Wednesday 04 Dec 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
رأي
 
سيد فتحي أحمد الخولي مؤتمر المناخ واتفاق الحد الأدنى  
كانون الثاني / يناير 2024 / عدد 310
اضطرت رئاسة مؤتمر المناخ الثامن والعشرين، الذي عقد في دبي، إلى تمديد استثنائي لفترة المؤتمر لتقريب وجهات نظر المفاوضين من نحو 195 دولة شاركت في قمة الأمم المتحدة للمناخ، للوصول إلى اتفاق شامل يحقق الحد الأدنى من توافق الدول الأطراف في اتفاقية التغيُّر المناخي. ولا شك أن أبرز الأسباب هو تنوُّع الخلافات حول سبل تحقيق أهداف اتفاقية التغيُّر المناخي.
 
ويُعتبر تعدد الآراء وحدّة المناقشات من الأمور التي تعوّد عليها آلاف المشاركين في عشرات المؤتمرات الخاصة بالمناخ، بمن فيهم رؤساء الدول والحكومات والوزراء، وممثلو المجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص والشركات العالمية الضخمة النافذة. ولهذا لم تغفل الاتفاقية الفجوة التي يفرضها أيضاً تعارض المصالح مع نتائج الالتزام بتحقيق الهدف الأساسي للاتفاقية المتمثّل في "تثبيت تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي عند مستوى لا يشكّل خطورة على مناخ الأرض خلال فترة زمنية كافية تسمح للنظم البيئية أن تتأقلم بصورة طبيعية مع تغيُّر المناخ".
 
ويبرِز تباين المصالح اختلاف أشكال مجموعات الدول الأطراف وتباينها في القوة والامكانيات، وبالتالي تباين وجهات النظر والخلافات حول الإجراءات التطبيقية التي يمكن الاتفاق عليها. فالدول النامية ترى أن الأولوية تكون لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية في بلدانها من دون أن يؤدي تطبيق الإجراءات المقترحة من الدول الصناعية إلى تقييد لأنشطتها الاقتصادية، أو إضافة أعباء جديدة إلى صناعاتها الناشئة وزراعتها المجهدة. كما تصرّ هذه الدول على أن الدول الصناعية هي المتسبب الرئيسي في المشكلة نتيجة انبعاثات الغازات خلال مراحل نموها، بجانب أنها الآن تملك الوسائل المادية والفنية للحدّ منها ومساعدة الدول الفقيرة للتكيُّف مع الآثار السلبية وتقديم مساعدات تقنية للدول النامية النفطية لتمكّنها من تنويع اقتصادها.
 
وادراكاً لتفاوت الإمكانات والالتزامات، رسّخت الاتفاقية مجموعة من المبادئ المتفق عليها في إعلان ريو لتحكم العلاقات البيئية الدولية، ومن أبرزها مبدأ "الحيطة" حتى لا يتم التحجج بنقص اليقين العلمي كذريعة من أجل تأجيل تنفيذ إجراءات فورية، وذلك ضماناﹰ وتأميناﹰ للمستقبل من مخاطر التغيُّر المناخي. إلى جانب مبدأ "المسؤولية المشتركة لكن المتباينة" باعتبار التفاوت بين الدول وفقاﹰ لإمكاناتها بحيث تتعاظم مسؤولية الدول الصناعية لامتلاكها القدرات التمويلية والتكنولوجيات الملائمة والمؤسسات القادرة والكوادر المؤهلة واللازمة للتصدي لمشكلة تغيُّر المناخ، ومبدأ "الشمولية" باعتبار تعدد القطاعات الاقتصادية ومصادر الانبعاثات، وكذلك تعدد الغازات المسببة للاحتباس الحراري. لذا يجب التركيز على جميع الغازات وجميع القطاعات دون استثناء. وكذلك شمولية إجراءات الحدّ من آثار التغيُّر المناخي والتأقلم معها، لضمان توازن المنافع والتكاليف بصورة تعكس التداخل بين البلدان، التي تتباين في خصائصها وظروفها الوطنية. ومبدأ "التباين والإنصاف" لمراعاة العدالة في توزيع الأعباء الناجمة عن التغيُّر المناخي. فكما أن الدول تتباين في مساهمتها التاريخية في انبعاث الغازات التي تسبب التغيُّر المناخي، فإن الدول تتباين في تأثرها بالتغيُّر المناخي بدرجات مختلفة، كما تتباين في تأثرها بالإجراءات المتخذة لمواجهة التغيُّر المناخي. ومبدأ "المسؤولية عن الإجراءات المتخذة"، بحيث تعكس الآثار على الدول الأطراف ولاسيما النامية منها، ليتم تعويض الدول التي قد تتضرر من السياسات التي تتبعها الدول الصناعية خلال تنفيذ التزاماتها.
 
ومع تزايد النقاشات بين الدول الأطراف اتضحت صعوبة الالتزام الحقيقي بهذه المبادئ دون تضحيات بمصالحها والحفاظ على توازن المراكز الاقتصادية للدول.
 
وسعت دولة الإمارات إلى مدّ جسور التواصل والتعاون مع المجتمع الدولي من خلال استضافة قمة كوب 28 في المنطقة التي تعتمد في اقتصادها على الوقود الاحفوري، ووجدتها فرصة لإظهار جهودها المستمرة لتنويع القاعدة الاقتصادية، وتحفيز التعاون مع جميع الأطراف لتزيد من معدلات استثماراتها في مجال نقل تقنيات الطاقة المتجددة. ورغم ذلك فقد برزت العديد من الانتقادات التي وُجّهت إلى اختيار مكان عقد المؤتمر في إحدى أكبر مناطق انتاج النفط. فقد اعتبرت بعض الفئات المتطرفة أنه تم "اختطاف" كوب 28 من قبل صناعة النفط العالمية، واتهم زعماء تحالف الدول الجزرية الصغيرة (42 دولة معرضة بالغرق لارتفاع مستوى سطح البحر) الدول المنتجة للوقود الاحفوري بالطمع أو الأنانية، عن طريق وضع ترفهم في موقع من الأهمية يفوق حساب وجود هذه الدول على كوكب الأرض، واتهمت بعض وسائل الاعلام الغربية الإمارات باستخدام دورها كمضيف لمحادثات الأمم المتحدة للمناخ كفرصة لإبرام صفقات النفط والغاز (بي بي سي)، كما وجهت اتهامات لرئيس المؤتمر بانتهاك معايير مبدأ "الالتزام بالحياد" لرؤساء مؤتمر الأطراف وفرقهم بسبب محاولات عقد صفقات تجارية أثناء عملية مؤتمر الأطراف، مما يستدعي أن تعمل الأمم المتحدة على إيجاد التوازن.
 
وأدرك المفاوضون من واقع خبراتهم خلال الاجتماعات على مدى ثلاثين عاماً وجود العديد من المؤشرات التي تؤكد أن العالم ما يزال بعيداً عن المسار الصحيح لتحقيق نتائج طموحة ضمن إطار خريطة طريق لبناء مستقبل مستدام ومرن للعالم، عبر إجراءات تصحيح جذرية لمسار العمل المناخي العالمي، وتحويل التعهدات والوعود إلى تقدّم ملموس في التصدي لأزمة المناخ وتحقيق هدف تفادي تجاوز الارتفاع في درجة حرارة الأرض مستوى 1.5 درجة مئوية. وقد تزايد الشعور بالانحراف عن سبل تحقيق هذا الهدف بسبب محاولات المفاوضين من بعض المجموعات المختلفة للدول الأطراف في تغيير محاور التفاوض إلى محاولات التخلُّص من الوقود الأحفوري، وثاني أوكسيد الكربون فقط، بدلاً عن التركيز على جميع غازات الانبعاثات في الهدف الأساسي للاتفاقية وجميع القطاعات المسببة لها، بالإضافة إلى تحفيز الدول الغنية على تنفيذ وعودها السابقة بالدعم والتمويل. فخلال المؤتمرات السابقة وعدت الدول المتقدمة المسؤولة عن معظم انبعاثات الاحتباس الحراري (سواء الآن أو في الماضي) أن تقدم للنامية "موارد مالية إضافية لمواجهة تكاليف الالتزام بتنفيذ الاتفاقية حيث قدرت الأمم المتحدة حاجة الدول النامية إلى ما يزيد على 300 بليون دولار سنوياً بحلول عام 2030 للتكيُّف مع تغيُّر المناخ. وقد تم طرح فكرة إنشاء صندوق لهذا الغرض منذ عدة سنوات، إلا أن الدول الصناعية لم تفِ إلا هذه السنة بالتزاماتها السابقة لتوفير 100 بليون دولار سنوياً لتمويل جهود الحدّ من آثار التغيُّرات المناخية والتكيُّف معها في الدول النامية، واستمرت في المماطلة نحو توفير التمويل اللازم خوفاً من الاضطرار إلى دفع "تعويضات" عن الانبعاثات الكربونية.
 
وأدركت الإمارات، باعتبارها الدولة المضيفة، أهمية التمويل لنجاح كوب 28 ليكون انطلاقاً نحو التنفيذ الفعلي للوعود بدلاً عن استمرار التأكيد عليها. ولهذا طرح رئيس "كوب 28" الإماراتي سلطان الجابر، في بداية المؤتمر قرار تنفيذ إنشاء صندوق "الخسائر والأضرار" المناخية للتعويض على الدول الأكثر تضرراً جراء العواصف والفيضانات وموجات الجفاف وغيرها، الناجمة عن التغيُّر المناخي. وبالتالي أعلن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة (بعد الموافقة على التعديل الذي اقترحته) وآخرون عن مساهمات يبلغ مجموعها حوالي 400 مليون دولار للدول الفقيرة التي تعاني من آثار تغيُّر المناخ.
 
ورغم هذا الإنجاز المبكر، لم تكف الفترة المقررة رسمياً للمؤتمر لتجاوز الخلافات ومحاولات التملُّص من الالتزام الحقيقي بمبادئ الاتفاقية، فتم الاتفاق على تمديد المؤتمر للخروج بصيغة توافقية ولو بالحد الأدنى.
 
وبالتالي لم توفّر الصيغة النهائية للمؤتمر إشارة قوية بما فيه الكفاية إلى أن الدول الصناعية اأصبحت أكثر التزاماً ببذل مزيد من الجهود لتحمُّل مسؤولياتها "المشتركة والمتباينة" لإحرازه التقدم المنشود للحدّ من الانبعاثات المسببة للتغيُّر المناخي، والانتقال لصالح الاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة والآمنة والسليمة، واتخاذ خطوات عملية وملموسة لدعم جهود الدول النامية للتأقلم مع آثاره السلبية. ولم يدرج في نصّ الوثيقة عبارة «التخلُّص التام» أو «التخلُّص التدريجي» من الوقود الأحفوري كما اقترحت الدول الصناعية والدول الجزرية المعرضة للغرق، نتيجة معارضة كبار منتجي النفط بقيادة السعودية، لكنه تضمّن حلاً وسطاً بالإشارة إلى التحوُّل بعيداً عن جميع أنواع الوقود الأحفوري، لتمكين العالم من الوصول إلى صافي الصفر بحلول عام 2050. وكذلك أقرّت الوثيقة الحاجة إلى تخفيضات عميقة وسريعة ومستدامة لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بما يتماشى مع هدف 1.5 درجة مئوية، ورفع كفاءة وقدرة الطاقة المتجددة عالمياً إلى ثلاثة أمثالها، ومضاعفة المعدل السنوي العالمي لتحسين كفاءة استخدام الطاقة بحلول 2030، بجانب الإسراع بالخفض التدريجي للفحم وإنشاء أنظمة طاقة خالية من الانبعاثات قبل منتصف القرن، وتسريع وتيرة استخدام تقنيات وقف وخفض الانبعاثات، بما في ذلك تكنولوجيات الطاقة المتجددة، والطاقة النووية، وتكنولوجيات التخفيض والإزالة. بالإضافة إلى خفض الانبعاثات الأخرى، غير ثاني أوكسيد الكربون، بما في ذلك الميثان. وكذلك تسريع وتيرة خفض الانبعاثات الناجمة عن النقل البري وتطوير البنية التحتية والنشر السريع للمركبات الخالية الانبعاثات، والإلغاء التدريجي للدعم غير الفعال للوقود الأحفوري، والذي لا يعالج مشكلة الفقر أو العدالة.
 
ولهذا تضمنت الوثيقة النهائية العديد من الفرص الاستثمارية أمام القطاع الخاص في مجالات الطاقة المتجددة، ورفع كفاءة الطاقة وتقنيات تدوير الكربون، وتقنيات الزراعة المستدامة، بجانب زيادة وسائل النقل المعتمدة على طاقة الكهرباء والهيدروجين. ومن المتوقع تبعاً لذلك أن يتم إنشاء المزيد من الشركات الجديدة في مجالات الاتجار في حصص انبعاثات الكربون، سواء الشركات الاستشارية أو شركات السمسرة أو صناديق الاستثمار في الكربون، بجانب فتح أسواق جديدة في الدول النامية في ما يتعلّق بالتقنيات النظيفة والخدمات البيئية الخاصة بالتكيُّف مع المخاطر البيئية الناجمة عن تغيُّرات المناخ في قطاعات الزراعة والموارد المائية والساحلية، وغيرها. وإلى اللقاء في "كوب 29".
 
 
الدكتور سيد فتحي أحمد الخولي، أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز في جدة وعضو مجلس الجمعية التعاونية للمشاريع البيئية
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
سيد فتحي أحمد الخولي مؤتمر المناخ واتفاق الحد الأدنى
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.