Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
رأي
 
زياد حايك القطاع الخاص كيف يكون شريكاً في خدمات المياه؟  
كانون الأول (ديسمبر) 2010 / عدد 153
ان مشاركة القطاع الخاص في تقديم خدمة عامة تشكل دائماً إشكالية. ولا يشذ قطاع المياه عن هذه القاعدة، اذ انه القطاع الأكثر دقة وحساسية في هذا الصدد. فالمياه تعتبر مورداً استراتيجياً، وحاجة حياتية رئيسية، وحقاً انسانياً، وبالنسبة الى البعض منحة مجانية من الله.
انني أوافق بالرأي من يدعو الى أن يقوم القطاع العام بكل النشاطات المتعلقة بقطاع المياه. ولكن بشرط، وهو أن يكون القطاع العام قادراً على تأمين الخدمة التي نصبو جميعنا اليها، فتصل المياه الى منزل كل مواطن على مدار الساعة وبجودة عالية، وتتمكن البلديات من معالجة الصرف الصحي بشكل يحمي البيئة، ويتمكن كلمزارع من ري حقله بالكميات اللازمة.
أوافق في الرأي أيضاً من يقول انه لا يجوز أن يبيع الانسان أخاه الانسان ما أعطانا اياه الله هبةً. ولكن فلنتفق جميعنا على أن ثمة كلفة يجب أن نغطيها، وهي كلفة استخراج المياه وتخزينها وتكريرها وتوزيعها ومعالجة صرفها.
مكونات هذه الكلفة تنقسم الى تشغيلية ومالية واستثمارية، بغض النظر عمّا إذا قامت الدولة بالنشاط أو قام به القطاع الخاص. من يغطي هذه الكلفة؟ هل هو المستهلك مباشرة؟ هل هي الدولة بالمطلق؟  هل تغطي الدولة قسماً من الكلفة من خلال الدعم؟ هل تدعم الدولة كل المواطنين أم البعض منهم؟ هل تدعم من تدعم بالنسبة نفسها؟ كيف تغطي الدولة كلفة الدعم؟ هل تزيد الضرائب على المواطنين؟ هل تستدين من المصارف؟ من يغطي الدين العام؟ كلها أسئلة يجيب عليها المجتمع من خلال حواره السياسي. ولكن ما لا جدل فيه أنه يتوجب على أحدٍ ما أن يغطي هذه الكلفة.أقول هذا لأفصل بين موضوع كلفة المياه الذي هو موضوع سياسي وموضوع تأمين الخدمة الذي هو موضوع عملي بامتياز، وهو ما يشكل أساس مقاربتنا لإشراك القطاع الخاص.
إيضاح ثالث لا بد منه: ليس لدينا في المجلس الأعلى للخصخصة أي مشروع لخصخصة قطاع المياه في لبنان. ما نعمل عليه جاهدين هو إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والشراكة ليست خصخصة ولا هي امتياز (وكلا هذين الأمرين بحاجة، بحسب الدستور اللبناني، لقوانين خاصة هي غير موجودة وغير مطروحة اليوم أصلاً). الشراكة التي نسعى اليها هي عقد بين الدولة والقطاع الخاص ليقوم بتقديم الخدمة على نفقة الدولة وليس على نفقة المواطن، أي أن قرار التعرفة يبقى قراراً سياسياً بيد الدولة ولا علاقة للشركات الخاصة به.
لماذا اللجوء الى القطاع الخاص؟ بكل بساطة، السبب هو خبرته ومرونته في الأداء، إذا ما أردنا تحسين نشاط التوزيع.
أما في مجالات البنية التحتية وتخزين المياه وانشاء السدود، وإلى حدّ ما في مجال معالجة الصرف الصحي، فالسبب الاول ليس الخبرة والمهارة ولا الفاعلية، فالقطاع العام والشركات التي يستعين بها لهذه الاغراض لها من الكفاءة ما يلزم، بل ان القيمة المضافة الأبرز هنا تتمثل في تمويل المشروع. ونحن هنا نتكلم عن تصميم الهيكلة المالية للمشروع، وعن اعتماد مجموعة من الأدوات المالية توزع نوع الاستثمار ومدته والمخاطر المرتبطة به بحسب معايير كل مستثمر على حدة، وعن التأكد من ملاءمة شروط العقد مع الدفق النقدي بحسب برنامج العمل، وعن تقاسم المخاطر من خلال عقود متوازنة تلحظ ليس فقط المخاطر التشغيلية، بل أيضاً المخاطر القانونية والسياسية والأمنية والبيئية والتجارية والادارية، وبالأخصّ مخاطر التشييد.
ولكن لكي نتمكن من إشراك القطاع الخاص بشكل بعيد عن السياسة وبمستوى من الشفافية يرتاح اليه الجميع، لا بد من إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، الذي ينشئ وحدة مركزية متخصصة تعمل تحت إشراف لجنة وزارية تشارك فيها كل الوزارات المعنية. إن توافر اطار قانوني ومؤسسي وتنظيمي مناسب هو أيضاً مطلب للقطاع الخاص المهني الذي يتوجس من استثمار مبالغ ضخمة ما لم تحدد قواعد اللعبة بوضوح.
ليس القطاع الخاص غريباً عن لبنان، فهو يلعب في اقتصاده الدور الأكبر، ولطالما كان له أيضاً دور في قطاع المياه. ففي الحقبة العثمانية، مُنح المهندس الفرنسي تيفينين عام 1870 امتيازاً لمدة 40 عاماً لتزويد بيروت بمياه الشفة من نهر الكلب. وبقي توزيع المياه في يد القطاع الخاص حتى بداية الخمسينات من القرن المنصرم، عندما بدأت الحكومات اللبنانية بالغاء امتيازات المياه. وبعد ذلك، اقتصرت مشاركة القطاع الخاص على عقود الصيانة أو تشغيل محطات الضخ ومعامل التكرير الصغيرة.
وفي منتصف التسعينات، أطلقت الحكومة اللبنانية استدراج عروض لتلزيم عقد BOT (بناء وتشغيل ونقل) لمدة 28 عاماً لتزويد بيروت مياه الشفة من نهر الأولي. لكن العملية ألغيت بعد أن بلغت مرحلة ما قبل التأهيل، بسبب تفسيرات مختلفة للاطار القانوني. وكان على الحكومة بعد ذلك أن تلجاً الى الآلية التقليدية وانتظار الحصول على التمويل اللازم. والآن يفترض أن تبدأ أشغال التنفيذ في كانون الثاني (يناير) 2011، أي بعد 16 عاماً من استدراج العروض الأولي. وهذه التجربة تظهر الى أي مدى يمكن لغياب الاطار القانوني المناسب أن يؤثر سلباً على أي استثمار كبير.
مثل آخر هو عقد شركة «أونديو» الفرنسية مع مصلحة مياه طرابلس الذي كانت مدته ثلاث سنوات. فنحن نجد أن طرابلس اليوم هي المدينة الوحيدة في لبنان التي يتمتع سكانها بخدمة المياه على مدار الساعة، ولكن العقد لم يجدد لأن الطرفين العام والخاص واجها مشاكل عدة ناجمة عن عدموجود إطار قانوني صالح.
تقارب نسبة الهدر في شبكات مياهنا 40 في المئة. أما على مستوى التخزين، فثمة اجماع وطني على أن لبنان سيواجه نقصاً في المياه في السنين العشر المقبلة، علماً أن تخزين المياه يقتصر على سَدَّي القرعون وشبروح. وتلحظ الخطة العشرية لانشاء السدود، التي وضعت أساساً للفترة 2000 - 2010 ومددت الى سنة 2018، انشاء 23 بحيرة اصطناعية و18 سداً (بينها خمسة يمكن توليد الكهرباء بواسطتها). ولكن تمويل هذه المشاريع من موازنة الحكومة كان وما زال مثار جدل، نظراً للعبء الذي تضعه على الخزينة المرهقة أصلاً. هنا يستطيع القطاع الخاص أن يساهم بالانفاق الاستثماري اللازم وبصورة عاجلة. ولكننا بحاجة، - أعود فأكرر - الى إطار قانوني مناسب لهذا الغرض.
 
يسرّني أن أقول ان الجهود لوضع هذا الاطار القانوني قائمة، وان مواقف رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء كلّها ايجابية وتساعد جدّاً على إحراز تقدّم في هذا المجال. فهناك اقتراح قانون في مجلس النواب، كما أن هناك مشروع قانون يدرسه مجلس الوزراء. ونحن نأمل أن يكون لدينا في الأشهر الستة المقبلة قانون عصري ينظم الشراكة بين القطاعين العام والخاص لما فيه مصلحة هذا البلد.
 
زياد حايك هو الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة في لبنان. وهذه كلمته في مؤتمر المنتدى العربي للبيئة والتنمية الذي عقد في بيروت الشهر الماضي. 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.