تخرج المهندسة غدير عبدالجواد كل يوم من منزلها الكائن في جبل النظيف في عمّان لتجمع ما ألقاه الناس على جوانب الطريق من أشياء لم يعودوا بحاجة اليها. وبعد ساعتين أو أكثر تعود محملة بكميات من الورق والزجاج والأقمشة وغيرها، لتبدأ العمل بمساعدة شقيقتها عبير في إعادة تدوير هذه المواد وصنع قطع قابلة للاستخدام.
تتساءل غدير: «لماذا نرمي ما لا نريده في الشارع؟ هذه المواد قيِّمة ويمكن استخدامها مرة أخرى، لتقليل كمية النفايات أولاً وللتوفير المادي ثانياً». وهي تصنع من نفايات الآخرين نحو 30 سلعة، تستغرق منها أوقاتاً مختلفة وفق حجم القطعة والجهد الذي تحتاج اليه. وتقول انها بمساعدة شقيقتها تنجز الكثير خلال وقت قصير.
تحمل غدير درجة بكالوريوس في الهندسة. وهي جاءت مع عائلتها الى الأردن قبل فترة قصيرة، بعدما كانت تقيم في بغداد حتى عام 2006. وللتأقلم مع الظروف الاقتصادية الصعبة، افتتحت في بيتها مشغلاً أطلقت عليه اسم «مدينة التدوير»، لأن الحاجة أم الاختراع. وهي تبيع القطع التي تنتجها لأهالي جبل النظيف «بأسعار معتدلة» كما تصفها، مراعاة لظروفهم الاقتصادية.
في بداية عملها في مشروع التدوير لاقت صعوبات في تقبل المحيطين بها للفكرة، لكنهم شيئاً فشيئاً أصبحوا يساعدونها في جمع المواد ويحضرون لها زبائن جدداً. وهي تنظر الى عملها بعين الرضا: «أشعر بفرح غامر عندما أصنع قطعة جديدة من مواد تالفة، فهذا جزء من تخصصي الهندسي واهتمامي الشخصي".
تجمع غدير عبدالجواد النفايات من الشوارع المحيطة وقرب الحاويات، وتفرزها تمهيداً لنقلها الى المصانع المخصصة لكل نوع. وهي تشمل البلاستيك والورق والكرتون وعلب المرطبات الفارغة والخبز اليابس وصناديق الخضر والزيت المستعمل والزجاج والعلب المعدنية والنحاس وأكياس الطحين والبصل وغيرها. وتعمل على إصلاح أدوات منزلية بسيطة مرمية، مثل الرفوف المعدنية والجوارير البلاستيكية وطاولات الكوي والسجاد والكراسي وسلال الغسيل، وتبيعها لزبائن يتزايدون.
وفضلاً عن الاصلاح وعادة الاستعمال، تنتج سلعاً جديدة من خلال إعادة تدوير أشياء تجمعها، وذلك في «أربعة خطوط» كما تقول: الخط الأول اعادة تدوير الملابس القديمة والأقمشة لانتاج سلع ذات استخدامات منزلية متعددة. وهي تجمع المواد الأولية من سكان الجوار ومن محلات خياطة الستائر. أما الملابس التي لا تصلح فتقطع لاستخدامها في عمليات الحشو وانتاج الوسائد والفرشات والأغطية.
الخط الثاني اعادة تدوير ورق الجرائد والمجلات، لتصنع منها حقائب وأكياساً وسلالاً لتقديم الحلويات وزينة للجدار. والخط الثالث هو اعادة تدوير أكياس «الخيش»، لتصنع منها الدمية «قمر» وحقائب مطرزة تستخدمها الفتيات الصغيرات. أما الخط الرابع فيتم فيه انتاج سلع حسب الطلب وحسب المواد الخام المتوافرة. وتتراوح أسعار منتجات «المدينة» بين نصف دينار و15 ديناراً (الدينار يعادل 1,4 دولار).
وفي صيف 2010 أضيفت الزراعة الى نشاطات مدينة التدوير. ففي جوارها قطعة أرض صغيرة زرع فيها نبات الليف المستخدم في الاستحمام اضافة الى بعض النباتات الورقية. كما بدأت صناعة السماد العضوي في عملية مرحلية تتوخى الوصول الى طريقة تلائم سكان الجبل ويمكن أن تتعلمها ربات البيوت المهتمات بالزراعة. وتستخدم بقايا الشاي والقهوة في ري وتسميد مجموعة من نباتات الزينة.
عمليات التنظيف في مدينة التدوير تتم بالمياه الرمادية الناتجة من عمليات الغسل والتي يتم تخزينها في براميل، على أمل أن يكون لديها نظام لمعالجة المياه الرمادية بشكل متطور في المستقبل.
ومن أهم نشاطات المدينة حملة تم من خلالها تصنيع حقائب وتوزيعها على ربات البيوت لوضع مهملات يمكن اعادة تدويرها، والهدف تعليمهن كيفية الفرز بصورة تدريجية. وقد اشترك في الحملة 20 بيتاً من سكان جبل النظيف.
تقول غدير عبدالجواد ان «مدينتها» تعاني من بعض المشكلات، منها ضيق المكان وعدم وجود منفذ لبيع المنتجات بصورة دائمة. وتتمنى أن يصبح لها فروع في كل الأردن، وكذلك في الدول العربية. وهي تؤمن أن هذا الحلم سوف يتحقق بالعمل الجاد والصبر وتجاوز العقبات.