اختُتِمت الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة (UNEA-6) أول من أمس اجتماعاتها في المقر الرئيسي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) في نيروبي، حيث ضمّت ممثّلين عن مجمل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وحضر عدد غير مسبوق من المندوبين تجاوز الخمسة آلاف من 193 بلداً. وباعتبارها أعلى هيئة لصنع القرار البيئي في العالم، ركّزت الجمعية على تحقيق التوافق حول إجراءات فعّالة وشاملة ومستدامة، لمعالجة التحدي الثُلاثي الأبعاد، المتمثل في تغيُّر المناخ وفقدان التنوُّع البيولوجي والتلوُّث. ولحَظت في قراراتها مجموعة من القضايا البيئية الشائكة، بما فيها الحلول القائمة على الطبيعة وتدهور الأراضي والجفاف والعواصف الرملية والغبارية والمبيدات الحشرية الشديدة الخطورة، إلى جانب الإجراءات العملية لتنفيذ تدابير الحدّ من التلوُّث بالبلاستيك. واستقطبت المعاهدات البيئية الدولية نقاشات حادة، خاصة تلك المعنية بتغيُّر المناخ والتصحر والتنوُّع البيولوجي والنفايات الخطرة. فللمرة الأولى يُطرَح موضوع وضع آلية لتعزيز التنسيق بينها، في إطار دور أكبر لجمعية الأمم المتحدة للبيئة. وقد تخوّفت الأمانات العامة لهذه المعاهدات من أن تخسر بعضاً من استقلاليتها إذا تنازلت عن جزء من صلاحياتها. لكن التسوية الوسطية كانت الغالب في النهاية.
تقييم ورؤية استشرافية
لم تكن اجتماعات نيروبي لتقييم التقدم المُنجَز فقط وإنما أيضاً لصياغة مستقبل العمل البيئي. وقد نظر ممثّلو الدول والمنظمات الدولية والمجموعات الرئيسية في التقارير المتعلقة بتنفيذ القرارات السابقة، بما في ذلك متابعة وضع اتفاق مُلزم قانوناً لإنهاء التلوُّث البلاستيكي بموجب القرار الذي اتخذته جمعية الأمم المتحدة للبيئة قبل سنتين. وكان هذا النهج بمثابة شهادة على التزام الجمعية بالبناء على التعهدات السابقة وضمان التقدم المستمر في القضايا البيئية الحاسمة.
وتُعتبر جمعية الأمم المتحدة للبيئة، التي تنعقد دورياً كل سنتين، بمثابة منصة حيوية لتعزيز التعاون الدولي عبر المناقشات والمداخلات المتعلقة بالسياسات البيئية الدولية الفعالة وهياكل الإدارة. وقد تمّت مراجعة المقترحات الخاصة بهذه السياسات في البداية من قِبل اللجنة المفتوحة العضوية للممثّلين الدائمين للدول، قبل تقديمها إلى الجمعية، بحيث تعكس إجماعاً عالمياً بشأن التوجهات المستقبلية. ومنذ تأسيسه عام 1972 حتى 2014، كانت السلطة العليا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) بيد "المجلس الحاكم"، المؤلف من 58 دولة تنتخبها الجمعية العمومية للأمم المتحدة دورياً. وكان إقرار التحوُّل من "مجلس حاكم" إلى "جمعية البيئة" عام 2014 بمثابة تسوية أعقبت مطالبات بالتحوُّل من "برنامج" إلى منظمة دولية مستقلة. لكن رغم التحوُّل من مجلس حاكم إلى جمعية عامة تضم جميع الدول، ما زال "يونيب" تحت سلطة الأمانة العامة للأمم المتحدة.
وفي هذه السنة، ناقشت الجمعية نحو 20 قضية تخصّ العمل البيئي المشترك عبر خمس مجموعات عمل. وكانت حصّة مجموعة العمل الأولى قضايا المبيدات الحشرية الشديدة الخطورة، والإدارة السليمة للمواد الكيميائية والنفايات، وتعزيز التعاون الإقليمي بشأن تلوُّث الهواء لتحسين نوعيته على مستوى العالم، ومكافحة العواصف الرملية والترابية، وتعديل الإشعاع الشمسي لضمان موثوقية وشفافية مبادرات هندسة تغيُّر المناخ.
وبرزت النقاشات حول قرار يخص تلوُّث الهواء، الذي يتسبب بنحو سبعة ملايين وفاة حول العالم سنوياً، اعتماداً على وثيقة اقترحتها الولايات المتحدة. وتدعو الوثيقة الدول الأعضاء لاتخاذ إجراءات مختلفة لتحسين نوعية الهواء، مثل وضع المعايير الوطنية، وزيادة الوعي، والعمل مع القطاع الخاص، وتبادل الخبرات. وتقترح تشكيل شبكة تعاون عالمية للتعاون الإقليمي في مجال نوعية الهواء مع الدول الأعضاء والشركاء ومنظمات التمويل، وتنفيذ عدة إجراءات لدعم الشبكة.
واستندت الوثيقة الخاصة بمكافحة العواصف الرملية والترابية، التي قدمتها إيران، إلى قرارات سابقة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة اعتبرت هذا النوع من العواصف تحدياً خطيراً للتنمية المستدامة، ودعت إلى العمل المنسّق والتعاون بين أصحاب المصلحة المعنيين. وتطلب الوثيقة من المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) دعم الدول الأعضاء والشركاء الآخرين في التصدي لتحديات العواصف الرملية والترابية من خلال تحديد فجوات البيانات والمعلومات، وأنشطة زيادة الوعي، والسياسات والتدابير الأخرى. كما تدعو الوثيقة الدول الأعضاء إلى تبادل أفضل الممارسات والمعارف، وتعزيز التعاون، وإعداد وتنفيذ البرامج وخطط العمل، ومعالجة العواصف الرملية والترابية من خلال التدخلات المتكاملة.
أما القضايا على جدول أعمال المجموعة الثانية فشملت تعزيز الجهود الدولية لوقف تدهور الأراضي واستصلاح الأراضي المتدهورة وزيادة قدرة النظم الإيكولوجية والمجتمعات المحلية على مواجهة الجفاف، وتطوير المعايير والقواعد والمقاييس والمبادئ التوجيهية لتنفيذ الحلول القائمة على الطبيعة لدعم التنمية المستدامة، وتعزيز إدارة المحيطات والبحار لمعالجة تغيُّر المناخ وفقدان التنوُّع البيولوجي البحري والتلوُّث، وحلول فعالة وشاملة لتعزيز سياسات المياه لتحقيق التنمية المستدامة في سياق تغيُّر المناخ وفقدان التنوُّع البيولوجي والتلوُّث.
وتحثّ الوثيقة الخاصة بمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، التي بادرت لاقتراحها السعودية، الدول الأعضاء على تنفيذ سياسات وبرامج لمكافحة التصحر، ووقف تدهور الأراضي، واستعادة الأراضي المتدهورة، وتعزيز الإدارة المستدامة للأراضي، والمساهمة في تحييد تدهور الأراضي، وتعزيز القدرة على التكيُّف مع الجفاف. وتطلب الوثيقة من المدير التنفيذي تيسير تبادل المعرفة والبيانات والموارد، وتعزيز التعاون والتآزر في إطار اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر.
ولحظت قضايا المجموعة الثالثة دعم العمل الوطني لمواجهة التحديات البيئية من خلال زيادة التعاون بين جمعية الأمم المتحدة للبيئة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) والاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف، وتعزيز دور واستمرارية المنتديات الوزارية البيئية الإقليمية والمكاتب الإقليمية في تحقيق التعاون المتعدد الأطراف في التصدي للتحديات البيئية، وتعزيز النهج التآزري لمعالجة الأزمات العالمية المترابطة المتمثّلة في تغيُّر المناخ وفقدان التنوُّع البيولوجي والتلوُّث، إلى جانب دعم التنمية المستدامة، وإجراءات متعددة الأطراف فعالة وشاملة ومستدامة لتحقيق العدالة المناخية.
وشملت قضايا المجموعة الرابعة تكثيف الجهود لتسريع التحوُّل محلياً وإقليمياً وعالمياً إلى الاقتصادات الدائرية، والجوانب البيئية للمعادن والفلزات، والمساعدة البيئية والتعافي في المناطق المتضررة من النزاعات المسلحة، والتغييرات السلوكية نحو أنماط الحياة المستدامة، ودائرية صناعة قصب السكر المرنة والمنخفضة الكربون. فيما ضمّت قضايا المجموعة الخامسة تعديلات على وثيقة إنشاء صندوق البيئة العالمي المُعاد هيكلته، وجدول الأعمال المؤقت وموعد ومكان انعقاد الدورة السابعة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة، وإدارة الصناديق الائتمانية والمساهمات المخصصة.
مقاربة متعددة الأوجه
إلى جانب مناقشات السياسات، قامت الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة بتيسير الحوار والمشاركة في مسائل التعاون الأخرى، مما يدل على التزامها بنهج متعدد الأوجه للعمل البيئي. واستعرضت الجمعية خطة عمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) وميزانيته، لضمان توافق موارد المنظمة مع التحديات البيئية الأكثر إلحاحاً.
وإدراكاً لأهمية الشمولية والمسؤولية المشتركة لمعالجة الأزمة الكوكبية الثُلاثية الأوجه، المتمثّلة بتغيُّر المناخ وخسارة الطبيعة والتنوُّع الحيوي والتلوُّث، استضافت الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة حوارات مخصصة تتناول المسائل الحاسمة بهدف عقد محادثات مثمرة واستكشاف الحلول المحتملة لبعض التحديات البيئية الأكثر إلحاحاً في عصرنا. وناقش الخبراء وأصحاب المصلحة فعالية العِلم والبيانات والتحوُّل الرقمي في تسريع عملية الانتقال إلى مستقبل أكثر استدامة.
كما استكشف الخبراء دور النظام المالي العالمي في المعالجة الفعالة لتغيُّر المناخ وفقدان التنوُّع البيولوجي والتلوُّث، مع تسليط الضوء على الحاجة إلى آليات مالية مبتكرة لدعم العمل البيئي. وجرَت هذه الحوارات بأسلوب نقدي لتقييم أثر التشاركية البيئية في معالجة الأزمة الكوكبية الثُلاثية، وذلك بهدف الوصول إلى آلية لتعزيز التعاون الدولي وتسريع التقدم.
وركّز الحوار بين أصحاب المصلحة المختلفين على تعزيز التعددية التي لا تهمل أحداً، مع تسليط الضوء على الدور الحيوي للمجموعات الرئيسية وأصحاب المصلحة، من مجتمع مدني وأكاديمي وقطاع خاص وسكان أصليين، في التوصل إلى حلول فعالة وفي الوقت المناسب. ومن خلال الجمع بين وجهات نظر وخبرات متنوعة، شددت الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة على أهمية العمل التعاوني والمسؤولية المشتركة في التصدي للتحديات العالمية المعقدة.
ويعكس الإعلان الوزاري في ختام الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة اتفاقاً على الخطوط العريضة للقضايا التي جرت مناقشتها، مع الإقرار بأهمية التنمية كأولوية والأخذ بعين الاعتبار منفعة الجميع. ويؤكد الإعلان إقرار إجراءات مشتركة تخصّ تغيُّر المناخ، وفقدان التنوُّع البيولوجي، وتدهور الأراضي، والتصحر والجفاف، وخسارة الغابات، والتحوُّل العادل والمستدام نحو الطاقة النظيفة، والإدارة المستدامة للمعادن والفلزات، والتلوُّث البلاستيكي، وتلوُّث الماء والهواء، وإدارة المواد الكيميائية، وإدارة مخاطر الكوارث، وتمكين الجميع من المشاركة في صنع القرار البيئي.
ويؤكد الإعلان على الاستفادة من التحوُّلات الرقمية كأداة تمكينية لدعم الاقتصادات والمجتمعات المستدامة، من خلال سدّ الفجوات الرقمية الحالية، وتحسين البحث والابتكار والمساواة في الوصول إلى المعلومات البيئية وتسخير التقنيات الناشئة ومراقبة كيفية تطورها من أجل الاستدامة، مع ضمان أن تظل الرقمنة شاملة ومنصفة ومستدامة.
وتقدِّم المناقشات والقرارات وأوجه التعاون الرئيسية التي أقرّتها الدورة السادسة خارطة طريق قيّمة لمعالجة التحديات البيئية الملحّة التي تواجه كوكبنا. فنجاح الجمعية لا يكمن في القرارات المتخذة فحسب، بل أيضاً في روح التعاون الدولي المتجددة التي عززتها. ومن خلال تعزيز التعاون الدولي والعمل الجماعي، يمكن بناء مستقبل أفضل يوفّر متطلبات الأجيال القادمة ويضمن سلامة الكوكب.
جلسة مجموعة النقاش الأولى
رئيسة الدورة السادسة الوزيرة المغربية ليلى بنعلي تُعلن المصادقة على جدول الأعمال، وإلى يمينها المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب)، إنغر أندرسن
تظاهرة للمجتمع المدني على أبواب المؤتمر تربط بين وقف الحرب والإبادة في غزة وحماية البيئة
الصور:
ENB- Mike Muzaikis