Saturday 23 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
هادي حداد مخلّفات الغذاء عالمياً تتجاوز حاجة الجياع... الدول العربية الأقل دخلاً هي الأكثر هدراً للطعام  
أيار / مايو 2024 / عدد 314
يعرِض تقرير دولي جديد صورة متناقضة عن واقع الغذاء حول العالم، إذ بينما يعاني 780 مليون إنسان من الجوع يذهب أكثر من مليار وجبة منزلية إلى مكبّات النفايات يومياً. ولا تمثّل هذه القضية مصدر قلق للدول المتقدمة فحسب، وإنما تحدياً ملحّاً بالنسبة للبلدان العربية أيضاً، حيث تتطلب العادات والتقاليد الاجتماعية، إلى جانب العوامل الاقتصادية، اتباع نهج مخصص لمكافحة هدر الطعام.
 
خُمس الغذاء يذهب إلى مكبّات النفايات
يخلص تقرير"مؤشر هدر الطعام 2024"، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب)، إلى أن الأُسَر حول العالم رَمَت أكثر من مليار وجبة في سلال المهملات خلال عام 2022، وهي كمية كانت تكفي لسد حاجة 780 مليون إنسان يعاني من الجوع، فيما يواجه ثلث البشرية انعداماً في الأمن الغذائي. ولا يزال هدر الغذاء يُلحق ضرراً بالاقتصاد العالمي، ويساهم في تغيُّر المناخ وتناقص الموارد الطبيعية وانتشار التلوّث. ويقدم التقرير ما تعتبره المنظمة الأممية "التقدير العالمي الأكثر دقّة" بشأن هدر الأغذية في مرحلتي البيع بالتجزئة والاستهلاك، كما يعرض إرشادات للبلدان لتحسين جَمع البيانات والانتقال من القياس إلى الحدّ من هدر الغذاء.
 
ويقدّر التقرير أن هدر الطعام في 2022 تجاوز المليار طن، أي ما يعادل 132 كيلوغراماً للفرد، وما يقرب من خُمس جميع المواد الغذائية المتاحة للمستهلكين. وكانت الأُسَر مسؤولة عن 60 في المائة من إجمالي هدر الطعام، حيث يُعزى باقي الهدر إلى خدمات الإطعام كالفنادق والمطاعم (28 في المائة) وإلى تجارة التجزئة كالأسواق ومحلات البقالة وغيرها (12 في المائة).
 
ويترجَم هذا إلى هدر للفرد يبلغ 79 كيلوغراماً سنوياً خلال مرحلة الاستهلاك في المنزل، مع ملاحظة اختلاف بسيط في معدلات الهدر وفقاً لمستوى الدخل بين البلدان، حيث يبلغ التباين 7 كيلوغرامات فقط للشخص الواحد بين الدول المرتفعة والمتوسطة الدخل من جهة والدول المنخفضة الدخل من جهة أخرى.
 
وتعتبر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) أن الحدّ من الفاقد والمهدر من الأغذية يساهم في تحويل النظم الزراعية والغذائية نحو الاستدامة، من خلال زيادة توافر الأغذية، والمساهمة في ضمان الأمن الغذائي وإيجاد أنماط غذائية صحية وبناء القدرة على الصمود. ويعمل أيضاً كاستراتيجية مناخية رئيسية من خلال الحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وبالتالي، يمكن أن يساعد البلدان والأعمال التجارية على النهوض بالطموح المناخي، بموازاة صَون وحماية النظم الإيكولوجية والموارد الطبيعية التي يعتمد عليها مستقبل الأغذية.
 
ولا يمكن إنكار العلاقة بين هدر الطعام وتغيُّر المناخ، حيث تُعزى 8 إلى 10 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية إلى هذه المشكلة. ومع ذلك، فمن اللافت أن 21 دولة فقط قامت بدمج الحدّ من فقد الغذاء وهدره في خطط عملها المتعلقة بالمناخ بموجب اتفاق باريس. ولذلك يجب على الدول اغتنام المراجعات القادمة للمساهمات المحددة وطنياً لسنة 2025 باعتبارها فرصة حاسمة لرفع طموحاتها المناخية، من خلال دمج استراتيجيات الحدّ من هدر الطعام.
 
وبينما يوجد تحسّن في جمع البيانات، لا تزال هناك فجوة معطيات كبيرة، لاسيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وخاصة في ما يتعلّق بقطاعي البيع بالتجزئة والخدمات الغذائية. ويعوق هذا النقص في البيانات غياب القياس الدقيق والضعف في تتبع التقدم المحرز نحو تحقيق الغاية الثالثة من الهدف 12 من أهداف التنمية المستدامة العالمية، المتمثّلة في خفض هدر الغذاء إلى النصف بحلول 2030.
 
ويدعو تقرير "يونيب" إلى اتخاذ إجراءات منهجية، مع التركيز على دور السياسات القوية والشراكات بين القطاعين العام والخاص في معالجة هدر الأغذية. ويعرض أمثلة ناجحة مثل اليابان والمملكة المتحدة، اللتين حققتا تخفيضات كبيرة في هذا المجال بلغت 31 و18 في المائة على التوالي، مما يثبت أن التغيير على نطاق واسع أمر ممكن التحقيق.
 
هدر الطعام في الدول العربية
لا تزال البيانات المتعلقة بهدر الطعام في الدول العربية قليلة وغير موثوقة، ومع ذلك يقدم تقرير "مؤشر هدر الطعام 2024" لمحة بسيطة عن هذه المشكلة. ووفقاً للتقرير، تتباين تقديرات الكمية التي يهدرها الشخص الواحد سنوياً بشكل كبير بين الدول العربية، وهي في حدها الأدنى 84 كيلوغراماً في ليبيا، وتصل في حدها الأعلى إلى 207 كيلوغرامات في محافظة قنا المصرية.
 
وعلى نحو لافت، تُشير أرقام التقرير إلى أن الدول العربية الأعلى دخلاً هي الأقل هدراً للطعام. فكمية الطعام المهدور في قطر والسعودية تقارب 100 كيلوغرام للشخص الواحد سنوياً، وهي في حدود 130 كيلوغراماً في العراق ولبنان، بينما تتجاوز 170 كيلوغراماً في سورية وتونس ومصر. ولعل ذلك ناشئ عن توافر الإنتاج الغذائي المحلي في معظم الدول العربية الأقل دخلاً، وما يرافقها من انخفاض الأسعار وصعوبات تصريف المنتجات ومشاكل النقل والتخزين.
 
لكن هذا الوضع يتغيّر بسبب الحروب والتحديات الاقتصادية. ففي سورية، التي يعاني أكثر من نصف سكانها من الجوع وفق معطيات برنامج الغذاء العالمي، أصبح الإنتاج الزراعي مهدداً بسبب رفع الدعم الحكومي عن المحروقات وقلّة اليد العاملة الشابة ومصاعب تصدير المنتجات الزراعية. ويقابل ذلك تراجع كبير في القوة الشرائية للمواطنين وتعذّر تخزين الطعام نتيجة انقطاع الكهرباء يومياً لفترات مديدة. وتعزز هذه العوامل المجتمعة في سلسلة الإنتاج والتخزين والنقل والاستهلاك من فرص تلف الغذاء وهدره. وينطبق هذا الوضع على دول أخرى مثل العراق واليمن.
 
وفي السعودية، تبلغ نسبة الغذاء المهدر أكثر من 18 في المائة، وبقيمة إجمالية تقارب 11 مليار دولار سنوياً وفق تقديرات وزارة البيئة. ويمكن في حال توفير كامل كلفة هدر الغذاء تسديد نصف العجز في الميزانية العامة للبلاد، التي من المتوقع أن تتجاوز مصروفاتها 330 مليار دولار هذه السنة. ويرتبط هدر الطعام في السعودية بممارسات الاستهلاك غير المستدام للغذاء، والعادات الاجتماعية التي تزيد الهوّة بين الإسراف وحفظ النعمة. ويمتد أثر ذلك إلى حماية الموارد الطبيعية واستنفاذ المصادر المائية العذبة وضمان الأمن الغذائي.
 
وكان المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) أَولى مسألة الغذاء في البلدان العربية أهمية معتبرة في تقاريره السنوية، وعلى نحو خاص في تقرير "البيئة العربية، خيارات البقاء"، وتقرير "الأمن الغذائي، التحديات والتوقعات"، وتقرير "الاستهلاك المستدام". وتخلص هذه التقارير إلى إخفاق معظم الدول العربية في تحقيق الأمن الغذائي لمواطنيها، ذلك إن منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا هي الوحيدة في العالم التي تشهد زيادة في عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص في التغذية. وحتى بعض الدول الخليجية، الأكثر قدرة على دعم وتلبية الاحتياجات الغذائية لمواطنيها، لم تصل بعد إلى تحقيق أمنها الغذائي النوعي، نتيجة عدم كفاية المغذيات الصغرى كالفيتامينات والأملاح المعدنية.
 
وتساهم عوامل عدة في تعزيز هدر الطعام لدى الأُسَر العربية، في مقدَّمها الأعراف الثقافية وكرم الضيافة، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى الإفراط في تحضير الطعام وزيادة المخلّفات. وعلى نحو متناقض، يمكن أن تساهم التحديات الاقتصادية وانعدام الأمن الغذائي في هدر الطعام، حيث قد تبالغ الأُسَر في الشراء عندما تكون الموارد متاحة ثم تتلف المشتريات مع الوقت. كما تُعتبر محدودية البنية التحتية عاملاً هاماً في هدر الطعام، إذ تُعيق مرافق التخزين غير الكافية وسلاسل التبريد غير الموثوقة وبرامج استعادة بقايا الطعام المرتجلة الجهود المبذولة لإدارة وإعادة توزيع فائض الغذاء.
 
وتتطلب معالجة هذه المشكلة في العالم العربي نهجاً متعدد الأوجه، يتضمن زيادة حملات التوعية العامة لتثقيف المستهلكين حول العواقب الاقتصادية والبيئية والأخلاقية المترتبة عن هدر الطعام، وتعزيز الاستهلاك الواعي والممارسات المسؤولة لإدارة الأغذية. كما يجب أن تحترم الجهود المبذولة للحدّ من هدر الطعام العادات والتقاليد المحلية وتتكيّف معها، كأن تلحظ الاستخدام المخطط والذكي لبقايا الطعام مع الحفاظ على روح الضيافة السخية.
 
وإلى جانب الاستثمار في البنية التحتية لسلاسل التبريد وتحسين مرافق التخزين وبرامج الاستعادة التي تساعد في منع تلف الأغذية وضمان وصول الفائض إلى المحتاجين، يجب على البلدان العربية إعطاء الأولوية لجمع بيانات دقيقة وشاملة عن هدر الأغذية لتوجيه التدخلات وتتبع التقدم المحرز نحو تحقيق أهداف الحدّ من الهدر.
 
إن مشكلة هدر الطعام ليست مسألة فردية خالصة، وإنما مسؤولية جماعية تتطلب جهداً مشتركاً. ويقع على الحكومات والشركات والمنظمات الأهلية وقادة المجتمع رفع مستوى الوعي وتنفيذ الحلول العملية وتعزيز ثقافة الاستدامة والأمن الغذائي. ومن خلال الاعتراف بالتحديات والبحث عن الفرص المتاحة في العالم العربي، يمكن تطوير استراتيجيات فعّالة لضمان أن الغذاء يصل إلى الناس ولا ينتهي في مواقع التخلُّص من المخلّفات.
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.