هل أحصيت مستحضرات التجميل أو منتجات العناية الشخصية التي تستعملينها يومياً؟ قد يقارب عددها العشرة، من الصابون والشامبو ومطرّي الشعر ومعجون الأسنان الى مزيل الروائح والكريمات وسوائل ترطيب البشرة ولوازم التبرج. وماذا عن أطفالك؟ قد تفركين أو ترشّين أو تسكبين على بشرتهم مرهم الوقاية من أشعة الشمس وكريم الأقمطة (الحفاضات) وربما مادة طاردة للحشرات.
يستعمل معظم الناس هذه المواد من دون تفكير، وقد يعتقد بعضهم أن السلطات الصحية تتأكد من سلامة المزائج الموجودة فيها. لكنهم مخطئون، فالحكومات قلما تطلب تقارير صحية أو اختبارات لهذه المنتجات قبل بيعها في السوق. وعندما يستعمل الناس ما معدله 126 مادة كيميائية على بشرتهم يومياً، فهي تسبب مخاطر تتعلق بصحة الانسان، كما تؤثر على الحياة البرية. ان جلدنا نفّاذ، تبلغ سماكته نحو مليمترين، وهو غشاء مسامي حساس كثيراً للمواد الكيميائية السامة. وما نضعه على جلدنا يؤثر في صحتنا مثل تأثير ما نضعه في فمنا، وأحياناً أكثر.
للوهلة الأولى، قد يبدو أن ماسكارا العيون ومعجون الحلاقة بعيدان كل البعد عن مشاكل الصحة والبيئة. فلنفكر ثانية، في آب (أغسطس) 2005، عندما أظهرت دراسة في الولايات المتحدة أن ثمة علاقة بين ملدّنات تدعى فثالات وتخنث الأطفال الذكور، وجهت أصابع الاتهام الى العطور. وعندما عثر على مواد كيميائية استروجينية تدعى بارابين في نسيج ورم ثديي بشري عام 2009، توجهت الشكوك الى مزيلات الرائحة. واذ تظهر الدراسات تكراراً اختلالات هورمونية في الحياة المائية بسبب ملوثات شائعة، تشمل قائمة الاتهام منتجات العناية الشخصية التي تنتهي في مصارف المياه ومنها الى الأنهار.
هناك نحو 10,500 مادة كيميائية صناعية في منتجات العناية الشخصية، أي نحو ثُمن المواد الكيميائية المسجلة للاستعمال عالمياً. ومنها مسرطنات ومبيدات ومواد سامة ومثبطة للغدد الصماء وملوِّثات. انها مجمل الصناعة الكيميائية في قارورة.
صناعة التكتُّم
لا لزوم لاختبارات السلامة قبل البيع في السوق! هذه هي حقيقة صناعة منتجات العناية الشخصية، بل صناعة المواد الكيميائية بشكل عام.
الجميع يستعملونها، لذا التعرض واسع الانتشار، ومكثف بالنسبة الى بعض الناس. وقد أظهر مسح أجرته «حملة مستحضرات التجميل المأمونة» في بريطانيا أن أكثر من ربع النساء وواحداً من كل 100 رجل يستعملون يومياً 15 منتجاً على الأقل. هذه التعرضات تثير أسئلة حول المخاطر الصحية المحتملة.
مكونات مستحضرات التجميل لا تستقر على سطح الجلد، فهي مصممة لكي تخترق. وقد عثر العلماء على كثير منها في الأنسجة البشرية. وعندما ترشح عبر الجلد الى أجسامنا، ينتهي كثير منها في الافرازات البشرية. كما تدخل في مصرف حوض الاستحمام عندما نغسل شعرنا وأجسامنا أو ننظف وجوهنا في نهاية اليوم.
وقد وجدت مستويات عالية منها في بعض الأنهار والجداول، وربطت دراسات عالمية بين مكوناتها ذات التأثير الهورموني وتخنث الأسماك. وأظهرت أبحاث «مجموعة العمل البيئي» في الولايات المتحدة أن 50 في المئة من جميع مستحضرات التجميل في السوق تحتوي على "عبير" مضاف، أي مزائج معقدة لمواد كيميائية، بعضها دائم الأثر وبعضها سام للأعصاب وبعضها تبين حديثاً أنه مضر بالحياة البرية. ونشر باحثون في جامعة ستانفورد دراسة بينت أن بلح البحر فقد قدرته على تنظيف أجسامه من السموم حين تعرض لمستويات من عبير المسك الشائع تقتصر على أجزاء من البليون.
اذا ألحقت مكونات من مستحضرات التجميل الأذى بالحياة البرية، فماذا يمكن أن يكون تأثيرها علينا؟ هذا سؤال يبقى بلا أجابة من صناعة تتكتم على سلامة منتجاتها.
حذر السيناتور الأميركي الراحل ادوارد كينيدي عام 1997، خلال مناقشات مجلس الشيوخ لمشروع قانون إصلاح مديرية الغذاء والدواء (FDA)، من أن «صناعة مستحضرات التجميل استعارت صفحة من كتاب صناعة التبغ بتقديم الأرباح على الصحة العامة». لكن منتجات التبغ تحمل تحذيرات واضحة من مخاطر التسبب بأمراض سرطانية يتعرض لها مراهقون وبالغون، في حين لا توجد أي تحذيرات على مستحضرات التجميل ومنتجات العناية الشخصية، مع أن مكوناتها تسبب لجميع شرائح الناس مخاطر طوال الحياة، بما في ذلك الأجنّة، اذ تستعملها الأم ويتم امتصاصها عبر الجلد الى دم الأم والجنين.
ماذا في هذه المنتجات؟
ثمة ثغرات في قوانين الصحة العامة، حتى في الولايات المتحدة وأوروبا، تسمح لشركات مستحضرات التجميل بأن تستعمل تقريباً أي مكون تختاره في منتجاتها، حيث لا قيود أو شروط تتعلق باختبارات السلامة. فبعد ما عرفناه خلال الثلاثين سنة الماضية عن قدرة الزئبق على إلحاق الأذى بوظيفة الدماغ، يصعب التصديق أنه ما زال يستعمل في مستحضرات التجميل. لكنه يستعمل. ولقد وُجد في أنواع من الماسكارا مدرجاً على أنه المادة الحافظة «ثيمروسال». وكلما سقط قليل من الماسكارا في عينيك أو على وجهك عندما تغسلينه، فأنت تتلقين أيضاً جرعة صغيرة من الزئبق.
وعندما أكد العلماء أن الرصاص سام ويضربنمو دماغ الطفل، عمدت حكومات كثيرة الى ازالته من البنزين وطلاء المنازل، لكن ليس من صبغة الشعر، خصوصاً الصبغة السوداء للرجال، ولا من أحمر الشفاه.
وقد تكون رائحة العطر رائعة، لكن هل تعلم ماهيته؟ العطور هي الأسرار الكبرى لصناعة مستحضرات التجميل في معظم المنتجات، من الشامبو الى مزيل الروائح الى سائل الترطيب. ولا تلزم الشركات بأن تدرج في ملصقاتها أياً من فئات المواد الكيميائية الموجودة في مزيجها السري. وقد تحتوي العطور على سموم أعصاب، وهي من مثيرات الحساسية الخمسة الأوائل في العالم. لذلك ينصح بشراء منتجات خالية من العطر.
وحذرت مديرية الغذاء والدواء الأميركية مؤخراً من مطرّيات البشرة المحتوية على هيدروكينون، هذه المادة الكيميائية المبيِّضة للبشرة التي يمكن أن تسبب مرضاً جلدياً مصحوباً بجروح زرقاء ضاربة الى السواد، «مشوِّهة لا تزول»، وقد تتحول أوراماً سوداء في أنحاء الجسم.
وماذا عن النانوجسيمات (nanoparticles)؟ لقد وُصفت هذه الاكتشافات البالغة الصغر بأنها الثورة الخضراء المقبلة. ولكن أين «الاخضرار» في عناصر لم تُختبر سلامتها ويمكن أن ترتحل صعوداً من العصب البصري الى الدماغ أو تقبع داخل كريات الدم الحمراء؟ لقد بدأ إدخالها في مستحضرات التجميل بأشكال تتراوح من أقفاص سلكية مجهرية تدعى buckeyballs الى قطع صغيرة جداً من المعادن في مراهم الوقاية من أشعة الشمس. الشركات لا تريد أن تخبرنا أنها موجودة في مستحضراتهـا، لكن الواقع أن كثيراً من مكونات منتجات التجميل باتت متوافرة تجارياً بأشكال نانوية.
أما مركبات الفثالات، هذه المـواد الكيميائيـة الملدِّنة الصغيرة، فقد ربطتها عدة دراسات بإضعاف السائل المنـوي للرجـال أو تخنيث الصبيـان الصغــار. وعلى النسـاء الحوامـل تجنبهـا في سائل تلـوين الأظـافر، كما أنهـا تكمن في كثير من مزائـج المنتجات التي تحوي كلمـة عطـر (fragrance) على الملصق.
وحذر باحثون من الفثالات الهورمونية في سبراي الشعر، التي تتعـرض لها المرأة الحامل وقد تسبب تشوهات خلقية لدى المواليد الذكور، كما أن كلوريد الفينيل المستخدم كمادة دافعة في قوارير السبراي قد تسبب سرطان الكبد، وتطلق القوارير جزيئات دقيقة يتم استنشاقها الى أعماق الرئتين ويمكن أن تسبب فيهما تهيجاً وتأثيرات سامة.
وهـل تعلمين أن المصانع التـي تنتج البنزين لسيارتك تنتج أيضـاً المليّنات التـي تدخل فـي كريم وجهك؟ ان المشتقات البترولية هـي مـن المواد الكيميائية الرئيسية فـي صناعة مستحضرات التجميل. وهـي تحوي مسرطنات، مثل 1,4-dioxane وقطران الفحم، تدخل أيضاً في صناعة أصناف من الشامبو.
وبينت تحليلات نشرت في تقرير «حملة مستحضرات التجميل المأمونة» لسنة 2009 أن أكثر من نصف أصناف شامبو الأطفال الشائعة في الأسواق الأميركيـة تحتوي على 1,4-dioxane وعلى مادة الفورمالديهايد الحـافظة، وكلتاهما مسببتان للسرطان.
وصدرت تحذيرات طبية من رش مسحوق الطلق (talcum powder) الذي يباع تحت مسمى «بودرة الأطفال» على الأعضـاء التناسليـة لمنع الروائـح، لأنـه يحوي مادة معدنية هي سيليكـات المغنـزيـوم، وقد يـؤدي الى الاصـابة بسرطـان المبيض.
وتدخل في بعض المستحضرات خلاصات مستخرجة من مشيمة البقـر لتنعيم الجلـد والشعر. لكنها قد تحفز نمو الثديين لدى الأطفال وفق دراسة حديثة.
ماذا يمكن أن نفعل؟ نحاول الاطلاع على مكونات مستحضرات التجميل واختيار منتجات تحوي عدداً أقل من المكونات، بلا عطور أو ملونات اصطناعية، والتقليل من استعمالها ما أمكن.
كادر
من هنا وهناك
- تنفق السعوديات على زينتهن، من تصفيف الشعر الى التبرج وعمليات التجميل، أكثر من أي من امرأة أخرى في العالم العربي أو ربما في العالم، وفق تقرير Diagonal Reports وهي مؤسسة أبحاث مختصة بعالم التجميل. وقالت جاكلين كلارك، مديرة الأبحاث في المؤسسة، إن السعوديات من مختلف الفئات العمرية أنفقـن عام 2009 أكثر من 2,4 بليون دولار على مواد التجميل، في أعلى معدّل للفرد في العالم. ويتوقع أن ينمو هذا القطاع بنسبة 11 في المئة خلال 2010.
- أظهرت دراسة إسبانية أن 35 في المئة من النساء الأوروبيات يفضلن شراء مستحضـرات تجميل طبيعية وذات منشأ نباتي. وهن يطلبن منتجات تحمل شهادة جودة تثبت أنها لا تحتوي على مواد كيميائية اصطناعية أو حيوانية المنشأ، بما في ذلك العطور والأصباغ والسيليكون والمشتقات البترولية والكائنات المعدلة وراثيـاً والزيوت المعدنيـة والمواد الحافظة. أما المكونات الشائعة لمنتجات الوجه والجسم فهي خلاصات العنب والدراق والبرتقال والعسل واللوز والزئبق والورد والصبار والنعنع والصفصاف.
- عام 2009 أمرت وزارة الصحة الايطالية بسحب عدد من مستحضرات التجميل المعدة للبنات الصغيرات من الأسواق، إذ تبين أنها تحوي مواد ضارة ممنوعة. هذه المنتجات، من كحل العين ومساحيق الوجه وأحمر الشفاه وغيرها، تصنعها شركة أميركية في الصين. وأظهرت تحاليل للعينات وجود مواد ثقيلة مثل الكروم والرصاص والنيكل وحتى الزرنيخ في مستحضرات للبيع الحر في متاجر العطور ومحلات السوبرماركت في أنحاء ايطاليا بأسعار رخيصة، كما أظهرت فحوص أخرى آثاراً لتلوث ميكروبيولوجي.
- يجري علماء ألمان تجارب لانتاج مواد تجميل من زيت الخردل بدلاً من النفط. وتبنى أول مصفاة لتكرير زيت الخردل في مدينة لوينا في شرق ألمانيا.
كادر
10 ملايين عملية تجميل في الولايات المتحدة خلال سنة
أصبحت عمليـات التجميل شائعة عالمياً، بما في ذلك المنطقة العربية حيـث يـزداد الاقدام عليها بشكـل سريـع كالعدوى. هنـا بعض الأرقـام من الولايات المتحدة:
- أنفق الأميركيون 11,8 بليون دولار على عمليات التجميل عام 2008، فخضعوا لأكثر من 10 ملايين عملية، 17 في المئة منها جراحية.
- أجريت للنساء أكثر من 9,3 ملايين عملية تجميل، ما شكل 92 في المئة من المجموع.
- عمليات التجميل غير الجراحية الخمس الرئيسية للنساء هي: حقن بوتوكس، ازالة الشعر بالليزر، حمض الهيالورونيك، التقشير الكيميائي، تجديد سطح الجلد بالليزر.
- العمليات الجراحية الخمس الرئيسية للنساء: تكبير الثديين، شفط الدهون، جراحة الجفن، جراحة تقويم البطن، تصغير الثديين.
- عمليـات التجميـل الجراحيـة الخمس الرئيسية للرجـال: شفط الدهون، تجميل الأنف، جراحة الجفن، تصغير الصدر لمعالجة الثديين الذكريين الكبيرين، زرع الشعر.
- أجري نحو 4,5 ملايين عملية، أي 45 في المئة من المجموع، لأشخاص تتراوح أعمارهم بين 35 و50عاماً. وأجري 22 في المئة لأشخاص أعمارهم بين 19 و34 عاماً، و26 في المئة بين 51 و64 عاماً، و6 في المئة فوق 65 عاماً، و2 في المئة دون 18 عاماً.