوث يدفع»، للتعامل مع النفايات الناجمة عن العمليات الحربية والنزاعات العسكرية، بما في ذلك الاجراءات التصحيحية وتوفير آليات التعويض المنصفة.
5. دعم تأسيس آلية ربط شبكي إلكتروني إقليمية للتسجيل ونشر المعلومات وتبادل الخبرات بالتنسيق مع الوكالات الاقليمية والدولية والحكومات ومنظمات المجتمع الأهلي والخبراء العرب.
6. دعم تطوير برامج عربية وطنية أو اقليمية لتبادل النفايات تعتمد شعار «النفاية كمادة أولية»، تربط منتجي النفايات بالصناعات (القائمة أو المقبلة) التي سوف تعيد استعمال النفايات أو تدويرها في عملياتها الانتاجية، وفق نصوص اتفاقية بازل.
7. دعم تنفيذ استراتيجيات الانتاج الأنظف والاستهلاك المستدام في المنطقة العربية، وتشجيع اقامة مراكز وطنية للانتاج الأنظف، فضلاً عن اطلاق مشاريع نموذجية تجريبية كوسيلة لتحقيق ادارة سليمة بيئياً للمواد الكيميائية والنفايات، مع التركيز على ثقافة التفادي والتقليل.
8. تشجيع الصناعة والمجتمعات المحلية على المشاركة في مبادرات طوعية في مجالات منع التلوث والمسؤولية الاجتماعية والبيئية للشركات ومؤسسات الأعمال.
9. حض البلدان العربية على توقيع جميع الاتفاقيات والمعاهدات البيئية المتعددة الأطراف ذات الصلة والمصادقة عليها والانضمام اليها، مثل اتفاقيات بازل وروتردام واستوكهولم، وإقرار المنهج الاستراتيجي للادارة الدولية للمواد الكيميائية كإطار عمل على المستويات الوطنية.
10. تنفيذ برامج وحملات توعية وتثقيف وتدريب وبناء قدرات في أنحاء المنطقة العربية حول ادارة النفايات الخطرة.
وهناك حاجة ماسة الى إطلاق مبادرات بحثية متعددة الاختصاص لتحسين مستويات المعرفة والخبرة العلمية حول تقييم المخاطر التي تفرض على الصحة العامة من مواقع النفايات الخطرة. وهذه تشمل تقصيات وبائية ودراسات سُـمّية قصيرة وطويلة الأجل تتمحور حول جماعات وفئات محددة وتتناول سيناريوهات تعرضات لمواد كيميائية منفردة ونفايات مختلطة، وتتضمن متابعة التحولات والانتقال في الأوساط البيئية والمصير النهائي لدراسات رصد الصيرورة، فضلاً عن تأثيراتها التآزرية والمتضادة.
إن الادارة السليمة للنفايات الخطرة، المطلوبة بالحاح في منطقتنـا، يجب أن تحمي في المقام الأول الصحة العامة والإنسـان وسلامة البيئة، من خلال تخفيض التأثيرات والتداعيـات الناتجة من التعرضات البيئية لمخاطر محتملة.