Friday 22 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
عادل بشناق العرب يشربون البحر  
كانون الأول (ديسمبر) 2010 / عدد 153
 كانت ندرة المياه في المنطقة العربية سبباً لاعتماد التحلية منذ آلاف السنين في بلاد ما بين النهرين والإسكندرية وفلسطين. أما في التاريخ الحديث، فقد عاد استخدام التحلية إلى منطقة البحر الأحمر في أواخر القرن التاسع عشر، في بعض المدن مثل سواكن وأبوقير وعدن وجدّة. ووفق بحث لمحمد الصوفي، فإنّ أوّل جهاز تقطير أحادي الأثر استخدم قرابة العام 1895، وكان يُعرف محلياً باسم «كنداسة». وتم تجديده بعد الحرب العالمية الأولى، ثم جُدِّدَ ثانية بعد الحرب العالمية الثانية، جاعلاً بذلك مدينة جدّة أول مدينة تعتمد على تحلية مياه البحر لتأمين حاجتها من مياه الشرب طوال أكثر من مئة عام. واستخدمت وحدات تقطير مشابهة في البحرين، وسرعان ما أُنشئت أجهزة تقطير متعدّدة الآثار في الكويت والظهران ورأس تنورة والخبر. وأورد الصوفي أن التقطير الومضيّ المتعدّد المراحل (multi stage flash) بدأ استخدامه على نطاق تجاري في الكويت أولاً خلال الخمسينات. أما أوّل معمل لتحلية مياه البحر باستخدام تقنية التناضح العكسي (reverse osmosis) للإمدادات المائية البلدية خارج الولايات المتحدة فقد بدأ تشغيله في جدّة عام 1978.
هكذا، فإنّ معظم تكنولوجيات التحلية التجارية الحاليّة طُوِّرت عبر تطبيقات واسعة النطاق في عدد من الدول العربية. وتعتبر دول مجلس التعاون الخليجي والجزائر وليبيا ومصر أكبر مستخدمي هذه التكنولوجيات في المنطقة حالياً. وستتواصل نسبة الزيادة السنويّة العالية في القدرة الإنتاجيّة المقرّرة خلال العقد المقبل (الشكل 1). ويستلزم هذا التوسّع الكبير مراجعة السياسات والممارسات الحاليّة، بما فيها كيفيّة زيادة القدرة المحليّة والمعرفة والقيمة المضافة للاقتصادات المحليّة.
الملاحظ أنّ معظم معامل التحلية الكبرى تبنيها مؤسسات المنافع العامّة الحكوميّة، مثل المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية وهيئة مياه وكهرباء أبوظبي وهيئة كهرباء ومياه دبي، أو وزارات المياه. وفي العادة، تستغرق الحكومات عدة سنوات قبل الموافقة على أي عقد لمعمل مياه كبير، وتتبع ذلك فترة من عدة سنوات للبناء، وفي أثناء ذلك يكون الطلب في المدن الكبرى قد ارتفع ارتفاعاً كبيراً. وهذا يخلق فجوات زمنيّة بين ذروة الطلب والعرض، ويؤدي إلى دورات معروفة من نقص المياه والقدرة الفائضة. وبالإمكان تجنّب هذه المآزق بإدخال إصلاحات على حيازة معامل المياه، والإعلان مسبقاً عن أيّ قدرة إنتاجيّة جديدة أو موسّعة مقرَّرة في كلّ مدينة أو منطقة.
من الإصلاحات الأخرى التي ينبغي إدخالها على السياسات إعطاء أولويّة لمكافحة التسرب ودخول مياه غير محسوبة في شبكات التوزيع، وذلك قبل إنشاء أي قدرة إنتاجية جديدة للتحلية. وتوفّر مبادئ الإدارة المتكاملة للموارد المائية الإطار العملي للبدء بتلك الممارسـات. فقبـل توظيف مبالغ رأسمالية كبيرة لزيادة الإمدادات، ينبغي أولاً القيام باستثمارات أقلّ كلفةً لتخفيض هدر المياه.
والجدير بالذكر أنّ القدرات والمعارف المحلية في المنطقة موجَّهة نحو التشغيـل والصيانـة، وليس لتصميم المعامل أو تصنيعها أو بنائها، حتّى في البلدان التي تعتمد اعتماداً كبيراً على التحلية لتـأمين حاجتها للمياه المنزليّة. وعلى رغم توافـر مهارات استثنائيـة محلية، فهـي ليست كافية لتلبية الطلب الكبير على آلاف التقنيّين والمهندسين الإضافيّين اللازمين كلّ سنة لتأمين الحاجة المتناميـة الى العمالة المـاهرة في الدول العربية. وإذا لم تعمد الحكومات إلى تقديم دعم قوي، فلن تخرج صناعة التحلية من حالة الهشاشة، وستلقى المصير نفسه الذي لقيته صناعات أخرى تعتمد التكنولوجيا.
 
تكنولوجيات التحلية
كانت تقنيّة التناضح العكسي الطريقة الأكثر استخداماً في أنحاء العالم خلال السنوات الـ 25 الأخيرة. وتعتمد دول مجلس التعاون الخليجي أسلوب التوليد المزدوج للكهرباء والماء في المعامل الكبرى من أجل زيادة كفاءة استخدام الوقود. لذلك يشيع استخدام تكنولوجيات التحلية الحرارية في هذه البلدان. ولكن حيث تتوافر الطاقة الكهربائية أو حين يكون الماء الممولح هو المصدر، تُستخدم تكنولوجيات الأغشية.
يمكن تصنيف التكنولوجيات التجارية المستخدمة اليوم في التحلية إلى فئتين: التكنولوجيات الحرارية بما فيها التقطير الومضي المتعدد المراحل والتقطير المتعدد الآثار وضغط البخار، وتكنولوجيات الأغشية بما فيها التناضح العكسي لماء البحر والتناضح العكسي للماء الممولـح والديلزة الكهربائية/نزع الأيونات والترشيح النانوي.
يتوقف اختيار التكنولوجيا المعتمدة لتحلية الماء الممولح على درجة ملوحته. ويشيع اليوم استخدام التناضح العكسي إذا كانت درجة الملوحة مرتفعة، في حين أنّ الديلزة الكهربائية أكثر فعالية لتحلية الماء المنخفض الملوحة. ويظهر الشكل 2 توزّع نسب تكنولوجيات التحلية من أصل المجموع الكلّي للقدرة الإنتاجية في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا منذ العام 1944. والملاحظ أنّ تكنولوجيا التقطير الومضي المتعدّد المراحل ما زالت تسيطر على السوق، على رغم زيادة قدرة إنتاج التناضح العكسي مؤخراً.
ويزداد استخدام تكنولوجيا التناضح العكسي في العالم نظراً لانخفاض تكاليفها نسبياً وللتحسّن الذي طرأ على الأغشية. ويمكن أن تُستخدم في المستقبل تكنولوجيات هجينة لزيادة الكفاءة في حال توليد الطاقة الكهربائية، ومنها مثلاً التقطير الومضي المتعدد المراحل مترافقاً مع التناضح العكسي، أو التقطير المتعدّد الآثار مترافقاً مع التناضح العكسي. وإذا ما أثبتت المشاريع التجريبية الحالية والحلول التقنية قدرة على المنافسة التجارية، فإنّ معامل التوليد المزدوج الكبرى في المستقبل يمكن أن تجمع بين الترشيح النانوي والتقطير الومضي المتعدّد المراحل والتقطير المتعدّد الآثار والتناضح العكسي.
وثمّة عدد من تكنولوجيات التحلية الجديدة التي لا تزال قيد التطوير في العديد من مناطق العالم. ومنها التقطير بالأغشية، وأغشية الأنابيب النانوية الكربونية، وأغشية الأكوابورين (محاكاة حيوية)، وأغشية النانو المركبة، والتناضح الأمامي، والديلزة الكهربائية/نزع الأيونات. غير أنّ بعض خبراء التحلية يشكوّن في جدوى وضع آمال كبيرة علىهذه التكنولوجيات لتحلية مياه البحر.
 
إدارة التكاليف
ينبغي التغلّب على التحدّيات المحليّة وإدخال إصلاحات محدّدة في السياسات والإدارة كي تصبح التحلية مصدراً مستداماً للماء في الدول العربية.
تستهلك التحلية الكثير من رأس المال والطاقة. وتتأثّر خيارات خفض التكاليف بمهارات التشغيل وتغيّرات نوعية الماء الملقّم. أما التكاليف الرأسمالية فتتوقّف على نوعية الماء والقدرة الإنتاجية والبنية التحتية اللازمة، وكفاءة المعمل، واختيار الموادّ، وعوامل أخرى ترتبط بالموقع. وقد تراوحت الكلفة الرأسمالية للوحدة في معامل تحلية مياه البحر سنة 2010 بين 1000 و2000 دولار لكل متر مكعّب يومياً من القدرة المركّبة القصوى. وتقدّر الكلفة الرأسمالية للوحدة في معامل الماء الممولح بما بين 25 و45 في المئة من كلفة الوحدة في معامل مياه البحر. ويوضح الشكل 3 تكاليف التشغيل النسبية لتكنولوجيات التحلية الأساسية الثلاث في معامل التوليد المزدوج، علماً أنّ نفقات تشغيل المعامل الحرارية هي أعلى بكثير إذا لم يتوافر ناتج الحرارة أو البخار في الموقع. كما نعلم أنّ التحلية هي عادة أغلى خيارات مصادر المياه من بين الخيارات المحليّة الأخرى.
يُستدَلّ من هذا التحليل أنّ إدارة التكاليف مسألة دقيقة ينبغي أن يواجهها صانعو القرارات. وإذا اتّبع نهج جديد في السياسات، فيمكن إحراز تقدّم في هذا المجال.
أوّل خيار أساسي يجب تطبيقه هو الحدّ من التسرّب من شبكات التوزيع مع تعزيز سياسات الاقتصاد بالمياه والحوافز، وذلك قبل البدء ببناء معامل تحلية جديدة. قد يستغرق هذا النهج سنوات قبل تحقيق فوائده، لكنّه سيؤدّي إلى توفير كبير في التكاليف الرأسمالية بالاستغناء عن نفقات بناء معامل جديدة.
وعلى الهيئات الحكومية أن تدرس إمكانية تحويل دورها من بانٍ لمعامل التحلية إلى مشترٍ للماء. وهذا التغيير في السياسة يضمن تطبيق أفضل التقنيات وأساليب التشغيل. كما أنّه يساهم مساهمة فاعلة في بناء المهارات والقدرات المحليّة وتوسيع دور القطاع الخاص في صناعة التحلية. وعلى صعيد آخر لا يقلّ أهمية، سيتحوّل دور الحكومة من مشغِّل إلى هيئة ناظمة. ولتحقيق أفضل النتائج من هذه السياسة، لا بدّ أن تعلن الهيئات الحكومية عن كمّيات المياه التي تتوقّع شراءها سنوياً في كلّ مدينة.
أما في حال استمرار الهيئات الحكوميّة في تولّي مسؤوليّات بناء معامل تحلية كبيرة وتشغيلها، فيجب اتّخاذ الخطوات اللازمة لإدارة هذه الأصول على أساس تقليص تكاليف دورة حياة الماء إلى أقصى حدّ ممكن. وينبغي إنشاء مؤسسات حكوميّة لهذه الغاية، على أن تعمل كما تعمل الشركات الخاصّة، فتقدّر قيمة الطاقة بحسب أسعار الأسواق العالمية وتمنح الحوافز لتأسيس دوائر للبحث والتطوير، وذلك للحثّ على الابتكار الذاتي في التكنولوجيا وأعمال التشغيل. وعليها أيضاً أن تُقدِم على بعض المجازفة بإجراء تجارب على تكنولوجيات جديدة. ويمكن مراقبة أدائها بإجراء تدقيقات داخلية.
وعلى الحكومات أن تعيد النظر في الفرضية القائلة إنّه كلّما كبر حجم المعامل انخفضت النفقات. فالمعامل الضخمة تُبنى عادةً في مواقع بعيدة عن المناطق الحضرية المكتظّة، خصوصاً معامل التوليد المزدوج. لذلك فإنّ التكاليف الإضافية لنقل المياه وخزنها وتوزيعها قد تجعل المعامل الصغيرة غير المركزية أقل كلفة وأكثر أماناً من الناحية الاستراتيجيّة وأقل إضراراً. يُضاف إلى ذلك أنّ المعامل الأصغر حجماً تجتذب عدداً أكبر من المقاولين الذين يتقدّمون بعطاءات للتنافس على نيل عقود بنائها، ممّا يعني خفض التكاليف الرأسماليّة واختصار المدة التي يستغرقها الإنشاء.
وقد يكون استخلاص معادن وفلزات مختارة ذات قيمة عالية من مياه التصريف الشديدة الملوحة الناجمة عن معامل التحلية الضخمة عاملاً مساهماً في زيادة العائد الاقتصادي للاستثمارات وخفض تكاليف الماء.
 
تحلية مستدامة
بالإمكان تحقيق الاستدامة المالية والبيئية لصناعة التحلية كمصدر للماء إذا ما تمّ التصدّي للتحدّيات الآتية:
ينبغي فرض تعرفات للماء لاسترداد إجمالي تكاليف الماء ومياه الصرف، بما فيها تكاليف التوزيع والنقل والمعالجة والآثار البيئية. ولضمان إيصال الماء إلى الفقراء، يمكن اللجوء إلى الدعم الحكومي فقط إذا كان يخدم هذه الغاية دون سواها.
ومن شأن استخدام مصادر الطاقة المتجدّدة المتوافرة بكثرة في الدول العربية، مثل الطاقة الشمسيّة، من أجل التحلية، أن يُساهم مساهمة فعّالة في تحقيق الاستدامة وتخفيض البصمة الكربونيّة وإدخال الاقتصادات المحليّة في طور الإنتاج المبنيّ على المعرفة، مع وضع الحوافز الملائمة والدعم اللازم للبحث والتطوير في الشركات المحلية الصغيرة. على الدول العربية أن تتعاون إقليمياً لتحقيق الاستفادة المُثلى من الطاقة الشمسيّة الهائلة التي تنعم بها، خصوصاً لتأمين إمدادات الماء.
ويجب أن تكون كفاءة استخدام الطاقة معياراً أساسياً يُراعى في كلّ عقد لبناء معامل جديدة أو تحسين معامل قائمة. لكن لا يمكن التوصّل إلى كفاءة الطاقة إذا كانت كلفة الوقود المتوافر متدنّية جداً عن سعر السوق، كما هي الحال في معظم دول مجلس التعاون الخليجي. ويُشار إلى أنّ 25 في المئة من إنتاج النفط والغاز في المملكة العربية السعودية يُستخدم محلّياً لتوليد الكهرباء وإنتاج الماء. وعلى ضوء معدّلات نموّ الطلب المسجّلة حالياً، فإن هذه النسبة سترتفع إلى 50 في المئة سنة 2030. ولا جدل في أن الاقتصاد السعودي لا يمكن أن يزدهر في مثل هذا الوضع.
من الطرق التي يمكن أن تؤدّي إلى كفاءة الطاقة استعمال الطاقة الاحتياطية لتوليد الكهرباء، المتوافرة في معظم بلدان مجلس التعاون الخليجي، لإنتاج الماء وخزنه خارج ساعات الذروة. وينبغي دراسة وتطوير إمكانات تخزين الماء في الطبقات الجوفيّة الموجودة تحت معامل التحلية أو القريبة منها، واستخلاصه لاحقاً، لأنّ ذلك يمكن أن يحقّق هذا الحلّ المحتمل. إلاّ أنّ خبراء التوليد المزدوج للطاقة والماء يرون أنّ هذه المبادرة معقولة في بلدان مثل الإمارات العربية المتحدة، لكن ليس في المملكة العربية السعودية حيث تُستخدم كل الطاقة الكهربائية الناتجة في معامل التوليد المشترك لتغذية الحمل الأساسي.
ويجب السعي لإقامة نظام غير مركزي مكوّن من معامل تحلية صغيرة، وذلك لتحقيق الغايات الآتية: زيادة توافر الماء بشكل إجمالي، خفض تكاليف النقل والتسرّب وكلّ ما يتعلّق بشبكة التوزيع، تحقيق مواعيد قصيرة لتنفيذ تلزيم المشاريع وبنائها وإدارتها، ضمان الأمن المائي عبر توفير عدة وحدات، وتأمين توفير فرص للمقاولين المحلّيين القادرين على إدارة المشاريع الصغيرة بشكل فعّال واقتصادي أكثر من المشاريع الضخمة التي تحتاج إلى الخبرة اللوجستيّة التي لا تتوافر إلاّ لدى المقاولين العالميّين.
وعلى الحكومات أن تخصّص حوافز للشركات المحلّية لجذب الاستثمارات في تصنيع مكوّنات معامل التحلية محلياً، مثل أغشية التناضح العكسي ومضخّات الضغط العالي وأجهزة استعادة الطاقة. ويمكن تحقيق ذلك بدءاً بمساعدة المصنّعين المحليّين في الإنتاج وفقاً لمعايير الجودة الدولية وإلزام مقاولي العقود المتكاملة بتأمين المواد من السوق المحلية.
كذلك يُنتظر أن تدعم الحكومات المشاريع الناشئة والاستثمارات المحلية في قطاعات الاقتصاد المستندة إلى المعرفة، وذلك لتشجيع الابتكار محلياً وتحقيق الاستدامة الاقتصادية في الصناعات الإستراتيجية كالتحلية والطاقة الشمسية. يجدر بالدول العربية أن تكون رائدة عالمية في هذين القطاعين الإستراتيجيّين، لأن اقتصاداتها تعتمد عليهما وسوف تكون أول المستفيدين.
 
مخاوف بيئية
تثير معامل التحلية القلق حيال عدة نقاط ينبغي التصدّي لها ومعالجتها. ويتعلّق الأثر البيئي الرئيسي لمعظم معامل التحلية بمصادر طاقتها وببصماتها الكربونية. ويوضح الشكل 4 التفاوت الكبير في البصمة الكربونية لمختلف التكنولوجيات المستخدمة اليوم في معامل التوليد المزدوج. ففي معامل التقطير الومضي المتعدّد المراحل تتراوح بين 10 و20 كيلوغراماً من ثاني اوكسيد الكربون في المتر المكعب. أما في معامل التقطير المتعدّد الآثار/ضغط البخار الحراري فهي في مجال 11,2 ـ 19,6 كيلوغرام وفقاً لمعدّل دورة الحرارة. وتبلغ البصمة الكربونية للمعامل الحرارية الأحادية الغرض (غير واردة في الشكل) أضعاف هذه المستويات إذا لم تتوافر الحرارة المهدورة. ومن الجدير بالملاحظة أيضاً أنّ جميع المعامل الحرارية تقريباً في منطقة الخليج تحاول خفض التكاليف الرأسمالية بعد استخدم دورات حرارة منخفضة، وينجم عن ذلك بصمة كربونية أكبر. ومن المفيد كذلك أن نذكر أنّ البصمة الكربونية لمعامل توليد الطاقة تتراوح بين 0,5 و0,8 كيلوغرام من ثاني أوكسيد الكربون لكل كيلوواط ساعة، وفقاً لنوعية الوقود المستخدم وكفاءة المعمل.
لم يتم إجراء أي دراسة معمّقة لآثار الماء المطروح من معامل التحلية الحرارية على المستوى الإقليمي. وثمّة ما يثير القلق من الآثار المحتملة لتصريف المياه المالحة على البيئة البحرية. وحسبما جاء في تقرير للبنك الدولي عام 2007، «فإنّ تصريف الماء الساخن الشديد الملوحة والكلور المتخلّف والآثار المعدنيّة والهيدروكربونات المتطايرة والمواد المانعة للترغّي والتقشّر هي عوامل ذات تأثيرات ضارّة على البيئة البحريّة القريبة من الشاطئ في الخليج». ويستدعي ازدياد أعداد معامل التحلية في الخليج وارتفاع درجات حرارة مياهه إجراء دراسات شاملة وإعداد نماذج لمواجهة المشاكل المستقبليّة المحتملة وإيجاد حلول لها.
يمكن بسهولة التخفيف من آثار المياه المالحة الناتجة من تحلية مياه البحر بالتناضح العكسي على الحياة البحرية، عن طريق تخفيف ملوحتها وتعديل تصميم المخارج. أما المياه المالحة الناتجة من معامل تحلية المياه الممولحة فتبقى همّاً أكبر من الناحيتين البيئية والمالية، وينبغي إعطاء أولوية لتخفيض كمياتها واستخدامها لأغراض أخرى مفيدة مثل إنتاج الطاقة.
لم تُلاحَظ في دول مجلس التعاون الخليجي، على مدى عشرات السنين، أي مخاطر صحّية مباشرة مرتبطة بنوعيّة مياه الشرب المحلاّة. إلاّ أنّه من الضروري إجراء المزيد من الدراسات لتعيين الحدود الصحية لتواجد معادن معيّنة في البيئات المحلية.
ولدى بعض البلدان العربية قوانين بيئية تنظّم بناء معامل التحلية وتشغيلها، إلاّ أنها لا تُنَفَّذ. وينبغي تخصيص الموارد اللازمة لضمان تقيّد منشآت القطاع الخاص والمنشآت الحكوميّة بهذه الأنظمة.
 
تطوير القدرات
يشتمل تطوير القدرات المحلية على اكتساب مقدرة صنع المعرفة المتطوّرة وقابليّة استخدام هذه المعرفة من أجل رفع القيمة الاقتصادية عن طريق والابتكار والتسويق العالمي. كما ينطوي على تشجيع ورعاية القيادات المتخصّصة المحلية وتوفير الدعم المالي واللوجستي لأصحاب المواهب المحلية لتوظيف أفكارهم في إنتاج قيمة عالمية المستوى. وفي ما يأتي بعض الإصلاحات التي يمكن أن تساهم في تحقيق ذلك:
على الحكومات العربية توفير الدعم المالي السخي للمساعدة في تطوير تكنولوجيات جديدة واختبارها. وعليها أيضاً منح الجامعات المحلية والإقليمية صناديق ائتمانيّة لإطلاق حركة تأسيس شركات المشاريع الجديدة. وهذا سيردم الهوة القائمة حالياً بين المؤسسات التجارية ومعظم الجامعات في البلدان العربية. ويُشار إلى أنّ في بعض الدول العربية، كالمملكة العربية السعودية، مخصّصات ضخمة للمبادرات العلمية والتكنولوجية الطموحة. وسوف يتّضح ما إذا كانت الجامعات المحليّة ستنجح في تحويل طاقاتها الفكريّة البحثيّة، عبر مشاريع جديدة، إلى موارد اقتصادية قيّمة.
تفتقر أكثرية البلدان العربية إلى أموال للمشاريع الجديدة أو الى تمويل مدعوم حكومياً لمؤسسات التكنولوجيا الجديدة ذات المخاطر العالية. ووفقاً للمعلومات المتوافرة، تُستثنى من ذلك تونس أوّلاً، ثم المغرب. ويمكن أن نأخذ المثل من اليابان وكوريا الجنوبية، حيث يتجلّى الدور الحكومي الحيوي في تخطيط وتعزيز قدرات المعرفة المحلية، ممّا جعل الاقتصاد في هذين البلدين يقفز، في غضون بضعة عقود، إلى مصافّ أوائل الدول في الصناعات والتكنولوجيات الحديثة.
ينبغي أن تقدّم الحكومات العربية منحاً دراسية سخيّة للطلاّب الواعدين، وتمنح مؤسسات المنافع المحلية الدعم المالي الذي يمكّنها من إقامة مراكز تدريب. وتقوم الحكومة السعودية، بالتعاون مع الشركات المحلية، ببناء وتجهيز مثل تلك المراكز التدريبية المتخصّصة لزيادة فرص العمل لمواطنيها. ولدى المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة مركز التدريب الوحيد في المنطقة المختصّ بالتحلية.
يؤدّي المجلس العربي للمياه دوراً فاعلاً في بناء القدرات، فقد أنشأ الأكاديمية العربية للمياه والشبكة العربية لتكنولوجيا التحلية، من أجل تسهيل التواصل وبناء القدرات والتعاون بين خبراء التحلية في الدول العربية وفي العالم. وتُعتبر الأكاديمية العربية للمياه، ومركزها أبوظبي، مثلاً جيّداً على فوائد التعاون العربي الإقليمي. وقد بدأت برامجها لبناء القدرات في حوكمة المياه. كما انّها نظّمت سنة 2010 أوّل اجتماع ضمّ كبارالمسؤولين عن مؤسسات المياه في البلدان العربية، ويُنتظر أن تنجم عنه مبادرات وبرامج عربيّة مشتركة مفيدة في مجال تطوير القدرات.
وبدأت شركة المياه الوطنية في السعودية مشروعاً طموحاً لبناء مركز وطني للتدريب في جدّة، لخدمة المنطقة بأسرها وليكون نموذجاً عالمياً في الجمع بين التدريب والتطوير التكنولوجي. وذلك لتعزيز المعرفة والابتكار في جميع الحقول المتعلّقة بالمياه، ومن ضمنها التحلية.
يمكن أن تكون التحلية مصدراً مستداماً للماء في الدول العربية ومحرّكاً للاقتصاد المبني على المعرفة، إذا ما جرى تطبيق الإصلاحات والتوصيات اللازمة. وعلى الحكومات أن تبدأ بالإصلاحات في تعرفات المياه، وترشيد استخدام المياه، وبرامج الادارة المتكاملة للمياه. ويجب وضع التحلية بالطاقة الشمسية على رأس أولويّات التطوير التكنولوجي المطلوب في الدول العربية. ومن الأولويّات التي يجب وضعها على رأس إصلاحات السياسات المائية الاقتصاد بالمياء وإدارة الطلب لجميع الاستخدامات، خصوصاً في الزراعة.
 
كادر
مقترحات لجعل تحلية مياه البحرمصدراً مستداماً للمياه
- زيادة تعرفات الماء لاسترداد كامل كلفة إمدادات المياه وخدمات مياه الصرف، وذلك لتحقيق الاستدامة المالية والبيئية لتوفير خدمات المياه. وينبغي إقرار إعانات حكوميّة هادفة وذكيّة وموجّهة للفقراء، بدلاً من الدعم العامّ لأسعار الماء، وذلك من أجل ضمان الاقتصاد في الاستهلاك والعدالة الاجتماعية.
- تخفيض التسرب من الشبكات وتقليص المياه غير المحسوبة، قبل زيادة الإمدادات برفع القدرة الإنتاجية لمعامل التحلية القائمة أو بناء معامل جديدة. وهذا أمر أساسي لضمان المحافظة على الموارد الطبيعية والمالية.
- تحويل مهمّة البلديات وكبار مستخدمي المياه إلى شراء الماء بالجملة بسعر أدنى للوحدة وبكمّيات ونوعيّات محدّدة بدلاً من شراء معامل تحلية متكاملة. وينبغي أن تكفّ الحكومات عن تملّك الأصول المادية لمعامل التحلية وتقوم بدور تنظيمي. كما ينبغي التوسّع في المشاريع المشتركة بين القطاعين العام والخاص، وكذلك تعميم صناديق الماء أو نماذج الوقف المائي.
- إنشاء منافع عامّة حكوميّة كصناديق مستقلّة للماء (أوقاف) أو تشغيلها كشركات تجارية ذاتية التمويل، وذلك لتوفير المياه الموثوقة والمستدامة بكلفة دنيا للأجيال الحاضرة والقادمة.
- إلزام جميع معامل التحلية الجديدة بتخفيض استهلاك الطاقة وتصغير البصمة الكربونيّة لكلّ وحدة ماء منتَجة. وينبغي أن تضع الحكومات العربية حدوداً قصوى لانبعاثات الكربون من معامل المياه.
- يجب أن يكون تطوير تكنولوجيات تحلية جديدة بالطاقة الشمسية للأنظمة الكبيرة والصغيرة على رأس أولويّات برامج الأبحاث والتطوير في العالم العربي. ويمكن أن تشكّل المنتجات والحلول التقنية قاعدة اقتصاديّة ثابتة للعديد من بلدان المنطقة. وعلى الدول العربية ان تخطّط لتصدير الطاقة الشمسية لتحقيق الازدهار في المستقبل بمقدار ما تعتمد حالياً على تصدير النفط والغاز.
- وضع معايير بيئية وتطبيق المعايير الحالية، على جميع معامل التحلية، سواء أكانت مملوكة للقطاع الخاص أم لهيئات حكومية. وينبغي وضع مهل زمنية محدّدة للمعامل التي تملكها أو تديرها الحكومات والتي تتسبّب في تلوّث الماء والهواء، كي تلتزم بالمواصفات القانونية.
- على الحكومات أن تدعم بلا حدود الاستثمارات الخاصة في الأبحاث والتطوير، والتدريب، والمشاريع التكنولوجيّة الجديدة، والصناعات المحليّة القائمة على المعرفة. وينبغي أن يكون هذا الدعم متكاملاً بحيث يحقّق النتائج الاقتصادية المحلية الوطنية ويخدم أهداف التصدير في الصناعات الاستراتيجية مثل تحلية المياه وانتاج الطاقة الشمسية.
- من مصلحة الدول العربية أن تضع برامج مشتركة للأبحاث والتطوير خاصة بالتحلية والطاقة المتجدّدة، وأن ترفع إلى أقصى حدّ ممكن قيمة الأفكار الجديدة ونتائج الأبحاث التي تصدرها مؤسسات المعرفة الجديدة مثل جامعة الملك عبد اللـه للعلوم والتقنية ومؤسسة قطر للتربية والعلوم.
 
كادر
السعودية تتجه الىتحلية المياه بالطاقة الشمسية
أطلقت السعودية في كانون الثاني (يناير) 2010 مبادرة وطنية لتحلية المياه بالطاقة الشمسية بكلفة إجمالية تقدر بنحو 129 مليون ريال (35 مليون دولار). وقد تم تطوير تقنيات متقدمة من خلال المركز المشترك لأبحاث تقنية النانو بين مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وشـركة ''آي بي إم'' العالمية، بهدف التطبيق العملي لتقنيات النانو المتطورة في مجال إنتاج أنظمة الطاقة الشمسية والأغشية لتحلية المياه.
وسيتم تنفيذ المبادرة الوطنيـة على ثلاث مراحـل خلال تسـع سنوات. تتضمـن المرحلـة الأولى بنـاء محطـة لتحليـة المياه المالحـة بـقـدرة إنتـاج تبلغ 30 ألف متر مكعب يومياً لسـد احتياجات مدينة الخفجي من مياه الشرب، وذلك من خلال انشاء محطة لإنتاج الطاقة الشمسية بطاقة 10 ميغاواط وأغشية التناضح العكسي، في مدة ثـلاث سنوات. وتستهدف المرحلة الثانيـة بناء محطة بقدرة إنتـاج 300 ألف متـر مكعب يومياً، يستغرق تنفيذها ثلاث سنوات. وسيتـم خلال المرحلة الثالثة بناء عدة محطات لتحلية المياه المالحة بالطاقة الشمسية لجميع المناطق السعودية.
 
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.